فهد89
30-12-2002, 10:10 AM
هذه مقالة الكاتب السعودي المطرود عبدالعزيز الخميس, وقد كان عبدالعزيز يعمل رئيس تحريرفي إحدى المجلات السياسية.
وقد فصل من عمله وأجبره الامير سلطان على الذهاب إلى معمر القذافي والإعتذار منه بعد ان نشرت مجلته مقالة لرجل فلسطيني تغزل في أبنة القذافي قبل عامين,
ويعيش عبدالعزيز الآن في لندن بعد فصله, وقد أعجبتني بشدة هذه المقالة رغم طولها وأحببت أن أنقلها لكم,
مقدمة:
هذه محاولة لفهم علاقة النظام السعودي باشكالية الديمقراطية وحقوق الانسان، وتفترض القراءة ان النظام الحاكم في السعودية يري في الديمقراطية مقتله. وضمن هذا الاطار يحلل الكاتب عبد العزيز خميس هذه الاشكالية، مستعرضا تاريخ العلاقة بين هذه المفاهيم والدولة الناشئة في عهد مؤسس الدولة عبد العزيز ومرورا بالتحالفات والتعارضات في داخل النظام مع الحركات الاسلامية المحلية والدولية.
القدس العربي
عبد العزيز بين الاخوان واهل الحجاز,
لا يخامر أي باحث أو مراقب شك في بغض المتنفذين في الأسرة المالكة في المملكة العربية السعودية للديمقراطية وحقوق الإنسان، فالمصطلحان مكروهان في قاموس الأسرة ومن أعمال خوارج هذا الزمان ولا يعنيان سوي الفتنة والخروج عن ملة الإسلام وتمكين الثقافة الغربية من النفوذ إلي الصدور العربية الشريفة.
لكن التاريخ يسجل أن الأسرة تعاطت نسبيا هاتين الكلمتين (ديمقراطية + حقوق إنسان) ورغم أنها حاولت محو ذلك من الذاكرة الوطنية إلا أن الوقائع بقيت للأجيال ماثلة للعيان لن تزيلها أيدي الإعلام المطبل ولا أوراق البنكنوت المتناقص.
فقد بدأ تعاطي الأسرة السعودية للديمقراطية منذ أن دخل الملك عبد العزيز مكة المكرمة بعد أن سلمها إياه قادة الأخوان السلفيون الشريف خالد بن لؤي وسلطان بن بجاد وفيصل الدويش الذين انهوا مهمة دموية في الطائف وتربة قتل فيها آلاف من العزل والنساء والأطفال في مجازر لا زالت أجساد البعض ترتعش عند ذكرها حيث تم نحر كل شخص يقابل الأخوان في شوارع المدينتين ليس لشيء سوي انه غير ملتح أو امرأة كاشفة الوجه أو عجوز يشك في انتمائه.
دخل الملك عبد العزيز مكة المكرمة بعد أن سبقته أنباء المذابح إليها والي العالم الإسلامي وبدأت أصوات الاستنكار تتعالي وخاصة في الأزهر والهند خوفا علي مكة ومقدساتها من مجازر أخري. لم يفت علي الملك عبد العزيز ذلك فقام بتطمين سكان مكة علي أنفسهم وبدأ يري بالعين المجردة أثر ما فعله جيشه الأخواني العقائدي علي مخططه في الوصول إلي قلب الإسلام مكة والاستحواذ علي درة الجزيرة العربية والتي ما أن تتمكن منها حتي يصبح حكمك شرعيا محترما في العالم الإسلامي. لكن العقبة الكأداء تتمثل في أهالي مكة الذين لم تبرد بعد حرارة مواجعهم علي أخوتهم في الطائف وتربة وغيرها من قري وأرياف الحجاز التي مرت عليها عاصفة الصحراء الأخوانية مخلفة الدمار.
لم يجد الملك عبد العزيز أمامه سوي تقديم نفسه كحكم محايد بين ذئاب الصحراء (الأخوان) ونعاج الوادي المقدس ( الحجازيون) فبدأ حديثه مع الأهالي بتبرئة نفسه مما فعله الأخوان السلفيون بهم، وانه سيقضي علي أي تصرفات مستقبلية.
قدم عبد العزيز وعوداً لأهالي مكة بان يحكموا أنفسهم بأنفسهم. ووجه لهم خطاباً في الأول من آب (أغسطس) عام 1925 داعيا إياهم للاجتماع وانتخاب مجلس يدير أمورهم وان مسؤولية إدارة البلاد تقع علي عاتقهم. لقد دعا الملك عبد العزيز المواطنين إلي الانتخاب والتمثيل الديمقراطي في وقت كانت النبرة الإسلامية قوية وجحافل السلفية في عز أوجها وسيوف الأخوان المتزمتة خارج غمدها ولم يفت مشايخ السلفية وعلي رأسهم الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف آل الشيخ ضد مشروعه الانتخابي ولم يقل أحدهم أن الديمقراطية حرام وان الانتخابات لا تتماشي مع الخصوصية السعودية التي يصدعنا النظام السعودي في الوقت الراهن عبر أمرائه بها وعلي رأسهم وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل. فهل كانت هذه الخصوصية غير موجودة في وقت الملك عبد العزيز حيث كانت الأمية غالبة والتخلف يعم الجزيرة العربية من شرقها إلي غربها، بينما تم اكتشاف (الخصوصية) السعودية مع تحسن الأوضاع الاقتصادية بالنفط وارتفاع نسبة المتعلمين وتواصل الشعب مع الخارج وإطلاعه علي ثقافات أخري تشيع فيها الديمقراطية بمختلف فروعها.
وهل كان الملك عبد العزيز وشيوخ السلفية آنذاك خارجين علي شريعة الإسلام وغير متفقهين في الدين حتي لا يعلموا أن الانتخابات والتمثيل والمشاركة السياسية حرام ومصدر للفتنة وعزوف عن القاعدة الشرعية التي يرددونها وهي أن الحكم لله وليس للشعب.
قدم الملك عبد العزيز مبادرته الديمقراطية ليس هياما بمبدأ المشاركة السياسية، ولا لأن البيئة التي قدم منها إلي مكة المكرمة موطن ثقافة الماغنا كارتا، بل كانت عروضه الديمقراطية لأهالي الحجاز سبيلا للحصول علي رضاهم خاصة من رفضوا حكمه وتمردوا علي سلطته متهميه بالقسوة والديكتاتورية واستعمال السيف في إدارة أمور الشعب.
نصيحة فيلبي:
توقف الملك عبد العزيز عند هذه المؤشرات التي يراها مهمة في وسط ظروف إقليمية ودولية متغيرة، فمصر تراقب الوضع بجلد والهاشميون علي المرصاد في شمال الحجاز، فقدم لأهالي الحجاز عصا الأخوان السلفيين بيد، وجزرة المشاركة السياسية بيد أخري، وكان وراء محاولاته الذكية الضابط البريطاني جون فيلبي الذي اقنع الملك عبد العزيز بأنه إذا أراد أن يقضي علي المعارضة الشعبية لوجود آل سعود في الحجاز فعليه أن يقنعهم أن لا رغبة لديه سوي إشاعة الأمن والوقوف موقف المراقب العادل.
يقول الملك عبد العزيز لأعضاء المجلس المنتخب بعد أن اجتمع معهم في بهو الحكومة في مكة صباح يوم الثلاثاء الرابع من آب (أغسطس) 1925: تعلمون حضراتكم مقاصدنا التي أعلناها منذ قدمنا إلي هذه الديار وهي لم تتغير ولم تتبدل وكنت علي الدوام يهمني أن يقوم أهل البلاد في إدارة شؤونهم . وينتقد الملك عبد العزيز في كلمته حكام الحجاز السابقين بأنهم يزنون المصلحة بميزان منافعهم الشخصية وأنه يأسف لما حل بالبلاد من تلاعب الأهواء والغايات ويعتقد أن الأمور لن تنتظم إذا لم يتول أبناء البلاد مصالح أنفسهم.
تم إيقاف ساعة الديمقراطية السعودية عن العمل بعد أن استتبت الأمور في الحجاز للملك، وشل مجلس الشوري المنتخب حتي أن أعضاءه بقوا يتقاضون رواتبهم دون أن يجتمعوا إلا إذا طلبت منهم الحكومة ذلك. ولم تتم انتخابات أخري ولا يحزنون فقد تمكن الملك من مكة وتوقفت الذئاب عن نهش لحوم النعاج تاركة الأمر لسيدها الذي بدأ في بناء سد الخصوصية السعودية، بل أن نقل وزارات الحكومة من مكة بدأ في عهد عبد العزيز وليس كما يشاع أن أبنه سعود أول من قام بذلك. وكان ذلك تهميشا لدور مكة كعاصمة للسعودية وتخوفا من الأسرة المالكة أن تقاد إلي فخ يبعدها عن قاعدة حكمها العشائرية ويربطها باللعبة الحجازية المعتمدة علي المشاركة والانفتاح السياسي.
تعكس قصة الملك عبد العزيز مع الديمقراطية البسيطة هذه تماما كيف تفكر الأسرة المالكة السعودية بما يسمي المشاركة السياسية، فهي حلال حينما تكون في موقف ضعيف من الناحية السياسية وحرام حينما لا تبدو في الأفق مخاطر.
جهيمان العتيبي:
سارت الأسرة المالكة السعودية ولا تزال علي سنة الوالد الكبير، بل إن أمراءها ومفكريها لا يرون إتاحة الفرصة لأقطاب فاعلة في المجتمع في مشاركتهم الحكم، إلا بعد أن تثبت هذه الأقطاب قدرتها علي استعمال العنف، ولنأخذ ما فعله جهيمان العتيبي في الحرم المكي الشريف في تشرين الثاني (نوفمبر) 1979 كأنموذج. أوضح جهيمان في خطبه التي بثت من ميكروفونات الحرم وسمعها سكان مكة بأن الحكومة تدعي من جهة أنها مركز الدين الحنيف في العالم ولكنها من الجهة الأخري تناصر الظلم والفساد والرشوة، وهاجم جهيمان الأمراء الذين يستولون علي الأراضي ويبذرون أموال الدولة، وبعد أن تم القضاء عليه تنازلت الحكومة السعودية عن ما قدمته للشعب من حريات اجتماعية رغم بساطتها وبدلا من أن تبحث في أسباب تمرد جهيمان ومن معه ومطالبهم بالعدالة والمساواة، عادت إلي التضييق عليهم واستعمال أدوات متعصبة دينية مرة أخري كطوق محكم علي المجتمع. وكان دافعها في ذلك ذعرها من أن خبرتها في الاستعمال السياسي للدين تكاد تتسرب من يديها إلي غيرها في ظل عدم توفر شخصيات من عائلة آل الشيخ الحليفة لها شعبية، فبدأت في تغيير وجوه المؤسسة الدينية الكبيرة وإتاحة الفرصة لمن لديهم قابلية شعبية مثل الشيخ عبد العزيز ابن باز والشيخ محمد ابن عثيمين وغيرهم حتي تسد الباب علي من يريد استلاب دور الأسرة المالكة الديني السياسي (عادت في الوقت الراهن إلي الاستعانة بآل الشيخ فيما يشبه توارث الكهنوت بعد أن بدأ تيار ديني مستقل يتشكل بدعم غير مباشر من ابن باز وغيره).
هز جهيمان العتيبي وشريكه محمد القحطاني الأسرة المالكة في صميم وجودها الديني ورغم اتهامهما من قبل الأسرة المالكة بالشعوذة وقيامها بتزوير أشرطة صوتية لهما تتحدث عن ادعاء القحطاني بأنه المهدي، فيما يعتبر حركة سابقة للأنظمة العربية في اتهام مناوئيها بالجنون إذا كان فردا واحدا وبالشعوذة والتطرف إذا كانوا جماعة وبالمخدرات إذا كانوا في أفغانستان. إلا أن حركة جهيمان رغم خطأها باحتلال الحرم الشريف لنقص أدواتها المعرفية في النضال السياسي، أعطت امتدادا لروح التمرد ضد النظام والرغبة في المشاركة التي ورثت من حركة الأخوان وتطورت مرورا بمذكرة النصيحة في تموز (يوليو) 1992 والتي تتضمن برنامجا تفصيليا يركز علي الحقوق الشرعية من وجهة نظر الإسلاميين لكنه حري بالاحترام إذ هو أشبه ببرنامج حزب سياسي، واعتراضات سلمان العودة وسفر الحوالي اللذين أفاضا في البحث عن طرق للجمع بين المشاركة السياسية وآليات التمثيل الشعبي والإسلام في صورته السلفية، وخطاب أهل منطقة عسير الذي يشكو من جور أميرها وعدم تحقيقه للعدالة، وخطاب أهل الجوف للأمير نايف الذي يعترض علي تصرفات رئيس المباحث العامة في المنطقة، والتحركات الإسماعيلية المتكررة في نجران، والاثني عشرية في شرق المملكة والمدينة المنورة، حتي وصلت إلي مرحلة الشيخ أسامة بن لادن.
يعرف المراقب للفعاليات السياسية السعودية أن روح التمرد لن تتوقف، لأن النظام السعودي يقدم بإرادته أو دونها الوقود اللازم للتمرد والتطرف والتعصب. فرفض الأسرة المالكة الاعتراف بفشلها في إدارة البلاد في أزماتها، وعدم تقبلها فكرة تخبط سياساتها التنموية والسياسية حتي أنها تصببت عرقا قبل عدة أسابيع حين كال لها رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد درسا في التخطيط الاقتصادي عبر استغرابه فشلها التنموي خلال خطابه في مؤتمر اقتصادي أقيم علي أرضها، كل ذلك يوفر الدعم المطلوب بحركة تغيير كبيرة داخل المملكة، هذه الحركة تتلمس طريقها بهدوء وسط رمال الكراهية والتفرقة والعنصرية التي زرعت عبر عقود لكنها تتفتت عبر حوار يتم رغما عن الأسرة المالكة التي تبذل كل الجهد من أجل إيقافه.
وقد فصل من عمله وأجبره الامير سلطان على الذهاب إلى معمر القذافي والإعتذار منه بعد ان نشرت مجلته مقالة لرجل فلسطيني تغزل في أبنة القذافي قبل عامين,
ويعيش عبدالعزيز الآن في لندن بعد فصله, وقد أعجبتني بشدة هذه المقالة رغم طولها وأحببت أن أنقلها لكم,
مقدمة:
هذه محاولة لفهم علاقة النظام السعودي باشكالية الديمقراطية وحقوق الانسان، وتفترض القراءة ان النظام الحاكم في السعودية يري في الديمقراطية مقتله. وضمن هذا الاطار يحلل الكاتب عبد العزيز خميس هذه الاشكالية، مستعرضا تاريخ العلاقة بين هذه المفاهيم والدولة الناشئة في عهد مؤسس الدولة عبد العزيز ومرورا بالتحالفات والتعارضات في داخل النظام مع الحركات الاسلامية المحلية والدولية.
القدس العربي
عبد العزيز بين الاخوان واهل الحجاز,
لا يخامر أي باحث أو مراقب شك في بغض المتنفذين في الأسرة المالكة في المملكة العربية السعودية للديمقراطية وحقوق الإنسان، فالمصطلحان مكروهان في قاموس الأسرة ومن أعمال خوارج هذا الزمان ولا يعنيان سوي الفتنة والخروج عن ملة الإسلام وتمكين الثقافة الغربية من النفوذ إلي الصدور العربية الشريفة.
لكن التاريخ يسجل أن الأسرة تعاطت نسبيا هاتين الكلمتين (ديمقراطية + حقوق إنسان) ورغم أنها حاولت محو ذلك من الذاكرة الوطنية إلا أن الوقائع بقيت للأجيال ماثلة للعيان لن تزيلها أيدي الإعلام المطبل ولا أوراق البنكنوت المتناقص.
فقد بدأ تعاطي الأسرة السعودية للديمقراطية منذ أن دخل الملك عبد العزيز مكة المكرمة بعد أن سلمها إياه قادة الأخوان السلفيون الشريف خالد بن لؤي وسلطان بن بجاد وفيصل الدويش الذين انهوا مهمة دموية في الطائف وتربة قتل فيها آلاف من العزل والنساء والأطفال في مجازر لا زالت أجساد البعض ترتعش عند ذكرها حيث تم نحر كل شخص يقابل الأخوان في شوارع المدينتين ليس لشيء سوي انه غير ملتح أو امرأة كاشفة الوجه أو عجوز يشك في انتمائه.
دخل الملك عبد العزيز مكة المكرمة بعد أن سبقته أنباء المذابح إليها والي العالم الإسلامي وبدأت أصوات الاستنكار تتعالي وخاصة في الأزهر والهند خوفا علي مكة ومقدساتها من مجازر أخري. لم يفت علي الملك عبد العزيز ذلك فقام بتطمين سكان مكة علي أنفسهم وبدأ يري بالعين المجردة أثر ما فعله جيشه الأخواني العقائدي علي مخططه في الوصول إلي قلب الإسلام مكة والاستحواذ علي درة الجزيرة العربية والتي ما أن تتمكن منها حتي يصبح حكمك شرعيا محترما في العالم الإسلامي. لكن العقبة الكأداء تتمثل في أهالي مكة الذين لم تبرد بعد حرارة مواجعهم علي أخوتهم في الطائف وتربة وغيرها من قري وأرياف الحجاز التي مرت عليها عاصفة الصحراء الأخوانية مخلفة الدمار.
لم يجد الملك عبد العزيز أمامه سوي تقديم نفسه كحكم محايد بين ذئاب الصحراء (الأخوان) ونعاج الوادي المقدس ( الحجازيون) فبدأ حديثه مع الأهالي بتبرئة نفسه مما فعله الأخوان السلفيون بهم، وانه سيقضي علي أي تصرفات مستقبلية.
قدم عبد العزيز وعوداً لأهالي مكة بان يحكموا أنفسهم بأنفسهم. ووجه لهم خطاباً في الأول من آب (أغسطس) عام 1925 داعيا إياهم للاجتماع وانتخاب مجلس يدير أمورهم وان مسؤولية إدارة البلاد تقع علي عاتقهم. لقد دعا الملك عبد العزيز المواطنين إلي الانتخاب والتمثيل الديمقراطي في وقت كانت النبرة الإسلامية قوية وجحافل السلفية في عز أوجها وسيوف الأخوان المتزمتة خارج غمدها ولم يفت مشايخ السلفية وعلي رأسهم الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف آل الشيخ ضد مشروعه الانتخابي ولم يقل أحدهم أن الديمقراطية حرام وان الانتخابات لا تتماشي مع الخصوصية السعودية التي يصدعنا النظام السعودي في الوقت الراهن عبر أمرائه بها وعلي رأسهم وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل. فهل كانت هذه الخصوصية غير موجودة في وقت الملك عبد العزيز حيث كانت الأمية غالبة والتخلف يعم الجزيرة العربية من شرقها إلي غربها، بينما تم اكتشاف (الخصوصية) السعودية مع تحسن الأوضاع الاقتصادية بالنفط وارتفاع نسبة المتعلمين وتواصل الشعب مع الخارج وإطلاعه علي ثقافات أخري تشيع فيها الديمقراطية بمختلف فروعها.
وهل كان الملك عبد العزيز وشيوخ السلفية آنذاك خارجين علي شريعة الإسلام وغير متفقهين في الدين حتي لا يعلموا أن الانتخابات والتمثيل والمشاركة السياسية حرام ومصدر للفتنة وعزوف عن القاعدة الشرعية التي يرددونها وهي أن الحكم لله وليس للشعب.
قدم الملك عبد العزيز مبادرته الديمقراطية ليس هياما بمبدأ المشاركة السياسية، ولا لأن البيئة التي قدم منها إلي مكة المكرمة موطن ثقافة الماغنا كارتا، بل كانت عروضه الديمقراطية لأهالي الحجاز سبيلا للحصول علي رضاهم خاصة من رفضوا حكمه وتمردوا علي سلطته متهميه بالقسوة والديكتاتورية واستعمال السيف في إدارة أمور الشعب.
نصيحة فيلبي:
توقف الملك عبد العزيز عند هذه المؤشرات التي يراها مهمة في وسط ظروف إقليمية ودولية متغيرة، فمصر تراقب الوضع بجلد والهاشميون علي المرصاد في شمال الحجاز، فقدم لأهالي الحجاز عصا الأخوان السلفيين بيد، وجزرة المشاركة السياسية بيد أخري، وكان وراء محاولاته الذكية الضابط البريطاني جون فيلبي الذي اقنع الملك عبد العزيز بأنه إذا أراد أن يقضي علي المعارضة الشعبية لوجود آل سعود في الحجاز فعليه أن يقنعهم أن لا رغبة لديه سوي إشاعة الأمن والوقوف موقف المراقب العادل.
يقول الملك عبد العزيز لأعضاء المجلس المنتخب بعد أن اجتمع معهم في بهو الحكومة في مكة صباح يوم الثلاثاء الرابع من آب (أغسطس) 1925: تعلمون حضراتكم مقاصدنا التي أعلناها منذ قدمنا إلي هذه الديار وهي لم تتغير ولم تتبدل وكنت علي الدوام يهمني أن يقوم أهل البلاد في إدارة شؤونهم . وينتقد الملك عبد العزيز في كلمته حكام الحجاز السابقين بأنهم يزنون المصلحة بميزان منافعهم الشخصية وأنه يأسف لما حل بالبلاد من تلاعب الأهواء والغايات ويعتقد أن الأمور لن تنتظم إذا لم يتول أبناء البلاد مصالح أنفسهم.
تم إيقاف ساعة الديمقراطية السعودية عن العمل بعد أن استتبت الأمور في الحجاز للملك، وشل مجلس الشوري المنتخب حتي أن أعضاءه بقوا يتقاضون رواتبهم دون أن يجتمعوا إلا إذا طلبت منهم الحكومة ذلك. ولم تتم انتخابات أخري ولا يحزنون فقد تمكن الملك من مكة وتوقفت الذئاب عن نهش لحوم النعاج تاركة الأمر لسيدها الذي بدأ في بناء سد الخصوصية السعودية، بل أن نقل وزارات الحكومة من مكة بدأ في عهد عبد العزيز وليس كما يشاع أن أبنه سعود أول من قام بذلك. وكان ذلك تهميشا لدور مكة كعاصمة للسعودية وتخوفا من الأسرة المالكة أن تقاد إلي فخ يبعدها عن قاعدة حكمها العشائرية ويربطها باللعبة الحجازية المعتمدة علي المشاركة والانفتاح السياسي.
تعكس قصة الملك عبد العزيز مع الديمقراطية البسيطة هذه تماما كيف تفكر الأسرة المالكة السعودية بما يسمي المشاركة السياسية، فهي حلال حينما تكون في موقف ضعيف من الناحية السياسية وحرام حينما لا تبدو في الأفق مخاطر.
جهيمان العتيبي:
سارت الأسرة المالكة السعودية ولا تزال علي سنة الوالد الكبير، بل إن أمراءها ومفكريها لا يرون إتاحة الفرصة لأقطاب فاعلة في المجتمع في مشاركتهم الحكم، إلا بعد أن تثبت هذه الأقطاب قدرتها علي استعمال العنف، ولنأخذ ما فعله جهيمان العتيبي في الحرم المكي الشريف في تشرين الثاني (نوفمبر) 1979 كأنموذج. أوضح جهيمان في خطبه التي بثت من ميكروفونات الحرم وسمعها سكان مكة بأن الحكومة تدعي من جهة أنها مركز الدين الحنيف في العالم ولكنها من الجهة الأخري تناصر الظلم والفساد والرشوة، وهاجم جهيمان الأمراء الذين يستولون علي الأراضي ويبذرون أموال الدولة، وبعد أن تم القضاء عليه تنازلت الحكومة السعودية عن ما قدمته للشعب من حريات اجتماعية رغم بساطتها وبدلا من أن تبحث في أسباب تمرد جهيمان ومن معه ومطالبهم بالعدالة والمساواة، عادت إلي التضييق عليهم واستعمال أدوات متعصبة دينية مرة أخري كطوق محكم علي المجتمع. وكان دافعها في ذلك ذعرها من أن خبرتها في الاستعمال السياسي للدين تكاد تتسرب من يديها إلي غيرها في ظل عدم توفر شخصيات من عائلة آل الشيخ الحليفة لها شعبية، فبدأت في تغيير وجوه المؤسسة الدينية الكبيرة وإتاحة الفرصة لمن لديهم قابلية شعبية مثل الشيخ عبد العزيز ابن باز والشيخ محمد ابن عثيمين وغيرهم حتي تسد الباب علي من يريد استلاب دور الأسرة المالكة الديني السياسي (عادت في الوقت الراهن إلي الاستعانة بآل الشيخ فيما يشبه توارث الكهنوت بعد أن بدأ تيار ديني مستقل يتشكل بدعم غير مباشر من ابن باز وغيره).
هز جهيمان العتيبي وشريكه محمد القحطاني الأسرة المالكة في صميم وجودها الديني ورغم اتهامهما من قبل الأسرة المالكة بالشعوذة وقيامها بتزوير أشرطة صوتية لهما تتحدث عن ادعاء القحطاني بأنه المهدي، فيما يعتبر حركة سابقة للأنظمة العربية في اتهام مناوئيها بالجنون إذا كان فردا واحدا وبالشعوذة والتطرف إذا كانوا جماعة وبالمخدرات إذا كانوا في أفغانستان. إلا أن حركة جهيمان رغم خطأها باحتلال الحرم الشريف لنقص أدواتها المعرفية في النضال السياسي، أعطت امتدادا لروح التمرد ضد النظام والرغبة في المشاركة التي ورثت من حركة الأخوان وتطورت مرورا بمذكرة النصيحة في تموز (يوليو) 1992 والتي تتضمن برنامجا تفصيليا يركز علي الحقوق الشرعية من وجهة نظر الإسلاميين لكنه حري بالاحترام إذ هو أشبه ببرنامج حزب سياسي، واعتراضات سلمان العودة وسفر الحوالي اللذين أفاضا في البحث عن طرق للجمع بين المشاركة السياسية وآليات التمثيل الشعبي والإسلام في صورته السلفية، وخطاب أهل منطقة عسير الذي يشكو من جور أميرها وعدم تحقيقه للعدالة، وخطاب أهل الجوف للأمير نايف الذي يعترض علي تصرفات رئيس المباحث العامة في المنطقة، والتحركات الإسماعيلية المتكررة في نجران، والاثني عشرية في شرق المملكة والمدينة المنورة، حتي وصلت إلي مرحلة الشيخ أسامة بن لادن.
يعرف المراقب للفعاليات السياسية السعودية أن روح التمرد لن تتوقف، لأن النظام السعودي يقدم بإرادته أو دونها الوقود اللازم للتمرد والتطرف والتعصب. فرفض الأسرة المالكة الاعتراف بفشلها في إدارة البلاد في أزماتها، وعدم تقبلها فكرة تخبط سياساتها التنموية والسياسية حتي أنها تصببت عرقا قبل عدة أسابيع حين كال لها رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد درسا في التخطيط الاقتصادي عبر استغرابه فشلها التنموي خلال خطابه في مؤتمر اقتصادي أقيم علي أرضها، كل ذلك يوفر الدعم المطلوب بحركة تغيير كبيرة داخل المملكة، هذه الحركة تتلمس طريقها بهدوء وسط رمال الكراهية والتفرقة والعنصرية التي زرعت عبر عقود لكنها تتفتت عبر حوار يتم رغما عن الأسرة المالكة التي تبذل كل الجهد من أجل إيقافه.