PDA

View Full Version : لأنه لم يستطع التسجيل ... دور أدعياء التجديد في الشعر العربي


علي الخش
12-09-2001, 02:09 PM
دور أدعياء التجديد .. في الشعر العربي
أمثلة ونماذج عن موقف أدعياء التجديد في الشعر العربي
" مجلة اللواء ، العدد 157 – الأربعاء في 5 حزيران ( يونيو ) سنة 1963م "




في هذا العصر الذي يتطلع فيه الإنسان إلى ما فوق وجوده . ويطمع لأن يبلغ أعلى مراتب التقدم وأسماها .. طلعت علينا بعض الفئات تستتر برداء باهر يأخذ بالألباب ألا وهو " التحديد " وهو تحديد معرفة ونعرف مغزاه جيداً ، وعدا عن أنها أنشبت أظافرها في شتى مجالات الحياة وطعنتها بحد مدية أقسى ما توصف إلا أنها أرادت كباقي المجالات أن تطعن الشعر العربي الأصيل من الخلف بمدية الضعف .. والخمود وتضفي عليها وجهاً كالحاً قائماً يشوبه الفساد والجمود .
فماذا يا ترى كان لهذا الدور ؟!
1- لم تلبث أن خرجت عن الأوزان التي وضعها "الخليل بن أحمد " مدعية بذلك التجديد .. وأبقيت للقصيدة تفعيلة واحدة يختارها الشاعر حسب ما يريد، وتتردد هذه التفعيلة من بداية القصيدة إلى نهايتها.
والآن ، لنتساءل .. لماذا عينت للقصيدة هذه التفعيلة الواحدة ؟!
وهنا يرجع بعض أساتذة هذا النوع من الشعر فيقول : إن الزخم النفسي الذي يتولد عند الشاعر في حين الكتابة قد يقصر ويطول ، ولذلك لكي لا نعرقل مسيره فهو حر في أن يطول في الكتابة أم يقصر حسب هذه التفعيلة الواحدة بدون تحديد .
2- وكان من الطبيعي عندما خرجت عن أوزان الخليل .. أن تخرج عن القافية الموحدة مدعية بذلك التحرر .. وعدم تقييد الشاعر بالأغلال في كل لفظة ومعنى . وهذا ما يتطلبه العصر الحديث حسب ما يزعمون ..
وجمع ذلك كله تحت مدرسة خاصة أسموها " مدرسة الشعر الحر " ..
وهذه حكايتنا مع الدور الذي لعبته هذه الفئة في الشعر العربي الأصيل ونحن لكي لا نوهم القارئ ونوقعه في تيه الشك والتردد .. كان لا بد لنا قبل أن نتكلم عن مضمونها أن نطلعه على بعض الأمثلة من هذا الشعر على صورة دراسة بسيطة أساسها المنطق السليم الذي لا يدع مجالا للشك والترد ونجعله هو الحكم على ما نقول.
والآن لنشاهد الوزن المتبع في الشعر الحر في قول الشاعر "حارث طه الراوي" في قصيدته بعنوان "كوخ ومطر" من ديوانه "بتاريخ" ص 9 :
(( كوخ صغير ، مستفعلن
يرنو إلى المطر الغزير بمقلة فيها اندحار ، مستفلعن ..متفاعلن ..متفاعلن ..مستفعلن
جدرانه طين تلفع بالغبار ، مستفعلن .. مستفعلن .. متفاعلن
فيه حصير ، مستفعلان .. ))
وهنا يستعمل الشاعر لتفعيلة الواحدة وهي ((متفاعلن)) من البحر الكامل ، ويختم المقطع بنفس التفعيلة بإضافة حرف ساكن عليها .
وقد نلاحظ في بعض الأحيان أن التفعيلة تأتي في صورة " مستفعلن" وهذا من جوازات استعمال ( متفاعلن )
والآن دعونا بعد هذه اللمحة عن الوزن أن نتساءل ونقول :
هل هذا هو التجديد حسب ما يقولون ؟ أهذه هي المهزلة التي زعموا بانهم غيروا وجه الأدب بها ، وفتحوا سبلا مجهولة لم تكتشف بعد ؟.
لكأني بهم يأتون إلى "الكل" فيقسمونه إلى أجزاء .. ثم يأتون إلى "جزء" منها ويقولون هذا هو "الكل" ، وتبدأ المعركة ، ويبدأ الضباب ينتشر حول الناس فيتيهون في هذا الحدث العظيم .. وهم لا يدرون بأنهم لم يكتشفوا شيئاً مجهولاً .. وإنما أجروا بعض عمليات التفكيك ، وابتدأت النقط تأخذ مواضعها في كل مقطع من خواطرهم .. وما إلى ذلك من هندسة تحليلية .. ومزج .. وخلط .. وأخيراً خداع ..
وليس لي بعد كل هذا إلا أن أقول : هو لمن دواعي الغبطة والسرور أن ينظر الإنسان حوله فيرى كل شيء جديداً ولكن عندما يكون الشيء الجديد هو أدنى مكانةً وأوضع منزلة من المألوف عند ذلك لا تلبث الأبصار إلا وأن تتحول عنه متخذة سبيلاً آخر لها.
وأنا كذلك أترك إلى القارئ أن يلاحظ بنفسه بعد كل ما غيروا.. وطمسوا وخدعوا كالة الأسلوب .. وتنافر الألفاظ في قول الشاعر " حارث طه الراوي" . وكذلك أعطيه بعض الأمثلة الأخرى من شعره .. ففي قصيدته " حسون " ، ص 65 من نفس الديوان يقول :
"وإذا بحسون العظيم
مشدود إلى جذع لنخلة من نخيل الشيخ في أرض الرقيق .
وسياطهم – أعني عبيد الشيخ – تلهب كاهليه "
وما إلى ذلك من ركاكة الأسلوب وتنافر الألفاظ .. فإلى أي حد وصل هذا الضعف والخمود ..

ولنعد الآن إلى القافية الموحدة .. ولنحاول أن نهدم المماثلة بين روي العروض والضرب في قول الشاعر المعري :

غير مجدٍ في ملتي اعتقادي ..... نوح باكٍ ولا ترنّم شادِ

ولنفرض أن البيت أصبح هكذا :

غير مجدٍ في ملتي واعتقادي ... نوح باكٍ ولا مغني تغنى

فإلى أي حد اختلف الوقع الموسيقي والقوة في البيت الأخير عنه في البيت الأول ؟.

وأخيراً أترك للقارئ ملاحظة هذه الأشياء وأن يكون الحكم على ما نقول ..
كما أوجه نصيحتي إلى زملائي الشعراء بأن يبتعدوا عن هذا النوع من الشعر .. وليس لي إلا أن أبدي رأيي الصريح فأقول :
إن هذه الحركة فكرة استعمارية للقضاء على أصالة الأدب العربي والشعر منه بوجه خاص ، ويجب القضاء عليها كلياً .ز قبل أن تعلق براثنها على هذا التراث الأدبي الذي ورثناه عن الأجداد وتفسده وتلوث سمعته المثلى في الشرق والغرب .
وأن أوجه كلمتي هذه إلى أساتذة هذه المدرسة فأقول : بأنه مادام الشعر العربي الأصيل قد بقي حيًا على مرّ الدهور ومن قديم الزمن ، وشعلة خالدة في تيه هذا القناء الرهيب ، فإنه سيبقى خالداً حياً أيضا على مر العصور القادمة وذخراً لقادم الأجيال ، وكل ما عداه فهو مهازل ...

علي عزيز السيد – مصياف .