View Full Version : وطن أم مصحة ؟!!
مدن الملح
03-08-2002, 11:55 PM
السلام عليكم ..
مقال للمفكر العربي الصادق النيهوم ..
أتمنى فهم ما يرغب النيهوم إيصاله!!
سأحاول تجزئتها بالقطارة حتى لا تصابوا بعسر فهم !!
تحياتي الوطنية ..
مدن الملح
03-08-2002, 11:57 PM
غياب الديموقراطية لا يجعل الناس مجانين بل يجعلهم يفقدون عقلهم الجماعي وهي محنة لا تختلف عمليا عن محنة الجنون نفسه إلا في نقطتين: الأولى أن أوجاع المصاب لا تكتشفها أدوات التشخيص الطبي و الثانية أن علاجه يتطلب جراحة من دون تخدير.
أول أعراض هذا المرض أن كل مواطن على حدة يبدو رجلا عاقلا في تمام وعيه وإدراكه لكن الأمة ككل تبدو غائبة عن الوعي وعاجزة عن فهم واقعها عجزا يحرمها من القدرة على تغييره ويرغمها على الهروب منه بكل وسيلة متاحة للهروب بما في ذلك وسائل التمثيل والسحر والحلم وتغييب صوت العقل وراء الصراخ الهستيري وهي أعراض تعايشها شعوب كثيرة داخل المصحات العقلية وخارجها ومنها للأسف شعبنا المريض في الوطن العربي.
فالمواطن العربي الواحد لا ينقصه شيء من نعمة الوعي أنه رجل يفهم لغة العصر ويعرف وجه الحق في كل موضوع على حدة ويرفض شريعة القوة ويبادر كل شخص يقابله "بالسلام عليكم ورحمة الله".
في الجانب الأخر تبدو الأمة العربية مجتمعه خارجة جدا عن هذا الإطار. فهي أمة لا تبالي بمنطق العصر ولا تمتلك نظاما شرعيا للإدارة ولا تلتزم بمبادئ الحرية والعدل ولا تتورع عن تمجيد نظم الإقطاع وإقرار شرائعه البربرية من شريعة عزل المرأة واستعباد الطفل إلى شريعة الحكم الفردي وتبذير المال العام على أهواء الأسر الحاكمة.
مصدر هذا التناقض بين وعي المواطن الفرد وبين جهل الأمة مجتمعه أن العرب الذين خسروا مناخ الحوار الحر قد خسروا معه عقلهم الجماعي وورطوا أنفسهم في ثقافة فردية لا تعاني من غياب المواطنين الأذكياء بل تعاني من غياب وسيلة التفاهم بينهم في مجتمع شبه اخرس له صفات القطيع لا يتكلم لغة مشتركة ولا يملك قرارا جماعيا ولا تجمعه إرادة أصلا سوى إرادة الراعي وعصاه.
يتبع ..
مدن الملح
04-08-2002, 09:50 PM
في وطن خسر لسانه إلى هذا الحد تصبح الفصاحة عقدة نفسية ويتعلم زخرفة الكلام في ثقافة لسانية مسطحة لا تهدف إلى فهم الواقع ولا تستطيع أن تتخذ قرارا جماعيا بشأنه بل تهدف إلى تغييب القرار وراء ستار كثيف من الآراء النظرية التي لاتهمها نتائج النقاش بقدر ما يهمها النقاش في حد ذاته.
أن قضية الديموقراطية بالذات لا تنال في ثقافة العرب سوى محنة الحيرة المستمرة بين نظريتين مستحيلتين على لسان فصيح واحد:
النظرية الأولى تنادي بالعودة إلى عصر عمر بن الخطاب متعمدة أن تقول أن المشكلة من اساسها ليست مشكلة حقا وان رجلا صالحا واحدا يستطيع أن يصلح واقع امة وهي فكرة من شأنها أن تضحك عمر بن الخطاب في قبره لكن أحدا لا يلاحظ موضع النكتة.
النظرية الثانية تنادي باستعارة نظام الأحزاب من دول الغرب الرأسمالي أملة أن تقدم للعرب وصفة طبية جاهزة لعلاج جميع أمراضهم مجانا وهي فكرة اقرب إلى الشماتة منها إلى النصح لان العرب لا يملكون رأس المال نفسه ولايملكون العمال ولا الأسواق ولا المصانع وليس بوسعهم أن يؤسسوا أحزابا لا تجد ما يدعوها إلى التحزب.
الصفة المشتركة بين هاتين النظريتين أن كلتيهما مجرد نصيحة غير جادة وغير قابلة للتطبيق فلا احد يستطيع أن يعيد التاريخ إلى عصر عمر بن الخطاب ولا احد يعرف كيف يؤسس العرب أحزابا عمالية ورأسمالية من دون عمال ولا رأس مال . لكن ذلك لاينبه المفكر العربي إلى نقطة الضعف في ثقافته النظرية ولا يعوقه عن تكرار أقواله المستحيلة جيلا بعد جيل وعصرا بعد عصر بالألفاظ نفسها والعقم نفسه في شهادة معلنة على أن الأمة التي تفقد عقلها الجماعي لاتملك فكرا بل تملك لغة فقط وان هذه الظاهرة بالذات هي الصفة المألوفة لحالة الجنون المألوف رغم أن المريض شخصا يكون طبعا أخر من يعلم أن كثرة الكلام مجرد دليل على قلة معناه.
يتبع ..
يناير
06-08-2002, 08:16 AM
مدن الملح .. أسعد الله أيامك
كل الشكر على النقل الجميل و أطالبك بتتمة ما يتبع عاجلاً ..
احترامي ؛؛؛
ابو الامير
06-08-2002, 10:14 AM
http://www.geocities.com/hamid_naji/naji18.jpg
يناير
10-08-2002, 12:13 AM
يرفع ..
أكمل يا صديقنا ..
مدن الملح
17-08-2002, 12:05 AM
عذرا على التأخير ..
فاللغة وحدها لا تعوض الأمة عن غياب عقلها الجماعي ولا تضمن لها رؤية واقعها من الزاوية الصحيحة بل تشغلها عن إدراك هذا النقص بالذات لأنها توفر لها سبيل الهروب من الواقع عبر أربعة منافذ لغوية بحتة:
المنفذ الأول يقوم على استخدام وسائل المسرح لاختلاق حاضر من الماضي فيرتدي المواطن ثياب القرن السابع ويطلق لحيته ويلوي لسانه بلهجة بني أسد ويذهب للعيش في عصر عمر بن الخطاب متعمدا أن يدس امرأته تحت اللحاف لكي لا يفوته شئ من تفاصيل الديكور.
في هذه المسرحية يختلق المواطن لنفسه واقعا يناسبه على المقياس. فالعودة إلى الماضي تعيد إليه شعوره بالانتماء من دون أن ينتمي لأحد. وتوفر عليه مواجهة حاضره المهين من دون أن يتعرض للوم أو السخرية. وتتيح له أن يمثل دور البطل الحريص على أمجاده الذي يعيش معززا مكرما تحت راية عمر بن الخطاب. انه يحل جميع مشاكله من دون أن يحل مشكلة واحدة.
في مقابل هذا الحل البارع لا يحتاج المواطن إلى شئ سوى أن يضع عقله فوق الرف ويركز جهده في حفظ الحوار على ظهر قلب. انه لا يفكر بل يتكلم متعمدا أن يسخر اللغة لتحقيق هدفين:
الهدف الأول أن يمجد ماضيه بكل حيلة مسرحية في حوزته من افتعال الإلقاء بصوت مؤثر إلى استخدام وسائل البلاغة في تفخيم الماضي بصفات فخمة مثل التليد والجليل والخالد.
الهدف الثاني أن يعلن رفض لحاضره متعمدا أن يبرر هذا الرفض بالوسائل المسرحية نفسها من الحديث عن الحاضر بلهجة تقطر استنكارا وسخرية إلى إلصاق التهم بحضارة العصر وقيمه ووصفه بالهمجية والانحلال.
هذا المواطن - الممثل لا يكتشف انه ممثل ولا تظهر عليه أعراض الخلل العقلي الذي يعاني منه إلا إذا اضطرته ظروف العيش إلى أن يغادر المسرح ويواجه الواقع في ارض الواقع. إذ ذاك فقط تنجلي الغمامة عن عينيه ويكتشف مصعوقا انه لم يحل شيئا من اصل المشكلة بل زادها سوءا وتعقيدا فامرأته المحجبة لاتعرف كيف تتعامل مع عصرها بأي قدر من التكيف بما في ذلك أن تستعمل دراجة.
وأولاده المولعون بأمجاد الماضي ينقصهم التأهيل المطلوب لكي يكسبوا خبزهم اليومي. ووطنه الفقير يغرق في الديون وبيته القديم يغرق في المجاري وهو شخصيا لا يملك ثمة ما يفعله في هذا الركام سوى أن يتعلق بقشة ويعود لقضاء السهرة في المسرح مثل أي رجل مجنون.
يتبع ..
مدن الملح
17-08-2002, 10:16 PM
المنفذ الثاني الذي توفره اللغة للهروب من الواقع يتمثل في استخدام أدوات السحر لمسخ الواقع من أساسه في صورة مختلفة أخرى. فالمواطن هنا لا يعود إلى الماضي بل يستورد لنفسه حاضرا جاهزا من الخارج. انه ينظر حوله بإمعان لكي يختار أفضل نموذج في السوق ثم يعمد إلى انتحاله املآ أن يتقمص روحا جديدة على عادة السحرة في تقمص الأرواح.
وبالطبع يقع الاختيار تلقائيا على النموذج الأوروبي البراق الذي اثبت نجاحه أكثر من سواه.
الخطوة الأولى لإتمام إجراءات هذا التقمص تبدأ بأن يسحر المواطن شخصيته ويتحول إلى رجل أوروبي في ملبسه ومسكنه وطريقة أكله ونوع هواياته وميله إلى الحديث بكلمات أوروبية باعتبار أن روحه الجديدة لاتفهم كل ما يقوله العرب. وهي إجراءات يلزمها عادة أن يسحر المواطن امرأته إلى سيدة أوروبية وعياله إلى عيال أوربيين ويشتري لنفسه كلبا اسمه "فيفي" لكي لا يفوته شئ من تفاصيل الديكور.
بعد ذلك تبدأ المذبحة. فمشكلة هذا المواطن الحديث انه يعتبر نفسه مثل بيت حديث البناء قائم على أنقاض كوخ متهدم. انه لا يهجر ماضيه فحسب بل يتعمد أن يهدمه من أساسه ويسويه بالأرض ويلقي جميع مخلفاته في القمامة خلال حملة حربية ضارية تؤدي فيها الكلمات دور أصابع الديناميت ويقاتل فيها المواطن المسحور على جبهتين:
الجبهة الأولى موجهة لنسف تراث العرب بحجة انه تراث بال لا يجاري روح العصر ولا يستطيع أن يحتوي قيم الديموقراطية الرأسمالية. وهي تهمة لا تريد أن تصلح حال العرب بل تريد أن تقنعهم بأن طريقهم الوحيد إلى الخلاص هو أن يخرجوا من جلودهم ويكفوا على أن يكونوا عربا.
الجبهة الثانية موجهة لتلميع النموذج الأوروبي القائم على اقتسام السلطة بين العمال وبين أصحاب رأس المال بحجة انه نموذج ناجح اثبت نجاحه عمليا إلى حد لاينكره سوى رجل غير عملي. وهي فكرة تتجاهل أن العرب لم يستوطنوا قارات العالم الجديد ولم يسيطروا على مصادر المواد الخام ولم يعيشوا عصر الثورة الصناعية وليس بوسعهم أن يؤسسوا أحزابا لاينتمي إليها احد ولا تعني دعوتهم إلى مثل هذه الفكرة السحرية سوى أن بعض مفكريهم قد تقمصوا شخصية لا يعرفونها وخسروا عقولهم بفعل السحر.
يتبع ..
مدن الملح
18-08-2002, 11:48 PM
المنفذ الثالث الذي توفره اللغة للهروب من الواقع يتمثل في اللجوء إلى أداوت الحلم لتفسير الواقع الفاشل بلغة ناجحة. فالمواطن هنا لا يهرب من حاضره بل يفسره بأسلوب شعري متعمدا أن يسخر اللغة لتنفيذ حل خيالي بحت. انه لا يغير الواقع بل يغير اسمه في القاموس:
فالحاكم المتسلط يصبح قائدا شعبيا وقوانين الملك الماجن تصبح مراسيم شريفة وعصابات القتلة تصبح قوات وطنية والحزب الطائفي يصبح حزب الله. والمرأة السجينة تصبح سيدة مصون والفقيه الجاهل عالما في الدين والإدارة البوليسية حكومة رشيدة وقطع رؤوس الموطنين عملا بالسنة المحمدية والحكم العائلي المنقرض تطبيقا لأحكام الشريعة الخالدة أن كل ما أفسده الدهر يصلحه العطار بكلمة من عنده.
الإجراء الأول لتأمين هذا الحل يتمثل بالضرورة في إلغاء حرية التعبير وتشديد الرقابة على وسائل الاتصال لان الشعر المسخر لتغطية عورات الواقع شعر اعور في حد ذاته لا يستطيع أن يؤدي مهمته إلا في مجتمع من العميان. انه يحتاج إلى مساندة مستمرة من الله والبوليس معا لكي يوفر لنفسه ثلاث ضمانات أساسية: الأولى أن يكون هو الصوت الشرعي رسميا والثانية أن لا ينافسه احد على مكبر الصوت والثالثة أن لا يسمعه سوى جمهور صاخب من المجانين.
المنفذ الرابع الذي توفره اللغة للهروب من الواقع يتمثل في استخدام أسلحة الهستيريا لتغييب صوت العقل القادر على قراءة الواقع من الزاوية الصحيحة. فالمواطن هنا لا يهرب من حاضره ولا يعترف أصلا بأنه في حاجة إلى الإصلاح بل يتخندق للدفاع عنه متعمدا أن ينشغل بجو المعركة عن سبب المعركة نفسها. انه لا يحاور بل يقاتل طبقا لخطة عسكرية عادية تستعمل اللغة بمثابة سلاح قتالي في نوعين من الحرب:
النوع الأول يعتمد على الصراخ بصوت عالٍ وبأقصى قدر من التشنج وإبداء السخط و العصبية والتلويح بالأيدي على بعد قليل من وجه الخصم. وهي حيلة لها جذور في سلوك الأطفال المدللين الذين لا يملكون وسيلة أخرى لفرض مطالبهم المتطرفة لكنها لا تعني في سلوك الكبار سوى إنهم قد نسوا ن يكبروا.
النوع الثاني يقوم على تحويل الكلمة إلى حجر مهمته أن يشج رأس الخصم أو على الأقل أن يدفعه إلى الفرار. فالناقد الذي يرفض حاضر العرب اسمه معول هدام والذي يرفض عزل المرأة اسمه زنديق متأثر بثقافة الغرب والذي يرفض الحكم الوراثي اسمه عميل مأجور والذي يرفض شريعة القوة اسمه متخاذل جبان والذي يرفض تزييف الواقع اسمه دجال غير واقعي كل كلمة لها وقع الحجر كل كلمة تعض وتعقر أن لغة الناس في غياب عقلهم الجماعي تصبح نوعا من الخرس.
الصفة المشتركة بين جميع هذه المنافذ اللغوية إنها لاتغير وجه الواقع بل تجعله واقعا غير قابل للتغيير فالأمة التي تخسر عقلها الجماعي تخسر بالتالي سلاح الجماعة وتتحلل إلى ملايين من الأفراد العزل الذين يحلمون بالتغيير دائما ويطالبون به أحيانا لكنهم لا يستطيعون أن يفرضوه وهي محنة لا تخفيها أدوات المكياج ولا يخفف من عواقبها الرهيبة أن يجتمع المفكرون في مؤتمر بعد مؤتمر وندوة بعد ندوة لكي يتبادلوا التهاني والنظريات الملفقة. إن خلاص الناس في اجتماع الناس أنفسهم.
وخلاص العرب في اجتماع الملايين الذين يلتقون أسبوعيا في الجوامع.
خلاصهم في يوم الجمعة عندما تسترد الملايين وعيها المغيّب ويستعيد هذا اليوم المبارك هويته السياسية الضائعة فيتحرر من خطب الوعظ ويصبح لقاء رسميا على مستوى الأمة يجمعها في مكان واحد ووقت واحد تحت شعار جماعي واحد لكي يطلقها كالإعصار في مسيرة الغضب الصاعقة إذ ذاك يبطل مفعول السحر ويخرج المارد من القمقم.
إذ ذاك يعود الوعي الغائب من منفاه ويسترد الشعب الأخرس صوته ويسمع أعداء العرب هدير الزلزال القادم من قلب الأرض.
إذ ذاك فقط.
تحياتي الوطنية ..