PDA

View Full Version : معادلة التقريب والوحدة بين المسلمين


وميض
09-12-2002, 12:23 PM
معادلة التقريب والوحدة بين المسلمين .

عَنْ أبا هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، بَدَأَ اللإِسْلامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ . ( صحيح مسلم ) .

إن مسألة التقارب والوحدة أو الاتحاد بين المسلمين أحد أهم الأهداف والغايات لمعظم المصلحين والدعاة المخلصين ، وكل من عمل من أجل توحيد المسلمين وجد الكثير من الموانع والعثرات ، فهناك من يستفيد من هذا الاختلاف وتلك الفرقة ، سواء من بعض المحسوبين على المسلمين أو من أعداء الدين والإنسانية ، والسلطات والأنظمة الكافرة القهرية التي تحكم بلاد المسلمين على رأس المستفيدين من هذا التشرذم والاختلاف ، فتلك السلطات والأنظمة - أيضاً - لها علمائها وعمالها الذين يعملون على إدامة الفرقة والتناحر وعلى إبقاء الإسلام في غربته عن أهله ، وبالبعض يتحجج بالتمسك بالعقيدة الصحيحة وهم يعتنق عقيدة الدجل والنفاق والكذب والخديعة ، عقيدة السلطات والأنظمة الكافرة القهرية ، مثل سلطة المملكة العربية السعودية والسلطة التي تحكم إيران .

ولذلك إذا ما أردنا التقريب بين الطوائف والفرق الإسلامية وعلى رأسهم أهل السنة والجماعة والشيعة يجب أن نتجه بخطابنا مباشرة للعوام ، وبعيداً عن علماء تلك السلطات والأنظمة الكافرة القهرية وطلبتهم ، وهذا من أجل تنبيه العوام إلى الحلقات الفكرية والفقهية التي لا يظهرها لهم علماء وعمال السلطات والأنظمة المستفيدة من تلك الأوضاع اللاإنسانية ، وحتى لو وجد المخلصين في صفوف علماء وعمال السلطات والأنظمة الكافرة القهرية ، فهم ، إما لن يستطيعوا الوصول إلى الحق ومعرفة الحقيقة بسبب موقعهم بالقرب من المحور الذي يصدر الظلم والشرور إلى الناس ، فسيطالهم ما يطال الظالمين ، وإما لن يستطيعون تبليغ الحقيقة إذا ما عرفوها وذلك لوجود عدة موانع وظروف موضوعية ، والله أعلم بأعذارهم .

ومن يظن بأن تلك السلطات والأنظمة الكافرة القهرية تعلم وتدرس علوم الدين كاملة فهو يخطأ ، فتلك السلطات لا تدرس العلوم الدينية التي تدرس حكمها وتفل حدها وتسحب السلطة من بين يدها ، وهذا من طبائع كل السلطات المستبدة الظالمة ، وهذا أمر متوارث ومعروف عند أهل العلم وأهل الحقيقة .

فعلماء وعمال تلك السلطات والأنظمة الكافرة القهرية سيضللون العوام لأنهم ينطلقون من منطلق المحافظة على بقاء تلك السلطات والأنظمة التي تستولي على الحكم وتسيطر على مقدرات الناس وتحرمهم من حقوقهم الشرعية وضرورات حياتهم الإنسانية ، ولذلك سيتجه علماء تلك السلطات والأنظمة وأتباعهم من طلبة العلم إلى الحديث عن مسائل تشغل انتباه العوام وتشوش عليهم وتضللهم وتلهيهم عن واقعهم الاجتماعي والسياسي ، فالبعض يفعل ذلك دون علم وفهم ودون دراية ، فهو يعتقد بأن عمله يصب في الدفاع عن العقيدة الصحيحة وهو لا يتصور بأنه يشارك تلك السلطات والأنظمة الظالمة المستبدة في ارتكاب جريمة التضليل والحرمان الفكري عدى الجرائم الأخرى التي لا تجرمها نظم وقوانين تلك الغابات التي تسمى دول .

فباسم الدفاع عن التوحيد والعقيدة الصحيحة سيسلك علماء السلطات والأنظمة الكافرة القهرية مسالك تضليلية متشعبة ، فهم لن يتحدثون عن الكذب والتضليل والدجل والخداع والنفاق الذي يمارس من قبل ساستهم وبطانتهم الفاسدة وأثرهم على القلوب والعقول وعلى الإيمان بشكل عام ، كما لن يتحدثون عن أهمية الصدق وقول الحق في الممارسة السياسية وعن ضرورة تطبيق العدل والمساواة وعن أهمية الحرية والتعددية في السياسة وعن علاقتهم بالتوحيد وبصفاء العقيدة في القلوب ، فهم لا يعرفون أثر ذلك على ارتقاء المجتمع ، بل هم لا يتصورون معنى الارتقاء لأنهم لا يتعايشون مع عقيدة التوحيد ولا يمارسونها كاملة في حياتهم ، فهي بالنسبة لهم تمارس من خلال أداء بعض الشعائر والعبادات والسنن ، وعلى رأسها السنن الشكلية والمظهرية التي تغطي حقيقتهم عن العوام والنائمين والغافلين ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالنسبة لهم ، هو ملاحقة ضحايا الأنظمة الكافرة القهرية في الشوارع والتجسس والتسور عليهم ، فهناك من يصيغ لهم منظومة فكرية تضليلية ، تضلل العوام عن حقيقة حقوقهم في الإسلام وضرورات حياتهم الإنسانية وتزرع في أذهانهم صورة أخرى مزيفة عن الإسلام ، ومن يعتقد بأن تبليغ عقيدة التوحيد وإفهامها للآخرين يتم بصورة نظرية من خلال إلقاء الخطب والدروس والمحاضرات على الأسماع - فقط - فهو لا يعتنق العقيدة الصحيحة ولم يفهم حقيقتها وطبيعتها ولم يتشرب روحها ، فهو يمارس وظيفة ومهنة يمتهنها - أو هواية - اسمها دين ، ولو دققنا في تلك الخطب التي تتناول عقيدة التوحيد سنجد بها الكثير من الثغرات وسوء الفهم الذي يلبس الأمر على المسلمين ويجعلهم يعتنقون عقائد باطلة و يؤمنون بمعتقدات وأفكار فاسدة تؤثر على قلوبهم وعلى عقولهم وعلى مدركاتهم الحسية بشكل عام وتحرمهم من الارتقاء الفكري والسمو الروحي ومن معرفة الحقيقة الغائبة .

حقيقة الإسلام الذي عاد غريباً كما بدأ غريباً .

وحتى نعرف ونميز بين عالم وعامل السلطة والأنظمة الكافرة القهرية وبين أهل الحقيقة يجب أن ندقق بنوعية خطابة ، فهل هو خطاب يتجاهل الواقع الاجتماعي ويتجاوز الواقع السياسي ويركز على أمور يصعب الاتفاق عليها بين الفرق المراد تقاربها وتوحيدها ؟ أي ، هل صاحب الخطاب وقع ضحية الجهل في أسباب التدليس والتلبيس ؟ فهذا النوع من الخطاب يديم تسلط السلطات والأنظمة الكافرة القهرية ويأمن بقائها ويجعل الأمة في حالة دائمة من التنافر والاختلاف ويجعلها لقمة سائغة في أفواه الضباع والحيوانات القمامة المحلية والخارجية ، فالخطاب الذي تريده الأمة خطاب ينطلق من واقعها الاجتماعي والسياسي الذي يسوده الظلم والحرمان والتسلط والاستبداد والاستهتار ، فيجب أن ينطلق الخطاب من القواسم المشتركة والمسائل التي تمس الجميع حتى نقطع الطريق على عمال وعلماء السلطات والأنظمة التي تمتهن التكفير والحجب والإخفاء والتضليل ، فعقيدة التوحيد لا تنفصل عن الواقع الاجتماعي والسياسي ، وهي لن تفهم الفهم الصحيح إلا من خلال قراءة وفهم الواقع من منظور الكتاب والسنة وعدم تجاوزه وتجاهله ، ومن يحاول أن يتجاوز ويتجاهل الواقع ويفصله عن عقيدة التوحيد ويقرأه من منظور السلطات والأنظمة الكافرة القهرية سيصبح عقله عقل غير سليم بعد ما أستخدم في الحيلة وتجاوز صاحبه الواقع وتعامى عن الحق وحجب الحقيقة الظاهرة والمجسدة والتي يستدل عليها بالحواس الخمس وبالعقل .

وحتى نختصر الطريق على عمال وعلماء السلطات والأنظمة الكافرة القهرية ، مثل تلك التي في المملكة العربية السعودية وإيران سوريا ومصر والكويت ودول الخليج والمغرب والعراق والأردن واليمن إلى آخر تلك الدول التي تحكمها قوى التخلف والانحطاط ، يجب أن نقول لهم وبكل وضوح وبشفافية وبصراحة تامة ، بأن المسلمين لن يتفقوا ولن يتقاربوا إلا بعد إظهار وكشف التدليس والتلبيس والكذب والخداع والدجل الذي تمارسه تلك الأنظمة والكيانات السياسية الظالمة المستبدة ، فهذا هو الواقع الذي يجب أن يتبارى الدعاة والمخلصين في كشفه للأمة ، قاصدين من ذلك وجه الله تعالى والتقرب منه من أجل توحيد الأمة على كلمة التوحيد .

فتلك هي المعادلة الصحيحة ، بالتقرب من الله يحصل التقريب والتقارب بين المسلمين ، وبفهم عقيدة التوحيد يحصل التوحيد ، والتقرب من السلطات الكافرة القهرية سيكون على حساب تقارب المسلمين ووحدتهم وسيستمر التباعد والتنافر بينهم ، فيجب أن يجتمع المسلمون على ( لا الله إلا الله محمد رسول الله ) لكي تكون تلك الكلمة هي محور التقارب والحركة ، فعقيدة التوحيد وفكرة الإسلام هي العقيدة والفكرة الحق التي تنبثق منها كل الأفكار السليمة الصحيحة ، والله حق ، والحق أحق أن يتبع .

قال أمير المؤمنين وباب مدينة العلم سيدنا على ابن أبي طالب – كرم الله وجه ورضي الله عنه – ، لا يعرف الحق بالرجال أعرف الحق تعرف أهله .

وعمال وعلماء السلطات الكافرة القهرية غير مؤهلين للدفاع عن الدين والعقيدة الصحيحة فهم مؤهلين لخدمة الأهواء المريضة لعناصر تلك السلطات ، وللدفاع عن العقائد والمعتقدات الباطلة والأفكار والقيم الفاسدة - " قيم الكفر والنفاق " – التي تتبناها تلك السلطات ، وهم يحاولون إشراك وربط تلك العقائد والمعتقدات والأفكار والأهواء الباطلة الفاسدة المريضة بعقيدة التوحيد ، وهذا من أعمال الكفار المشركين والمنافقين وهو ليس من أعمال المؤمنين ، ولذلك حق علينا جهادهم جهادا كبيرا ، وبما أوتينا من قوة .

قال تعالى ( فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا (52) ) ( الفرقان ) ، أي جاهدهم بالقرآن وبالبيان من أجل كشف الحقيقة الغائبة عن الناس .

حقيقة الإسلام الذي عاد غريبا كما بدأ غريباً .

فالجهاد يعكس مفهوم ( الأمن الإسلامي ) الذي يركز على ( إيصال الرسالة الربانية وتبليغها إلى الآخرين ) بغية توفير الأمن " الفكري والروحي والنفسي والمادي " لبقاء النوع البشري ورقيه ، ذلك أن مصدر الخطر على النوع البشري ورقيه – حسب التصور الإسلامي – يكمن في " القيم " التي تُكَفِر – أي تحجب وتخفي وتُغطي – قوانين الخلق في النشأة والحياة والمصير ، وتقتصر على نوازع التمتع بالحياة وشهواتها ، فتلك القيم تحجب نور الله عن القلب وتجعله قلب معتم مظلم ( كما تحجب الأرض نور الشمس عن القمر في حالة الخسوف ، وكما يحجب القمر نور الشمس عن الأرض في حالة الكسوف ) " فما ذكرت يعتبر وسيلة إيضاح كونية تبين تأثير قيم الكفر والنفاق على القلب " ، ومن هذا الكفر تتشوه جميع أشكال الاعتقاد والشعور والممارسات في ميادين السلوك والاجتماع والعلاقات ، حتى إذا ظهر أهل الكفر في الأرض أشاعوا الفتن والمظالم السياسية ، والمفاسد الاجتماعية وردوا شبكة العلاقات الاجتماعية إلى عهود الغاب والهمجية والتخلف ، ولذلك كان طلب بذل النفس لمحاربة قيم الكفر ومؤسساته وممثليه ، وبذل المال لنشر قيم الرسالة الإسلامية وإقامة مؤسساتها والإنفاق على العاملين والدارسين فيها حتى يتحقق التفوق للقيم الإسلامية فيشيع السلام ويكون الدين كله لله .