متدبر
29-07-2002, 04:54 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
والصلاة والسلام على سيد المرسلين
سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
الاخوة الكرام :
يقول المولى عز وجل فى سورة محمد الآية 24
"أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها"
واستجابة لهذه الدعوة الكريمة نبدأ موضوعنا وهو يتعلق هذه المرة بمقدمة لبحث حول ذكر العبودية فى القرآن الكريم ومقاماتها وأسأل الله تعالى ان يوفقنى الى إستكمال هذا البحث .
ولقد ترددت قليلا فى كتابة هذا الموضوع لانه موضوع عميق
ولظنى انه لابد ان يكون قد تناوله احد المفسرين او الائمة من قبل
وبحثت فيما توفر لدى من مصادر فلم اجد اى ذكر لبعض النتائج التى خلص اليها البحث
والتى كانت مفاجئة لى ، وعلى كل حال البحث لم يكتمل بعد والعبرة ليست بمن يبحث
بل هى بالتدبر فى كتاب الله ونشر ما نجده على المؤمنين والمؤمنات ليزدادوا ايمانا مع إيمانهم .
فأرجو ممن عنده علم بأى بحث مشابه ان يطلعنا عليه وجزاه الله كل الخير.
يقول المولى عز وجل فى الآية الاولى من سورة الكهف :
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا
ويقول فى الآية الاولى من سورة الاسراء :
سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ
هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ
وفى الآية الاولى من سورة الفرقان :
تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا
ونحن جميعا نعلم ان وصف الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام بكلمة "عبده" هو تشريف له
فهل وصل غيره من الانبياء لمثل هذا التشريف وما هى المقامات الاخر التى تندرج تحت هذا التشربف ؟
وهل نال هذا التشريف بقية المخلوقات ؟
وأود أن اذكر هنا ان هذا البحث يتعلق فقط بلفظ العبدودية لله وعلى من أطلقت فى القرآن
ولا يتناول التكليف بالعبادة والذى هو فرض على الكل
والمصدر او المرجع الوحيد هو كتاب الله
ويبدأ البحث بالسؤال إن كان العصاة او الجبابرة او الكفرة قد استحقوا هذا التشريف
فبالرغم من ان ثقافتنا العامة توحى لنا ان كافة مخلوقات الله هم عباده إلا ان هذا اللفظ فى القرآن
الكريم لا يطلق جزافا على كل المخلوقات.
ولعل من أحسن الامثلة هنا هو الشيطان الرجيم او إبليس اللعين
لم يقترن له ذكر بهذا الشرف قط .
سبحان الله
وللدقة اذكر هنا آية واحدة وردت فى سورة مريم وهى جامعة لكافة المخلوقات
وهى تعكس الحال يوم القيامة
إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا {93} لَقَدْ أَحْصَاهُمْ
وَعَدَّهُمْ عَدًّا {94} وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا {95}
وأما قبل ذلك اليوم الرهيب فلم يتصف الشيطان بالعبودية
ولم يتصف كفار قريش ولا مشركي مكة بهذه الصفة
ولا المغترين امثال قارون
ولا الجبابرة والعتاه امثال فرعون
لم يوصف فرعون ولا قومه بهذا الوصف التشريفى لانهم لم يستحقوا هذا الوسام
إنه حقا وسام
وسام العبودية لله
ويا له من تشريف
نال الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام أعلى وأسمى مقاماته وهو وسام " عبده"
ولم يساويه فى هذه الدرجة سوى سيدنا زكريا عليه السلام
فى الآية الثانية من سورة مريم
كهيعص {1} ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا {2}
ولقد تشرف سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام بهذا الوسام ست مرات
ثلاث منها فى أوائل سور الاسراء والكهف والفرقان والتى سبق ذكرها
وثلاث أخر فى سورة الزمر
أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ
اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ {36} وَمَن يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّضِلٍّ
أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انتِقَامٍ {37}
وفى سورة النجم
وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى {1} مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى {2} وَمَا يَنطِقُ
عَنِ الْهَوَى {3} إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى {4} عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى {5}
ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى {6} وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى {7} ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى {8}
فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى {9} فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى {10}
مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى {11} أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى {12} وَلَقَدْ رَآهُ
نَزْلَةً أُخْرَى {13} عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى {14} عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى {15}
إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى {16} مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى {17} لَقَدْ رَأَى
مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى {18}
وفى سورة الحديد
هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ
لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ {9}
و هذا المقام هو أعلى وأنبل وأشرف مقام للعبودية لله
ولقد وردت فى القرآن الكريم درجة أخرى لشرف العبودية متأصلة فى لفظ "عبدنا"
ولقد تشرف الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام بهذا الوصف مرتين
وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا
فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ
إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ {23} سورة البقرة
وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ
وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن
كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ
يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {41 سورة الانفال
ولقد نال هذا الوسام أيضا سيدنا داوود عليه السلام
اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ {17} سورة ص
ونال هذا التشريف سيدنا أيوب عليه السلام
وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ {41} سورة ص
وناله أيضا سيدنا نوح عليه السلام
كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ {9} سورة القمر
وهناك مقام آخر لشرف العبودية وهو وارد فى لفظ "عبد الله"
ناله سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام فى سورة الجن
وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا {19}
قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِك بِهِ أَحَدًا {20}
وناله سيدنا عيسى عليه السلام نطق به وهو فى المهد فى سورة مريم
فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا
فَرِيًّا {27} يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ
أُمُّكِ بَغِيًّا {28} فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي
الْمَهْدِ صَبِيًّا {29} قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي
نَبِيًّا {30} وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ
وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا {31} وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي
جَبَّارًا شَقِيًّا {32} وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ
وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا {33} ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ
الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ {34} مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ
إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ {35}
والدرجة الاخرى القريبة منها هى فى لفظ "عبدا" بعدة إضافات منها "عبدا من عبادنا"
و"عبدا لله" أو"العبد"
ففى سورة العلق نال الحبيب المصطفى عليه السلام هذا الوسام
أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى {9} عَبْدًا إِذَا صَلَّى {10}
وناله سيدنا عيسى عليه السلام فى سورة النساء
لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لِّلّهِ وَلاَ الْمَلآئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ
وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ
إِلَيهِ جَمِيعًا {172}
وفى سورة الزخرف
إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ {59}
وناله سيدنا نوحا عليه السلام فى سورة الاسراء
ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا {3}
ومرة أخرى سيدنا نوح مع سيدنا لوط عليهما السلام
ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ
عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا
مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ {10} سورة التحريم
وسيدنا سليمان عليه السلام
وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ {30}
وسيدنا أيوب عليه السلام
وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا
نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ {44}
وكذلك ابراهيم وإسحاق ويعقوب عليهم السلام
وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ {45}
وناله ذلك العبد الصالح الخضر عليه السلام فى سورة الكهف
فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا {65}
وفى اليوم الآخر الكل ينطبق عليه هذا اللقب طوعا او كرها
إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا {93} لَقَدْ أَحْصَاهُم
وَعَدَّهُمْ عَدًّا {94} وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا {95}
عبدا عبدا وفردا فردا
من أول مخلوق الى آخرهم
من ملائكتهم
وشياطينهم
وجنهم
وإنسهم
وغيرهم
الكل عبيد
ويفهم هذا المعنى أيضا من قوله تعالى فى سورة الفرقان
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي
هَؤُلَاء أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ {17} قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ
يَنبَغِي لَنَا أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاء وَلَكِن مَّتَّعْتَهُمْ
وَآبَاءهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا {18}
يتبع إن شاء الله تعالى
وبه نستعين
والصلاة والسلام على سيد المرسلين
سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
الاخوة الكرام :
يقول المولى عز وجل فى سورة محمد الآية 24
"أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها"
واستجابة لهذه الدعوة الكريمة نبدأ موضوعنا وهو يتعلق هذه المرة بمقدمة لبحث حول ذكر العبودية فى القرآن الكريم ومقاماتها وأسأل الله تعالى ان يوفقنى الى إستكمال هذا البحث .
ولقد ترددت قليلا فى كتابة هذا الموضوع لانه موضوع عميق
ولظنى انه لابد ان يكون قد تناوله احد المفسرين او الائمة من قبل
وبحثت فيما توفر لدى من مصادر فلم اجد اى ذكر لبعض النتائج التى خلص اليها البحث
والتى كانت مفاجئة لى ، وعلى كل حال البحث لم يكتمل بعد والعبرة ليست بمن يبحث
بل هى بالتدبر فى كتاب الله ونشر ما نجده على المؤمنين والمؤمنات ليزدادوا ايمانا مع إيمانهم .
فأرجو ممن عنده علم بأى بحث مشابه ان يطلعنا عليه وجزاه الله كل الخير.
يقول المولى عز وجل فى الآية الاولى من سورة الكهف :
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا
ويقول فى الآية الاولى من سورة الاسراء :
سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ
هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ
وفى الآية الاولى من سورة الفرقان :
تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا
ونحن جميعا نعلم ان وصف الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام بكلمة "عبده" هو تشريف له
فهل وصل غيره من الانبياء لمثل هذا التشريف وما هى المقامات الاخر التى تندرج تحت هذا التشربف ؟
وهل نال هذا التشريف بقية المخلوقات ؟
وأود أن اذكر هنا ان هذا البحث يتعلق فقط بلفظ العبدودية لله وعلى من أطلقت فى القرآن
ولا يتناول التكليف بالعبادة والذى هو فرض على الكل
والمصدر او المرجع الوحيد هو كتاب الله
ويبدأ البحث بالسؤال إن كان العصاة او الجبابرة او الكفرة قد استحقوا هذا التشريف
فبالرغم من ان ثقافتنا العامة توحى لنا ان كافة مخلوقات الله هم عباده إلا ان هذا اللفظ فى القرآن
الكريم لا يطلق جزافا على كل المخلوقات.
ولعل من أحسن الامثلة هنا هو الشيطان الرجيم او إبليس اللعين
لم يقترن له ذكر بهذا الشرف قط .
سبحان الله
وللدقة اذكر هنا آية واحدة وردت فى سورة مريم وهى جامعة لكافة المخلوقات
وهى تعكس الحال يوم القيامة
إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا {93} لَقَدْ أَحْصَاهُمْ
وَعَدَّهُمْ عَدًّا {94} وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا {95}
وأما قبل ذلك اليوم الرهيب فلم يتصف الشيطان بالعبودية
ولم يتصف كفار قريش ولا مشركي مكة بهذه الصفة
ولا المغترين امثال قارون
ولا الجبابرة والعتاه امثال فرعون
لم يوصف فرعون ولا قومه بهذا الوصف التشريفى لانهم لم يستحقوا هذا الوسام
إنه حقا وسام
وسام العبودية لله
ويا له من تشريف
نال الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام أعلى وأسمى مقاماته وهو وسام " عبده"
ولم يساويه فى هذه الدرجة سوى سيدنا زكريا عليه السلام
فى الآية الثانية من سورة مريم
كهيعص {1} ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا {2}
ولقد تشرف سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام بهذا الوسام ست مرات
ثلاث منها فى أوائل سور الاسراء والكهف والفرقان والتى سبق ذكرها
وثلاث أخر فى سورة الزمر
أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ
اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ {36} وَمَن يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّضِلٍّ
أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انتِقَامٍ {37}
وفى سورة النجم
وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى {1} مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى {2} وَمَا يَنطِقُ
عَنِ الْهَوَى {3} إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى {4} عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى {5}
ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى {6} وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى {7} ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى {8}
فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى {9} فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى {10}
مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى {11} أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى {12} وَلَقَدْ رَآهُ
نَزْلَةً أُخْرَى {13} عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى {14} عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى {15}
إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى {16} مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى {17} لَقَدْ رَأَى
مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى {18}
وفى سورة الحديد
هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ
لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ {9}
و هذا المقام هو أعلى وأنبل وأشرف مقام للعبودية لله
ولقد وردت فى القرآن الكريم درجة أخرى لشرف العبودية متأصلة فى لفظ "عبدنا"
ولقد تشرف الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام بهذا الوصف مرتين
وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا
فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ
إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ {23} سورة البقرة
وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ
وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن
كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ
يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {41 سورة الانفال
ولقد نال هذا الوسام أيضا سيدنا داوود عليه السلام
اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ {17} سورة ص
ونال هذا التشريف سيدنا أيوب عليه السلام
وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ {41} سورة ص
وناله أيضا سيدنا نوح عليه السلام
كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ {9} سورة القمر
وهناك مقام آخر لشرف العبودية وهو وارد فى لفظ "عبد الله"
ناله سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام فى سورة الجن
وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا {19}
قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِك بِهِ أَحَدًا {20}
وناله سيدنا عيسى عليه السلام نطق به وهو فى المهد فى سورة مريم
فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا
فَرِيًّا {27} يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ
أُمُّكِ بَغِيًّا {28} فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي
الْمَهْدِ صَبِيًّا {29} قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي
نَبِيًّا {30} وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ
وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا {31} وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي
جَبَّارًا شَقِيًّا {32} وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ
وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا {33} ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ
الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ {34} مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ
إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ {35}
والدرجة الاخرى القريبة منها هى فى لفظ "عبدا" بعدة إضافات منها "عبدا من عبادنا"
و"عبدا لله" أو"العبد"
ففى سورة العلق نال الحبيب المصطفى عليه السلام هذا الوسام
أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى {9} عَبْدًا إِذَا صَلَّى {10}
وناله سيدنا عيسى عليه السلام فى سورة النساء
لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لِّلّهِ وَلاَ الْمَلآئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ
وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ
إِلَيهِ جَمِيعًا {172}
وفى سورة الزخرف
إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ {59}
وناله سيدنا نوحا عليه السلام فى سورة الاسراء
ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا {3}
ومرة أخرى سيدنا نوح مع سيدنا لوط عليهما السلام
ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ
عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا
مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ {10} سورة التحريم
وسيدنا سليمان عليه السلام
وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ {30}
وسيدنا أيوب عليه السلام
وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا
نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ {44}
وكذلك ابراهيم وإسحاق ويعقوب عليهم السلام
وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ {45}
وناله ذلك العبد الصالح الخضر عليه السلام فى سورة الكهف
فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا {65}
وفى اليوم الآخر الكل ينطبق عليه هذا اللقب طوعا او كرها
إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا {93} لَقَدْ أَحْصَاهُم
وَعَدَّهُمْ عَدًّا {94} وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا {95}
عبدا عبدا وفردا فردا
من أول مخلوق الى آخرهم
من ملائكتهم
وشياطينهم
وجنهم
وإنسهم
وغيرهم
الكل عبيد
ويفهم هذا المعنى أيضا من قوله تعالى فى سورة الفرقان
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي
هَؤُلَاء أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ {17} قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ
يَنبَغِي لَنَا أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاء وَلَكِن مَّتَّعْتَهُمْ
وَآبَاءهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا {18}
يتبع إن شاء الله تعالى