PDA

View Full Version : عندما حان الرحيل


فتى دبي
05-09-2000, 05:20 PM
(أيا ناقلي اليوم غداً أنت ستنقل.. هذا هو أمر الله ولا بد أنه سيفعل.. أقصر أم طال بك
الأجل.. فما حياتك اليوم لغد إلا أمل. ويا قابري ودافني بين اللحود.. غداً ستدفن مثلي ولو
أكثرت من السدود.. فالموت زائرك حقاً وفي ميقات محدود.. فهذه سنة الله في خلقه إذ
هم بين ميت ومولود).

فلا تفرح إن طال بك الزمان.. ولا تهنأ إن طاب لك المكان.. فتالله لن يبقي علي الأرض
إنسان.. فكل طويل أجل ستطويه هذه الأكفان.

ولكن يا بني.. أوصيك وصية.. ادع لي الله دوماً بكرة وعشية.. وانفق مما تركته ورائي
لي صدقة.. تكون لي علي الدوام جارية.. افعل ذلك من مالي أو مالك أنت مكرمة.. والزم
ما تركتك عليه علماً وخلقاً.. واذكر صحبتي لك إلي المسجد مرافقاً.. وكن دوماً للصلاة
والصيام تائقاً.. واعط المال علي قدر استطاعتك منفقاً. وكن بني بوالدتك باراً.. وارع من
بعدي صغاراً.. واحسن إلي من يكن لك جاراً.. واكرم الناس صغاراً وكباراً.. ليُكثروا لي
بسببك بالدعاء إحساناً واستغفاراً.

بني دع عنك الجاهلين.. واذكر ربك في كل حين.. فلا يغرنك في حياتك طريق الشياطين..
فاعلم أنك في غدك ستكون بين يدي رب العالمين.. في يوم لا ينفع فيه شيء من المال
والبنين.

بني لا تحسب الحياة كلها فرحاً.. فلا تمش علي الأرض مرحاً.. فقد جربت الحياة ورأيتها
مسرحاً.. مرة تسر مضحكة ومرة أرها ألماً جارحاً..

والآن بعد أن دفنتني وتركتني في قبري وحيداً.. عد إلي أمك وإخوتك وكن لهم عضيداً..
فواسهم في مصابهم الذي نزل عليهم شديداً.. مع أني أعلم انما بين ضلعيك ليس حديداً..
ولكن بني اصبر وتجلد علي الصبر واحمد ربك حميداً.

وعاد بعدها الفتي إلي البيت وهو يستعيد صدي كفن أبيه.. فأمسك الورقة والقلم ليكتب
وصية روح أبيه حتي يكون حافظاً هذه الوصية عاملاً بها وفاء منه لمن جاهد في الحياة
وكابدها وشقي وضرب الصعاب من سبل العيش في سبيله هو وسبيل أمه وإخوته.

فليس للفتي من بعد موت أبيه سوي أن يكون وفياً له حافظاً محافظاً من بعده علي أعز
من تركهم وراءه من أمه وإخوته الصغار وأصحاب أبيه وجيرانه. ثم تناول السجادة وصلي
ركعتين حمداً لله علي قضائه وقدره.. وعاهد الله فيهما علي أن يحافظ علي وصية أبيه
التي هي بمثابة خير ميراث أورثه له بعد موته وخير رسالة أبدية له....

فذاك هو الفتي قد مضي بالأسرة قائماً مقام أبيه باراً بوالدته عطوفاً رحيماً باخوته.. موقراً
ومحترماً جيران أبيه وأحبته.. ذاك هو الفتي يسعي بثياب الشرف والرجولة ويربي اخوته
أحسن تربية ويوجههم إلي أحسن توجيه ويراعيهم ويراقب تصرفاتهم ومع من يسيرون
ويجلسون ويتسامرون ويلاحظ كيف أنهم يقضون أوقاتهم.. هل فيه مفيد فيشجعهم عليه..
أم فيه ضار فيجنبهم الاستمرار فيه.

حقاً إن هذا الفتي لمثل طيب يحتذي به.. حقاً إنه لعلي خلق كريم وكفاءة عالية لتحمل
مسؤولية أسرة كاملة دون أن يثبط عزائمه أو دون أن يمل.. إنه يوفق بين إدارة شؤون
البيت وبين رعاية أمه واخوته ومتطلباتهم وبين دراسته. لقد نذر نفسه لهذه الأسرة امتثالاً
لوصية أبيه الغالية العزيزة علي نفسه.. إنه لم يكن عالة علي أمه بعد وفاة أبيه.. ولم
يكن سبباً في دمار أسرته بعد أن رحل أبوه.. بل أصبح لنا خير مثل يضرب للعبرة والتقليد.
فرحم الله أباه الذي رباه حقاً تربية نافعة صالحة أتت أكلها طيباً للجميع.