PDA

View Full Version : الفلسطينيون بين دحلان ونسيـبة ..!!


painter
19-01-2002, 02:27 AM
10 كانون ثاني 2002
الفلسطينيون بين دحلان ونسيـبة ..!!

بقلم: عادل أبو هاشم*

شهدت الساحة الفلسطينية في الآونة الأخيرة أزمة قد تكون بداية الكارثة الكبرى التي حذرنا منها عشرات المرات في السابق، هذه الأزمة التي جعلت من حق كل فلسطيني أن يصاب ضميره الوطني بأزمة، وأن يخرج فورًا إلى الشارع للإحتجاج وهو يسمع أن سري نسيبة مسؤول ملف القدس يندد بالإنتفاضة الفلسطينية، ويدعو في الوقت نفسه أبناء شعبه للتخلي عن حق العودة نهائيـًا ..!!

الإعلام الإسرائيلي لم يصدق أن يبادر مسؤول فلسطيني إلى انتقاد الإنتفاضة بذلك الشكل الشرس الذي ساوى بين الضحية والجلاد .. القاتل والقتيل .. وبين الحجر وصواريخ الأباتشي .. ولم يصدق أن هناك فلسطينيـًا واحدًا يفرط في حق اللاجئين المقدس بالعودة إلى أرض آبائه وأجداده، فهلل لتصريحات نسيـبة الذي وصفته بالفلسطيني الأصيل المستعد للتـنازل عن حق العودة ..!!

صحيفة معاريف أشارت أنه في الوقت الذي ما زال فيه 99,9 في المئة من الفلسطينيين يتطلعون إلى فلسطين الكاملة بل ويصرون على أن القدس لهم فقط، يبزغ من الأفق دكتور شجاع يسير بشجاعة ضد التيار، لقد طلت ابتسامته الجميلة علينا من نافذة الفرص الجديدة ..!! وخلافـًا لياسر عرفات، فقد أعلن عن استعداد للإعتراف برابطتـنا المعينة بالقدس، الأمر الذي يدل على أن مسيرة أوسلو لم تمت بل فقط خرجت في إجازة طويلة، ومرة أخرى يظهر أن هناك إمكانية أن يكون هناك من يمكن التفاوض معه ومن يمكن التـنازل له ..!!

ولكي تعطي الصحيفة الإسرائيلية للفلسطينيين صورة جديدة لنسيبة تختلف عن تلك الصورة المحفورة في أذهانهم أكدت (أن نسيبة هو السنونو الذي يبشر بالربيع في أوج الخريف، على ضوء لطفه وجماله لا يستطيع الإسرائيليون الإدعاء بأن كل الفلسطينيين مجبولون على شكل صورة عرفات..!! إن الدكتور نسيـبة يحرص أن يحلق ذقنه كل صباح، وشفتاه لا ترتجفان وهما تبشران بانكليزية طليقة عن تخليه عن حلم العودة ..!!).

عجوز فلسطيني أصيب بالدهشة والألم والغضب عندما سمع تصريحات مسؤول ملف القدس الجديد بما تحمله من شرعية للإحتلال قال: "إنه أمر يدعو للرثاء والشفقة حقـًا حين تتكلم الضحية والسكين مغروزة في عنقها لتبارك يد القاتل الخيرة والطيبة ..!! وإن ما يفاجئنا به نسيـبة كل يوم من تصريح أو خطاب اعتذار للإسرائيليين يدعو كل فلسطيني إلى الترحم كل يوم على فيصل الحسيني ..!! وإذا كان نسيـبة يريد التـنازل .. فليتـنازل عن منزل والده ، إلا أنه لا يستطيع أن يتـنازل عن منزل والدي ..!!

في نفس الفترة قدم العقيد محمد دحلان مدير الأمن الوقائي في قطاع غزة استقالته احتجاجـًا على حالة الفساد والشلل التي أصابت بعض أجهزة السلطة، معلنـًاعن فشل إسرائيل ودول أخرى في فرض قيادات جديدة على الشعب الفلسطيني ..!! ومطالبـًا بإجراء إصلاحات داخلية داخل أجهزة ومؤسسات السلطة تتلائم مع حجم وخطورة المرحلة ..!!

وما بين هشاشة إدعاءات سري نسيـبة التي استـنكر فيها التضحيات الهائلة التي قدمها شعبنا على مدار أكثر من نصف قرن، وصدق وواقعية محمد دحلان الذي يطالب السلطة الوطنية الفلسطينية بالقضاء على طحالب الفساد، دخل الفلسطينيون في متاهة جديدة تضاف إلى آلاف المتاهات التي أدخلوا فيها منذ مسيرة مدريد.! وأعاد الفلسطينيون إلى الأذهان مرة أخرى مراحل هذه المسيرة التي قادت مصيرنا الوطني إلى الإختـناق ..!!

لا يختلف فلسطينيان على تأثير التسوية السياسية منذ اتفاق أوسلو عام 1993م على مجالات الحياة الفلسطينية المختلفة، حيث دفعت هذه التسوية بالكثيرين من الرعاع والدهماء، وممن لم يكن لهم تاريخ نضالي عسكري أو سياسي، إلى القفز على السطح، والعمل بشكل علني بدون خوف أو وجل من أحد، بل أصبح كل واحد منهم يتباهى ببطولات غير موجودة لديه، ولا يعلم عنها هو نفسه شيئـًا، وأصبح ينسب إلى نفسه أعمالاً كثيرة لم يقم بها ولم يحلم في يوم من الأيام بها، وظهرت طبقة جديدة من طحالب الفساد، والمتسلقين، والإنتهازيين، والوصوليين، والمنتفعين الذين احتلوا مناصب ليسوا أهلاً لها، واعتبروا أنفسهم فوق القانون، وفوق الضوابط، وفوق المساءلة والحسابات، وحجة كل واحد فيهم: أنه محرر الأوطان وقاهر الأعداء ..!!

وكان عزاء الفلسطينيون على صمتهم وصبرهم على هذه الفئة المنحرفة، أن أمرهم سينكشف عاجلاً أم آجلاً أمام السلطة والشعب، ومرت ست سنوات قبل أن يكتشف الشعب الفلسطيني خطأ ما اعتقدوا به، وظهرت في هذه السنوات أشياء وممارسات من بعض المتـنفذين في السلطة، أصبح السكوت عليها يعتبر جريمة بل خيانة للوطن، وبعد أن كانت هذه الممارسات يتداولها بعض المتـنفذين في السلطة بسرية تامة، أصبحت بعد فترة وجيزة منهجـًا وظاهرة في المجتمع الفلسطيني، يتسابق بل ويتباهى ويتفاخر أزلام السلطة بممارساتها على رؤوس الأشهاد، وأصبح شعار (من أمن العقوبة .... أساء الأدب) هو شعار الست سنوات الأولى من عمر السلطة إلى أن جاءت إنتفاضة الأقصى المباركة ليتوارى أزلام الفساد خلف بطولات أطفال ونساء وشيوخ وشباب الإنتفاضة، ولتتحد جميع فصائل وشرائح الشعب الفلسطيني في بوتقة واحدة ضد العدو الإسرائيلي.

ومع اشتداد هجمة الآلة العسكرية الإسرائيلية على أبناء شعبنا في ظل صمت عربي مطبق، وتشجيع غربي على سفك الدم الفلسطيني، خرجت علينا أصوات بعض ( البرامكة الجدد ) في السلطة تطالب بوقف الإنتفاضة واصفةً إياها بالإرهاب، والتـخلي عن كل الثوابت والحقوق الفلسطينية ..!!

ما بين تصريحات سري نسيـبة وإستقالة محمد دحلان اكتشف الفلسطينيون صدق المقولة التي عرفوها مبكرًا ومنذ بدايات الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي وهي الزعامة والقيادة السياسية والنضالية لا توهب ولا تورث، وإن الثائر الحقيقي لا يصعد على موقعه القيادي على أكتاف عائلته، ولا على ميراث آبائه وأجداده، فالقائد الحقيقي يولد في خنادق القتال، وفي قيادة المظاهرات، وفي تصدر المواجهات الدامية مع الإحتلال، وفي الصمود في المعتقلات وزنازين الإحتلال، وفي العمل التـنظيمي والتعبوي والتحريضي الدؤوب والمتفاني وسط الجماهير وأبناء الشعب.

ووجد الفلسطينيون أن الصفاء والشفافية والطهارة الثورية وإنكار الذات والتضحية وإباء المناضل متجسدة في القائد الذي لا يعرف المراوغة والمداهنة، ويتكلم بصراحة أبن المخيم الذي نشأ وترعرع فيه، حيث يرضع الطفل الفلسطيني كراهية المحتل مع حليب أمه .!

صحيح أن الإنتفاضة المباركة الأولى قد أكدت على الخيبة الكبرى التي أصابت الإدارة الأمريكية والإحتلال الإسرائيلي الذين لعبا دوراً أساسياً في تلميع صورة أولاد العائلات لدفعهم إلى مواقع القيادة، في محاولة لفرضهم كبديل للجيل الذي حمل البندقية وآمن بالقضية وخاض غمار المواجهات معركة بعد معركة، ومن معتقل إلى آخر، وجاب رحاب فلسطين المحتلة مؤسساً لقواعد المقاومة ومدرباً لرجالها وقائداً لبطولاتها في وجه العدو الصهيوني مخلصاً لقضية شعبه، مما حدا بهؤلاء (الأولاد) إلى الهرب إلى خارج الأراضي الفلسطينية ..!!

كان لي لقاء بالأخ محمد دحلان قبل دخوله الأراضي الفلسطينية، ومن جملة ما دار في حديثنا الدور الذي لعبته العديد من العائلات الفلسطينية التقليدية وأبنائها في صلب الحركة المعادية للصهيونية والانتداب البريطاني منذ مطلع القرن وحتى نكبة 1948، وإن كانت بعض هذه العائلات تتحمل جزاءاً هاماً من أسباب ومسببات هذه النكبة، وكان الخوف من أن يعود أولاد هذه العائلات من الباب الخلفي للثورة، حيث أكد لي أن الثورة الفلسطينية المعاصرة تدرك بأن مرحلة التحرير الوطني ضد الاحتلال الإسرائيلي تفسح المجال لأوسع القوى الوطنية للمشاركة في العمل الوطني وفي مقاومة الاحتلال، وليس من حق أحد أن يستثني فلسطينياً من المشاركة في هذا الواجب الوطني المقدس الذي ينهض به شعبنا كله بمختلف شرائحه الاجتماعية وبجميع فئاته، مع الأخذ بعين الاعتبار الاستفادة من التجربة التاريخية حتى لا تتكرر مآسي الماضي ونكباته، فمصير الوطن والثورة هو في النهاية أكبر بكثير من أن يترك في أيدي ((الأولاد)) وخاصة إذا كانوا من أولاد العائلات!!

وافترقنا وهو يردد تحذيره من الخوف من عودة بعض الرموز الفاسدة من الباب الخلفي للثورة وليس في رصيدهم سوى الوجاهة ورضى سلطات الاحتلال والتلطي خلف حماية القنصلية الأمريكية في القدس والقدرة على الرطانة باللغة الإنجليزية !!

وبعد سنوات من تحذير دحلان عاد هؤلاء (الأولاد) من الباب الأمامي للسلطة الفلسطينية ..!!

إن الحقيقة الوحيدة التي يتمسك بها كل الفلسطينيون في الداخل والخارج، وفي الشتات والمنافي، هي أن إنتفاضة الأقصى قد شكلت أرضية صلبة للسلطة الفلسطينية للقضاء على كل مظاهر ورموز الفساد التي صاحبت مسيرة السلطة للوقوف صفـًا واحدًا في مجابهة عدونا الأبدي والأزلي وللوصول للأهداف والحقوق الفلسطينية، وإن هذه السلطة لم تستغل هذه الإنتفاضة في تحقيق هذا الهدف ..!! لتظهر حقيقة جديدة وهي أن وجود أمثال سري نسيـبة في هذه السلطة قد يلقي بظلال قاتمة على هذه المسيرة لن يمحوها وجود محمد دحلان فيها..!!

* كاتب وصحفي فلسطيني يقيم في الرياض- السعودية.