الطارق
09-01-2002, 10:11 PM
الظلام يحيط بالمكان ما عدى بصيص ضوء من نور ينفذ من فتحة ذات قضبان حديدية في باب تلك الزنزانة التي تقع في موقع سحيق تحت الأرض .
لم يكن ذلك الضوء ليكشف عن شيء ، ورغم هذا فقد كان في تلك الزنزانة شبح شخص في وضع قائم مقيدا من يديه في جدران زنزانته بقيد من حديد وقد أحنى رأسه على كتفه الأيمن وقد ارتخت رجليه طليقة السراح من قيد وعلامات الإرهاق والوهن بادية عليه ..
وفجأة بدأت تصدر أصوات خارج زنزانته ، تنبأ عن قادمين ، ثم سريعا ما فتح باب زنزانته وقد انبعث ضوء كشف عن منظر أولئك الزوار ووجوههم القاسية ..
دخل الاثنان الأولان بينما وقف ثالثهم بجوار باب الزنزانة ، وما إن اقترب من معتقلنا حتى قال أحدهما والذي يبدوا من منظره القاسي الغليظ وعمره الذي يقارب الخامسة و الأربعين عاما ومن خيزران مستديرة في أعلاها يحملها في يديه أنه مسؤولا عن هذا المعتقل أو هذه الزنزانة التي يقبع فيها ..
- ألم يئن لك أن تعترف !
وأخذ يضرب بعصاه على عنق معتقلنا ، بينما لم يصدر أي جواب من معتقلنا ، الذي أخذ يلعق شفتيه الناشفتين بلسانه وقد شغله العطش والجوع والوهن عن أي جواب.
- حسنا تأكد أن هذه ما هي إلا البداية ، ومن الأفضل لك أن تتحدث .
قالوا له وعند اعتقاله أنه لن يطول اعتقاله فما هي إلا بعض الإجراءات الشكلية والأسئلة التي يجب أن يجيب عليها ! وهاهو يقبع في معتقله منذ أربعة أيام !
- لقد كنت في ضيافتنا معززا مكرما مدة ثلاثة أيام ، ورغم هذا فقد أنكرت كل تلك التهم ..
لقد كانت ضيافة كريمة تلك التي لاقاها في تلك الأيام الماضية .. وكان أكثر ما يميزها ذلك الكرم الكبير في الصفع واللطم ..
وأكمل حديثه وقد برزت ابتسامه ساخرة من بين شفتيه :
- وكان لزام بعد ذلك أن نقرص أذنيك قليلا ..
يا لهذا الحقير ! لقد بقى في وضعه هذا يوما كامل وقد منع عنه الأكل والشراب ورغم هذا فيدعي أن كل هذا ليست إلا قرصة إذن ! أي قلبا قاسي يحمله هذا اللعين ..
- حسنا لا أشك لحظة أن الجوع والعطش والتعب قد أنهكك كثيرا حتى لا تستطيع أن تجيب ، ومن حسن حظك أني مشفق عليك كثيرا لذا سأطلق سراحك من قيدك لتستريح قليلا ..
هاهو الأخر بدأ يحل قيده ، كم يشتاق لاحتضان الأرضية ، والوهن والتعب وقدماه التي لا تكاد تقلانه تعجل من رغبته هذه ، ورغم هذا فلا زال هؤلاء كدأبهم دوما يكبتون هذه الرغبة ..
-لك أن تستريح قليلا .. وسأمر لك بالغذاء والشراب لتنتعش قليلا .. وغدا سيكون لنا معك موعد ، وعسى أن تعترف بذنبك وإلا ..
ثم أكمل بنبرة مهدده :
- وإلا سيكون العقاب أشد في المرة القادمة ..
هاهي أقدامهم تبتعد عنه ، سيستريح من هؤلاء أخيرا ، ما أجمل أن تستلقي بجسدك المنهك على الأرض وحتى إن كان سريرك أرض عارية صلبة من غير فراش ..
وبدا ينتابه شعور غريب أنه في منزله وعلى فراشه الدافئ ، وصوت أم كلثوم يشجو بمقطع من قصيدة الأطلال :
هل رأى الحب سكارى مثلنا ؟!
كم بنينا من خيالا حولنا
ومشينا في طريق مقمر
تثب الفرحة فيه قبلنا
وتطلعنا إلى أنجمه
فتهاوين واصبحن لنا
وضحكنا ضحك طفلين معناً
وعدونا فسبقنا ظلنا
وانتبهنا بعد ما زال الرحيق
وأفقنا ، ليت أنا لا نفيق
يقظة طاحت بأحلام الكرى
وتولى الليل ، والليل صديق
وإذا النور نذير طالع
وإذا الفجر مطل كالحريق
وإذا الدنيا كما نعرفها
وإذا الأحباب كل في طريق
قطع ذلك الصوت الشجي الذي يدور في عقله صوت مسؤول زنزانته الخشن وهو يأمر صاحبيه :
- أتوا له بالغذاء والشراب .. وامنعوا عنه الذهاب لدورة المياه ..
ثم ضحك وأكمل حديثه وهو يخاطب معتقله بطريقة وكأنه أحد الذين يعلنون عن مميزات خدماتهم التي تقدم في أحد المصائف :
- ستنعم بجو لطيف ومنعش وصحبه طيبه معنا دوما ..
هاهو نوعا أخر من أنواع التعذيب سيعانيه !
لو لم يخطأ في ذلك اليوم لأصبح ينعم بفراشه الدافئ ، ما أغباه كيف أخطأ ذلك الخطأ !
كثير ما سمع عن أشخاص اعتقلوا لزلة لسان أمام أشخاص غرباء ، وكثير ما سمع عن ذلك المصير الذي لاقاه أولئك الأشخاص ، وقد وصل بهم الحال وحد الجنون من ما عانوه في معتقلهم !
بدأت تنتابه الخيالات الموحشة ويشغله مصيره الذي سيلاقيه في معتقله هذا ، ولم يقطع تلك الخيالات إلا دخوله في سبات عميق ..
لم يكن ذلك الضوء ليكشف عن شيء ، ورغم هذا فقد كان في تلك الزنزانة شبح شخص في وضع قائم مقيدا من يديه في جدران زنزانته بقيد من حديد وقد أحنى رأسه على كتفه الأيمن وقد ارتخت رجليه طليقة السراح من قيد وعلامات الإرهاق والوهن بادية عليه ..
وفجأة بدأت تصدر أصوات خارج زنزانته ، تنبأ عن قادمين ، ثم سريعا ما فتح باب زنزانته وقد انبعث ضوء كشف عن منظر أولئك الزوار ووجوههم القاسية ..
دخل الاثنان الأولان بينما وقف ثالثهم بجوار باب الزنزانة ، وما إن اقترب من معتقلنا حتى قال أحدهما والذي يبدوا من منظره القاسي الغليظ وعمره الذي يقارب الخامسة و الأربعين عاما ومن خيزران مستديرة في أعلاها يحملها في يديه أنه مسؤولا عن هذا المعتقل أو هذه الزنزانة التي يقبع فيها ..
- ألم يئن لك أن تعترف !
وأخذ يضرب بعصاه على عنق معتقلنا ، بينما لم يصدر أي جواب من معتقلنا ، الذي أخذ يلعق شفتيه الناشفتين بلسانه وقد شغله العطش والجوع والوهن عن أي جواب.
- حسنا تأكد أن هذه ما هي إلا البداية ، ومن الأفضل لك أن تتحدث .
قالوا له وعند اعتقاله أنه لن يطول اعتقاله فما هي إلا بعض الإجراءات الشكلية والأسئلة التي يجب أن يجيب عليها ! وهاهو يقبع في معتقله منذ أربعة أيام !
- لقد كنت في ضيافتنا معززا مكرما مدة ثلاثة أيام ، ورغم هذا فقد أنكرت كل تلك التهم ..
لقد كانت ضيافة كريمة تلك التي لاقاها في تلك الأيام الماضية .. وكان أكثر ما يميزها ذلك الكرم الكبير في الصفع واللطم ..
وأكمل حديثه وقد برزت ابتسامه ساخرة من بين شفتيه :
- وكان لزام بعد ذلك أن نقرص أذنيك قليلا ..
يا لهذا الحقير ! لقد بقى في وضعه هذا يوما كامل وقد منع عنه الأكل والشراب ورغم هذا فيدعي أن كل هذا ليست إلا قرصة إذن ! أي قلبا قاسي يحمله هذا اللعين ..
- حسنا لا أشك لحظة أن الجوع والعطش والتعب قد أنهكك كثيرا حتى لا تستطيع أن تجيب ، ومن حسن حظك أني مشفق عليك كثيرا لذا سأطلق سراحك من قيدك لتستريح قليلا ..
هاهو الأخر بدأ يحل قيده ، كم يشتاق لاحتضان الأرضية ، والوهن والتعب وقدماه التي لا تكاد تقلانه تعجل من رغبته هذه ، ورغم هذا فلا زال هؤلاء كدأبهم دوما يكبتون هذه الرغبة ..
-لك أن تستريح قليلا .. وسأمر لك بالغذاء والشراب لتنتعش قليلا .. وغدا سيكون لنا معك موعد ، وعسى أن تعترف بذنبك وإلا ..
ثم أكمل بنبرة مهدده :
- وإلا سيكون العقاب أشد في المرة القادمة ..
هاهي أقدامهم تبتعد عنه ، سيستريح من هؤلاء أخيرا ، ما أجمل أن تستلقي بجسدك المنهك على الأرض وحتى إن كان سريرك أرض عارية صلبة من غير فراش ..
وبدا ينتابه شعور غريب أنه في منزله وعلى فراشه الدافئ ، وصوت أم كلثوم يشجو بمقطع من قصيدة الأطلال :
هل رأى الحب سكارى مثلنا ؟!
كم بنينا من خيالا حولنا
ومشينا في طريق مقمر
تثب الفرحة فيه قبلنا
وتطلعنا إلى أنجمه
فتهاوين واصبحن لنا
وضحكنا ضحك طفلين معناً
وعدونا فسبقنا ظلنا
وانتبهنا بعد ما زال الرحيق
وأفقنا ، ليت أنا لا نفيق
يقظة طاحت بأحلام الكرى
وتولى الليل ، والليل صديق
وإذا النور نذير طالع
وإذا الفجر مطل كالحريق
وإذا الدنيا كما نعرفها
وإذا الأحباب كل في طريق
قطع ذلك الصوت الشجي الذي يدور في عقله صوت مسؤول زنزانته الخشن وهو يأمر صاحبيه :
- أتوا له بالغذاء والشراب .. وامنعوا عنه الذهاب لدورة المياه ..
ثم ضحك وأكمل حديثه وهو يخاطب معتقله بطريقة وكأنه أحد الذين يعلنون عن مميزات خدماتهم التي تقدم في أحد المصائف :
- ستنعم بجو لطيف ومنعش وصحبه طيبه معنا دوما ..
هاهو نوعا أخر من أنواع التعذيب سيعانيه !
لو لم يخطأ في ذلك اليوم لأصبح ينعم بفراشه الدافئ ، ما أغباه كيف أخطأ ذلك الخطأ !
كثير ما سمع عن أشخاص اعتقلوا لزلة لسان أمام أشخاص غرباء ، وكثير ما سمع عن ذلك المصير الذي لاقاه أولئك الأشخاص ، وقد وصل بهم الحال وحد الجنون من ما عانوه في معتقلهم !
بدأت تنتابه الخيالات الموحشة ويشغله مصيره الذي سيلاقيه في معتقله هذا ، ولم يقطع تلك الخيالات إلا دخوله في سبات عميق ..