PDA

View Full Version : ماذا تريد أميركا وإسرائيل من العرب؟


ابو الامير
18-05-2003, 01:32 PM
تجد سياسة الولايات المتحدة نفسها على مفترق طرق في الشرق الأوسط ذي أهمية قصوى بالنسبة اليها وللمنطقة. فأي طريق تسلك؟ هل تسعى الى التوافق والشرعية الدولية وحل عادل لمشاكل المنطقة؟ أم يمكن أن يغريها ضعف العرب والأوروبيين وقوتها العسكرية الساحقة بالسعي إلى فرض هيمنة أميركية إسرائيلية على المنطقة بأسرها. لعل الشهور الستة بل ربما الأسابيع القليلة المقبلة، تقرر أي اختيار يتم اعتماده.‏ ‏




فوزير الخارجية الأمريكي كولن باول الذي يُنظر إليه في العالم العربي على أنه الحصن الأخير لسلامة العقل السياسي في واشنطن يعود إلى الحلبة العربية الإسرائيلية في الأسبوع المقبل. وسيُعتبر ما يقوله أو يفعله خلال هذه الزيارة مؤشراً أوليا الى النيات الأميركية بعد الانتصار في العراق. وما أن تنتهي زيارة باول هذه حتى يقوم أرييل شارون أواخر هذا الشهر أو بداية الشهر المقبل بزيارة للبيت الأبيض ليتأكد بأن أفكار باول المتوازنة لن تحظى بالتأييد وبأن بلاده لن يطلب منها أي تنازلات حقيقية للفلسطينيين ومن بعدهم للسوريين.‏ ‏

‏ويبدو حالياً أن الكفة تميل لمصلحة شارون نظراً الى أن اليمين المسيحي، ركيزة بوش الأساسية محلياً، متحالف مع ليكود ومؤيد لطموحاته الى "إسرائيل الكبرى". ونتيجة لعقود عدة من العمل الدؤوب الذي قام به اللوبي اليهودي، أصبح الكونغرس الأميركي يؤيد بقوة الطرف الإسرائيلي ويعارض أي ضغوط أميركية على الدولة العبرية. كذلك الأمر بالنسبة الى كبار أعضاء الإدارة الأميركية، سواء في مجلس الأمن القومي أو في مكتب نائب الرئيس، أو في وزارة الدفاع وما أحرزته أخيراً من نفوذ كبير... فجميعهم يدعمون بكل قواهم إسرائيل وسياستها التوسعية.‏ ‏

‏ ويقف في مقابل هذه القوى كولن باول ووزارة الخارجية وبعض الجمهوريين من الحرس القديم وبعض الأصوات العربية الخافتة إضافة إلى توني بلير الذي أعلن أنه ملتزم كل الالتزام إقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل.

ابو الامير
18-05-2003, 01:33 PM
ترى ماذا عن الرئيس بوش وأين موقعه تماماً في هذا السجال؟ للإجابة عن هذا التساؤل ينبغي أن نعود بالذاكرة إلى "الالتزام الرئاسي" الذي أعلنه بإقامة دولة "فلسطين" المستقلة. أجل، قال ذلك لا مرة واحدة بل مراراً، وأعطى موافقته على خريطة الطريق التي تطرح قيام دولة فلسطينية عام 2005. يضاف إلى ذلك أن بوش مدين لتوني بلير بمكافأة لدعمه القوي والكامل للحرب ضد صدام حسين.‏ ‏

‏ والسؤال الذي يطرح نفسه هو ما إذا كانت لدى الرئيس بوش الحكمة وقوة الصمود والشجاعة السياسية كي يضغط على شارون ويتجاهل الاحتجاجات الحتمية محلياً. فالواقع أنه في وضع فريد يمكنه من فعل ذلك نظراً الى مركزه في أميركا كقائد حربي وما يتمتع به من شعبية كبيرة في إسرائيل تضاهي ما كان يتمتع به رونالد ريغان وبيل كلينتون. فهو بقضائه على نظام صدام حسين أزاح آخر تهديد استراتيجي لإسرائيل وأصبح بإمكان شعبها أن يتنفس بكل حرية.‏ ‏

‏ ‏فإذا كان بوش مصمماً على إقامة السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فقد يجد من يحالفه في الرأي العام الإسرائيلي الذي يعرف ضمناً بأن الأمن الحقيقي لإسرائيل على المدى البعيد يكمن في صفقة عادلة مع الفلسطينيين ومصالحة مع العمق العربي الواسع. اذ عرض العالم العربي بأكمله السلام مع إسرائيل وإقامة علاقات طبيعية إذا ما عادت إلى حدود عام 1967.‏ ‏

‏غير أن شارون يرفض تماما أي انسحاب من الأراضي العربية. وكذلك يرفضه اليمين الإسرائيلي والمستوطنون الذي يطالبون على العكس بهزيمة شاملة للفلسطينيين. وأي اتفاق متوازن مع العرب ومقبول من الطرفين يعتبر كفراً في نظر هؤلاء لأن الأمن في مفهومهم هو الهيمنة. وما اختيار محمد دحلان كمسؤول عن الأمن في حكومة أبو مازن إلا لأن إسرائيل تعتبره الرجل الوحيد القادر على إنهاء الانتفاضة بالقضاء على حماس والجهاد الإسلامي، حتى لو كان ذلك على حساب حرب أهلية. مرة أخرى نجد إسرائيل تسعى كما فعلت في أوسلو عام 1993 إلى منح مهمة مكافحة الإرهاب إلى متعهد من داخل السلطة الفلسطينية ولكن من دون أن تدفع الثمن السياسي، وهو الاستـــقلال الفلسطـــيني الفعلي.‏ ‏

‏ذلك هو الرأي المتشدد في واشنطن وتل أبيب، الذي يرى أن تفوق إسرائيل العسكري والسياسي والتكنولوجي على العرب، مدعوماً من جانب الولايات المتحدة، هو النمط الوحيد للعلاقات بين إسرائيل وجيرانها على المدى البعيد. والواقع أن اليمين الإسرائيلي وأصدقاءه الأميركيين مثل وليام كريستول رئيس تحرير مجلة "ويكلي ستاندارد" يحرضون أميركا علناً على القضاء على النظام في إيران أملاً في التخلص من آخر مقاومة جدية للهيمنة الأميركية الإسرائيلية التي يحلمون بها.‏ ‏

‏ ‏ فأي طريق يختاره بوش؟ لا شك أن الخيار الأسهل بالنسبة إليه هو أن يطمئن حلفاءه اليمينيين بالتظاهر ببذل جهد في مساعي السلام العربي - الإسرائيلي والتركيز على ضمان إعادة انتخابه عام 2004، بالمقابل فإن التحدي التاريخي بالنســــبة إليه سيكون في وضع حد لنزاع مستمر منــــذ مئة عام، وفي فقء الدمل الذي سمم العلاقـــات بين العرب والغرب وعـــرّض أمـــيركا نفســـها للهجـــمات الإرهابيــة.‏ ‏

‏بل أن بوش قد يدرك بأن مثل هذه المبادرة الأميركية الجريئة هي وحدها التي تشرعن حرب أميركا الوقائية والخلافية في نظر العرب والأوروبيين وتسهل مهمة أميركا الصعبة ومحاولتها إعادة بناء العراق. فالواقع أن السلام الأميركي العادل في فلسطين هو وحده القادر على ترويض المقاومة العربية والفلسطينية للمشروع الإمبراطوري الراهن.‏ ‏

ابو الامير
18-05-2003, 01:34 PM
حين انسحبت بريطانيا من الخليج عام 1971، حلت أميركا محلها فوراً كصاحبة النفوذ الخارجي المهيمن، وظلت على هذا النحو في العقود الثلاثة التالية. لكنها اليوم، وبعد فتح العراق، لم تعد صاحبة النفوذ الخارجي الأقوى بل أصبحت دولة من دول الشرق الأوسط تحتل مكانها في قلب المنطقة. والخيار المطروح أمامها هو الاكتفاء بالتركيز على العراق أم تحويل العراق إلى قاعدة لنشر النفوذ الأميركي في منطقة واسعة تمتد من آسيا الوسطى إلى شرق أفريقيا. وباعتقادي أنها ستعتمد الخيار الحل الأول.‏ ‏

‏ويبدو أن الهدف الأميركي في العراق حالياً هو إعادة صنع الدولة على أساس لا مركزي وفيديرالي، على أن تكون منزوعة السلاح. ثم ينزع تأميم النفط وتخصخص الصناعات النفطية بحيث يبقى النفوذ الأميركي على المدى البعيد مضموناً بفضل العلاقات مع الأكراد الذين يعتبرون القوة العراقية الرئيسة التي دعمت الاجتياح الأميركي بكل قواها. وبمعنى آخر فإن الهدف الحقيقي من وراء كل ذلك هو إضعاف العراق بصورة دائمة بحيث لا يستطيع يوماً أن يشكل تهديداً للهيمنة الإسرائيلية أو الأميركية في الخليج في المدى المنظور.‏ ‏

‏ ولا تحتاج الولايات المتحدة لتحقيق أهدافها هذه إلى إقامة قواعد في بلاد واسعة وقابلة للتمرد مثل العراق. كما أنها لا تحتاج للعراق كقاعدة لنشر نفوذها بل على العكس فإن مثل هذه القواعد قد تلهب المشاعر الوطنية ضد الوجود الأميركي. خصوصاً أن أميركا تملك مرافق عديدة في المنطقة: ثلاثة قواعد في أفغانستان وأربع قواعد في الجمهوريات السوفياتية السابقة في آسيا الوسطى إضافة إلى ما لديها من قواعد في الكويت والبحرين وقطر والإمارت وعمان. أما بالنسبة الى المملكة العربية السعودية التي ستغادرها القوات الأميركية عدا وحدة صغيرة للتدريب، فلا شك أنها ستجد سبيلاً لاستخدام القواعد في المملكة إذا ما دعت الحاجة.‏ ‏

‏يرجح أن تكون الأجندة الأميركية في العراق من الضخامة بحيث تصبح فادحة الكلفة بالنسبة لدافع الضرائب الأمريكي ذلك أن عائدات النفط العراقي ستكون على مدى سنين عديدة مجرد إسهام رمزي في هذه الكلفة. فسيترتب على أميركا أن تدفع فاتورة الحرب وإعادة الإعمار في العراق خلافاً لما كان عليه الوضع عام 1990-91 حين قدمت السعودية والكويت وغيرهما مساهمات مالية مهمة للمجهود الحربي الأميركي. وقد يخفف من مرارة هذا الواقع أن معظم عقود إعادة البناء سيعهد بها إلى شركات أميركية ذات علاقات وثيقة بالحزب الجمهوري بحيث يمكن أن تعود بعض الأرباح فتستخدم كتبرعات سياسية تؤمن إعادة انتخاب بوش.‏ ‏

‏ لقد عيّن السفير الأميركي السابق بول بريمر المقرب من وزير الدفاع رامسفيلد حاكماً إدارياً للعراق، مهمته الفورية تشكيل حكومة عراقية موقتة.‏ ‏

‏ وسبق أن عيّن الجنرال الأميركي المتقاعد جاي غارنر رئيساً لمكتب إعادة الإعمار والمساعدات الإنسانية. هذا بالإضافة إلى أميركي آخر يدعى فيليب كارول اختير ليرأس مجلساً استشارياً يضع سياسة العراق النفطية ويوجهها. وهناك شركة أميركية تابعة للأصوليين المسيحيين اختارتها الحكومة الأميركية لإطلاق محطة تلفزيون فضائية إخبارية باللغة العربية في العراق. هذه هي بعض ملامح المشروع الإمبراطوري الأميركي.‏ ‏

‏وبعد، فإن العالم العربي لا يزال تحت تأثير صدمة هذه التطورات، لكن عليه أن يختار عاجلاً أم آجلاً ردة فعله تجاه هذه التجربة الاستعمارية الجديدة.‏
.... مجله واه عرباه