PDA

View Full Version : ( التـواضـــــــع خُـلُـق الأقـــــويـــاء ... )


بو عبدالرحمن
20-10-2001, 05:15 PM
-
حين تتحلى بخلق التواضع ، تكسب كثيراً ، في دنياك قبل أخراك ،
بل يبقى لك هذا الكسب مستمراً حتى بعد موتك ..
تظل في حياتك نموذجاً محبباً ، تشتاقه النفوس ، وتحبه القلوب ،
وتبقى بعد موتك ، ذكرى طيبة تتردد على الألسنة ، وتلهج من أجلك القلوب بالدعاء ..
ولكن حين تصرّ على أن تكون متكبراً ، فإنك لن تضرّ إلاّ نفسك ..
نعم ، قد يخيل إليك الشيطان أنك غدوت ذا شأن ، وأن حضورك له مهابة في القلوب ، وأن منظرك ، غدا وله سحره المدوّي في النفوس ،
ولكن ثق تماماً : إنما تلك كلها تلبيسات إبليس ، ليُزيّن لك طريق الهلكة ،
كما قال تعالى : ( وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ )..
ثق أن الوجوه التي تبتسم لك _ في حال تكبّرك _ تمقتك في الحقيقة من كلية قلوبها ، وتدعو عليك في سرها ..
وثق كذلك أن المتكبر في حقيقته ، إنما هو ذليل في قرارة نفسه ، يشعر بالنقص ، فيريد أن يداري نقصه ، بمظاهر الكبر ليس إلاّ ،
أما الإنسان المتواضع فهو عظيم عند الله ، وعند الملائكة ، وعند الناس كذلك ،
ثم أن المتكبر أشبه شيء بالدخان ، يذهب صعداً في السماء ، ثم يغيب في الفضاء ، فلا تراه العيون ،بل هي تتنفس الصعداء لغيابه ..
والمتواضع أشبه شيء بالأرض المباركة الطيبة ، تعطي الناس خيراً كثيرا ، وثمرات شتى ، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ..
فلا عجب أن نرى الناس يتعلقون بها ، ويحرصون عليها ، ويقبلون عليها ، ويقاتلون من أجلها ..
المتكبر في الحقيقة ، إنسان مريض نفسياً ، يتعالى وهو محتقر ، وينتفش وهو ممقوت ، ويرى نفسه شيئاً وهو لا شيء ،
قد أصابته آفة الغرور _ والغرور ليس سوى فقاعة ، قد تبدو كبيرة جداً لكنها في حقيقة أمرها ، هواء وخواء ، وأدنى لمسة لها ، تجعلها تتفرقع نـثاراً ..
أما الإنسان الذي يكون التواضع صفته اللازمة فيه ، فإنه مخلوق كريم على الله ، فاستحق منه كل تكريم يليق به ،
فقذف محبته في قلوب الناس شاءوا أم كرهوا ،
فما ازداد الإنسان تواضعاً ، إلاّ زاده الله رفعة ، ذلك أن خلق التواضع درجة عالية في السمو الإنساني ، خليقة أن تجعل هذا الإنسان متشبهاً بالملائكة في صفاتها ..
وهل يكون عالم الملائكة إلاّ النور الخالص ؟! وهل يكره النور إلاّ الخفافيش ..؟!

إذا ما شئتَ أن تزدادَ قدراً ورفعةً**** فلِنْ وتواضعْ واتركِ الكبر والعجبا

اعلم يا عزيزي ..
أنك حين تنتفش بجسمك كالديك ، فوق الآخرين ، فلن تكسب ودّهم واحترامهم لك ، بل على العكس من ذلك تماماً ،
فالقلوب _ كل القلوب _ تحب من يحسن إليها ، ويتلطف معها ، ويصبر عليها ، ويتواضع لها ،
لذا قيل : الإنسان عبد الإحسان .
وقال بعضهم : عجبت لمن يشتري العبيد بماله ، كيف لا يشتري الأحرار بإحسانه ؟!
وقالت السيدة عائشة رضي الله عنها : جُبلت القلوب على حبّ من أحسن إليها ..
وفي القرآن الكريم يأتي تقرير لهذه القاعدة :
( هَلْ جَزَاءُ الْأِحْسَانِ إِلَّا الْأِحْسَانُ ) ..؟؟
والإحسان هاهنا ليس هو الإحسان بالمال فحسب ، فتلك صورة من صور الإحسان الكثيرة ،
وماذا يجدي عند الآخرين أن تحسن إليهم بمالك ، في اللحظة التي تدوس رؤوسهم بنعالك ، وتستذل أرواحهم بتكبّرك وامتنانك ؟!
خير منك _ في قلوبهم _ إنسان لا يعطيهم شيئاً من مال ،
ولكنه يعطيهم الكثير من الحبّ ، والحنان ، والبشاشة ، والمواساة لهم ، ومشاركتهم أفراحهم وأتراحهم ،
ونحو هذه المعاني الرائعة التي لا تزال القلوب جائعة لها ، متعطشة إليها ، محبّة لكل من يتحلّى بها ..
وأخيراً تذكّر كلما حاول الشيطان أن يزيّن لك أن تتكبر على الآخرين :
تذكّر أنك مخلوق من نطفة مهينة ، لو رأيتها ، لتقززت منها ،
وأنك ذات يوم كنت محمولاً في بطن ضيق ، بين رفث ودم ، تتقلب في ظلمات يركب بعضها بعضاً ،
وتذكّر وأنت تنتفش بقوتك _مثلاً_ أن الحمار أقوى منك ، وأنك ضعيف ضائع ، إذا قرنت قوتك إلى قوة الفيل أو قوة وحيد القرن ؟؟!
وتذكّر وأنت تتشامخ بجاهك أو وظيفتك أنك قد لا تُمسي إلاّ في طيات القبر تحت التراب ، وساعتها تود ، وتود لو أنك عدت إلى الدنيا ، وتأدبت مع أهلها !؟
وتذكري أيتها الجميلة أن هذا الجمال سيذوى ويذبل ، وربما عصف به مرض مفاجئ
فإذا أنت غير أنت .. امرأة مشوهة دميمة ، تعض بنان الندم لأنها تكبرت بجمالها ذات يوم ، فأذاقها الله لباس الخوف ..
ولنتذكّر جميعا أن الله عز وجل لا يحب المتكبرين ، بل هو يلعنهم ،
ولنتذكر أن الجنة لا يدخلها من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ،
ولنتذكّر أن المتكبرين يوم القيامة يُحشرون في صورة الذّر ، يدوسهم الناس بأقدامهم .. فيا لهوانهم يومها ؟؟! كالذر يداسون بالأقدام !! :(
فمن أجل دنياك أولاً .. ومن أجل آخرتك ثانياً .. لا ينبغي لك أن تتفرعن متكبراً على سواك ..
قليل من التفكير والتروي والتأمل سيدفعك لا محالة إلى :
أن تتواضع وتتطامن ، وتحمد الله وتشكره على نعمة الإسلام ، وأعظم بها من نعمة ..

تواضعْ تكنْ كالنجمِ لاحَ لناظرٍ *** على صفحاتِ المـاءِ وهو رفيعُ
ولا تكُ كالدخانِ يعلو بنفسهِ *** إلى طبقاتِ الجــوّ وهو وضيـعُ


هذا وبالله التوفيق ، ومنه العون ، وإليه المنتهى ..
والحمد لله رب العالمين ..
==

البحاري
20-10-2001, 05:51 PM
مساء الخير .. أبو عبد الرحمن

موضوع جميل وأسلوب رائع في الطرح ..

المتكبر أشبه شيء بالدخان ، يذهب صعداً في السماء ، ثم يغيب في الفضاء ، فلا تراه العيون ،بل هي تتنفس الصعداء لغيابه ..

تواضعْ تكنْ كالنجمِ لاحَ لناظرٍ *** على صفحاتِ المـاءِ وهو رفيعُ
ولا تكُ كالدخانِ يعلو بنفسهِ *** إلى طبقاتِ الجــوّ وهو وضيـعُ

هذه الأبيات كانت في توقيعي لفترة من الوقت :)

تحياتي لك :)

بو عبدالرحمن
20-10-2001, 10:01 PM
-
أخي الحبيب / البحاري
............ رحم الله والديك ، ورفع قدرك

أغبطك أخي الكريم على هذا النشاط الملحوظ
واسألأ الله أن يبارك لك في هذا الجهد الذي تقوم به ..
فأنت ما شاء الله لا قوة إلا بالله كالدينامو .. شعلة نشاط
يحفظك الله ويبارك لك ، ويبارك فيك ..
جزاك الله خير الجزاء ..
ونفعنا الله بك .. وبدعواتك
ولا تنسني يا أخي من دعائك الطيب ..
= = =

بو عبدالرحمن
21-10-2001, 06:46 PM
عن أبي هريرة رضي الله عنه ..
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
" ما نقصت صدقة من مال ..وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا ..
وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله "
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله :
.. الفرق بين التواضع والمهانة :
أن التواضع : يتولد من بين العلم بالله سبحانه ، ومعرفة أسمائه وصفاته ، ونعوت جلاله وتعظيمه ومحبته وإجلاله ..
ومن معرفته بنفسه وتفاصيلها وعيوب عملها وآفاتها ..
فيتولد من بين ذلك كله خلق هو : التواضع ..
وهو انكسار القلب لله ، وخفض جناح الذل والرحمة بعباده ،
فلا يرى له على أحد فضلا ولا يرى له عند أحد حقا ..
بل يرى الفضل للناس عليه ، والحقوق لهم قبله ،
وهذا خلق إنما يعطيه الله عز وجل من يحبه ويكرمه ويقربه..
نسأل الله أن نكون من هذا الصنف المتميز المحبوب لله جل جلاله

البحاري
21-10-2001, 06:58 PM
مساء الأنوار .. بو عبد الرحمن

جزاك الله خيرا .. وبارك الله لك في كل خطوة تخطوها .. ورزقك الجنة وجمعنا فيها بإذن الله ..

التواضع : يتولد من بين العلم بالله سبحانه ، ومعرفة أسمائه وصفاته ، ونعوت جلاله وتعظيمه ومحبته وإجلاله ..
ومن معرفته بنفسه وتفاصيلها وعيوب عملها وآفاتها ..


تحياتي لك ..

بحر الحنان
21-10-2001, 07:00 PM
اسلوب رااااااااااائع وكلماااااااات اروع
جزاك الله خيرا
ولنا في رسول الله قدوة حسنه
* دخل عليه رجل فاصابته من هيبته رعدة فقال له (هون على نفسك فاني لست بملك وانما انا ابن امراة من قريش تاكل القديد)
صلى الله عليه وسلم *

بو عبدالرحمن
22-10-2001, 06:31 AM
-
أخي الحبيب / البحاري

اسأل الله أن يملأ قلبك بالنور والإشراق
واسأله أن يضاعف لك الأجر ..
جهدك ملحوظ .. ونشاطك رائع .. ومتابعتك تشكر عليها
أسأل الله أن ينفعك وينفع بك
تقبل تحياتي أيها الفاضل ..
=

Shamma
23-10-2001, 06:39 PM
أخي الفاضل \ بوعبدالرحمن
بارك الله فيك على إنتقاء هذه الموضوع وعلى الطرح المميز بحق
جعله الله تعالى في ميزان حسناتك ...

"وثق كذلك أن المتكبر في حقيقته ، إنما هو ذليل في قرارة نفسه ، يشعر بالنقص ، فيريد أن يداري نقصه ، بمظاهر الكبر ليس إلاّ

"المتكبر أشبه شيء بالدخان ، يذهب صعداً في السماء ، ثم يغيب في الفضاء ، فلا تراه العيون ،بل هي تتنفس الصعداء لغيابه ..

"المتكبر في الحقيقة ، إنسان مريض نفسياً ، يتعالى وهو محتقر ، وينتفش وهو ممقوت ، ويرى نفسه شيئاً وهو لا شيء


ولكنه يعطيهم الكثير من الحبّ ، والحنان ، والبشاشة ، والمواساة لهم ، ومشاركتهم أفراحهم وأتراحهم ،
ونحو هذه المعاني الرائعة التي لا تزال القلوب جائعة لها ، متعطشة إليها ، محبّة لكل من يتحلّى بها ..

================================
وما أجمل وأروع عطاء المتواضع المحب لمن حوله
وسبحان الله كيف يبقى المتواضع قريب إلى النفس وحبيب إلى القلب
لايحتاج الكثير ليستقر في القلوب ويكسب ودها ومحبتها ....
ومن تواضع لله رفعه

جزاك الله خيرا على هذا الموضوع المميز الذي يسمو بالنفس
ويجعلها تحاسب نفسها؟؟؟؟؟
وتتسائل عن موقعها بين ما كتب ؟؟؟؟
ياترى أين محلهامن هذه صفة التواضع ؟؟؟؟
وإلى أي مدى هي ملتزمة بهذه الصفة الجليلة ؟؟؟؟

نسأل الله العلي القدير أن يجعنا ممن يتخلقون بهذه الصفة الرائعة

بو عبدالرحمن
25-10-2001, 06:36 AM
-
الأخت الفاضلة / ام الحنان
............. رعاك الله وحفظك

شكر الله لك هذه المتابعة
أسأله سبحانه أن يكرمك بكرامة الصالحين المقربين إليه
لتنعمي بحلاوة الإقبال عليه ..
فإن في الإقبال الصادق عليه سبحانه نعيم لا يوصف .
اللهم أذقنا حلاوة الأنس بك ، ولذة الإقبال عليك
= =

غريب نجد
27-10-2001, 05:50 PM
1^

جزاك الله خيرا وبارك الله لنا فيك وفيما تقدم لنا يقول الله سبحانه في محكم اياته ( تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين ) ، التواضع عبادة من العبادات كما ذكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث القائل ( أفضل العبادة التواضع ) وقال ارسول الكريم ايضا ( إن العفو لا يزيد العبد إلا عزاً فاعفوا يعزكم الله وإن التواضع لا يزيد العبد إلا رفعة فتواضعوا يرفعكم الله وإن الصدقة لا تزيد المال إلا نماء فتصدقوا يزدكم الله ) ..

وفيما قيل عن التواضع انه سلم الشرف فسبحان من تواضع كل شيء لعز جلالة وجبروت سلطانة وعظمتة ..

تحياتي لكم جميعا

aziz2000
27-10-2001, 07:41 PM
ماشاء الله تبارك الله

طرح متميز جدا .. أسأل الله أن يجزي كاتبه خير الجزاء وأن يجعل عمله خالصا لوجهه الكريم

إنه لو لم يكن في التواضع خصلة تحمد إلا أن المرء كلما كثر تواضعه كلما ازداد بذلك رفعة لكان الواجب على كل واحد منا ألا يتزين بغيره ..

يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ( ما من امرئ إلا وفي رأسه حَكَمة [يعني كاللجام] والحَكَمة بيد ملك، إن تواضع، قيل للملك: ارفع الحَكمة، وإن أراد أن يرفع قيل للملك: ضع الحَكَمة )

ولنا في أسلافنا لعبرة :

رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد نام على الحصير، وابتسم في وجه من أوجعه، ووقف إلى جانب امرأة في الطريق تشكو إليه، وشرب مع أصحابه في إناء واحد. وكان آخرهم شرباً، كما أكل مع أهل الصفة، ثم دخل مكة في الفتح متواضعاً، ومشى في الأسواق، والناس من حوله، يأكل مما يأكلون منه، ويشرب مما يشربون – بأبي هو وأمي صلوات الله وسلامه عليه-.

الفاروق .. وماأدرانا مالفاروق ؟ .. خطب بعد خلافته فقال (اعلموا أن تلك الشدة قد أضعفت، ولكنها إنما تكون على أهل الظلم والتعدي على المسلمين، فأما أهل السلامة والدين والقصد فأنا ألين لهم من بعضهم البعض، وإنني بعد شدتي تلك أضع خدي على الأرض لأهل العفاف، وأهل الكفاف)، فلا إله إلا الله، أحقيقة ما نسمع؟! أم هو نسج من الخيال، أهو فتون يتردد أم هي حقيقة اكتنفتها قلوب من يعرفون ما الدنيا وما الله.