PDA

View Full Version : بين هولاكو 1258م وبوش 2003 م


ابو الامير
31-03-2003, 12:06 AM
في شهر شبّاط – فبراير من عام 1258 م توجّه المغول بقيادة هولاكو المغولي إلى بغداد وأحتلوها بعد رفض الخليفة المعتصم الإذعان لإرادة هولاكو، وفور سيطرة هولاكو على بغداد جردّ أهلها من السلاح و قتلهم عن بكرة أبيهم و أحرق بغداد ومكتباتها ومبانيها ومعالمها الحضاريّة بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ البشريّة، و أدّى إحتلال هولاكو لبغداد إلى توقّف المسار السياسي والإقتصادي والثقافي والنهضوي العراقي و حولّ هولاكو بغداد إلى عاصمة حمراء نسبة لكثرة الدماء التي أريقت بعد أن كانت حاضرة إسلامية تتمتّع بهيبة كبيرة في جوارها الإقليمي وحتى الدولّي في ذلك الوقت.
ولم يترك هولاكو سلاحا إلاّ وأستخدمه في سبيل إركاع العراقيين الذين كانوا يتصدون له، فبقر البطون وقطع الرقاب وجزّ الرؤوس و أحرق الأجساد، كما قسمّ الجغرافيا العراقيّة إلى قسمين المنطقة الجنوبية و كانت تابعة لبغداد والمنطقة الشماليّة وكانت تابعة للموصل و عينّ على رأس المنطقتين حاكمين مغوليين بمساعدة تركمان من الدول المجاورة للعراق – ما أشبه الليلة بالبارحة حيث يريد بوش تعيين حاكم عسكري أمريكي على العراق مع إعطاء الأتراك حقوق معينة ما زالت طيّ الكتمان في شمال العراق - .
و القائد المغولي هولاكو هو حفيد الطاغيّة المعروف جنكيزخان – مع الإشارة إلى أنّ جنكيزخان كان له شأن مع العراق تماما كما كان جورج بوش الأب الرئيس الأمريكي الأسبق قائد الحلفاء ضد العراق في أزمة الخليج الثانيّة و ها هو إبنه جورج بوش الإبن يكمل مسيرة أبيه تماما كما أكمل هولاكو مسيرة أبيه جنكيزخان - وقد زحف هولاكو غربا بإتجاه بغداد وقتل عندما وصل إلى بغداد الخليفة العباسي المعتصم وأستولى على قصره وقتل كل رجاله و بعد أن أستتبّ له الأمر في العراق توجّه إلى سورية وغزا حلب وقتل رجال حلب الأشاوس الذين تصدوا له – مع الإشارة هنا إلى أنّ بوش الإبن وجه تهديده لسوريا في وقت سابق، ويهدف إلى إضعاف سورية بدولة عراقية متأمركة ودولة الكيان الصهيوني و عندما تصبح سوريا بين فكي الكماشة الأمريكية يسهل الإجهاز عليها حسب إستراتيجيي البنتاغون – ولولا ظهور السلطان قطز الذي لقنّ المغول درسا مؤلما وألحق بهم هزيمة نكراء لوصل هولاكو إلى مصر، تماما كما رددّ إستراتيجيو البنتاغون أنّ العراق تكتيك وإستراتيجيتنا السعودية ومصر.
ومن سنة 1258 م وإلى سنة 2003 م أي بعد 745 سنة تحديدا وبالضبط ها هو هولاكو يظهر مجددّا في شخصية الرئيس الأمريكي جورج بوش الإبن الذي أوفد عشرات الآلاف من جنوده إلى بغداد بحرا وجوا وأرضا لفتحها وغزوها ومن تمّ بسط السيطرة على المنطقة العربية وإعادة ترتيبها، و كهولاكو تماما لم يترك جورج بوش الإبن سلاحا فتاكا ومدمرا ومبرمجا ومتطورا إلاّ وأستخدمه، وها هي قنابله تصيب الأطفال والنساء والشيوخ لا فرق بين من هم سنة أو شيعة أو مندائيّة أو مسيحيين أو أكراد، و أرسل جورج بوش عسكره إلى العتبات المقدسّة في العراق في النجف التي يرقد في ثراها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وكربلاء التي يرقد في ثراها الحسين بن علي بن أبي طالب صاحب معركة كربلاء الخالدة لتركيع أهلها.
ورغم هذه المجازر والمذابح في حق الأطفال الجائعين وفي حق الأمهات الثكالى وفي حق الشيوخ العاجزين يصرّ بوش على أنّه يريد إقامة حكم الشعب في العراق، ويتيح للشعب العراقي أن يحكم نفسه بنفسه، ويتضح كذبه أكثر عندما تكشف دوائر القرار الأمريكي أنّ الحكومة العراقيّة المقبلة جاهزة وأنّ أعضاءها أنتقوا بحكمة ودقة، وأنّ رموز المعارضة العراقية لا نصيب لهم في هذه الحكومة إذ أنّ واشنطن تريد إستخدام المعارضة العراقيّة ثمّ تكنسها و إنّ هذه الأكاذيب و الفضائح تضيف إلى جورج بوش الإبن سمة وصفة لم تكن موجودة في هولاكو وهذه الصفة هي الكذب والإفتراء، فهولاكو كان واضحا في تحديد هدفه تركيع بغداد وقتل أهلها وإحراق علومها و كتبها وتدمير معالمها الحضارية ومسخ أصالتها دون مراوغة، أمّا جورج بوش الإبن فهو كذّاب بإمتياز يفعل كل ما فعله هولاكو ويدعّي أنّه يهدف إلى تسليم عراق حرّ إلى معارضة عراقية خرجت من دائرة المساعدات الإجتماعية للمؤسسات الإجتماعية في الغرب إلى مساعدة وكالة الإستخبارات الأمريكية، لكن لم يقل بوش هولاكو ماذا سيفعل بعشرات الآلاف من جنوده على أرض العراق، لم يقل لماذا سال لعابهم للنفط العراقي الذي وضعت قواته يدها عليه في جنوب العراق وسوف يشرع في بيعه، فمن سيقبض ثمن النفط حكومة صدام حسين أو حكومة جورج بوش الإبن !
ماذا سيقول جورج بوش الإبن لأهالي القتلى والضحايا في الناصرية والنجف والبصرة و كربلاء، هل يريد جورج بوش أن يصل إلى بغداد على جثت العراقيين و جماجمهم، والعجيب أنّ هولاكو المعاصر بعد أن يسحق جماجم أطفال العراق يوزّع عليهم الحلويات و الخبز، وقد ذكرتني هذه الصورة بمنظر عناصر الجيش الفرنسي في حي القصبة الجزائري في قلب الجزائر العاصمة عندما كانوا يقتلون أبطال الجزائر الرجال وبعدها مباشرة يوزعون الشكولاطة على أطفال القصبة وغيرها من أحياء الجزائر الذين كانوا يرددون من الشرفات أقسمنا بالدماء أن تحيا الجزائر بعد أن يقوموا بسحق الشكولاطة الفرنسية بأقدامهم.
وإذا كان هولاكو القديم قد واجه قطزا واحدا فإنّ هولاكو المعاصر سيواجه مئات القطزيين ويجب أن يكون كذلك و إلاّ توجّه هولاكو المعاصر إلى سوريا ولبنان والسعودية ومصر ليقتل رجالها و يسبي نساءها ويدمر أقصاها مع حلفائه ويبني مجددا هيكل سليمان، ويبدو أنّ هولاكو المعاصر قرأ بدايات هولاكو القديم ولم يقرأ مصيره ونهايته، و على الباغي تدو الدوائر.
ويبقى القول أنّه منذ 700 سنة وأزيد و جغرافيتنا العربية والإسلامية تستباح وتدمّر الأمر الذي عطل نهضتنا، والمصيبة الأكبر أنّ حكامنا الأشاوس هم السبب الأكبر لتكالب الأعداء علينا، ونأمل أن يأتي اليوم الذي نبيعهم في سوق النخاسة كما فعل عالم مصر العزّ بن عبد السلام والله لا يخلف الميعاد.

المصدر : نداء القدس