PDA

View Full Version : الشيخ سفر الحوالي : منطق الحرب توراتي وقاعدة فتش أولا عن اسرائيل صحيحة


عقلة بن عجلان
27-03-2003, 09:23 AM
هذا ما خلص إليه الشيخ سفر الحوالي في مقال حديث و مطول له بعنوان الإنتفاضة والتتار الجدد وإليكم مقتطفات منه :

إذن لماذا يقتل الأمريكان الدجاجة وبيضها من الذهب يأتيهم يومياً؟
ولماذا الاحتلال والتقسيم لدول قابلة للتطويع؟
ومن الطرف المستفيد منه إن حدث؟

الجواب قطعا هو أن ذلك يأتي من أجل ضمان أمن إسرائيل ورفاهيتها وقوتها، وهي المستفيد الوحيد من أي احتمال. ولإيضاح ذلك أكثر نفترض أن هذه المنطقة خالية من كل ثروة – النفط وغيره – ولا أهمية لها استراتيجيا، لكن شعوبها تكره إسرائيل، وتتعاطف مع الانتفاضة، وتضغط على الحكومات لتأييدها، وتطالب أمريكا بالعدل، أكانت أمريكا تتركها أم تعاقبها؟
ثم نعكس القضية ونفرض أن المنطقة قبلت المشروع الصهيوني وأن الانتفاضة لم تحدث فهل كانت أمريكا ستفكر في احتلالها ؟
إذا أردنا مزيد إيضاح فلنقارن بين تعامل أمريكا مع كوريا الشمالية وبين تعاملها مع العراق.
فكوريا تعترف بأسلحة الدمار الشامل، وقلعت عيون الأمم المتحدة وآذانها كما قال الأمين العام -من المواقع المراقبة. بل هددت أمريكا تهديداً صريحاً مباشراً، ومع ذلك فأمريكا لم تتجاوز الطرق الدبلوماسية لحل المشكلة، في الوقت الذي تحشد فيه مئات الطائرات، و تبني القواعد الكبرى، وتستنفر الرأي العالمي لمعاقبة العراق المتجاوب مع أغلظ القرارات، والذي لم يثبت حتى الآن أنه يملك ما يدّعون لا باعترافه ولا بتفتيشهم!!
إن حلّ هذه المعادلة يوصل إلى مفتاح أسرار الصراع:
· كوريا تعلن تهديدا مباشرا صريحا لأمريكا لكنها لا تهدد إسرائيل !
· العراق لا يهدد أمريكا لكن نبوءات التوراة تشير إلى أنه يهدد إسرائيل!
· أمريكا تعلن الحرب على العراق وتلاطف كوريا بالدبلوماسية!
· لم تعد السياسة الأمريكية قائمة على جدلية الصقور والحمائم. بل على جدلية الثعالب: الصهاينة الأربعة في الإدارة، والوحوش: لوبي صناعة السلاح.
ومن الواضح أن زمام المبادرة والقرار في يد الفريق الأول، مع أن الشعور القومي يقف مع الفريق الآخر. فليس هناك فرصة لتنفيق السلاح من جهة وإثارة النعرة القومية وغريزة الهيمنة والاستعلاء من جهة أخرى – أفضل من إعلان دولة شيوعية تهديدا مباشرا للإمبراطورية العمياء.
فلماذا تأخر هؤلاء وتقدم أولئك؟
ولماذا تعاقب الإمبراطورية إحدى الدولتين مرتين وتداري الأخرى وهما شقيقتان في محور الشر ؟!.
ولماذا يرضى الوحوش بفتات فريسة قديمة يقف الرأي العام العالمي معها والفريسة الأخرى المنبوذة تستعرض أمامهم؟!
إن هذا كله يوضح أن منطق الحرب هو – بالأساس – ديني توراتي وليس نفعيا استراتيجيا . أي أنه يبرهن على أن قاعدة "فتّش أولا عن إسرائيل " صحيحة.
وهذا مثال حي واحد من أمثلة كثيرة للمنهج الأمريكي الذي عبر عنه أحد مندوبي الإتحاد الأوربي في الأمم المتحدة حيث يقول:-
" الواقع أن إسرائيل هي العضو الدائم السادس في مجلس الأمن فالفيتو الأمريكي يستخدم لصالحها أكثر من أي شيء آخر " وكلامه مطابق للحقيقة. والمفكر اليهودي الشهير "نعوم تشومسكي" يؤكد ذلك، و يكثر من الاستشهاد به في مقابلاته.
بل الملاحظ أن أي مشكلة لأمريكا مع الإتحاد الأوربي، أو روسيا، أو الصين، يمكن التفاهم فيها بالدبلوماسية الهادئة، إلا إذا كان الأمر له علاقة بإسرائيل، مثل قضية هجرة اليهود إليها، أو بيع السلاح لها، فهنا تختفي لغة الحوار، ويظهر التشدد الأمريكي لتحقيق ما تريده إسرائيل من هذه الدول.
وكم مرة وقفت إسرائيل في مواجهة العالم فوقفت أمريكا معها ولم تبال بالعالم كله ؟!
فإذا كان هذا منهج أمريكا مع الأصدقاء أو غير الأعداء، به فما بالك به معنا نحن الأعداء؟ أغنياءً كنا أم فقراء! عندنا نفط أو ليس عندنا شيء؟.
لقد قرأنا للمرشح الديمقراطي السابق للرئاسة الأمريكية "لاروش" قوله بعد أحداث الحادي عشر من أيلول:
"إن هناك بعض أشخاص يملكون سلطة هائلة، يقفون وراء الكواليس في حكومات مختلفة في بريطانيا وأمريكا وإسرائيل، وهؤلاء مصممون على أن تنقل الولايات المتحدة الصراع الحالي بين إسرائيل وجيرانها، إلى مستوى أعلى تدخل الولايات المتحدة فيه في حرب جيوبوليتيكية في الشرق الأوسط "
ونحن الآن لا نستدل بهذا الكلام بل نستدل عليه بالأحداث التالية والحقائق الماثلة، تلك الحقائق التي جعلت الرأي العام العالمي يقف في جهة، والإدارة الصهيونية في واشنطن تقف في الجهة الأخرى، وليس معها سوى الدولة المجذومة إسرائيل والتابع المطيع "بلير". (هذا الوصف لإسرائيل ليس من عندي بل هو لكاتب إسرائيلي بارز سيرد بنصه).
وقبله قرأنا كتاب "يد الله، لماذا تضحي الولايات المتحدة بمصالحها من أجل إسرائيل" للكاتبة الأمريكية "غريس هالسل" مؤلفة كتاب "النبوءة والسياسة" وفيه تنقل الكاتبة عن أحد موظفي الخارجية الأمريكية سابقا ورئيس تحرير "تقرير واشنطن عن شؤون الشرق الأوسط" سنة 1995 قوله:
"إن ما قدمته أمريكا لإسرائيل حتى تلك السنة أكثر من 83مليار دولار أي ما يعادل أكثر من 14000 دولار سنويا لكل إسرائيلي".
والسؤال هو لماذا تضحي أمريكا بهذه المليارات؟ وفي أي شيء تنفقها إسرائيل ؟
والجواب بلا ريب أن هناك ماهو أعظم من العلاقة المصلحية والتعامل النفعي ؟
وذلك هو النوع الخاص من العلاقة الذي عبّر عن الإيمان به سبعة رؤساء أمريكيين في جملة واحدة دينية:
"من يبارك إسرائيل يباركه الله ومن يلعن إسرائيل يلعنه الله" ثم جاء ثامنهم (...) ليعلنها حربا صليبية.
وقد جاهر المؤتمر العام للإتحاد الأوربي قبل أيام بانتقاده الشديد لاستخدام الرئيس الأمريكي للشعارات الدينية، وقال بعضهم إنه يعيد الناس إلى ذكريات حرب المائة عام في أوربا.
والشواهد هنا لا تُحصر والمقصود أنه إذا اتضحت حقيقة العلاقة الدينية الحميمة بين أمريكا وإسرائيل، واتضحت كذلك العلاقة العميقة بين المشروعين الصهيوني والصليبي وبلوغها درجة التطابق، فلننطلق بناءا على ذلك إلى تقييم الانتفاضة ووضعها في مكانها اللائق بها، في المعركة الطويلة المستمرة بين دين التوحيد وكفر أهل الكتاب.
إن هذه الانتفاضة تخرج عن كونها حلقة في الصراع العربي الإسرائيلي لتكون معلما فاصلا في الصراع الإسلامي الكتابي الذي يمتد إلى يوم القيامة!!
وحين يعلن بعض منظري الحملة الصليبية التتارية على العراق أن بغداد ما هي إلا بداية الطريق إلى القدس، فإنهم لا يعلموننا شيئا جديدا. أو قل هكذا يجب أن يكون.
إن أحدى مشكلات منهج التفكير الإسلامي المعاصر أن الأمة تفتقد إلى النظرة الشاملة والربط بين الأحداث. وإلاّ يكنْ ذلك يظل أعداؤها يقذفون بأنظارها ومشاعرها كما يقذف اللاعبون بالكرة.فإذا توجهت إلى قضية نسيت الأخرى، وإذا وضعت يدها على شيء ألقت ما عداه، وإذا عرض أمامها مشهد غفلت عن غيره.
ومن هنا تظهر أهمية وضع الانتفاضة في سياقها التاريخي فنجمع شتات القضايا ومشاهدها في قصة واحدة.
كما أن من عيوب الأمة في أجيالها المتأخرة، أنها تضيع كنوزها التي يمن الله بها عليها. وقد عبر عن ذلك أحد الباحثين الأمريكان في تعليق على اغتيال الإمام حسن البنا رحمه الله، فقال "هكذا الشرق دائما يضيع كنوزه" فليس النفط الكنـز الوحيد المضيع، فأهم منه و أغلى إرادة الحياة الإيمانية، وحب الشهادة، والثبات على الحق، وهي كنوز جمعها الله لنا في هذه الانتفاضة المباركة فأرجو أرجو ألا نضيعها !!

وكما أن الانتفاضة معلم تاريخي مهم، هي أيضا معمل ومحضن لتجديد الدين وإحياء روح الإيمان، وتوحيد مواقف الأمة، فهل رأيتم شيئا أحياها ووحدها مثلَ هذه الانتفاضة وما تلاها من أحداث تابعة ؟
وهل وقف المجاهد الفلبيني مع المجاهد الفلسطيني في خندق واحد قبل هذه المرة
الانتفاضة هي التي قلبت حال الشعوب -في مسيرة الصحوة والتجديد- فبعد أن كانت الحركات الدعوية و الجهادية تلوم الشعوب على غفلتها، و تخطط و تجتهد لإيقاظها. نجدها اليوم-أي الشعوب- هي التي تلوم الحركات الإسلامية [وليس الحكام فقط] وتعدها مقصرة في الواجب.ألم يصرخ أحد قادة مخيم جنين " أين الذين يقولون الموت في سبيل الله أسمى أمانينا ".
ألم يصل الشعور بالقهر والمطالبة بالتحرك إلى أسفل طبقات الأمة فيصرخ بذلك الممثلون والمغنون وأشباههم.
وأعظم من ذلك أن الانتفاضة-وتوابعها- كشفت القناع عن وجوه الأعداء من أهل الكتاب والمشركين والمنافقين والعلمانيين، وكل أنواع الخبَث في الأمة، فلو أنفقت الأمة ملايين الملايين، وألقت آلاف الخطب من أجل إبانة سبيل المجرمين، وكشف عداوة أهل الكتاب والمشركين، وفضح خبايا المنافقين، لما حققت مثلما حققته الانتفاضة، بفضل الله وتوفيقه.
كم من البسمات تعلو شفاهنا ونحن نقرأ- في كشف عداوة أمريكا- ما يكتبه أقوام كانوا إلى الأمس القريب معدودين من عملائها وأبواقها.
بل إن الأمر تعدى الكتاب إلى الحكام -وهم عند الشعوب أكثر تهمة-!! فمن مِن حكام العرب اليوم يجرؤ على أن يقول ما قاله سلفهم عن الثقة في أمريكا وصداقة أمريكا ؟وأن 99% من أوراق اللعبة بيد أمريكا!!
الواقع أن كثيرا منهم لم يتردد في التصريح بالحقيقة فمن قائل: بأن أمريكا هي العدو الحقيقي، ومن قائل إن هدف أمريكا الإسلام وليس النفط، و من قائل بأنها تريد تركيع الأمة وتتعامى الحل العادل وأقل ما قيل عنها أنها تتعامل بمعايير مزدوجة!!
وإن مما يوجب بيان حقيقة الانتفاضة وأهميتها: أن كثيرا من المسلمين يتعاطفون مع أهداف الانتفاضة عموماً، لكنهم لا يدركون حقيقة الانتفاضة وأثرها العظيم وموقعها التاريخي. وكثير منهم ينخدعون بالإعلام اليومي عربيا وغربيا، الذي يشدد دائما على العنف الصهيوني، والخسائر في الجانب الفلسطيني، فيبدو إيقاف الانتفاضة وكأنه رحمة بإخواننا الفلسطينيين وفرصة لالتقاط النفس.وربما يتساءل كثيرون: ما جدوى الاستمرار في دفع هذه التكاليف الباهظة؟
حتى حين تقع عملية ناجحة بكل المعايير يأتي التعليق عند هؤلاء "ولكن هذا سيؤدي إلى انتقام شديد"!!
إن عرض التألم والتكاليف من جانب واحد تفصيلا، وإجمال القول عند الحديث عن خسائر العدو، هو في الحقيقة حملة نفسية موجهة، يرتِّب لها العدو، و يسايره مخدوعا من لا يدرك الحقائق، أولا يملك الوقت وعدة النظر للبحث عنها، وهذا يتفق مع اتجاه القيادات العربية الحكومية التي رضخت منذ أمد بعيد للهزيمة والاستسلام، لكنها تغلف ذلك بإيقاف العنف، والعودة للمفاوضات، ورفع المعاناة عن الشعب الفلسطيني!!
إن الانتفاضة فجر جديد يراه أهل البصيرة زاحفا على ليل المعاناة الطويل، أما الذين استمرأوا الذل فإن على أبصارهم غشاوة كتلك الغشاوة التي كانت على أبصار سلفهم الذين كانوا يظنون أن الإمبراطورية البريطانية خالدة إلى الأبد. ومن قبلهم لم يصدق زعماء الكفر الجاهلي ما تنبأ به "هرقل" نفسه، بل قال قائلهم:
"لقد أَمِـرَ أمْرُ محمد حتى أنه ليخافه ملك بني الأصفر"
ولذلك يتعين على أهل الشأن، ومن يُهمّه تثبيتُ الأمة وطردُ الإحباط واليأس عنها: أن يكشفَ وجه الحقيقة من خلال ربط الأحداث اليومية بأصولها الكلية، المطابقة لسنن الله في التمكين والعلو والإدالة والاستدارج .