PDA

View Full Version : مقالة الكاتب السعودي المطرود في لندن .... عبد العزيز الخميس


فهد89
30-12-2002, 10:10 AM
هذه مقالة الكاتب السعودي المطرود عبدالعزيز الخميس, وقد كان عبدالعزيز يعمل رئيس تحريرفي إحدى المجلات السياسية.

وقد فصل من عمله وأجبره الامير سلطان على الذهاب إلى معمر القذافي والإعتذار منه بعد ان نشرت مجلته مقالة لرجل فلسطيني تغزل في أبنة القذافي قبل عامين,

ويعيش عبدالعزيز الآن في لندن بعد فصله, وقد أعجبتني بشدة هذه المقالة رغم طولها وأحببت أن أنقلها لكم,


مقدمة:
هذه محاولة لفهم علاقة النظام السعودي باشكالية الديمقراطية وحقوق الانسان، وتفترض القراءة ان النظام الحاكم في السعودية يري في الديمقراطية مقتله. وضمن هذا الاطار يحلل الكاتب عبد العزيز خميس هذه الاشكالية، مستعرضا تاريخ العلاقة بين هذه المفاهيم والدولة الناشئة في عهد مؤسس الدولة عبد العزيز ومرورا بالتحالفات والتعارضات في داخل النظام مع الحركات الاسلامية المحلية والدولية.

القدس العربي

عبد العزيز بين الاخوان واهل الحجاز,

لا يخامر أي باحث أو مراقب شك في بغض المتنفذين في الأسرة المالكة في المملكة العربية السعودية للديمقراطية وحقوق الإنسان، فالمصطلحان مكروهان في قاموس الأسرة ومن أعمال خوارج هذا الزمان ولا يعنيان سوي الفتنة والخروج عن ملة الإسلام وتمكين الثقافة الغربية من النفوذ إلي الصدور العربية الشريفة.
لكن التاريخ يسجل أن الأسرة تعاطت نسبيا هاتين الكلمتين (ديمقراطية + حقوق إنسان) ورغم أنها حاولت محو ذلك من الذاكرة الوطنية إلا أن الوقائع بقيت للأجيال ماثلة للعيان لن تزيلها أيدي الإعلام المطبل ولا أوراق البنكنوت المتناقص.
فقد بدأ تعاطي الأسرة السعودية للديمقراطية منذ أن دخل الملك عبد العزيز مكة المكرمة بعد أن سلمها إياه قادة الأخوان السلفيون الشريف خالد بن لؤي وسلطان بن بجاد وفيصل الدويش الذين انهوا مهمة دموية في الطائف وتربة قتل فيها آلاف من العزل والنساء والأطفال في مجازر لا زالت أجساد البعض ترتعش عند ذكرها حيث تم نحر كل شخص يقابل الأخوان في شوارع المدينتين ليس لشيء سوي انه غير ملتح أو امرأة كاشفة الوجه أو عجوز يشك في انتمائه.
دخل الملك عبد العزيز مكة المكرمة بعد أن سبقته أنباء المذابح إليها والي العالم الإسلامي وبدأت أصوات الاستنكار تتعالي وخاصة في الأزهر والهند خوفا علي مكة ومقدساتها من مجازر أخري. لم يفت علي الملك عبد العزيز ذلك فقام بتطمين سكان مكة علي أنفسهم وبدأ يري بالعين المجردة أثر ما فعله جيشه الأخواني العقائدي علي مخططه في الوصول إلي قلب الإسلام مكة والاستحواذ علي درة الجزيرة العربية والتي ما أن تتمكن منها حتي يصبح حكمك شرعيا محترما في العالم الإسلامي. لكن العقبة الكأداء تتمثل في أهالي مكة الذين لم تبرد بعد حرارة مواجعهم علي أخوتهم في الطائف وتربة وغيرها من قري وأرياف الحجاز التي مرت عليها عاصفة الصحراء الأخوانية مخلفة الدمار.
لم يجد الملك عبد العزيز أمامه سوي تقديم نفسه كحكم محايد بين ذئاب الصحراء (الأخوان) ونعاج الوادي المقدس ( الحجازيون) فبدأ حديثه مع الأهالي بتبرئة نفسه مما فعله الأخوان السلفيون بهم، وانه سيقضي علي أي تصرفات مستقبلية.
قدم عبد العزيز وعوداً لأهالي مكة بان يحكموا أنفسهم بأنفسهم. ووجه لهم خطاباً في الأول من آب (أغسطس) عام 1925 داعيا إياهم للاجتماع وانتخاب مجلس يدير أمورهم وان مسؤولية إدارة البلاد تقع علي عاتقهم. لقد دعا الملك عبد العزيز المواطنين إلي الانتخاب والتمثيل الديمقراطي في وقت كانت النبرة الإسلامية قوية وجحافل السلفية في عز أوجها وسيوف الأخوان المتزمتة خارج غمدها ولم يفت مشايخ السلفية وعلي رأسهم الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف آل الشيخ ضد مشروعه الانتخابي ولم يقل أحدهم أن الديمقراطية حرام وان الانتخابات لا تتماشي مع الخصوصية السعودية التي يصدعنا النظام السعودي في الوقت الراهن عبر أمرائه بها وعلي رأسهم وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل. فهل كانت هذه الخصوصية غير موجودة في وقت الملك عبد العزيز حيث كانت الأمية غالبة والتخلف يعم الجزيرة العربية من شرقها إلي غربها، بينما تم اكتشاف (الخصوصية) السعودية مع تحسن الأوضاع الاقتصادية بالنفط وارتفاع نسبة المتعلمين وتواصل الشعب مع الخارج وإطلاعه علي ثقافات أخري تشيع فيها الديمقراطية بمختلف فروعها.
وهل كان الملك عبد العزيز وشيوخ السلفية آنذاك خارجين علي شريعة الإسلام وغير متفقهين في الدين حتي لا يعلموا أن الانتخابات والتمثيل والمشاركة السياسية حرام ومصدر للفتنة وعزوف عن القاعدة الشرعية التي يرددونها وهي أن الحكم لله وليس للشعب.
قدم الملك عبد العزيز مبادرته الديمقراطية ليس هياما بمبدأ المشاركة السياسية، ولا لأن البيئة التي قدم منها إلي مكة المكرمة موطن ثقافة الماغنا كارتا، بل كانت عروضه الديمقراطية لأهالي الحجاز سبيلا للحصول علي رضاهم خاصة من رفضوا حكمه وتمردوا علي سلطته متهميه بالقسوة والديكتاتورية واستعمال السيف في إدارة أمور الشعب.

نصيحة فيلبي:

توقف الملك عبد العزيز عند هذه المؤشرات التي يراها مهمة في وسط ظروف إقليمية ودولية متغيرة، فمصر تراقب الوضع بجلد والهاشميون علي المرصاد في شمال الحجاز، فقدم لأهالي الحجاز عصا الأخوان السلفيين بيد، وجزرة المشاركة السياسية بيد أخري، وكان وراء محاولاته الذكية الضابط البريطاني جون فيلبي الذي اقنع الملك عبد العزيز بأنه إذا أراد أن يقضي علي المعارضة الشعبية لوجود آل سعود في الحجاز فعليه أن يقنعهم أن لا رغبة لديه سوي إشاعة الأمن والوقوف موقف المراقب العادل.
يقول الملك عبد العزيز لأعضاء المجلس المنتخب بعد أن اجتمع معهم في بهو الحكومة في مكة صباح يوم الثلاثاء الرابع من آب (أغسطس) 1925: تعلمون حضراتكم مقاصدنا التي أعلناها منذ قدمنا إلي هذه الديار وهي لم تتغير ولم تتبدل وكنت علي الدوام يهمني أن يقوم أهل البلاد في إدارة شؤونهم . وينتقد الملك عبد العزيز في كلمته حكام الحجاز السابقين بأنهم يزنون المصلحة بميزان منافعهم الشخصية وأنه يأسف لما حل بالبلاد من تلاعب الأهواء والغايات ويعتقد أن الأمور لن تنتظم إذا لم يتول أبناء البلاد مصالح أنفسهم.
تم إيقاف ساعة الديمقراطية السعودية عن العمل بعد أن استتبت الأمور في الحجاز للملك، وشل مجلس الشوري المنتخب حتي أن أعضاءه بقوا يتقاضون رواتبهم دون أن يجتمعوا إلا إذا طلبت منهم الحكومة ذلك. ولم تتم انتخابات أخري ولا يحزنون فقد تمكن الملك من مكة وتوقفت الذئاب عن نهش لحوم النعاج تاركة الأمر لسيدها الذي بدأ في بناء سد الخصوصية السعودية، بل أن نقل وزارات الحكومة من مكة بدأ في عهد عبد العزيز وليس كما يشاع أن أبنه سعود أول من قام بذلك. وكان ذلك تهميشا لدور مكة كعاصمة للسعودية وتخوفا من الأسرة المالكة أن تقاد إلي فخ يبعدها عن قاعدة حكمها العشائرية ويربطها باللعبة الحجازية المعتمدة علي المشاركة والانفتاح السياسي.
تعكس قصة الملك عبد العزيز مع الديمقراطية البسيطة هذه تماما كيف تفكر الأسرة المالكة السعودية بما يسمي المشاركة السياسية، فهي حلال حينما تكون في موقف ضعيف من الناحية السياسية وحرام حينما لا تبدو في الأفق مخاطر.

جهيمان العتيبي:

سارت الأسرة المالكة السعودية ولا تزال علي سنة الوالد الكبير، بل إن أمراءها ومفكريها لا يرون إتاحة الفرصة لأقطاب فاعلة في المجتمع في مشاركتهم الحكم، إلا بعد أن تثبت هذه الأقطاب قدرتها علي استعمال العنف، ولنأخذ ما فعله جهيمان العتيبي في الحرم المكي الشريف في تشرين الثاني (نوفمبر) 1979 كأنموذج. أوضح جهيمان في خطبه التي بثت من ميكروفونات الحرم وسمعها سكان مكة بأن الحكومة تدعي من جهة أنها مركز الدين الحنيف في العالم ولكنها من الجهة الأخري تناصر الظلم والفساد والرشوة، وهاجم جهيمان الأمراء الذين يستولون علي الأراضي ويبذرون أموال الدولة، وبعد أن تم القضاء عليه تنازلت الحكومة السعودية عن ما قدمته للشعب من حريات اجتماعية رغم بساطتها وبدلا من أن تبحث في أسباب تمرد جهيمان ومن معه ومطالبهم بالعدالة والمساواة، عادت إلي التضييق عليهم واستعمال أدوات متعصبة دينية مرة أخري كطوق محكم علي المجتمع. وكان دافعها في ذلك ذعرها من أن خبرتها في الاستعمال السياسي للدين تكاد تتسرب من يديها إلي غيرها في ظل عدم توفر شخصيات من عائلة آل الشيخ الحليفة لها شعبية، فبدأت في تغيير وجوه المؤسسة الدينية الكبيرة وإتاحة الفرصة لمن لديهم قابلية شعبية مثل الشيخ عبد العزيز ابن باز والشيخ محمد ابن عثيمين وغيرهم حتي تسد الباب علي من يريد استلاب دور الأسرة المالكة الديني السياسي (عادت في الوقت الراهن إلي الاستعانة بآل الشيخ فيما يشبه توارث الكهنوت بعد أن بدأ تيار ديني مستقل يتشكل بدعم غير مباشر من ابن باز وغيره).
هز جهيمان العتيبي وشريكه محمد القحطاني الأسرة المالكة في صميم وجودها الديني ورغم اتهامهما من قبل الأسرة المالكة بالشعوذة وقيامها بتزوير أشرطة صوتية لهما تتحدث عن ادعاء القحطاني بأنه المهدي، فيما يعتبر حركة سابقة للأنظمة العربية في اتهام مناوئيها بالجنون إذا كان فردا واحدا وبالشعوذة والتطرف إذا كانوا جماعة وبالمخدرات إذا كانوا في أفغانستان. إلا أن حركة جهيمان رغم خطأها باحتلال الحرم الشريف لنقص أدواتها المعرفية في النضال السياسي، أعطت امتدادا لروح التمرد ضد النظام والرغبة في المشاركة التي ورثت من حركة الأخوان وتطورت مرورا بمذكرة النصيحة في تموز (يوليو) 1992 والتي تتضمن برنامجا تفصيليا يركز علي الحقوق الشرعية من وجهة نظر الإسلاميين لكنه حري بالاحترام إذ هو أشبه ببرنامج حزب سياسي، واعتراضات سلمان العودة وسفر الحوالي اللذين أفاضا في البحث عن طرق للجمع بين المشاركة السياسية وآليات التمثيل الشعبي والإسلام في صورته السلفية، وخطاب أهل منطقة عسير الذي يشكو من جور أميرها وعدم تحقيقه للعدالة، وخطاب أهل الجوف للأمير نايف الذي يعترض علي تصرفات رئيس المباحث العامة في المنطقة، والتحركات الإسماعيلية المتكررة في نجران، والاثني عشرية في شرق المملكة والمدينة المنورة، حتي وصلت إلي مرحلة الشيخ أسامة بن لادن.
يعرف المراقب للفعاليات السياسية السعودية أن روح التمرد لن تتوقف، لأن النظام السعودي يقدم بإرادته أو دونها الوقود اللازم للتمرد والتطرف والتعصب. فرفض الأسرة المالكة الاعتراف بفشلها في إدارة البلاد في أزماتها، وعدم تقبلها فكرة تخبط سياساتها التنموية والسياسية حتي أنها تصببت عرقا قبل عدة أسابيع حين كال لها رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد درسا في التخطيط الاقتصادي عبر استغرابه فشلها التنموي خلال خطابه في مؤتمر اقتصادي أقيم علي أرضها، كل ذلك يوفر الدعم المطلوب بحركة تغيير كبيرة داخل المملكة، هذه الحركة تتلمس طريقها بهدوء وسط رمال الكراهية والتفرقة والعنصرية التي زرعت عبر عقود لكنها تتفتت عبر حوار يتم رغما عن الأسرة المالكة التي تبذل كل الجهد من أجل إيقافه.

فهد89
30-12-2002, 10:17 AM
تغير الزمن .. والانترنت:

فشل المتنفذون في الأسرة المالكة في السيطرة علي حوار التيارات وتغير الزمن، فجهيمان العتيبي الذي استطاع تكوين خليته في أربعة مساجد في الأحياء الفقيرة جنوب الرياض وبالذات مسجد الرويل في حي منفوحة سيرفع حاجبيه تعجبا من رؤيته لمنتديات افتراضية علي الانترنت تقدم حوارا جادا بين مواطني السعودية بمختلف مذاهبهم ومرجعياتهم. وأصبح هناك برلمان سعودي يمارس فعالياته عبر الانترنت تدور فيه حاليا عملية تكوين لتمرد منظم وجد طريقه للشوارع (مواجهات بين التيار السلفي الجهادي ورجال المباحث في مناطق عدة في الجوف والرياض ووادي الدواسر وعسير بالإضافة إلي صدامات كورنيشي الخبر وجدة وشارعي الأمير عبد الله والعروبة في الرياض التي تعبر عن رغبة في التحرر من القيود الاجتماعية) فتذويب الفوارق وتفهم الآخر ولو كان يتم بسرعة بطيئة نتيجة لعمليات التخريب التي يقوم بها خريجو المعهد الثقافي التابع للمباحث العامة تدهش المراقب.
يبذل مشرفو المنتديات الانترنتية جهدهم علي خلق حوار وطني كبير راقي المعاني يجمع المواطنين علي حب وطنهم والتفريق بين الولاء له والولاء للأسرة. كما يتفنن السعوديون في فضح الممارسات القمعية للنظام، بل أنهم يتفوقون علي غيرهم من العرب في ضوضائهم الانترنتية وحوارهم عالي الضجيج بسبب حالة فرض الصمت الرسمية.
وبدلا من اعتراف الأسرة المالكة السعودية بأن الحوار المتبادل والمشاركة السياسية وإشاعة ثقافة حقوق الإنسان والالتزام بأركان الحكم الصالح هو صمام الأمان من حدوث الكوارث الأمنية والسياسية والاقتصادية، يخفق النظام في تطبيق عدالة قانونية دون تحيز، فأبناؤه لا يعرضون علي القضاء مثلهم مثل غيرهم من المواطنين وللمثال أصبح الشاب منذر القاضي شهيد الوطن الذي لم تهدأ قلوب المواطنين المخلصين من أجله بعد أن قتله احد الأمراء الذي شرف برحلة سويسرية جميلة بدلا من المثول أمام القضاء. أما عن الشفافية القائمة علي التدفق الحر للمعلومات وانفتاح المؤسسات والعمليات المجتمعية مباشرة للمهتمين لتفهمها ومراقبتها، فأمر خطير في عرف وزارة الداخلية السعودية بل أن عمل استبيانات أو إحصاءات في شوارع المدن أو بالهاتف جريمة لا تغتفر، ناهيك عن استجابة المؤسسات العامة لخدمة جميع من لهم مصلحة فيها معلوماتيا فهي قصر علي أبناء العائلة فقط.
والمساواة غير موجودة البتة فالتفاوت الطبقي يخجل أي باحث مسلم يؤمن انه قريب من الكعبة وأرض محمد الداعي للمساواة وعمر بن الخطاب مطبقها علي ولاته من مجرد فتح الأمر للنقاش.



نايف والاخوان المسلمون:

لم يتوقف صراع الأسرة المالكة مع الديمقراطية خاصة مع تطور نظرة التيارات الإسلامية لها ومحاولاتهم الدؤوب في صبغها بشعارات إسلامية تنطلق من الشوري والمساواة والعدالة والقبول بالمشاركة السياسية. وما هجوم الناطق الأمني السعودي وزير الداخلية الأمير نايف بن عبد العزيز علي الأخوان المسلمين وإشارته إليهم بأصابع التجريم وأنهم أس البلاء إلا محاولة للتهرب من مسؤولية 11 ايلول (سبتمبر) وان العنف السياسي الإسلامي لم يأت نتيجة للقمع وروح العنف المتجذرة لدي النظام، بل انه حصيلة لعمل سيل شخصيات الأخوان الذين قدموا من مصر وسورية والأردن والذين يعدهم النظام السعودي الآن خونة.
ويثير الأمير نايف حيرة الكثير من المهتمين بالشأن السعودي فهو لم يوضح لماذا الأخوان المسلمون مصدر شر وكعادته في أحاديثه يقتضب إلي حد لا يمنح صورة كاملة عن ما يريد قوله. فلو أن الأخوان مصدر شرور: لماذا بقي الشيخ عبد الرزاق عفيفي وهو أخواني مصري ضمن هيئة كبار العلماء الشرعيين السعوديين سنوات طويلة والتي تساهم في السياسة الدينية والفتوي ذات البعد السياسي في المملكة، ولماذا قرب مناع القطان وغيره إلي درجة أن أصبحوا صناع قرار سياسي أكثر من مستشارين خاصة فيما يتعلق بالحركات الإسلامية ودعم السعودية لها. لا يجد الباحث إلا تساؤلا واحدا هو هل نهاية شهر العسل بين الأسرة المالكة السعودية والأخوان المسلمين نتيجة لرغبة سعودية في قطع علاقاتها المتشعبة مع الحركات الإسلامية الدولية أم أن وراء الأكمة ما وراءها.
تتمثل الحقيقة في أن تطور فكر الأخوان واقترابهم من الديمقراطية الإسلامية وتطوير قياداتهم الحالية لمسألة الشوري ومراقبة الحكام وكف يد الفاسد منهم هي التي أقلقت صناع القرار في المملكة، فالفكر الأخواني يبدو اليوم متوددا للطروحات الديمقراطية وفعالا من أجل تثبيت الشوري والتداول في الحكم والمشاركة في السلطة من قبل الشعب وليس الترابي ببعيد وما تدهور العلاقات السعودية السودانية خلال تواجد الترابي علي سدة الحكم إلا شاهد علي الفزع السعودي.
يزداد ولع الأخوان المسلمين بالديمقراطية وشغفهم في تأسيس ما يسمي بالليبرالية الإسلامية وهو أمر يجتاز الخط الأحمر السعودي لقدرة الأخوان علي التأثير داخل السعودية. فقد أثر الترابي كثيرا علي فكر التيار السلفي السعودي وحول آمال السلفيين السعوديين نحو التجربة السودانية. وليس بسر أن المملكة بذلت جهودا كبيرة لأبعاد الترابي عن الحكم والقضاء علي التجربة الإسلامية الأخوانية التي (بشرت) بديمقراطية إسلامية سرعان ما انهارت لأسباب عدة.
ولقد أمتعض السعوديون كثيرا لدعوة حزب جبهة العمل الإسلامي الأردني (الأخوان المسلمين) ممثلة في الدكتور عبد اللطيف عربيات الذي أعلن أولوية المسألة الدستورية الديمقراطية، وخصوصا لجهة الدفاع عن الحريات العامة . وبدأت القطيعة قبل وقت طويل مع أخوان مصر وبدت واضحة في مؤتمر إسلامي عقد في الرياض قبل أشهر نتج عنه تضارب في الرؤي بين السعوديين وقيادات إسلامية محسوبة علي الأخوان أبدت تشككها في نجاعة المحاولة السعودية في إلقاء تبعات أحداث 11 ايلول (سبتمبر) علي التصرفات الإسرائيلية والأمريكية فقط بل أكدت أن للحكام العرب وقمعهم دورا في ذلك.
ما يخشاه أولو الأمر في السعودية هو الدعوة إلي الديمقراطية والتلويح بحقوق الإنسان فالقبول بذلك لا يعني سوي نهاية النظام السعودي بشكله الحالي، وحتي انتخاب أعضاء في مجلس الشوري السعودي يشكل هما يبذلون جهدهم لأبعاده وتأجيله، وتبذل الأسرة المالكة السعودية جهدها في حشد الجهود الإسلامية المختلفة لاستنكار هذه الدعوات، لكنها تعد قيام الأخوان بتشريع ضرورة توفر الحريات والمشاركة هو خيانة للأسرة المالكة السعودية التي تمن عليهم بوقوفها جانبهم أبان مرحلة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.
ويبدو الأمير نايف بن عبد العزيز مرتاحا في الوقت الراهن بعد أن نجح في أبعاد الأمير تركي الفيصل من رئاسة الاستخبارات العامة التي بذلت جهودا ضخمة في سبيل تكميم أفواه الحركات الإسلامية الدولية حول الديمقراطية. فالأمير تركي الفيصل أحد الأمراء القريبين من الأخوان المسلمين بل أن أخاه محمدا راعي حركتهم المالية عبر بنك فيصل الإسلامي ولطالما كافح الملك فهد بضراوة طروحات محمد وحذر إخوانه من تدخله في الشؤون السياسية المحلية بل حذرهم مرارا من الانغماس بقوة في فعاليات الأخوان أو أظهار التأييد المطلق وقصر ذلك علي عمليات استخباراتية لا غير.
تقارب تركي مع الأخوان وتبسطه معهم أقنع أعمامه بقدرته علي جعلهم أداة في يد السلطة وأنهم سيكونون ناطقا بأسم الأسرة المالكة أمام المجتمع الإسلامي الدولي، لكن حرب الخليج أبانت أن الأخوان أكثر ذكاء من الانقياد إلي القفص السعودي المذهب. وزاد علي ذلك مزج تركي بين الأخوان والأمريكيين فأحرق أصابعه مع أعمامه ونفذ بجلده إلا قليلا قبل أحداث 11 ايلول (سبتمبر) بأسبوعين ولا تزال في ذاكرته نصائح خاله كمال أدهم الفاشلة.
ورغم أن صيحات داخل الأسرة المالكة من الأمراء طلال بن عبد العزيز وابنيه الوليد وتركي وأبناء الأمير مساعد بن عبد العزيز وعبد الله بن فيصل بن تركي وأمراء قلة آخرين تشير إلي أهمية المشاركة السياسية والانتخابات، ومحاولتهم تشكيل مشروع يمزج ما بين النقيضين: استمرار انفراد الأسرة بالسيطرة علي موارد البلاد والسماح للمواطنين بانتخاب مجلس شوري مهادن وبدرجة أقل مجالس مناطق ذات صلاحيات واسعة لا تزيد عن شؤون الأحياء البسيطة. رغم ان هذا المشروع ضمن أوراق الأسرة المالكة بل يؤكد أحد الأمراء أن المشروع قد عرض ضمن أجندة الملك القادم عبد الله إلا انه سرعان ما سحبه منها بعد أن رأي أنها ستكون محل خلاف قوي مع أطراف عديدة في الأسرة المالكة، فجناح آل فهد وهم محافظون واقرب لليمين التقليدي يجزمون أن أي مشاركة سياسية لا تعني سوي ارتفاع سقف الحوار وبداية لتنازلات متوالية ستصل إلي المطالبة برأس النظام، فالكويت ليست بعيدة جدا حتي لا يسمع فيها آل سعود صيحات المحاسبة والرفض لتصرفات العائلة الحاكمة فيها. والتجربة البحرينية لا تعني لهم سوي أن الشيعة رغم أنهم انتخبوا من أرادوا إلا أن الانتخاب ليس نهاية المطاف بل انه بداية للحصول علي الحقوق ودرجة في سلم المشاركة السياسية ستنتهي بمتسلقيه إلي العبور إلي حقوق كاملة قصر الزمن أو طال.

فهد89
30-12-2002, 10:19 AM
الامير عبدالله والاجندة السياسية:

أمراء الإقصاء والاستبداد يتشككون في نوايا الأمير عبد الله الذي يؤجل خططه ولا يريد القيام بشيء الآن وهو يعمل بطاقة غير كافية منتظرا الجلوس علي العرش وتسجيل اسمه في سجل الحكام صانعي التغيير.
يري عبد الله أن بلاده في حاجة إلي التغيير ومنذ أن تسلم صولجان الحكم مؤقتا ونيابة عن أخيه فهد المقعد وهو يكتشف كم هو صعب الاستقلال بالرأي وممارسة الحكم بشكل كامل في ظل ميزان قوي متأرجح ترقب الأيادي المختلفة اغماضة الأعين المناوئة كي تطفف.
وتعمل الأجنحة المناوئة لعبد الله علي حشد العائلة المالكة علي رفض ما ينوي القيام به وان ذلك تنازلات ليست في الوقت المناسب، فالنظام لم يتصدع بالدرجة الكافية للخشية عليه من الانهيار والشعب لم يثر فالثورة بعيدة ولن تقع رغم أن احد الأمراء وهو متعب بن عبد العزيز المحسوب علي جناح عبد الله يصف الثورة للصحافيين بأنها كالثور الأسباني الذي يطلق في شوارع المدينة هائجا يكسر كل ما يراه ولا يفرق بين الجيد والسيئ لا حل معه سوي القتل.
تحوي أجندة عبد الله نوعا جديدا من المشاركة السياسية لكن عقول مناوئيه تصر علي الرفض الكامل لها والتشكيك بجدواها. وعبد الله أقرب الناس إلي والده في شخصيته بعد الملك سعود. فهو محارب وقت الحرب ومداهن وقت السلم ولن يبخل علي شعبه بشيء من التمثيل السياسي لكن نسخته للمشاركة السياسية التي يصر علي حق تأليفها ليست فعالة فهي تتضمن شروطا عديدة منها أن حق الانتخاب كرم من العائلة المالكة يجب علي الشعب أن يقدره حق القدر ويبذل في سبيل العائلة المالكة الغالي والنفيس وهو يعتقد أن اختيار الشعب نوابا كنواب مجلس الأمة في الكويت ليس رداً للجميل من الشعب لذا سيكون شعاره في الانتخابات الحلم انتخبوا من يمدحنا . وبالطبع الشعب السعودي لم يعد أميا في السياسة رغم اصوات المنتفعين ولن يرضي بهذه الوصفة الرديئة فالنخبة السياسية والثقافية تتحرك ولو كان ببطء لصياغة مشروع أفضل سترغم الأسرة عاجلا أو آجلا علي قبوله للبقاء.
ويبقي السؤال: هل ستتمكن العائلة المالكة من تذوق الطعم المر للمشاركة السياسية الحقيقية؟ سؤال أجابته ليست صعبة فالحرية والمشاركة وكل أدوات الديمقراطية لا تمنح بل تؤخذ وليس بالعنف وحده تتم، فالأسرة المالكة أبانت عن وجهها الباغض للديمقراطية عدة مرات بل أنها أصبحت تتدخل في شؤون الآخرين من أخوتنا العرب فقد قال رئيس المؤتمر الوطني العراقي المعارض انه التقي مع قادة جهاز المخابرات السعودية الذين أكدوا له أن القيادة السعودية تريد مساعدة المؤتمر لكن شريطة أن يتخلي عن الديمقراطية وحقوق الإنسان وبعدها ستقوم الحكومة السعودية بالمساعدة اللازمة.
وأضاف جلبي في حوار مع شبكة التلفزيون العامة الأمريكية PBS انه رفض ذلك فقاطع السعوديون مؤتمره ولم يتحدثوا معه منذ ذلك الوقت. وكان اجتماع قد تم عام 1993 بين أطراف في الحكومة السعودية وقيادات من المؤتمر في السعودية قد أسفر عن طلب رسمي سعودي للمعارضة العراقية بأن تترك عنها الديمقراطية وسيسفر ذلك عن مساندة سعودية للمعارضة لإزاحة صدام من كرسي الحكم.
يتبين بعد ذلك أن الديمقراطية وحقوق الإنسان بمعناهما الحقيقي ليستا مرغوبتين ومرحبا بهما من قبل الحكام في أرض الرسالات وموطن المبشر بالعدالة السماوية والمساواة واحترام حقوق الإنسان ولم يبق علي شعبنا سوي أن يعلق الجرس.