PDA

View Full Version : ريم… الساعات الأخيرة ولحظات الوداع


USAMA LADEN
26-01-2004, 01:02 AM
ريم… الساعات الأخيرة ولحظات الوداع
فلسطين - وسام عفيفة


كشفت مصادر خاصة أن الشهيدة ريم الرياشي حاولت في الماضي (قبل زواجها) تنفيذ عملية استشهادية من خلال محاولة طعن جنود في منطقة ايرز وأنها استعدت لذلك حتى آخر لحظة، إلا أن العملية لم تنفذ بسبب عدم تمكنها من الوصول إلى هدفها، وأشارت هذه المصادر إلى أنه من بين شروط زواجها التي تقدمت بها لزوجها أن يسمح لها بتنفيذ عملية استشهادية في يوم من الأيام


الهدف حاجز بيت حانون "ايرز" شمال قطاع غزة, الوسيلة عملية استشهادية تستهدف حشدا من الجنود في الموقع الذي يعد من أكثر المواقع تحصينا في فلسطين، وقد أوكل بالمهمة إلى مجموعة من كتائب الشهيد عز الدين القسام التي احتاجت لتنفيذ هذه العملية إلى تنسيق مع كتائب شهداء الأقصى، بحيث يتم جمع وتوفير المعلومات لتحديد خطة وطريقة الهجوم وفي هذا الإطار تركزت مهمة المجموعة من شهداء الأقصى.
نتيجة جمع المعلومات أشارت إلى أن نقطة الضعف في الحاجز تتمثل في أمن الموقع وخاصة عند تفتيش المواطنين وتجمع عدد من الجنود لمهمة التفتيش والحماية والمراقبة وتسيير العمل في المعبر, وفي ظل صراع الأدمغة لمواجهة الإجراءات الأمنية الكثيرة والدقيقة باستخدام أجهزة تكنولوجية متطورة، اعتمدت خطة العملية على التمويه والخروج من مرحلة التفتيش الإلكتروني التقليدي إلى تدخل الجنود في عملية التفتيش التي تحتاج إلى دقة أكثر, وهنا كان نجاح عنصر المفاجأة والتمويه بحاجة إلى مجاهدة لتنفيذ العملية.
* اختيار ريم:
في هذه الأثناء كانت سيدة فلسطينية في أحد أحياء مدينة غزة تتوق إلى الشهادة وتطلبها، الأم والزوجة ريم الرياشي أبدت دائما استعدادها لتنفيذ العملية، ومن خلال قنوات خاصة وصل الأمر إلى قيادة كتائب القسام التي ربما امتنعت أو ترددت في البداية، بحكم أن المجاهدة الرياشي أم وزوجة، إلا أن الإصرار غير العادي من ريم كان عاملا رئيسيا في موافقة قيادة كتائب القسام على اختيار الرياشي رغم وجود عشرات وربما مئات الفتيات اللاتي يتمنين ويطلبن الشهادة. وعلى ما يبدو فإن عناصر الجرأة والإصرار والإيمان كانت ضمن الأمور التي تمتعت بها المجاهدة ريم.
وتم إعداد خطة العملية لدى المجموعة القسامية بالتنسيق مع شهداء الأقصى, وجهز مهندس من كتائب القسام الحزام الناسف بشكل مختلف هذه المرة، بحيث لا يعتمد على وسط المجاهدة فقط بل يلتف أيضا على ساقيها، لذا ستكون حركة المجاهدة صعبة ومثيرة للشبهة إلا أن هذه الثغرة تحولت إلى عامل نجاح وتمويه جديد، حيث تطلب الأمر أن تتظاهر الاستشهادية بأنها تعاني من أمراض أو كسور في الساقين وتستخدم لذلك أيضا "عكاكيز". في قيادة كتائب القسام تم مناقشة اختيار المجاهدة ريم للعملية، واتخاذ القرار كان صعبا إلا أن مبدأ مشاركة النساء في العمل العسكري والجهادي كان واردا، وظروف العملية واعتماد نجاحها بعد توفيق الله على تنفيذها من قبل فتاة حسم الأمر ومباشرة تم الاتصال بالمجاهدة ريم وإعدادها للعملية حسب الخطة الموضوعة، والأمر كان يحتاج فقط تدريبها على ارتداء وتشغيل الحزام الناسف، ويبدو أن قوة إيمانها وإرادتها واشتياقها للشهادة سهل المهمة على المجاهدين، كما تطلبت الخطة زيارة المجاهدة ريم لمنطقة وحاجز ايرز قبل تنفيذ العملية والاطلاع على المكان عن قرب والاطلاع على آلية عمل جنود الحاجز خلال قيامهم بمهام التفتيش وإذلال المواطنين، وعليه تم إجراء تعديلات في خطة العملية التي أصبحت المجاهدة ريم جزءا مشاركا فيها ولها ملاحظاتها عليها.
* يوم العملية
تم اختيار يوم العملية وتوقيتها الأربعاء 14/1/2004 حيث تخصص سلطات الاحتلال هذا اليوم للنساء في المعبر لعمل البطاقات الممغنطة خلال هذه الفترة، وحتى يوم العملية عاشت ريم حياتها بشكل عادي ولم يتغير عليها شيء سوى أنها كانت تنظر لجميع من حولها نظرة الوداع وكانت حريصة على رضى الجميع حيث زارت بيت والديها قبل تنفيذ العملية بأسبوع، وودعت الجميع بطريقتها دون أن يشعروا, كانت كتومة ولم تسيطر عليها عواطفها، وقبل العملية بساعات من خروجها لترتدي الحزام الناسف لآخر مرة ارتدت بزتها العسكرية وبدأت تودع طفليها، كانت لحظات صعبة وثقيلة وطويلة, ولكن ريم كانت تودع طفليها كمقاتلة ومجاهدة وشهيدة فسمت هذه المشاعر على مشاعر الأمومة, واحتضنت طفليها محمد وضحى للمرة الأخيرة وقبلتهما وهي تشعر بأنها أصبحت أماً لكل الأطفال والرضع الذين اسشتهدوا وقتلوا على يد الغدر والحقد، ثم خرجت ليبقى هذا المشهد خالدا معلقا في تاريخ الإنسانية وفي تاريخ العرب والمسلمين خاصة أمام من تخاذلوا في نصرة فلسطين فكانت ريم أكبر منهم جميعا.
لفت ريم جسدها بالحزام وتم التأكد لآخر مرة من أن كافة النواحي التقنية في الحزام وآلية التشغيل جاهزة وانطلقت ريم نحو الشمال، حيث حاجز الذل والقهر، وخلال ذلك كانت ريم تودع الناس في الشوارع وتودع غزة من نافذة السيارة تحفها الأدعية وآيات القرآن التي كانت تتلوها وتتهيأ للحظات الأخيرة، لحظات اللقاء بالرفيق الأعلى.
عندما وصلت ريم إلى الحاجز انطلقت على "عكازيها"، ولكن بخطى ثابتة حيث اجتازت حاجز الأمن الوطني ولم تتعرض لكثير من التدقيق بسبب حالتها كما ظهرت عليها وأصبحت على بعد أمتار من الهدف, كان عليها أن تمر عبر الجهاز الإلكتروني الذي تستخدمه قوات الاحتلال لتفتيش العمال والمسافرين، وعندما أطلق الجهاز الصوت الذي يشير إلى وجود جسم مشبوه مع المار, استدركت ريم الموقف حسب الخطة وبكل رباطة جأش ولم يظهر عليها أي اضطراب رغم أنها كانت على بعد ثوان من اللحظة التي ستفجر فيها جسدها ثم اقتربت منها مجندة لتسألها عما تحمله، عندها أخبرتها ريم بأن ساقها مكسورة، وبها مسامير بلاتين من شأنها أن تجعل جهاز الفحص يطلق صفارة الإنذار، المجندة أخبرت الضابط في الموقع إلا أن إجراءات الأمن لا تكتفي بهذا الرد وهو ما كانت تنتظره ريم، فأمر الضابط، بتحويلها إلى غرفة تفتيش مركزية للتأكد من خلوها لأي معدن آخر غير البلاتين. وفي الغرفة كان هناك عدد من الجنود أصحاب مهام مختلفة، وتم استدعاء خبراء متفجرات من الجيش الإسرائيلي لتفتيشها، في تلك اللحظات كانت ريم تدعو الله أن تكون تجهيزات الحزام جاهزة وصالحة، عندها تحسست ريم زر التفجير وكأنها تقنعه أن ينفجر وما إن اكتمل حشد الجنود حتى وقع انفجار مدو هز أرجاء شمال قطاع غزة وليسقط 4 جنود قتلى مع جرح 15 جنديا آخرين، فيما دب الرعب في قلوب مواقع وأبراج المراقبة في الحاجز شلت حركتهم ومنعتهم حتى من إطلاق النار في الهواء لفترة من الزمن.
* العائلة: نفتخر بريم
وقد أعربت عائلة الاستشهادية ريم صالح الرياشي (21 عاماً)، عن فخرها بما قامت به ريم، رغم أنها "لم تكن على علم مسبق بما كانت الاستشهادية ريم تنوي القيام به"، وقال أيمن الرياشي شقيق الشهيدة في مؤتمر صحفي عقدته العائلة أمام مسجد الهداية بمدينة غزة: "ما قامت به أختنا ريم عمل يشرف ويرفع رأس قطاع غزة وجميع أبناء الشعب الفلسطيني"، وأوضح الرياشي أن حب الإسلام وفلسطين هو الذي دفع ريم للقيام بالعملية ضد قوات الاحتلال الصهيوني نافياً أي علم لدى عائلته بنية ريم القيام بالعملية، وحول ما إذا كانت العائلة على علم بنية ريم القيام بعملية، رد شقيق الاستشهادية بشكل قاطع: "طبعا لا، ولم يصدر عنها أي تلميحات تشير إلى نيتها القيام بمثل هذه العملية، وآخر مرة رأيناها كانت قبل أسبوع ولم نلاحظ عليها أي تغير". وأكد الرياشي أن شقيقته كانت فتاة متفوقة في دراستها بشكل ملحوظ، وأنها كانت تحرص على قراءة كتبها المدرسية والكتب الإسلامية، مشيراً إلى أن العائلة فوجئت بنبأ تنفيذ ريم لعملية استشهادية، مشدداً على أن العائلة صبرت واحتسبت أمرها إلى الله.
وعن مصير طفليها قال شقيق ريم "الطفلان يتمتعان بصحة جيدة، ويقيمان لدى جدتهما والدة أبيهم".
وعلى الصعيد ذاته، رفض سيف الرياشي شقيق الشهيدة الأنباء التي تحدثت عن أن العائلة تخلت عن الشهيدة، وقال: "الحمد لله رب العالمين..هذه أختنا ونعتز بها ونعتز بشهادتها، وهذا الكلام ليس له أي أساس من الصحة".
وتنتمي الاستشهادية ريم إلى عائلة ميسورة الحال، وقد أنهت دراستها الثانوية بتفوق من مدرسة بشير الريس للبنات بمدينة غزة، وحسب ما ذكر شقيقها سيف فقد "كانت تتمنى أن تكمل دراستها وتلتحق بالجامعة لتدرس في كلية الهندسة، لكنها تزوجت من شاب من عائلة عواد". وتتكون أسرة الاستشهادية ريم من 6 شباب أكبرهم لا يتجاوز الـ30 من عمره، و4 بنات هي الثالثة بينهن، وقد توفي والدها قبل نحو عامين.
* مواهب متعددة:
امتازت الشهيدة ريم بحس مرهف وبمواهب متميزة متعددة فقد كانت تهتم بكتابة الشعر وبالرسم والخط الجميل، وقد احتفظت بالعديد من أعمالها الفنية من لوحات كان للشمعة موقع دائم فيها كما احتفظت بدفتر خاص كانت تجمع فيه سير الشهداء وترسم صورهم, وهذه المواهب كانت تضاف إلى تفوقها في الدراسة حيث حصلت على معدل 96% في الثانوية العامة وكانت تنوي إكمال تعليمها الجامعي وتدرس الهندسة.
وفي آخر أيامها كانت ريم حريصة على حفظ العديد من أجزاء القرآن لدرجة أنها كانت تتمنى أن تختمه حفظا ولكن شهادتها سبقت، بالإضافة إلى أنها لم تكتف بصوم كل اثنين وخميس بل حرصت على صيام آخر أيامها.
هذه الصفات والمواهب والأحاسيس أثرت في كل من عرف ريم وفراقها كان غاليا على الأهل والزوج والأبناء حيث عاشت حياة هانئة وسعيدة مع زوجها الذي كان أول الباكين على فراقها.
* شهيدة مع وقف التنفيذ:
كشفت مصادر خاصة أن الشهيدة ريم الرياشي حاولت في الماضي (قبل زواجها) تنفيذ عملية استشهادية من خلال محاولة طعن جنود في منطقة ايرز وأنها استعدت لذلك حتى آخر لحظة، إلا أن العملية لم تنفذ بسبب عدم تمكنها من الوصول إلى هدفها، وأشارت هذه المصادر إلى أنه من بين شروط زواجها التي تقدمت بها لزوجها أن يسمح لها بتنفيذ عملية استشهادية في يوم من الأيام، وبهذا تصبح الشهيدة (بإذن الله) أم محمد أول استشهادية من حركة حماس وأول استشهادية من قطاع غزة خلال انتفاضة الأقصى وأول استشهادية أما وزوجة في نفس الوقت،
وجدير بالذكر، أن من يعرف ريم يشير إلى أنها فتاة عادية جدا إلا أنها كانت تتمتع بجرأة ولا تخشى أو تهاب خاصة في ظل الأزمات أو الأوقات الصعبة التي يتعرض لها شعبنا من قبل الاحتلال، فلم تكن تخاف عند قصف الطائرات للمناطق السكنية القريبة من منزلها أو خلال عمليات الاجتياح.