PDA

View Full Version : مدينتي التي أحبها


فتى دبي
01-09-2002, 07:45 PM
مدينتي التي أحبها.. مدينة لا تعرف الضجيج ولا الصخب.. ولا تعرف شوارعها الزحام.. ولا تعرف لياليها السهر..

مدينتي التي أحبها.. لا تعرف ضوء المصابيح الكهربائية.. والإنارة الكثيفة فهي مدينة تضاء بملايين النجوم المعلقة فوق جبهتها السمراء.. وتزين عنقها بقلادة يتوسطها القمر.. هلالاً - وبدراً - ومحاقاً.

مدينتي التي أحبها.. مدينة تنام حين تغفو العصافير الصغيرة في أعشاشها الدافئة كل مساء.. وتصحو كل صباح.. باكراً.. حين تلمح من بعيد بصيص أول شعاع من أشعة الشمس الذهبية.. التي تقبل وجنتها بحب وحنان.. وتحضنها بالدفء.. والأمان.

مدينتي التي أحبها.. مدينة يعانقها الربيع كل فصول العام.. ويزهر على جنباتها بضحكاته البهيجة الوثابة.. ويمطرها بالأمل والعطاء.. والتجدد.. عاماً بعد عام.. فهي لا تشيخ أبداً.. ولا تعطش.. ولا تجوع.. ولاتتمرد على من هو أكبر منها عمراً.. وحكمة.

مدينتي التي أحبها.. كطفلتي التي لم تولد بعد.. أشتاق إليها وهي جنين غير مكتمل القسمات.. وأحبها.. وهي وليدة مغمضة العينين والنظرات.. وأسعى لكي أبني لها غداً مشرقاً سعيداً.. وهي صبية يافعة.. تخطو بعزم وقوة.. وثبات.

مدينتي التي أحبها.. مدينة لا تعرف الكلل.. ولا يصيبها الفراغ والسأم والملل.. مدينة حية.. تعج بالنشاط والأمل.. شبابها يشيدونها بكل حب وأمل.. وشيوخها يمضون أيامهم في بث تجاربهم وخبراتهم للآخرين.

مدينتي.. رغم أنها لاتزال قصيدة لم تعد للنشر.. ولم تطبع في أي جريدة رسمية.. ولم تصورها الكاميرات الرقمية.. ولم تحاول التغلغل إليها أقمار الساتلايت الصناعية.. ولم تعرف بعد ما هي البوابة الالكترونية.. إلا أنني أحبها.. كما هي.

صغيرة.. كبيرة.. عامرة.. أم مقفرة.. سياحية.. أم انعزالية.. كل ذلك لا يهم.. لأنها مدينتي التي بنيتها في حلمي.. وشيدتها أبراجاً عالية في يقظتي.. وهأنذا أعود إليها بكل ما في الدنيا من شوق.. من لهفة.. ومن ولع.

العودة:

وتسألني مضيفتي عن مدينتها التي عدت منها قبل أيام.. كيف أراها..!!

قلت لها..

مدينتك أحبها بلا بشر تقذفهم الأرصفة.. وتبتلعهم الطرقات.. كل لحظة.. هم يتوافدون هنا وهناك.. كالذباب الذي يحوم حول قطعة سكر ملقاة على الطريق وبلا سيارات تضيق بها الشوارع.. كما تضيق منها أنفاس أبناء آدم وحواء نتعارك فوق الطرق المرصوفة.. ونتسابق نحو غايات وأهداف لا تعد.. ولا تحصى.

مدينتك.. أحبها.. بلا أسواق يتزاحم فيها الداخلون والخارجون.. الراغبون في الشراء.. والعابثون.. المتسكعون.. والباحثون عن شيء يقضون به وقت فراغهم الضائع.. حتى وإن كان هذا الشيء إهدار المال بلا تفكير.. وإهدار الضحكات بلا عناء.. وتوزيع الغمزات واللمزات هنا وهناك.. دون مقابل.

مدينتك.. أحبها بلا أبراج عالية.. ولا عمارات شاهقة.. هذه التي امتدت لتناطح السحاب.. ولتحرمنا - نحن - عباد الله من مشاهدة الجمال المتجلية في ليل السماء والكواكب.. وفي إشراقة النهار وابتسامة الشمس.. وفي سماع العصافير وهي تبني أعشاشها فوق الأغصان.

مدينتك.. أحبها بلا مهرجانات.. ولا أعياد.. ولا احتفالات تضطر الآخرين للتزاحم معاً في كل المجمعات وأماكن الترفيه العائلية.. مما لا يدع مجالاً لغيرهم من الباحثين عن الهدوء والسكينة.. إلى الاسترخاء والتنعم بهذه الإجازة الصيفية.. التي لا يحصل عليها الموظفون إلا مرة واحدة كل عام.

مدينتك.. نعم.. أحبها.. ولكن بلا أصدقاء.. ولا معارف.. ولا أهل.. حتى لا اضطر في أي لحظة من اللحظات إلى الإجابة عن مثل هذا السؤال.

..............

وبعد..

فقد كان لقاء.. وكان التقاء.. وكان تعارفاً من نوع آخر وجديد.. وهأنذا أعود إلى مدينتي التي أحبها بلا ضجيج.. وبلا أسئلة طويلة معقدة.. وبلا مفاتيح تفتح لي كل الدروب.. فمازلت لا أملك من مفاتيحي إلا مفتاحاً واحداً.. فكل المفاتيح القديمة قد صدئت.. وما حاولت حتى مجرد إزالة الصدأ عنها.. ولذا.. أجد نفسي عاجزة عن فتح الأبواب الموصدة.. ولم يبق لي إلا هذا الباب الذي يدخل لي منه أحياناً بعض من الرياح المحملة بالعتاب والنقد والتجرع.. وأحياناً أخرى بعض من اليأس والإحباط.

أتمنى أن أجد الوقت الكافي لأجدد باقي المفاتيح.. ولأزيل عنها الصدأ.. حتى أتمكن من فتح الأبواب الكثيرة التي تبعث إلي بالبشر والسكينة.. والأمل.

نور بوظبي
02-09-2002, 12:52 AM
ما شاء الله تبارك الله ..

جميل جدا ما كتبت .. بس هل هذه المواصفات كلها في دبي ؟؟