PDA

View Full Version : من روائع الشاعر غازي القصيبي


خالد الصالح
10-09-2001, 06:44 PM
الشاعر هو المتمكن الوحيد الذي تلجأ إليه كي يخرجك من ضائقتك، طبعاً ليست ضائقة مال أو وجاهة موقع لأنه آخر من يهتم بذلك ولكنه يخرجك من ضائقة لا يستطيع أن يفك اعتصارها لك صاحب المال أو الوجاهة الاجتماعية.. إنه بحروف جميلة لها بريق سنوات المجد في عمرك أو عمر تاريخك يستخلصك من ذلك الاحتقان الذي يكتم الأنفاس ويعتم بالسواد كل انتشار للشمس حولك.. هنا قيمة الشاعر المتفرد بقدرة الإبداع.. ومثلما أنه في كل شيء هناك معدن أصيل حقيقي عدده قليل ومحدود بل ربما يأتي في أزمنة خاطفة وهناك ما هو عادي أو زائف يتوفر بأعداد كثيرة لكنها غير هامة.. قد يكون الشاعر أحياناً طفلاً يعبث ويلهو.. مراهقاً يحلم ويأمل وفي كلتا الحالتين لا يخضع للمعقول لكنه يتألق بجمال فوق نصاعة المعقول.. وقد يكون شيخاً تتوالى منه الحكمة التي يستفزها بين سطر وآخر بعنفوان فروسية الغضب.. إنه متى تكامل فهو كائن بالغ الروعة في جمال تكوينه.. إنسان متفرد يحمل في كف سلة فواكه متعددة المذاقات وفي كف أخرى سلة زهور متعددة الروائح..
في الأسبوع الماضي استدعى شاعرنا الكبير المعروف الدكتور غازي القصيبي نزاراً من غيبته البعيدة في قصيدة وجهها إليه رداً على سؤال ذهب ولم يستقص إجاباته.. إن القصيبي الغني بكفاءته الشخصية والمستقل تماماً في حضوره الشعري قد تعانق مع نزار في موقف تصوير أخاذ لمشاهد من عصر هزيمة موجعة.. يقول

نزارُ! أزفُّ إليكَ الخَبَرْ
لقد أعلنوها... وفاةَ العَرَبْ
وقد نشروا النعْيَ... فوق السطورِ...
وبين السطورِ... وتحت السطورِ...
وعبْرَ الصُوَرْ
وقد صَدَر النعْيُ...
بعد اجتماعٍ يضمّ القبائلَ...
جاءته حميرُ تحدو مُضَرْ
وشارون يرقصُ بين التهاني
تَتَابعُ من مَدَرٍ أو وَبَرْ
و سَامُ الصغيرُ ... علي ثوْرهِ
عظيمُ الحُبورِ... شديدُ الطَرَبْ

نزار! أزفُّ اليك الخَبَرْ!
هنالك مليونَ دولار...
جادَ بها زعماءُ الفصاحةِ...
للنعْيِ في مُدنِ القاتلينْ
أتبتسمُ الآن؟!
هذي الحضارةُ!
ندفع من قوتنا...
لجرائد سادتنا الذابحينْ
ذكاءٌ يحيّرُ كُلَّ البَشرْ!

نزارُ! أزفُّ اليك الخَبَرْ!
وإيَّاكَ ان تتشرّبَ روحُك
بعضَ الكدَرْ
فنحن نموتُ... نموتُ... نموتُ...
ولكننا لا نموتُ... نظلُّ...
غرائبَ من معجزاتِ القَدَرْ
إذاعاتُنا لا تزال تغنّي...
ونحن نهيمُ بصوتِ الوترْ
وتِلفازنا مرتع الراقصاتِ...
فكفْلٌ تثَنّي.. ونهدٌ نَفَرْ
وفي كلِ عاصمةٍ مُؤتمرْ
يباهي بعولمةِ الذُّلِ...
يفخر بين الشعوبِ...
بداءِ الجَرَبْ
ولَيْلاتُنا... مشرقاتٌ مِلاَحُ
تزيّنها الفاتناتُ المِلاحُ
الي الفجرِ...
حين يجيءُ الخَدَرْ
وفي دزني لانَد جموعُ الأعاريبِ...
تهزجُ... مأخوذة باللُعَبْ
ولندن ـ مربط أفراسنا! ـ
مزادُ الجواري... وسوقُ الذَهَبْ
وفي الشَانزليزيه ... سَددنا المُرورَ
منعنا العُبورَ...
وصِحْنا: تعيشُ الوجوهُ الصِباحُ!

نزارُ! أزفُّ اليك الخَبَرْ!
يموتُ الصِغارُ... ومَا منْ أحدْ
تُهدُّ الديارُ... ومَا منْ أحدْ
يُداس الذمار... ومَا منْ أحدْ
فمعتصمُ اليْوم باعَ السيوفَ
لبيريز ...
عَادَ وأعلَنَ انّ السلامَ الشُجَاع
إنتصرْ
وجيشُ ابن ايوبَ ... مُرتَهنٌ
في بنوك رُعاةِ البَقَرْ
و بيبرْس يقضي إجازتهُ...
في زنود نساء التترْ
ووعّاظُنا يرقُبون الخَلاصَ...
مع القادمِ... المُرتجَي... المُنْتَظَرْ

نزارُ! أزفُّ اليكَ الخَبَرْ
سئمتُ الحياةَ بعصر الرفات
فهيّئْ بِقُرْبكَ لي حُفرةً
فعيش الكرامةِ تحتَ الحُفَر!