حفيد حمزة
05-01-2004, 03:03 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا المقال نشرته البيان الاماراتية مترجماً من أحد الكتاب العالميين
ولعمري أنه من أجمل ماقرأت في حرب العراق واجمل ماقرأت عن اعتقال صدام
وشهد شاهد من أهلها
حيث تساءل الكاتب في مقاله التالي:
هل انقلب السحر على الساحر؟
مؤشرات دالة وراء طريقة معاملة صدام في أعقاب اعتقاله!
"الاستجابة الاميركية الرسمية لحدث اسر الرئيس العراقي السابق صدام حسين تثير مشاعر الاشمئزاز، فقد تعاملت الادارة الاميركية مع الحدث بطريقة تنم عن قدر مريع من الجهل والحقد والسادية لا تأتي الا من مؤسسة سياسية اعلامية تفتقر لادنى درجات الديمقراطية والحس الانساني. وثمة مفارقة تبعث على السخرية تكمن في حقيقة ان تصرفات النظام الحالي في واشنطن هي وحدها التي اوجدت نوعا من التعاطف مع صدام حسين الذي كان في يوم من الايام حليفا للولايات المتحدة.
العناوين العريضة التي كررت عبارة بريمر «لقد نلنا منه» والتلاعبات الشنيعة في تصوير «الجرذ» الذي اصطيد في «الحفرة» والفقرات الاخبارية الكثيرة التي اعتبرت الحدث بمثابة «هدية عيد الميلاد الكبرى من بوش»... كل هذه البشاعات ماذا تمثل؟ عدالة المنتصر بنكهة رجعية بغيضة.
ان اعتقال صدام حسين، الذي كان حدثا محتوما بالنظر الى الانتشار الحالي للقوات الاميركية المسلحة واطلاق يدها في دفع الرشاوى والبلطجة والتعذيب، ليس سوى الحلقة الاكثر اثارة في مسلسل من الحلقات المشابهة.
فمنذ الولادة الجديدة للكولونيالية الاميركية الصريحة في الثمانينيات فتحت الولايات المتحدة نيرانها على قائمة طويلة من الزعماء الاجانب و«جلبت الى العدالة» قادة من امثال مانويل نورييغا، زعيم بنما في عام 1989 وسلوبودان ميلوسويفيتش الرئيس اليوغسلافي السابق في عام 2001.
واصبحت العملية نموذجا نمطيا الآن، والقاسم المشترك الذي يربط هذه الشخصيات وآخرين من بينهم اسامة بن لادن هو ارتباطهم السابق بالحكومة او القوات المسلحة او الاستخبارات الاميركية.
ان افتقار الاعلام الاميركي للحكمة لا يعرف حدودا فبعد سنوات من الحديث بلهجة الاساقفة عن قصور صدام راح المتحذلقون الاعلاميون الان يشيرون الى نهايته المهينة في حفرة تحت الارض.
وكأن هذا الوضع المذل كان من خياره وكما جرت العادة، قدم روبرت موردوخ، من صحيفة «نيويورك بوست» اشنع مثال على صحافة القاذورات، حيث علق قائلا ان «صدام بدا تماما مثل متسولي الانفاق، فيما كان الطبيب يفحص رأسه بحثا عن القمل.. وحتى بعد تنظيفه وحلاقة ذقنه، كان واضحا انه فقد الرغبة في المقاومة: عيناه كانتا خاليتين من اي تعبير، ووجهه كان قناعا للخنوع».
ياله من توصيف قوي نفيس. كان صدام يختبيء من القوة العسكرية الاشد فتكا على وجه الارض، وفي هذه الفترة فقد ولديه اللذين قتلتهما القوات الاميركية.
كيف يمكن ان تكون حالته غير الذي رأيناه، وفيما يتعلق بسلوكه، هل يمكن حقا القول ان الرئيس الاميركي كان سيظهر قدراً اكبر من الجلد لو وضع في ظروف مشابهة؟ في احيان كثير ينفجر الساسة الاميركيون بالبكاء عندما يخسرون جولة رئيسية في الانتخابات.
ومشهد استقالة ريتشارد نيكسون في القاعة الشرقية بالبيت الابيض في عام 1974، دفع احد الصحفيين الى التعليق بالقول: «احيانا يتمنى المرء ان تأخذ هذه الزوجة الملتاعة بيد زوجها البائس العاطفي الطفولي بعيدا وتزج به في سيارة لا نوافذ لها تنقله الى عالم النسيان».
ويضغط الصحفيون الآن على بوش وادارته بأسئلة عن امكانية اعدام صدام حسين. وفي مؤتمر صحافي عقد مؤخرا سئل بوش: «هل تعتقد ان الاعدام خيار قائم؟».
رد بوش بابتسامة: سوف يتم سجنه وسوف نعمل مع العراقيين لبلورة طريقة لمحاكمته حسب المعايير الدولية اعتقد انه بامكاني القول ان لدي اراء خاصة بي حول كيف يجب معاملته لكنني لست مواطنا عراقيا وسيترك الامر للعراقيين لاتخاذ هذه القرارات» وتظاهر الصحفيون الحاضرون بأنهم صدقوا الجملة الاخيرة في كلامه.
لا شك ان صدام سيساءل في جرائم كثيرة. لكن هناك ايضا جرائم في رقبة بوش وأعوانه الذين شنوا حربا عدوانية على السلطة العراقية الشرعية.
اذا كانت معايير عدالة محاكمات نورمبرغ لا تزال قائمة من منظور قانوني، ناهيك عن المنظور الاخلاقي، هل يحق للحكومة الاميركية،او رجلها في بغداد احمد الجلبي ـ الذي هو نفسه مجرم مدان ـ محاكمة صدام؟ ايديهم جميعا ملطخة.
والمحكمة المقترحة ليست سوى مثالي آخر على اجرام واشنطن واستهزائها بالقانون الدولي. ان مسئولي ادارة بوش، بترتيب وابتداع القواعد حسب احتياجاتهم الانية العسكرية او السياسية او الانتخابية.
وسائل الاعلام الاميركية تستمتع بهذا وكذلك يفعل زعماء الحزب الديمقراطي. السيناتور الديمقراطي جوزيف ليبرمان، مرشح حزبه للانتخابات الرئاسية سارع الى الانضمام الى الجوقة المتعطشة للدماء. وقال ليبرمان انه «اذا لم تستطع محكمة دولية او عراقية اعدام صدام يجب احضاره للمثول امام محكمة اميركية ومواجهة عقوبة الاعدام».
وفي صورة اخرى عن مدى التردي الذي وصلت اليه وسائل الاعلام الاميركية، استفسرت ليسلي ستال مقدمة برنامج «60 دقيقة» على شاشة «سي بي اس» من وزير الدفاع دونالد رامسفيلد مؤخرا عن امكانية تعذيب او قتل صدام حسين، وسألته: «دعني اطرح السؤال بوضوح وبدون تحفظ عن موضوع التعذيب.
لنفترض انه لم يكن متعاونا في تقديم المعلومات هل سنلجأ الى حرمانه من النوم او احتجازه في مكان بارد جدا او حار جدا؟ هل هناك اي قيود على سبيل تعاملنا معه لحمله على التعاون مع التحقيق؟ وعندما اشار رامسفيلد الى ان الولايات المتحدة لن تعذب «هذا الشخص» واصلت ستال اسئلتها على نحو مزعج: «هل تعني انكم لن تحرموه من النوم او تعذبوه بشيء من هذا القبيل؟ أي أنك تستبعد ذلك كليا؟!
بعد ذلك جرت بينهما هذه المحادثة ستال: «هل خطر في بالك عندما سمعت خبر تحديد مكان مخبأ صدام واقتراب احتمال اعتقاله، انه سيكون من الافضل لو تم قتله؟
أليس من الافضل لو يكن على قيد الحياة الآن؟
رامسفيلد: «حسناً، هذا سؤال مناسب. انت تعلمين ان لدي اموراً كثيرة علي التفكير بها واتخاذ القرار بشأنها، لكن لم يكن بوسعي فعل شيء حيال هذا الامر بالتحديد. فنحن كنا اما سنأسره او سنقتله، وسياستنا هي ان نحاول اسره، واذا لم نستطع يمكننا ان نقتله. ولا نتردد في فعل ذلك.
عند الاصغاء لهذا الحوار التلفزيوني، يخيّل الينا كأننا نستمتع الى حوار بين مجرمين في عصابة مافيا.
ان الرغبة الملحة بالاذلال والترويع تحتل ارفع مرتبة في عقول كل من رامسفيلد، تشيني، ولفويتز وهيئة خبراء بوش اضافة الى خادميهم في وسائل الاعلام.
ان الطريقة المذلة التي عومل بها صدام حسين، بما يتنافى مع مواثيق جنيف، بما في ذلك عرض فحصه الطبي على شاشات التلفزة في جميع انحاء العالم، لا يراد منها فقط ترويع المقاومة العراقية وسكان البلد والعالم العربي وكل اولئك الذين قد يفكرون في معارضة الامبريالية الاميركية حول العالم، وإنما ايضاً اضافة الاميركيين ايضاً. الرسالة التي اراد صقور بوش ايصالها هي: كل المقاومة عقيمة، سوف ندوسكم انتم ايضاً باقدامنا».
من يمكن ان يروق هذا الاستعراض اليوم؟
الشريحة الاكثر انحطاطاً في المجتمع الاميركي، القاعدة شبه الفاشية للحزب الجمهوري، النموذج الاجتماعي السيكولوجي، الذي كان نظراؤه القدامى يهللون لمنظر القاء رجل او امرأة الى الاسود.
والاحتفال بهذه الحلقة البربرية الآن تداعب غرائز هؤلاء المجرمين من كل معاني الانسانية.
إن إذلال صدام حسين بهذه الطريقة يأتي عقب عرض جثتي ابنيه بشناعة مطلقة في وقت سابق هذا العام. لا يريد احد في وسائل الاعلام الأميركية تذكر نباح البنتاغون عندما بثت قناة الجزيرة لقطات مسجلة لجنود أميركيين قتلى أو أسرى في شهر مارس الماضي. في ذلك الوقت قال رامسفيلد للصحافة ان مواثيق جنيف تشير الى انه لا يسمح بتصوير أو احراج أو اذلال أسرى الحرب.
إن منظر أميركا الرسمية وهي تحتفل بأسر صدام باجواء طقوس التعطش الى الدماء البدائية، سوف يرهب قطاعات كبيرة من الناس، يتجلى بوضوح متزايد الآن ان النخبة الأميركية الحاكمة تقطن عالماً سياسياً واخلاقياً بعيداً وغريباً عن حياة ومشاعر الاغلبية الساحقة من الإنسانية، بما في ذلك الانسانية الأميركية.
إن كل ما يمثله بوش وعصبته بعيد كل البعد ومعاد لتقاليد الشعب الأميركي الجديرة بالاحترام ومثله الرفيعة.
وليس هناك سبب للتشكيك في قائمة جرائم صدام، مع ان احداً من المعلقين الأميركيين لا يشير إلى حقيقة أن أسوأ هذه الجرائم وقعت عندما كان صدام في تحالف فعلي مع واشنطن.
إلا أن المراسلين الصحفيين سارعوا الى تسليط الضوء على مزاج القهر الذي يهيمن على العراقيين. إن تجربة ثمانية اشهر تحت الحكم الأميركي كانت كفيلة بإزالة أي أوهام عن العدالة الأميركية من عقول العراقيين باستثناء السذج منهم والفاسدين. وقد اظهر استطلاع للرأى اجرى مؤخراً ان 91 بالمئة من العراقيين غير مهتمين بملاحقة أو محاكمة اعضاء النظام السابق.
وعلى سبيل المثال فان الصحافي جوشوا لوغان من رويترز يكتب: «ان الابتهاج باعتقال صدام فسح المجال لمقت واشنطن اذ عاد العراقيون مجدداً لواقع سفك الدماء وغلاء المعيشة وانعدام الأمن في ظل الاحتلال الاميركي.
الكثير من العراقيين شعروا بنشوة كبيرة لرؤية صدام رهن الاعتقال وعبروا عن املهم برؤيته يحاسب على اعماله، لكنهم قالوا انهم لن يندفعوا لشكر اميركا، فهي في نظرهم مصدر كل المشاكل منذ سقوط نظام صدّام. وقد استمرت هجمات المقاومة على القوات الاميركية والمتعاونين العراقيين على منوالها السابق بعد اعتقال صدام.
وعلى الصعيد الشعبي الاميركي ايضا، لايزال هناك تشكيك كبير في ان اعتقال صدام قد يساعد فعلاً على تسهيل الامور على جنودهم، اذ يعتقد 90% من الاميركيين، حسب آخر استطلاع، انه لاتزال هناك تحديات كبيرة في العراق، ويجادل 42% منهم انه لم يكن هناك ما يستحق خوض هذه الحرب اصلا.
حتى ولو كانت كل الجرائم التي نسبت الى صدام منذ استيلاء البعثيين على السلطة في عام 1968 صحيحة، فان الدم الذي يلوث يديه يبدو ضئيلاً جداً بالمقارنة مع الدم الذي يلطخ ايدي سلسلة الرؤساء الاميركيين الذين حكموا خلال الفترة ذاتها. فخلال حكم كنيدي وجونسون ونيكسون، هلك 4 ملايين فيتنامي كنتيجة للتدخل الاميركي في بلادهم، اضافة الى حوالي مليون كمبودي ونصف مليون لاوسي. وفي اندونيسيا في عام 1965، اسفر انقلاب تدعمه الاستخبارات الاميركية عن موت نصف مليون انسان آخر.
وما بين 1954 و2002 لقي حوالي 300 ألف غواتيمالي حتفهم ايضاً نتيجة القمع من حكومتهم المدعومة من الولايات المتحدة الأميركية.
ويعتقد ان 100 ألف آخرين ماتوا بالطريقة ذاتها في السلفادور. في الارجنتين وتشيلي في السبعينيات قام الجزارون العسكريون بمساعدة من نظامي نيكسون ـ كيسنجر وكارتر ـ برجنسكي بتعذيب وقتل 50 ألف شخص. ولا ننسى أن مئات الآلاف من العراقيين، من بينهم نصف مليون طفل واجهوا مصيراً مأساوياً كنتيجة للحربين اللتين شنتهما القوات الأميركية وعقد من العقوبات الاقتصادية المدمرة في عهد كلينتون وبوش.
وكذلك فإن الكارثة الافغانية منذ 1979 أسفرت عن موت مليون شخص آخر.
وعلى الرغم من كل الحديث الآن عن معاناة الاكراد، فإن الولايات المتحدة كانت دائماً سنداً لأسوأ قامع لهذا الشعب، وهو النظام التركي. وحقاً ان اعتقال صدام حسين اليوم لا يشبه شيئاً كما يشبه اعتقال الزعيم الكردي عبدالله أوجلان في فبراير 1999.
في عصور التحضر درجت العادة على معاملة حتى أكثر الأعداء حقداً بقدر من الكرامة، حتى عندما يكون العدو الأسير نابليون بونابرت الذي أذاق أوروبا ألوان العذاب وخط وحشيته بحروف من دم في كل بلدان اوروبا تقريباً فضلاً عن آسيا وافريقيا. فقد عومل نابليون باحترام عندما استسلم في عام 1815 بعد كل ما فعله.
وماذا عن طريقة معاملة الجنرال روبرت لي الذي قاد التمرد ضد الولايات المتحدة دفاعاً عن العبودية والاسترقاق مما أدى الى موت 600 ألف أميركي؟
بعد وقوعه في الأسر هكذا كان رد عدوه اللدود الجنرال أوليسيس غرانت: «شعرت انه غاية في الحزن والكآبة، ولم يكن بمقدوري الابتهاج بسقوط عدو قاتل طويلاً وبشراسة وعانى الكثير في سبيل قضية، برغم ان قضيته كانت من أسوأ القضايا التي قاتل من أجلها بشر ولم يكن لها ما يبررها، لكنني مع ذلك لا أشك في اخلاص تلك الأعداد الكبيرة من الناس الذين كانوا يعارضوننا».
مما لاشك فيه ان طريقة معاملة صدام حسين بعد وقوعه في الأسر تقدم اشارة أخرى على مدى تردي النخبة الأميركية الحاكمة."
ترجمة: علي محمد
عن
«وورلدسوشياليست»
المصدر / http://www.albayan.ae/futuretense_cs/images_b/articel_header/kotob_tarj.jpg
هذا المقال نشرته البيان الاماراتية مترجماً من أحد الكتاب العالميين
ولعمري أنه من أجمل ماقرأت في حرب العراق واجمل ماقرأت عن اعتقال صدام
وشهد شاهد من أهلها
حيث تساءل الكاتب في مقاله التالي:
هل انقلب السحر على الساحر؟
مؤشرات دالة وراء طريقة معاملة صدام في أعقاب اعتقاله!
"الاستجابة الاميركية الرسمية لحدث اسر الرئيس العراقي السابق صدام حسين تثير مشاعر الاشمئزاز، فقد تعاملت الادارة الاميركية مع الحدث بطريقة تنم عن قدر مريع من الجهل والحقد والسادية لا تأتي الا من مؤسسة سياسية اعلامية تفتقر لادنى درجات الديمقراطية والحس الانساني. وثمة مفارقة تبعث على السخرية تكمن في حقيقة ان تصرفات النظام الحالي في واشنطن هي وحدها التي اوجدت نوعا من التعاطف مع صدام حسين الذي كان في يوم من الايام حليفا للولايات المتحدة.
العناوين العريضة التي كررت عبارة بريمر «لقد نلنا منه» والتلاعبات الشنيعة في تصوير «الجرذ» الذي اصطيد في «الحفرة» والفقرات الاخبارية الكثيرة التي اعتبرت الحدث بمثابة «هدية عيد الميلاد الكبرى من بوش»... كل هذه البشاعات ماذا تمثل؟ عدالة المنتصر بنكهة رجعية بغيضة.
ان اعتقال صدام حسين، الذي كان حدثا محتوما بالنظر الى الانتشار الحالي للقوات الاميركية المسلحة واطلاق يدها في دفع الرشاوى والبلطجة والتعذيب، ليس سوى الحلقة الاكثر اثارة في مسلسل من الحلقات المشابهة.
فمنذ الولادة الجديدة للكولونيالية الاميركية الصريحة في الثمانينيات فتحت الولايات المتحدة نيرانها على قائمة طويلة من الزعماء الاجانب و«جلبت الى العدالة» قادة من امثال مانويل نورييغا، زعيم بنما في عام 1989 وسلوبودان ميلوسويفيتش الرئيس اليوغسلافي السابق في عام 2001.
واصبحت العملية نموذجا نمطيا الآن، والقاسم المشترك الذي يربط هذه الشخصيات وآخرين من بينهم اسامة بن لادن هو ارتباطهم السابق بالحكومة او القوات المسلحة او الاستخبارات الاميركية.
ان افتقار الاعلام الاميركي للحكمة لا يعرف حدودا فبعد سنوات من الحديث بلهجة الاساقفة عن قصور صدام راح المتحذلقون الاعلاميون الان يشيرون الى نهايته المهينة في حفرة تحت الارض.
وكأن هذا الوضع المذل كان من خياره وكما جرت العادة، قدم روبرت موردوخ، من صحيفة «نيويورك بوست» اشنع مثال على صحافة القاذورات، حيث علق قائلا ان «صدام بدا تماما مثل متسولي الانفاق، فيما كان الطبيب يفحص رأسه بحثا عن القمل.. وحتى بعد تنظيفه وحلاقة ذقنه، كان واضحا انه فقد الرغبة في المقاومة: عيناه كانتا خاليتين من اي تعبير، ووجهه كان قناعا للخنوع».
ياله من توصيف قوي نفيس. كان صدام يختبيء من القوة العسكرية الاشد فتكا على وجه الارض، وفي هذه الفترة فقد ولديه اللذين قتلتهما القوات الاميركية.
كيف يمكن ان تكون حالته غير الذي رأيناه، وفيما يتعلق بسلوكه، هل يمكن حقا القول ان الرئيس الاميركي كان سيظهر قدراً اكبر من الجلد لو وضع في ظروف مشابهة؟ في احيان كثير ينفجر الساسة الاميركيون بالبكاء عندما يخسرون جولة رئيسية في الانتخابات.
ومشهد استقالة ريتشارد نيكسون في القاعة الشرقية بالبيت الابيض في عام 1974، دفع احد الصحفيين الى التعليق بالقول: «احيانا يتمنى المرء ان تأخذ هذه الزوجة الملتاعة بيد زوجها البائس العاطفي الطفولي بعيدا وتزج به في سيارة لا نوافذ لها تنقله الى عالم النسيان».
ويضغط الصحفيون الآن على بوش وادارته بأسئلة عن امكانية اعدام صدام حسين. وفي مؤتمر صحافي عقد مؤخرا سئل بوش: «هل تعتقد ان الاعدام خيار قائم؟».
رد بوش بابتسامة: سوف يتم سجنه وسوف نعمل مع العراقيين لبلورة طريقة لمحاكمته حسب المعايير الدولية اعتقد انه بامكاني القول ان لدي اراء خاصة بي حول كيف يجب معاملته لكنني لست مواطنا عراقيا وسيترك الامر للعراقيين لاتخاذ هذه القرارات» وتظاهر الصحفيون الحاضرون بأنهم صدقوا الجملة الاخيرة في كلامه.
لا شك ان صدام سيساءل في جرائم كثيرة. لكن هناك ايضا جرائم في رقبة بوش وأعوانه الذين شنوا حربا عدوانية على السلطة العراقية الشرعية.
اذا كانت معايير عدالة محاكمات نورمبرغ لا تزال قائمة من منظور قانوني، ناهيك عن المنظور الاخلاقي، هل يحق للحكومة الاميركية،او رجلها في بغداد احمد الجلبي ـ الذي هو نفسه مجرم مدان ـ محاكمة صدام؟ ايديهم جميعا ملطخة.
والمحكمة المقترحة ليست سوى مثالي آخر على اجرام واشنطن واستهزائها بالقانون الدولي. ان مسئولي ادارة بوش، بترتيب وابتداع القواعد حسب احتياجاتهم الانية العسكرية او السياسية او الانتخابية.
وسائل الاعلام الاميركية تستمتع بهذا وكذلك يفعل زعماء الحزب الديمقراطي. السيناتور الديمقراطي جوزيف ليبرمان، مرشح حزبه للانتخابات الرئاسية سارع الى الانضمام الى الجوقة المتعطشة للدماء. وقال ليبرمان انه «اذا لم تستطع محكمة دولية او عراقية اعدام صدام يجب احضاره للمثول امام محكمة اميركية ومواجهة عقوبة الاعدام».
وفي صورة اخرى عن مدى التردي الذي وصلت اليه وسائل الاعلام الاميركية، استفسرت ليسلي ستال مقدمة برنامج «60 دقيقة» على شاشة «سي بي اس» من وزير الدفاع دونالد رامسفيلد مؤخرا عن امكانية تعذيب او قتل صدام حسين، وسألته: «دعني اطرح السؤال بوضوح وبدون تحفظ عن موضوع التعذيب.
لنفترض انه لم يكن متعاونا في تقديم المعلومات هل سنلجأ الى حرمانه من النوم او احتجازه في مكان بارد جدا او حار جدا؟ هل هناك اي قيود على سبيل تعاملنا معه لحمله على التعاون مع التحقيق؟ وعندما اشار رامسفيلد الى ان الولايات المتحدة لن تعذب «هذا الشخص» واصلت ستال اسئلتها على نحو مزعج: «هل تعني انكم لن تحرموه من النوم او تعذبوه بشيء من هذا القبيل؟ أي أنك تستبعد ذلك كليا؟!
بعد ذلك جرت بينهما هذه المحادثة ستال: «هل خطر في بالك عندما سمعت خبر تحديد مكان مخبأ صدام واقتراب احتمال اعتقاله، انه سيكون من الافضل لو تم قتله؟
أليس من الافضل لو يكن على قيد الحياة الآن؟
رامسفيلد: «حسناً، هذا سؤال مناسب. انت تعلمين ان لدي اموراً كثيرة علي التفكير بها واتخاذ القرار بشأنها، لكن لم يكن بوسعي فعل شيء حيال هذا الامر بالتحديد. فنحن كنا اما سنأسره او سنقتله، وسياستنا هي ان نحاول اسره، واذا لم نستطع يمكننا ان نقتله. ولا نتردد في فعل ذلك.
عند الاصغاء لهذا الحوار التلفزيوني، يخيّل الينا كأننا نستمتع الى حوار بين مجرمين في عصابة مافيا.
ان الرغبة الملحة بالاذلال والترويع تحتل ارفع مرتبة في عقول كل من رامسفيلد، تشيني، ولفويتز وهيئة خبراء بوش اضافة الى خادميهم في وسائل الاعلام.
ان الطريقة المذلة التي عومل بها صدام حسين، بما يتنافى مع مواثيق جنيف، بما في ذلك عرض فحصه الطبي على شاشات التلفزة في جميع انحاء العالم، لا يراد منها فقط ترويع المقاومة العراقية وسكان البلد والعالم العربي وكل اولئك الذين قد يفكرون في معارضة الامبريالية الاميركية حول العالم، وإنما ايضاً اضافة الاميركيين ايضاً. الرسالة التي اراد صقور بوش ايصالها هي: كل المقاومة عقيمة، سوف ندوسكم انتم ايضاً باقدامنا».
من يمكن ان يروق هذا الاستعراض اليوم؟
الشريحة الاكثر انحطاطاً في المجتمع الاميركي، القاعدة شبه الفاشية للحزب الجمهوري، النموذج الاجتماعي السيكولوجي، الذي كان نظراؤه القدامى يهللون لمنظر القاء رجل او امرأة الى الاسود.
والاحتفال بهذه الحلقة البربرية الآن تداعب غرائز هؤلاء المجرمين من كل معاني الانسانية.
إن إذلال صدام حسين بهذه الطريقة يأتي عقب عرض جثتي ابنيه بشناعة مطلقة في وقت سابق هذا العام. لا يريد احد في وسائل الاعلام الأميركية تذكر نباح البنتاغون عندما بثت قناة الجزيرة لقطات مسجلة لجنود أميركيين قتلى أو أسرى في شهر مارس الماضي. في ذلك الوقت قال رامسفيلد للصحافة ان مواثيق جنيف تشير الى انه لا يسمح بتصوير أو احراج أو اذلال أسرى الحرب.
إن منظر أميركا الرسمية وهي تحتفل بأسر صدام باجواء طقوس التعطش الى الدماء البدائية، سوف يرهب قطاعات كبيرة من الناس، يتجلى بوضوح متزايد الآن ان النخبة الأميركية الحاكمة تقطن عالماً سياسياً واخلاقياً بعيداً وغريباً عن حياة ومشاعر الاغلبية الساحقة من الإنسانية، بما في ذلك الانسانية الأميركية.
إن كل ما يمثله بوش وعصبته بعيد كل البعد ومعاد لتقاليد الشعب الأميركي الجديرة بالاحترام ومثله الرفيعة.
وليس هناك سبب للتشكيك في قائمة جرائم صدام، مع ان احداً من المعلقين الأميركيين لا يشير إلى حقيقة أن أسوأ هذه الجرائم وقعت عندما كان صدام في تحالف فعلي مع واشنطن.
إلا أن المراسلين الصحفيين سارعوا الى تسليط الضوء على مزاج القهر الذي يهيمن على العراقيين. إن تجربة ثمانية اشهر تحت الحكم الأميركي كانت كفيلة بإزالة أي أوهام عن العدالة الأميركية من عقول العراقيين باستثناء السذج منهم والفاسدين. وقد اظهر استطلاع للرأى اجرى مؤخراً ان 91 بالمئة من العراقيين غير مهتمين بملاحقة أو محاكمة اعضاء النظام السابق.
وعلى سبيل المثال فان الصحافي جوشوا لوغان من رويترز يكتب: «ان الابتهاج باعتقال صدام فسح المجال لمقت واشنطن اذ عاد العراقيون مجدداً لواقع سفك الدماء وغلاء المعيشة وانعدام الأمن في ظل الاحتلال الاميركي.
الكثير من العراقيين شعروا بنشوة كبيرة لرؤية صدام رهن الاعتقال وعبروا عن املهم برؤيته يحاسب على اعماله، لكنهم قالوا انهم لن يندفعوا لشكر اميركا، فهي في نظرهم مصدر كل المشاكل منذ سقوط نظام صدّام. وقد استمرت هجمات المقاومة على القوات الاميركية والمتعاونين العراقيين على منوالها السابق بعد اعتقال صدام.
وعلى الصعيد الشعبي الاميركي ايضا، لايزال هناك تشكيك كبير في ان اعتقال صدام قد يساعد فعلاً على تسهيل الامور على جنودهم، اذ يعتقد 90% من الاميركيين، حسب آخر استطلاع، انه لاتزال هناك تحديات كبيرة في العراق، ويجادل 42% منهم انه لم يكن هناك ما يستحق خوض هذه الحرب اصلا.
حتى ولو كانت كل الجرائم التي نسبت الى صدام منذ استيلاء البعثيين على السلطة في عام 1968 صحيحة، فان الدم الذي يلوث يديه يبدو ضئيلاً جداً بالمقارنة مع الدم الذي يلطخ ايدي سلسلة الرؤساء الاميركيين الذين حكموا خلال الفترة ذاتها. فخلال حكم كنيدي وجونسون ونيكسون، هلك 4 ملايين فيتنامي كنتيجة للتدخل الاميركي في بلادهم، اضافة الى حوالي مليون كمبودي ونصف مليون لاوسي. وفي اندونيسيا في عام 1965، اسفر انقلاب تدعمه الاستخبارات الاميركية عن موت نصف مليون انسان آخر.
وما بين 1954 و2002 لقي حوالي 300 ألف غواتيمالي حتفهم ايضاً نتيجة القمع من حكومتهم المدعومة من الولايات المتحدة الأميركية.
ويعتقد ان 100 ألف آخرين ماتوا بالطريقة ذاتها في السلفادور. في الارجنتين وتشيلي في السبعينيات قام الجزارون العسكريون بمساعدة من نظامي نيكسون ـ كيسنجر وكارتر ـ برجنسكي بتعذيب وقتل 50 ألف شخص. ولا ننسى أن مئات الآلاف من العراقيين، من بينهم نصف مليون طفل واجهوا مصيراً مأساوياً كنتيجة للحربين اللتين شنتهما القوات الأميركية وعقد من العقوبات الاقتصادية المدمرة في عهد كلينتون وبوش.
وكذلك فإن الكارثة الافغانية منذ 1979 أسفرت عن موت مليون شخص آخر.
وعلى الرغم من كل الحديث الآن عن معاناة الاكراد، فإن الولايات المتحدة كانت دائماً سنداً لأسوأ قامع لهذا الشعب، وهو النظام التركي. وحقاً ان اعتقال صدام حسين اليوم لا يشبه شيئاً كما يشبه اعتقال الزعيم الكردي عبدالله أوجلان في فبراير 1999.
في عصور التحضر درجت العادة على معاملة حتى أكثر الأعداء حقداً بقدر من الكرامة، حتى عندما يكون العدو الأسير نابليون بونابرت الذي أذاق أوروبا ألوان العذاب وخط وحشيته بحروف من دم في كل بلدان اوروبا تقريباً فضلاً عن آسيا وافريقيا. فقد عومل نابليون باحترام عندما استسلم في عام 1815 بعد كل ما فعله.
وماذا عن طريقة معاملة الجنرال روبرت لي الذي قاد التمرد ضد الولايات المتحدة دفاعاً عن العبودية والاسترقاق مما أدى الى موت 600 ألف أميركي؟
بعد وقوعه في الأسر هكذا كان رد عدوه اللدود الجنرال أوليسيس غرانت: «شعرت انه غاية في الحزن والكآبة، ولم يكن بمقدوري الابتهاج بسقوط عدو قاتل طويلاً وبشراسة وعانى الكثير في سبيل قضية، برغم ان قضيته كانت من أسوأ القضايا التي قاتل من أجلها بشر ولم يكن لها ما يبررها، لكنني مع ذلك لا أشك في اخلاص تلك الأعداد الكبيرة من الناس الذين كانوا يعارضوننا».
مما لاشك فيه ان طريقة معاملة صدام حسين بعد وقوعه في الأسر تقدم اشارة أخرى على مدى تردي النخبة الأميركية الحاكمة."
ترجمة: علي محمد
عن
«وورلدسوشياليست»
المصدر / http://www.albayan.ae/futuretense_cs/images_b/articel_header/kotob_tarj.jpg