PDA

View Full Version : جـــــــــــهــــــــــــــــــــاد ( الـمـنـافـقـيــن ) !!


aziz2000
10-04-2002, 11:45 PM
تثبت الوقائع يوماً بعد يوم أن نكبة الأمة بالمنافقين تسبق كل النكبات ، وأن نكايتهم فيها وجنايتهم عليها تزيد على كل النكايات والجنايات ؛ فالكفر الظاهر ـ على خطره وضرره ـ يعجز في كل مرة يواجه فيها أمة الإسلام أن ينفرد بإحراز انتصار شامل عليها ، ( ما لم يكن مسنوداً بطابور خامس من داخل أوطان المسلمين ويتسمى بأسماء المسلمين )، يمد الأعداء بالعون ، ويخلص لهم في النصيحة ، ويزيــل من أمامهم العقبــات ، ويفتح البوابـــــات .

رأينا ذلك في عصرنا وسمعنا عنه قبل عصرنا؛ فمنذ أن افتتح (ابن سلول) طريق النفاق، سارت فيه من بعده أفواج المنافقين عبر التاريخ، وفي عصرنا الراهن لا تخطئ العين ملامح النفاق الظاهر المتظاهر مع الكافرين في القضايا الكبرى من قضايا المسلمين. رأينا ذلك في تركيا قبل سقوطها وبعد سقوطها خلال أكثر من ثمانين عاماً، ورأيناه في فلسطين بعد احتلالها منذ ما يزيد على خمسين عاماً، كما لا نزال نرى صوراً من ذلك في أكثر بلدان المسلمين التي سلخها المنافقون ـ لصالح الكافرين ـ عن هويتها الإسلامية وبنيتها الاعتقادية.

نخطئ كثيراً عندما نظن أن النفاق الذي أفاض القرآن في الحديث عنه، وأسهب في التحذير منه، كان يمثل مرحلة تاريخية انقضت بدخول الناس في دين الله أفواجاً؛ فالعصر الذهبي للبشرية الذي شهدته الأرض أيام الرسالة الخاتمة لم يخل من ظلم النفاق وظلماته؛ فهل تُعصم من ذلك العصور التالية؟! قد يُقال إن النفاق وقتها كان مقموعاً ممنوعاً فلهذا كان يستتر من الدين بالدين، وهو اليوم ليس في حاجة إلى ذلك؛ فاليوم مؤمن وكافر، أو مسلم ومرتد... أقول: إن القرآن الذي أمر النبيَّ صلى الله عليه وسلم وأتباعَه بجهاد المنافقين والكافرين سيظل يُتلى إلى يوم الدين. بقول الله ـ تعالى ـ ( يّا أّيٍَهّا النَّبٌيٍَ جّاهٌدٌ الكٍفَّارّ والًمٍنّافٌقٌينّ واغًلٍظً عّلّيًهٌمً ومّأًوّاهٍمً جّهّنَّمٍ وبٌئًسّ المّصٌير} [التوبة: 73] والآية تدل على أن النفاق سيظل موجوداً وسيظل محسوساً ملموساً من أشخاص تُرى فيهم آيات النفاق. والنفاق المقصود في الآية ليس قاصراً على النفاق ذي المرامي السياسية والأهــداف التسلطــية، بل هو النفاق بكافة أشكاله وصوره عندما يكون موجهاً إلى ضرر الدين وأصحاب الدين، سواء كان صــادراً مــن أهــل السياسة أو مــن أهــل الثقافـــة أو أهــل الفن والقلــم أو حتى بعــض المنسوبين للعلــم والفتــوى في بعـض البلــدان

نحن هنا لا نجادل في أن النفاق درجات أو دركات، وأن خطره يتفاوت بتفاوت كبره أو صغره؛ إذ من النفاق ما هو أكبر مخرج عن الملة: ومنه ما هو أصغر لا يخرج عن الملة، وفي كلا الحالين فنحن مأمورون بمجاهدة النفاق ولو كان ساكناً بين أضلعنا أو مختبئاً بين جوانحنا، ومن ذا الذي يأمن النفاق على نفسه وقد خافه على نفسه الفاروق عمر رضي الله عنه؟! ومن ذا الذي يضمن السلامة منه وقد علَّم النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه التعوذ منه ؟!


إن جهاد الكفار قد يكون عينياً أو يكون كفائياً، وقد يسقط بالأعذار أو الإعذار، أما جهاد المنافقين فهو غير قابل للسقوط إذا وجدت مسوغاته، فهو واجب على كل مكلف بحسبه، ففي الحديث عن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم وسلم قال: «ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسننه ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل»


لهذا فإن جهاد المنافقين المأمــور بـه في قولــه ـ تعالى ـ ( يّا أّيٍَهّا النَّبٌيٍَ جّاهٌدٌ الكٍفَّارّ والًمٍنّافٌقٌينّ واغًلٍظً عّلّيًهٌمً ومّأًوّاهٍمً جّهّنَّمٍ وبٌئًسّ المّصٌير ) [التوبة: 73] يبدأ بالقلب حتى ينتهي إلى السيف ..


لقد أفاضت نصوص الوحي ـ كتاباً وسنة ـ في تحذير المؤمنين من النفاق وأهله، بعد إسهاب طويل في كشف خباياهم وفضح نواياهم وهتك أسرارهم وطواياهم، حتى إن آيات الكتاب قد صرحت بذكر النفاق والمنافقين في نحو سبع وثلاثين آية، وفصَّلت وفرَّعت في الكلام عنهم في أضعاف ذلك من الآيات موزعة على إحدى عشرة سورة، هذا في الحديث عن المنافقين باسمهم ووصفهم الصريح (النفاق).



يضاف إلى هذا حديث آخر مطول عمن وُصفوا في القرآن بـ (الذين في قلوبهم مرض) وهم الرديف والمدد ، والمخزون الطويل الأمد لمعلومي المنافقين ؛ فقد ذكر القرآن مرضى القلوب في اثنتي عشرة آية ضمن اثنتي عشرة سورة ، وكل آية ذكر فيها ذلك تتعلق بها آيات أخر .

والمتأمل في حديث القرآن عن مرضى القلوب يمكنه أن يستنتج أن هؤلاء لديهم الاستعداد لأن يكونوا منافقين معلومي النفاق بما لديهم من أمراض الشهوة أو الشبهة ؛ فهم قوم ضعاف الإيمان إلى أدنى حد، حتى إن أحوالهم تكاد تتقلب أو تنقلب إلى معسكر النفاق الصريح، لفرط قنوطهم وقلة يقينهم، ولشدة تعلقهم بالدنيا وحرصهم على الجاه، أو لمزيد شحّهم الخالع وجبنهم الهالع الذي يجعلهم كلما خُيِّروا بين الانتصار للدين والقيم أو الانتصار للناس أو النفس ما ترددوا في الانحياز إلى ما يخدم مصالحهم العجلى فقط ؛ ولذلك قرن الله مرض القلوب بالمنافقين في أكثر مواضع القرآن.


إن مرضى القلوب يمارسون لوناً صارخاً من التطرف ذي الاتجاهين؛ فهم يتطرفون في بُغض أهل الدين وإساءة الظن بهم ، ويبالغون ـ إلى حد التطرف أيضاً ـ في الدفاع عن الكفار وحسن الظن بهم، وهذا هو جوهر مرض القلوب: التطرف وعدم الاعتدال، يقول الراغب الأصفهاني عن ذلك الداء: «هو الخروج عن الاعتدال الخاص بالإنسان» وقال بعد أن قسم المرض إلى قسمين: أحدهما مرض الجسم، والثاني مرض القلب: «والثاني عبارة عن الرذائل كالجهل والجُبن والبخل والنفاق وغيرها من الرذائل الخُلقية». وإذا أُطلق مرض القلب في نصوص الوحي فهو يعني في الغالب النفاق الأكبر ـ عياذاً بالله ـ وذلك حينما يستحكم ويستعصي علاجه، وهي حالة الكفر نفسها التي تموت فيها القلوب إلا أن يحييها الله ـ تعالى ـ بهداية من عنده. قال الأصفهاني: «ويشبه النفاق والكفر ونحوهما من الرذائل بالمرض لكونها مانعة عن إدراك الفضائل، كالمرض المانع للبدن من التصرف الكامل، وإما لكونها مانعة عن تحصيل الحياة الأخروية، وإما الميـل النفسي بها إلى الاعتقـادات الرديئة»


إن المنافقين ومرضى النفوس لا يتيسر علاج أدوائهم من داخل أنفسهم ـ في غالب الأحيان ـ لفقدان الوازع وغياب الضمير، ولكن لما كانت عللهم متعدية في الضرر إلى غيرهم، لزم توجيه علاجهم من خارج ذواتهم لا طلباً لبرئهم هم بقدر ما هو لأجل حفظ الناس من شرور أمراضهم، وهذا ـ والله أعلم ـ السر في إيجاب مجاهدتهم والإغلاظ عليهم في قول الله ـ تعالى ـ لنبيه صلى الله عليه وسلم ( يّا أّيٍَهّا النَّبٌيٍَ جّاهٌدٌ الكٍفَّارّ والًمٍنّافٌقٌينّ واغًلٍظً عّلّيًهٌمً ومّأًوّاهٍمً جّهّنَّمٍ وبٌئًسّ المّصٌير ) [التوبة: 73]. فكما أن الغلظة على الكافرين مطلوبة، فكذلك الغلظة على المنافقين ..

==============

وهنا نقول: إذا كان واقع المسلمين اليوم في أكثر الأحوال لا يسمح بجهاد المنافقين بإقامة الحدود أو الإغلاظ عليهم لكف شرهم فلا أقل من تعويض ذلك بجهادهم باللسان وما يقوم مقامه من كل وسيلة ترد ما يستطاع من كيدهم للدين وإلا فإن ذلك النفاق سيظل يتوحش ويطغى حتى يهدد بهدم معالم الإيمان والدين في كل بلاد المسلمين، والجهاد المطلوب يشترط فيه أن يكـون وفق الضوابط الشرعية والموازنة بين المصالح والمفاسد، المهم ألا ينسحب الترك العام لجهاد الكفار إلى ترك عام لجهاد المنافقين ..

عـبـدالـعـزيـز كـامـل