حفيد حمزة
02-05-2003, 04:39 PM
http://www.albayan.co.ae/albayan/2003/04/09/photos/71.gif
غريب هو الاثر الذي تركه محمد سعيد الصحاف.. فيض من الحب، وفيض من الرغبة في السخرية.. وفيض من المرارة في النفوس، كل ذلك في آن واحد وفي مزيج غريب، يرشحه لأن يبقى طويلا في الذاكرة نجما متألقا بأكثر مما تألقت أم كلثوم، من النادر ان تجد الان عربيا واحدا على امتداد الكرة الارضية لا يحظى الصحاف باهتمامه حبا وتعاطفا، أو تندرا، أو مرارة تعلق على الالسنة وترفض ان تغادرها إلى حين.
مساكين اولئك المتحدثون باسم الدول المهزومة في أوقات الحرب، تجتمع عليهم السكاكين ويرجمهم الناس بالحجارة احياء وامواتا، ينسى الناس كل شيء عن هزيمة 67، القادة الذين اخطأوا، والتآمر الدولي، والاسلحة القاصرة، والجيش الذي كان بعضه لايزال في اليمن، والخديعة التي تمت للسياسيين من قبل العسكريين بأن الجيش قادر على دخول تل ابيب، ويتذكرون فقط احمد سعيد، اصبح الرجل هو رمز الهزيمة ومحل سخرية الساخرين منها، والعصا في يد اولئك الذين يريدون ابقاءنا فيها إلى الابد.
نفس الامر بالنسبة لوزير الاعلام العراقي المفترى عليه، فالرجل لم يكن قائدا للجيش العراقي، ولا هو الذي ورط العراق في غزو الكويت، وجاء بالاميركان، ولا كان السبب في عزلة قادت العراق إلى ان يقاتل معركته وحيدا وفي ظل عداوة وتسهيلات من الجيران، مجرد دبلوماسي واعلامي شاء له قدره ان يقع عليه الاختيار ليكون واجهة النظام في وقت الحرب، تأتيه البيانات والمعلومات فينقلها إلى محطات التلفزيون عبر مؤتمراته الصحفية اليومية، لم يكن مطلوبا منه ان يذهب إلى ام قصر لكي يتأكد مثلا من ان المدينة الصغيرة لاتزال عصية على الاقتحام، وليس من وظيفته ان يحصي جثث القتلى والجرحى، هذا عمل اناس غيره وهو مجرد ناقل للاخبار والمعلومات دون مسئولية، عدا مسئوليته العادية باعتباره وزيرا في الحكومة العراقية مثله مثل وزير النفط أو التعليم أو الخارجية.
بالمقاييس العادية كان اداء الصحاف مبهرا، ولو قدر للعراق ان يصمد في وجه محتليه لكان الرجل سببا قويا من اسباب الصمود، فقد حافظ على تماسكه وابتسامته التي تجعله قريبا من القلب في اشد لحظات المحنة، كما كان شجاعا لا يخشى القصف ولا يرتعد من اصوات القنابل، ولا يحسب حسابا ليوم يمكن ان يقع فيه في يد اعدائه الذين الصق بهم كل الصفات السيئة، علوج وطراطير وبائسين، هم فعلا كذلك، ومشهد اسراهم الذين عوملوا بانسانية دليل على صحة اقوال الصحاف في مقارنة الاسرى العراقيين الذين كانوا يعاملون كالحشرات ومع ذلك تبدو عليهم رباطة الجأش وروح التحدي.
غير ان الجيوش الحديثة لا تقاتل بشجاعة الافراد بقدر ما تقاتل بضراوة التكنولوجيا، وحينما كان الصحاف يستخرج من اعماق القواميس المهجورة مصطلحاته الشهيرة انما كان يغذي مشاعر عربية موجودة تقطر كراهية وحقدا لاولئك المحتلين الذين انقادوا وراء ذرائع وهمية لتحقيق مطامع قديمة في السطو على البترول وفي تدمير دولة عربية كبرى كانت اسرائيل تراها خطرا عليها دون ان تبادلها العداوة بحق كما هو حال دول مثل ايران أو مثل ليبيا والجزائر.
كان الناس بحاجة إلى ان يأملوا في الانتصار على هؤلاء المحتلين، أو على الاقل الصمود في وجههم بحيث يكبدهم احتلالهم لبلد عربي ثمنا يجعلهم لا يكررون تلك النزوة التي لا تتناسب مع روح القرن الواحد والعشرين، وشجاعة الصحاف وعباراته المنتقاة اضافة إلى صمود الجنوبيين في وجه الغول الأميركي جعل هذا الامل يكبر في النفوس كل يوم لينهار بشكل فجائي على عتبات بغداد، وينقل مشاعر الناس إلى احباط غير مسبوق.
الصحاف اذن ليس مذنبا بذاته، وانما هو فريسة لاحباطاتنا في صمود دولة عربية بوجه محتل، وظني ان جعله مادة للسخرية يمثل نوعا من الحيل النفسية الذاتية كي نخرج من هذا الاحباط، ونعلو قليلا كي نستطيع التعلق بحبال امل جديدة، فليست كل حبال الامل واهية على أي حال.
انتهى العدوان وبقي الصحاف، ولو تمكنت احدى القنوات الفضائية العربية الان من اجراء مقابلة معه، لخلت الشوارع من الناس وقت اذاعة المقابلة، تماما كما تخلو في مصر ساعات اذاعة مباراة الاهلي والزمالك، وكما كانت تخلو حينما يخطب عبدالناصر حتى يتفرغ الجميع لسماع خطابه من المحيط إلى الخليج، غير ان المشاعر المتضاربة تجاه الصحاف تحتاج إلى دراسة من قبل علماء النفس والاجتماع العرب، حتى نعرف كوامن النفس العربية، هذا شيء مهم لأي تيار سياسي يسعى إلى التغيير، لماذا احب الناس الصحاف إلى هذا الحد، ووصل حبه لدى البعض إلى درجة الادمان؟ ولماذا ظهرت موجة من النكات تسخر من الذات العربية مستخدمة شخصية وزير الاعلام العراقي؟
لماذا هذه الموجة من البرامج اللاذعة التي استخدمت كاراكتر الرجل، ليس ذلك فحسب، بل اني أتوقع موجة من الأفلام الكوميدية تجعل الصحاف بتصريحاته وابتسامته والأمل الذي فجره في النفوس موضوعا لها.. وحتما ستنجح مثل هذه الأفلام نجاحا باهرا.
حب العرب للصحاف أو سخريتهم منه، أمر يختلف تماما عن مشاعر جورج بوش الذي صرح انه كان يقطع الاجتماعات خصيصا ليشاهد مؤتمرات الرجل الصحفية.
جورج بوش كان يهتم بالصحاف باعتباره قردا في قفص، يتسلى بأوصافه وشقلباظاته، وهو ليس منفصلا عن رؤية عامة للعرب الذين تطبق عليهم الأساطيل الأميركية من كل اتجاه.. كلنا مجرد قرود في القفص الأميركي، يعدنا بالحرية وبالحقوق وبالتعامل معنا بآدمية وإنسانية دون أن يفي لا هو ولا دولته بأي وعد.. والوعود الأميركية على أي حال لا تقنع في هذه المنطقة غير ضعاف النفوس وقليلي الموهبة ومعدومي الذكاء.
من يرى حال العراقيين وهم يعيشون فراغا في السلطة ويتجرعون كأس اللادولة واللانظام يدرك ان الإدارة الأميركية تمارس معنا لعبة الحاخام والخنزير، فهو يريد للفوضى أن تعم وللناس أن تبلغ بهم المعاناة حد أن يطالبوا الأميركان بأن يحكموا البلد.. وفي هذه الحالة سيكون الحكم الأميركي للعراق بناء على طلب شعبي من العراقيين!!
أتصور ملايين الموظفين الذين كانوا في جهاز الدولة العراقي وهم يتمنون الآن أن يأتي حتى الشيطان لكي يدير دولتهم، يصرف لهم رواتبهم ويعينهم على الحياة وإطعام أطفالهم.. كيف يتصرف الناس في العراق وإلى أي حد يمكن لمدخراتهم أن تنجيهم من غوائل جوع الأطفال ومرضهم ومذلة السؤال.. هذه مأساة اغريقية نقف عاجزين أمامها، مثل حنظلة ناجي العلي، نشبك أيدينا من الخلف، وننظر في الفراغ دون قدرة على فعل أي شيء.
أحب الصحاف لشجاعته ووطنيته ورباطة جأشه وقيامه بدوره خير قيام ولو كان كل المسئولين العراقيين قاموا بدورهم بشجاعة ووطنية مثله لما دخلنا نفق الفوضى الذي نوجد به الآن.
أحبه.. لاني أكره أن يفرض علي الأميركان أيضا من أبادله الحب والكره كما يتصورون.. ولن أسخر منه، فالسخرية من شخصه سخرية من كل أوجاع الشعب العراقي الذي قاسى ظلم صدام والأميركان معا.
غريب هو الاثر الذي تركه محمد سعيد الصحاف.. فيض من الحب، وفيض من الرغبة في السخرية.. وفيض من المرارة في النفوس، كل ذلك في آن واحد وفي مزيج غريب، يرشحه لأن يبقى طويلا في الذاكرة نجما متألقا بأكثر مما تألقت أم كلثوم، من النادر ان تجد الان عربيا واحدا على امتداد الكرة الارضية لا يحظى الصحاف باهتمامه حبا وتعاطفا، أو تندرا، أو مرارة تعلق على الالسنة وترفض ان تغادرها إلى حين.
مساكين اولئك المتحدثون باسم الدول المهزومة في أوقات الحرب، تجتمع عليهم السكاكين ويرجمهم الناس بالحجارة احياء وامواتا، ينسى الناس كل شيء عن هزيمة 67، القادة الذين اخطأوا، والتآمر الدولي، والاسلحة القاصرة، والجيش الذي كان بعضه لايزال في اليمن، والخديعة التي تمت للسياسيين من قبل العسكريين بأن الجيش قادر على دخول تل ابيب، ويتذكرون فقط احمد سعيد، اصبح الرجل هو رمز الهزيمة ومحل سخرية الساخرين منها، والعصا في يد اولئك الذين يريدون ابقاءنا فيها إلى الابد.
نفس الامر بالنسبة لوزير الاعلام العراقي المفترى عليه، فالرجل لم يكن قائدا للجيش العراقي، ولا هو الذي ورط العراق في غزو الكويت، وجاء بالاميركان، ولا كان السبب في عزلة قادت العراق إلى ان يقاتل معركته وحيدا وفي ظل عداوة وتسهيلات من الجيران، مجرد دبلوماسي واعلامي شاء له قدره ان يقع عليه الاختيار ليكون واجهة النظام في وقت الحرب، تأتيه البيانات والمعلومات فينقلها إلى محطات التلفزيون عبر مؤتمراته الصحفية اليومية، لم يكن مطلوبا منه ان يذهب إلى ام قصر لكي يتأكد مثلا من ان المدينة الصغيرة لاتزال عصية على الاقتحام، وليس من وظيفته ان يحصي جثث القتلى والجرحى، هذا عمل اناس غيره وهو مجرد ناقل للاخبار والمعلومات دون مسئولية، عدا مسئوليته العادية باعتباره وزيرا في الحكومة العراقية مثله مثل وزير النفط أو التعليم أو الخارجية.
بالمقاييس العادية كان اداء الصحاف مبهرا، ولو قدر للعراق ان يصمد في وجه محتليه لكان الرجل سببا قويا من اسباب الصمود، فقد حافظ على تماسكه وابتسامته التي تجعله قريبا من القلب في اشد لحظات المحنة، كما كان شجاعا لا يخشى القصف ولا يرتعد من اصوات القنابل، ولا يحسب حسابا ليوم يمكن ان يقع فيه في يد اعدائه الذين الصق بهم كل الصفات السيئة، علوج وطراطير وبائسين، هم فعلا كذلك، ومشهد اسراهم الذين عوملوا بانسانية دليل على صحة اقوال الصحاف في مقارنة الاسرى العراقيين الذين كانوا يعاملون كالحشرات ومع ذلك تبدو عليهم رباطة الجأش وروح التحدي.
غير ان الجيوش الحديثة لا تقاتل بشجاعة الافراد بقدر ما تقاتل بضراوة التكنولوجيا، وحينما كان الصحاف يستخرج من اعماق القواميس المهجورة مصطلحاته الشهيرة انما كان يغذي مشاعر عربية موجودة تقطر كراهية وحقدا لاولئك المحتلين الذين انقادوا وراء ذرائع وهمية لتحقيق مطامع قديمة في السطو على البترول وفي تدمير دولة عربية كبرى كانت اسرائيل تراها خطرا عليها دون ان تبادلها العداوة بحق كما هو حال دول مثل ايران أو مثل ليبيا والجزائر.
كان الناس بحاجة إلى ان يأملوا في الانتصار على هؤلاء المحتلين، أو على الاقل الصمود في وجههم بحيث يكبدهم احتلالهم لبلد عربي ثمنا يجعلهم لا يكررون تلك النزوة التي لا تتناسب مع روح القرن الواحد والعشرين، وشجاعة الصحاف وعباراته المنتقاة اضافة إلى صمود الجنوبيين في وجه الغول الأميركي جعل هذا الامل يكبر في النفوس كل يوم لينهار بشكل فجائي على عتبات بغداد، وينقل مشاعر الناس إلى احباط غير مسبوق.
الصحاف اذن ليس مذنبا بذاته، وانما هو فريسة لاحباطاتنا في صمود دولة عربية بوجه محتل، وظني ان جعله مادة للسخرية يمثل نوعا من الحيل النفسية الذاتية كي نخرج من هذا الاحباط، ونعلو قليلا كي نستطيع التعلق بحبال امل جديدة، فليست كل حبال الامل واهية على أي حال.
انتهى العدوان وبقي الصحاف، ولو تمكنت احدى القنوات الفضائية العربية الان من اجراء مقابلة معه، لخلت الشوارع من الناس وقت اذاعة المقابلة، تماما كما تخلو في مصر ساعات اذاعة مباراة الاهلي والزمالك، وكما كانت تخلو حينما يخطب عبدالناصر حتى يتفرغ الجميع لسماع خطابه من المحيط إلى الخليج، غير ان المشاعر المتضاربة تجاه الصحاف تحتاج إلى دراسة من قبل علماء النفس والاجتماع العرب، حتى نعرف كوامن النفس العربية، هذا شيء مهم لأي تيار سياسي يسعى إلى التغيير، لماذا احب الناس الصحاف إلى هذا الحد، ووصل حبه لدى البعض إلى درجة الادمان؟ ولماذا ظهرت موجة من النكات تسخر من الذات العربية مستخدمة شخصية وزير الاعلام العراقي؟
لماذا هذه الموجة من البرامج اللاذعة التي استخدمت كاراكتر الرجل، ليس ذلك فحسب، بل اني أتوقع موجة من الأفلام الكوميدية تجعل الصحاف بتصريحاته وابتسامته والأمل الذي فجره في النفوس موضوعا لها.. وحتما ستنجح مثل هذه الأفلام نجاحا باهرا.
حب العرب للصحاف أو سخريتهم منه، أمر يختلف تماما عن مشاعر جورج بوش الذي صرح انه كان يقطع الاجتماعات خصيصا ليشاهد مؤتمرات الرجل الصحفية.
جورج بوش كان يهتم بالصحاف باعتباره قردا في قفص، يتسلى بأوصافه وشقلباظاته، وهو ليس منفصلا عن رؤية عامة للعرب الذين تطبق عليهم الأساطيل الأميركية من كل اتجاه.. كلنا مجرد قرود في القفص الأميركي، يعدنا بالحرية وبالحقوق وبالتعامل معنا بآدمية وإنسانية دون أن يفي لا هو ولا دولته بأي وعد.. والوعود الأميركية على أي حال لا تقنع في هذه المنطقة غير ضعاف النفوس وقليلي الموهبة ومعدومي الذكاء.
من يرى حال العراقيين وهم يعيشون فراغا في السلطة ويتجرعون كأس اللادولة واللانظام يدرك ان الإدارة الأميركية تمارس معنا لعبة الحاخام والخنزير، فهو يريد للفوضى أن تعم وللناس أن تبلغ بهم المعاناة حد أن يطالبوا الأميركان بأن يحكموا البلد.. وفي هذه الحالة سيكون الحكم الأميركي للعراق بناء على طلب شعبي من العراقيين!!
أتصور ملايين الموظفين الذين كانوا في جهاز الدولة العراقي وهم يتمنون الآن أن يأتي حتى الشيطان لكي يدير دولتهم، يصرف لهم رواتبهم ويعينهم على الحياة وإطعام أطفالهم.. كيف يتصرف الناس في العراق وإلى أي حد يمكن لمدخراتهم أن تنجيهم من غوائل جوع الأطفال ومرضهم ومذلة السؤال.. هذه مأساة اغريقية نقف عاجزين أمامها، مثل حنظلة ناجي العلي، نشبك أيدينا من الخلف، وننظر في الفراغ دون قدرة على فعل أي شيء.
أحب الصحاف لشجاعته ووطنيته ورباطة جأشه وقيامه بدوره خير قيام ولو كان كل المسئولين العراقيين قاموا بدورهم بشجاعة ووطنية مثله لما دخلنا نفق الفوضى الذي نوجد به الآن.
أحبه.. لاني أكره أن يفرض علي الأميركان أيضا من أبادله الحب والكره كما يتصورون.. ولن أسخر منه، فالسخرية من شخصه سخرية من كل أوجاع الشعب العراقي الذي قاسى ظلم صدام والأميركان معا.