سردال
21-12-2002, 04:34 PM
أحببت أن أعرف بالدكتور الأديب، نجيب الكيلاني، فوجدت أن هناك من كتب عنه في عدة مواقع، ومن غير المجدي إعادة تلخيص ما كتبوه، فنقلته لكم للفائدة :)
المصدر: لها أون لاين
د.حلمي محمد القاعود
يُعدُّ نجيب الكيلاني (1931-1995م) الروائي الإسلامي الأوَّل في اللغة العربية، حيث قدَّم للمكتبة العربية عدداً كبيراً من الروايات والقصص القصيرة، وهي غالباً محمومة بالتصوُّر الإسلامي وصادرة عنه، ومن خلال هذا الإنتاج القصصي الغزير استطاع أن يقدِّم النموذج الإسلامي في الرواية والقصة.
وقد مرّ إنتاجه الأدبي الروائي بمراحل ومستويات عدة، يمكن أن نضعها في أربعة إطارات:
الإطار الأوَّل:
ويمثِّل الرّواية الرومانسية، ويضم العديد من رواياته، وقد عبّر من خلالها عن هموم النَّاس والعلل الاجتماعية المتفشية بينهم، مثل الفقر والجهل والأمراض المتوطنة والسلبية والتخلف، ومزج ذلك بالعواطف المشبوبة والخيالات الحالمة والآمال المجنِّحة، ويمكن أن نرى أمثلة على ذلك من رواياته: الطريق الطويل، الربيع العاصف، الذين يحترقون، في الظلام، عذراء القرية، حمامة سلام، طلائع الفجر، ابتسامة في قلب الشيطان، ليل العبيد، حكاية جاد الله..
الإطار الثاني:
ويمثِّل الرواية التاريخية، التي تستلهم السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي بصفة عامة، وقد استدعى التاريخ واستلهمه ليقدِّم النماذج الإنسانية المشرفة من حضارتنا، ويرصد جهاد الآباء في شتى جوانب الحياة، دفاعاً عن الدّين وسعياً لتأسيس مجد غير مسبوق، وفي بعض الأحيان كان يستدعي التاريخ ليعالج من خلاله قضايا راهنة أصابت الأمَّة بالإحباط واليأس، ويوقظ به الأمل في نفوس الأجيال الجديدة عن طريق إحياء الهمَّة وبعث العزيمة والإصرار، وفي كل الأحوال فإنَّ استلهام التاريخ في الرّواية عند "نجيب الكيلاني"، كان إبرازاً لمعطيات الإسلام العظمية، وإمكاناته الهائلة في تحويل الإنسان المسلم إلى صانع حضارة وباني مجدٍ وجندي ظافر في معاركه ضد الشرّ والتوحُّش، ويمكن أن نجد عدداً كبيراً من رواياته التي عبَّرت عن ذلك، مثل: نور الله، قاتل حمزة، أرض الأنبياء، دم لفطير صهيون، مواكب الأحرار (أو نابليون في الأزهر)، اليوم الموعود، النداء الخالد، أرض الأشواق، رأس الشيطان، عمر يظهر في القدس.
الإطار الثالث:
ويمثِّل الرواية التي يمكن أن نسميها بالرواية الاستشرافية التي عبَّر فيها عن هموم المسلمين خارج حدود العالم العربي (دول آسيا الوسطى التي كانت أو ما زالت تحت الستار الحديدي الشيوعي من الاتحاد السوفييتي والصين-إثيوبيا- إندونيسيا-نيجيريا)، واستطاع أن يكشف للعالم مأساة داميةً أصابت ملايين المسلمين المنسيين الذين لا يتحدَّث عنهم أحد إلاَّ نادراً، ولا يعرف عنهم المسلمون في العالم العربي إلاَّ القليل، وفي الوقت ذاته توقَّع انتصارهم وتحرّرهم، وهو ما حدث بالفعل في أكثر من مكان وبخاصة في الدول الإسلامية التي استقلَّت أو تحاول الاستقلال بعد انهيار الاتحاد السوفييتي. وتعدّ رواياته: ليالي تركستان، الظل الأسود، عذراء جاكرتا، عمالقة الشمال، من أشهر رواياته في هذا الإطار.
الإطار الرابع:
ويمثِّل الرواية عند نجيب الكيلاني في المرحلة الراهنة، وهي التي نُطلق عليها الواقعية الإسلامية، ويعبِّر فيها عن القضايا الاجتماعية التي تهمّ جموع المستضعفين في الوطن، ويبرز فيها ما يلقاه النَّاس من ظلمٍ وقهرٍ واضطهاد، ويتخذ من تفاصيل الحياة اليومية والاجتماعية عناصر أساسية يرتكز عليها في بناء هذه الروايات، وأيضاً فإنَّه يطرح عبر سطورها رؤية الجيل الجديد للأحداث، وموقفه من قضايا الحرية والعدل والأمن والرخاء والمستقبل، وتُعدُّ روايات الأربع أو رباعيته التي أنتجها على مدى عامين تقريباً، ونشرت على مدى شهورٍ متقاربة ـ وهي: اعترافات عبدالمتجلي، امرأة عبدالمتجلي، قضية أبو الفتوح الشرقاوي، ملكة العنب ـ من أفضل النماذج وأبرزها في الدلالة على هذا الإطار، وهي موضوع دراستنا.
والواقعية الإسلامية تختلف بالضرورة عن الواقعية الأوروبية (الانتقادية والطبيعية)، والواقعية الاشتراكية (الماركسية)، وإن كانت هنالك أسس موضوعية وفنية قد تجمع بينها جميعاً..
فالواقعية الأوروبية واقعية نقدية تعنى بوصف التجربة كما هي، حتى لو كانت تدعو إلى تشاؤم عميق لا أمل فيه، في حين تحتّم الواقعية الإسلامية أن يثبت الكاتب في تصويره للشرّ دواعي الأمل في التخلُّص منه فتحاً لمنافذ التفاؤل حتى في أحلك المواقف، ولو أدَّى إلى تحريف الموقف بعض الشيء.
أمَّا الواقعية الإسلامية، فإنَّها ـ مع انتقادها للواقع ـ تنطلق في انتقادها من التصوُّر الإسلامي الذي يكون دائماً منصفاً، فلا يبالغ ولا يهوّل، أيضاً لا يتحامل بسبب المغايرة في الانتماء، ولا يحبِّذ الصراع بين الطبقات كما يبتغي الواقعيون الاشتراكيون، فضلاً عن أنَّ الأمل في الواقعية الإسلامية، هو أمل إيماني يقوم على أساس نُصرة الحقِّ في كل الأحوال، حياة وموتاً. إنَّها باختصار ترفض التشاؤم كما ترفض التفاؤل الذي يقوم على الخداع أو التزييف، ثم إنَّها تستقي مادتها من الحياة الاجتماعية، ومشكلات العصر على إطلاقها، وتختار شخوصها من عامة المجتمع وجميع طبقاته؛ لأنَّها تعتقد بأنَّ الخيرَ والشرَّ ليسا قاصرين على طبقة بعينها، ولكنَّهما موجودان في النفس البشرية، ايّاً كانت طبقتها أو انتماؤها الطبقي، وأنَّ الإنسان يمكن أن يكون خيِّراً أو شرّيراً ِوفقاً لاختياره، وعوامل أخرى مؤثِّرة في هذا الاختيار من قبيل التربية والتوجيه والقدوة والظروف المحيطة...إلخ، لذا؛ فإنَّ الطبقة ليست هي العنصر الحاسم في الصراع بين الخير والشرِّ، وإنَّما الإرادة الفردية ومكوناتها.. وهو ما يتسق مع التصوُّر الإسلامي:}فَألهمها فُجُورها وتقواها*قد أفلحَ مَنْ زَكَّاها*وقد خَاْبَ مَنْ دَسّاهَا{[سورة الشمس: 9،8].
المصدر: لها أون لاين
د.حلمي محمد القاعود
يُعدُّ نجيب الكيلاني (1931-1995م) الروائي الإسلامي الأوَّل في اللغة العربية، حيث قدَّم للمكتبة العربية عدداً كبيراً من الروايات والقصص القصيرة، وهي غالباً محمومة بالتصوُّر الإسلامي وصادرة عنه، ومن خلال هذا الإنتاج القصصي الغزير استطاع أن يقدِّم النموذج الإسلامي في الرواية والقصة.
وقد مرّ إنتاجه الأدبي الروائي بمراحل ومستويات عدة، يمكن أن نضعها في أربعة إطارات:
الإطار الأوَّل:
ويمثِّل الرّواية الرومانسية، ويضم العديد من رواياته، وقد عبّر من خلالها عن هموم النَّاس والعلل الاجتماعية المتفشية بينهم، مثل الفقر والجهل والأمراض المتوطنة والسلبية والتخلف، ومزج ذلك بالعواطف المشبوبة والخيالات الحالمة والآمال المجنِّحة، ويمكن أن نرى أمثلة على ذلك من رواياته: الطريق الطويل، الربيع العاصف، الذين يحترقون، في الظلام، عذراء القرية، حمامة سلام، طلائع الفجر، ابتسامة في قلب الشيطان، ليل العبيد، حكاية جاد الله..
الإطار الثاني:
ويمثِّل الرواية التاريخية، التي تستلهم السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي بصفة عامة، وقد استدعى التاريخ واستلهمه ليقدِّم النماذج الإنسانية المشرفة من حضارتنا، ويرصد جهاد الآباء في شتى جوانب الحياة، دفاعاً عن الدّين وسعياً لتأسيس مجد غير مسبوق، وفي بعض الأحيان كان يستدعي التاريخ ليعالج من خلاله قضايا راهنة أصابت الأمَّة بالإحباط واليأس، ويوقظ به الأمل في نفوس الأجيال الجديدة عن طريق إحياء الهمَّة وبعث العزيمة والإصرار، وفي كل الأحوال فإنَّ استلهام التاريخ في الرّواية عند "نجيب الكيلاني"، كان إبرازاً لمعطيات الإسلام العظمية، وإمكاناته الهائلة في تحويل الإنسان المسلم إلى صانع حضارة وباني مجدٍ وجندي ظافر في معاركه ضد الشرّ والتوحُّش، ويمكن أن نجد عدداً كبيراً من رواياته التي عبَّرت عن ذلك، مثل: نور الله، قاتل حمزة، أرض الأنبياء، دم لفطير صهيون، مواكب الأحرار (أو نابليون في الأزهر)، اليوم الموعود، النداء الخالد، أرض الأشواق، رأس الشيطان، عمر يظهر في القدس.
الإطار الثالث:
ويمثِّل الرواية التي يمكن أن نسميها بالرواية الاستشرافية التي عبَّر فيها عن هموم المسلمين خارج حدود العالم العربي (دول آسيا الوسطى التي كانت أو ما زالت تحت الستار الحديدي الشيوعي من الاتحاد السوفييتي والصين-إثيوبيا- إندونيسيا-نيجيريا)، واستطاع أن يكشف للعالم مأساة داميةً أصابت ملايين المسلمين المنسيين الذين لا يتحدَّث عنهم أحد إلاَّ نادراً، ولا يعرف عنهم المسلمون في العالم العربي إلاَّ القليل، وفي الوقت ذاته توقَّع انتصارهم وتحرّرهم، وهو ما حدث بالفعل في أكثر من مكان وبخاصة في الدول الإسلامية التي استقلَّت أو تحاول الاستقلال بعد انهيار الاتحاد السوفييتي. وتعدّ رواياته: ليالي تركستان، الظل الأسود، عذراء جاكرتا، عمالقة الشمال، من أشهر رواياته في هذا الإطار.
الإطار الرابع:
ويمثِّل الرواية عند نجيب الكيلاني في المرحلة الراهنة، وهي التي نُطلق عليها الواقعية الإسلامية، ويعبِّر فيها عن القضايا الاجتماعية التي تهمّ جموع المستضعفين في الوطن، ويبرز فيها ما يلقاه النَّاس من ظلمٍ وقهرٍ واضطهاد، ويتخذ من تفاصيل الحياة اليومية والاجتماعية عناصر أساسية يرتكز عليها في بناء هذه الروايات، وأيضاً فإنَّه يطرح عبر سطورها رؤية الجيل الجديد للأحداث، وموقفه من قضايا الحرية والعدل والأمن والرخاء والمستقبل، وتُعدُّ روايات الأربع أو رباعيته التي أنتجها على مدى عامين تقريباً، ونشرت على مدى شهورٍ متقاربة ـ وهي: اعترافات عبدالمتجلي، امرأة عبدالمتجلي، قضية أبو الفتوح الشرقاوي، ملكة العنب ـ من أفضل النماذج وأبرزها في الدلالة على هذا الإطار، وهي موضوع دراستنا.
والواقعية الإسلامية تختلف بالضرورة عن الواقعية الأوروبية (الانتقادية والطبيعية)، والواقعية الاشتراكية (الماركسية)، وإن كانت هنالك أسس موضوعية وفنية قد تجمع بينها جميعاً..
فالواقعية الأوروبية واقعية نقدية تعنى بوصف التجربة كما هي، حتى لو كانت تدعو إلى تشاؤم عميق لا أمل فيه، في حين تحتّم الواقعية الإسلامية أن يثبت الكاتب في تصويره للشرّ دواعي الأمل في التخلُّص منه فتحاً لمنافذ التفاؤل حتى في أحلك المواقف، ولو أدَّى إلى تحريف الموقف بعض الشيء.
أمَّا الواقعية الإسلامية، فإنَّها ـ مع انتقادها للواقع ـ تنطلق في انتقادها من التصوُّر الإسلامي الذي يكون دائماً منصفاً، فلا يبالغ ولا يهوّل، أيضاً لا يتحامل بسبب المغايرة في الانتماء، ولا يحبِّذ الصراع بين الطبقات كما يبتغي الواقعيون الاشتراكيون، فضلاً عن أنَّ الأمل في الواقعية الإسلامية، هو أمل إيماني يقوم على أساس نُصرة الحقِّ في كل الأحوال، حياة وموتاً. إنَّها باختصار ترفض التشاؤم كما ترفض التفاؤل الذي يقوم على الخداع أو التزييف، ثم إنَّها تستقي مادتها من الحياة الاجتماعية، ومشكلات العصر على إطلاقها، وتختار شخوصها من عامة المجتمع وجميع طبقاته؛ لأنَّها تعتقد بأنَّ الخيرَ والشرَّ ليسا قاصرين على طبقة بعينها، ولكنَّهما موجودان في النفس البشرية، ايّاً كانت طبقتها أو انتماؤها الطبقي، وأنَّ الإنسان يمكن أن يكون خيِّراً أو شرّيراً ِوفقاً لاختياره، وعوامل أخرى مؤثِّرة في هذا الاختيار من قبيل التربية والتوجيه والقدوة والظروف المحيطة...إلخ، لذا؛ فإنَّ الطبقة ليست هي العنصر الحاسم في الصراع بين الخير والشرِّ، وإنَّما الإرادة الفردية ومكوناتها.. وهو ما يتسق مع التصوُّر الإسلامي:}فَألهمها فُجُورها وتقواها*قد أفلحَ مَنْ زَكَّاها*وقد خَاْبَ مَنْ دَسّاهَا{[سورة الشمس: 9،8].