PDA

View Full Version : اغلقت الدولة باب الاجتهاد وفتح بعضهم ما يدعيه من جهاد !!


yazeed6
26-04-2004, 04:23 PM
تشهد شوارع الرياض وغيرها من المدن الصغيرة والقري النائية مجابهة حقيقية بين قوات الامن وتيار الجهاد الذي قرر رفع السلاح في وجه الدولة.
هذه الاخيرة تعلن دوما اكتشاف مخابيء للاسلحة وسيارات مفخخة وتقتل من تعتبره من المطلوبين.

وفي دولة تنعدم فيها الشفافية بل تتسم سياستها بالسرية التامة نجد ان المعلومات هذه هي دوما صادرة عن اجهزة الدولة واعلامها وليس نتيجة تقارير صحافية ذات مصداقية معينة.

رغم ذلك الا ان المعلومات التي ينقلها ابناء البلد تدل علي حالة غليان وتململ من الاساليب التي اعتمدتها الدولة في مواجهة التيار الجهادي وهو اخر حلقة في سلسلة طويلة للمعارضة السعودية.

السؤال الذي نطرحه هنا: لماذا وصلت الامور الي هذا الحد ولماذا توجد شريحة في السعودية اليوم قررت حمل السلاح ضد هذه الدولة؟ للاجابة علي هذه الاسئلة لابد لنا من عرض لمظاهر المعارضة في السعودية خلال العقود المنصرمة علنا نجد الاجابة علي بعض الاسئلة المطروحة.
عرفت السعودية خلال النصف الثاني من القرن العشرين انواعا مختلفة من المعارضة السياسية.

فمنذ الخمسينات والستينات من القرن المنصرم تبلورت عدة اتجاهات كانت في مجملها تطالب بالتغيير السياسي.

فمن امراء احرار الي تيارات قومية ناصرية او بعثية او حتي يسارية نجد ان هذه الحقبة التاريخية قد ولدت تطلعات سياسية كانت بمجملها تستقي فكرها من التيارات العربية المهيمنة في ذلك الوقت.

فرغم استيراد هذه التطلعات من خارج حدود المملكة الا ان هذه الحقبة اثبتت تفاعل النخب السياسية السعودية مع الواقع العربي وثقافته في حقبة معينة اهم معالمها الصراع العربي الاسرائيلي وسلسلة الهزائم التي حلت بالامة العربية.

وكأي معارضة سياسية في دولة لا تسمح بحرية الرأي والتجمع وترفض مفهوم المعارضة بل تعتمد علي التفرد بالسلطة وتمارس القهر تجاه من يختلف معها في الرأي نجد ان معارضة الستينات قد خضعت لاساليب الابعاد والتنكيل المتعددة فنفي اعلامها وسجن بعض رموزها.
وقد ساعد الدولة في عملية التصفية هذه كون المعارضة مفتقدة لقاعدة شعبية عريضة ذلك الوقت.

ظلت هذه التيارات مقتصرة علي نخب ارتبطت بتفكيرها وتوجهاتها بالعالم العربي دون ان تستطيع بسبب الاستبداد المحلي ان تبني اي نوع من الاتصال مع شرائح عريضة من الشعب. فالشعارات المنادية بكتابة دساتير علمانية وحرية ووحدة ظلت غريبة عن تجربة شعب كان حينها ما يزال بعيدا عن تلك المفاهيم. فلا تركيبته الاجتماعية ولا ثقافته المحلية ولا خلفيته الدينية تستجيب لمثل هذه الطروحات والتي جاءت في اللحظة غير المناسبة.

هذه العوامل والحقائق سهلت علي الدولة القضاء علي تلك المعارضة بسرعة فائقة خلال السبعينات. وبعد حملة شنيعة ضد من تبني هذه التطلعات السياسية استطاعت الدولة ان تنهي اول حقبة من حقب المعارضة متسلحة بسلاح الدين الذي اتهم هذه التيارات بالعلمانية وحتي بالالحاد لاخراحها من حيز الاسلام.

وبعد غياب طويل نجد ان هذا التيار يحاول منذ التسعينات اعادة صياغة نفسه وقد تحول مؤخرا الي تيار يسمي بالليبرالي من اهم مطالبه اليوم الملكية الدستورية واتساع المشاركة الشعبية والشفافية الاقتصادية واطلاق بعض الحريات الاساسية وتشكيل مؤسسات المجتمع المدني وتحسين مشاركة المرأة في المجتمع. ومعظم هذه المطالب قدمت من خلال عرائض وبيانات تجاوزت الستة في العام المنصرم. كانت معظمها موجهة للسلطة ورموزها.

وما يسمي اليوم بالتيار الليبرالي هو تيار متعدد الاتجاهات من نخب مستعدة لان تدخل في حوار مع السلطة وحتي الشراكة معها اذا فتح لها المجال. وقد تلقت هذه المعارضة نكسة قوية عندما رفضت الدولة مبدأ الملكية الدستورية جملة وتفصيلا من منطلق عدم انسجام هذا الطرح مع خصوصية البلد اما النكسة الثانية فقد جاءت عندما زج بعدد من دعاة الاصلاح في السجن خلال شهر مارس/ آذار. ولجأت الدولة الي المقولة التي تربط الاصلاح ودعاته بما تسميه قوي خارجية في حملة معروفة الهدف منها نزع مصداقية هذا التيار.

وثم جاء الاتهام بتقويض المصلحة العامة والوحدة الوطنية. وهذا الاتهام من الاساليب المعروفة والمتبعة دوما للتخلص من اي صوت ينادي بالتغيير الذي قد يقلص ولو جزءا من صلاحيات الحكم واستفراده بالسلطة. وبعد هذه التطورات يجد التيار الليبرالي نفسه عند مفترق طرق. فهل يا تري سيسكت بعد نكسته هذه؟ وهل سيقتنع بالاصلاح السطحي والشكلي الذي تنادي به الدولة؟ وهل سيؤجل هذا التيار مرحلة المصادمة مع السلطة الي يوم اخر؟ ان ما حصل مؤخرا من حوار وتناحر بين السلطة واعلام هذا التيار لا يبشر بالخير وسنري كيف ان المرحلة القادمة ستجعلنا في موقع افضل لاستقراء تطورات الاحداث ومواقف التيار الليبرالي منها.

وكما ان مرحلة الستينات والسبعينات شهدت اتصالا ثقافيا وسياسيا مع العالم العربي نري ان الشعب في السعودية اثبت عدم انسلاخه عن التحولات الحاصلة في الدول المجاورة العربية والاسلامية حيث تبلور التيار الاسلامي بشكل قوي. وتجاوب الشعب مع هذه التطورات من خلال تبني وتطوير الفكر الاسلامي السياسي بمختلف اتجاهاته الاخوانية والسلفية الوعظية والسلفية الجهادية ومؤخرا تيار الوسطية الاسلامي.

وظلت هذه التيارات السياسية تصطدم مع السلطة والفكر الديني الرسمي خاصة ذلك الذي يجرد مفهوم الدين من السياسة ويحاول تجنب الدخول في معتركها حماية للدين والامة من الفتنة والفوضي حسب مفهومه ومن منطلق الولاء المطلق للاسرة الحاكمة. وحاول التيار الديني الرسمي ان يربط التيار الاسلامي السياسي يما بعتبره فكرا مستوردا وليس من صميم الدعوة الوهابية المحلية، فتارة ينعته بالتبعية الثقافية لحسن البنا وتارة لسيد قطب وتارة لابي الأعلي المودودي في محاولة لاسقاط مصداقيته كما اسقطت مصداقية المعارضة السابقة الذكر.

واصبحت هذه المقولة مهمة جدا مؤخرا خاصة بعد ان اشارت الولايات المتحدة باصبع الاتهام للسعودية والدعوة الوهابية كمصدر العنف والجهاد في العالم بعد احداث 11 ايلول (سبتمبر). وفي محاولة لتبرئة نفسها شجعت الدولة المقولات التي تربط الاسلام السياسي المسالم والمجاهد بالفكر المستورد من مصر وجماعاتها الجهادية. ولكن الدولة فشلت في التعاطي مع هذه الاتهامات لسببين:

الاول يعتبر الفكر الاسلامي السياسي بكافة انواعه فكرا معولما لا يرتبط بقطرية او جنسية معينة حيث ان المساهمين في تبلوره ينتمون الي بلدان مختلفة وثقافات محلية متعددة ومخضرمة بعضها ظهر في العالم العربي والاسلامي وبعضها تبلور في الغرب نفسه.

والثاني: يجب ان لا ننسي ان بعض رموز التيار الاسلامي السياسي في السعودية من علماء ونخب سياسية ناشطة يستقون من نصوص السلفية الوهابية والتي يصعب وصفها بالمستوردة.

فمنذ نشوء الحركة الوهابية وتبلور فكرها في القرن الثامن عشر نجدها تطورت الي تيارين:

تيار اول كان يساند السلطة ويتخذ منها موقفا مؤيدا منطلقا من قناعة راسخة مبنية علي مساندة الحكم خوفا من الانشقاق ودفاعا عن مصالحه الخاصة كتيار مرتبط ومستفيد من الحكم القائم.

اما التيار الثاني من ضمن الدعوة الوهابية هو التيار الذي ظل وفيا لتعاليم المؤسس محمد بن عبد الوهاب فهو دوما يرفع صوته بالرفض لمشاريع السلطة ويفضل ان لا يرتمي باحضانها حتي يصون دعوته واستقلاليته، فمن اعلام هذا التيار العلماء الذين اعترضوا علي الفساد والاباحية وبنوك الربا واستدعاء القوات الامريكية خلال حرب الخليج الثاني وطالبوا بالاصلاح السياسي الشامل من خلال ما سمي بمذكرة النصيحة في اوائل التسعينات.

وعلت اصوات هذا التيار خلال الحرب الامريكية علي افغانستان والعراق. وبما ان الدولة تعاطت بالعنف واسلوب القهر مع اعلام هذا التيار الذين سجنوا في التسعينات، نجدها افسحت المجال لرموز اخري اقل وعيا وعلما ممن سجن واتسم هذا التيار برفض قاطع لمخططات الدولة وسياستها وحتي التطرف الي حد تكفير من يتعاون مع الولايات المتحدة في حربها ضد المسلمين.

وبغياب شيوخ الصحوة بسبب السجن في التسعينات نري ان الدولة مهدت الطريق وغذت سياستها القمعية هذه التيار الجهادي الذي هو اليوم يحمل السلاح في وجهها.

اليوم يعتبر التيار الاسلامي من التيارات الاكثر خطرا وتهديدا للدولة وليس التيار الليبرالي الذي اصبح جزءا من السلطة تعتمد علي بعض رموزه في رسم سياستها ومخاطبة العالم عن طريقه.
والتيار الاسلامي اليوم هو تيار متعدد الاتجاهات منه التيار الجهادي المذكور ومنه التيار الاصلاحي الوسطي الذي يحاور الدولة ويحاول هو ايضا ان يدخل في شراكة معها. ومنه ايضا التيار المتمثل بالحركة الاسلامية للاصلاح والذي يتخذ من لندن مقرا له.

وبما اننا لن نستطيع ان نمسح جميع هذه التيارات في مجال هذا المقال فسنركز علي الحركة الاسلامية للاصلاح.

انبثقت الحركة الاسلامية للاصلاح من لجنة الدفاع عن الحقوق الشرعية والتي تأسست اوائل التسعينات من قبل مجموعة من القضاة والعلماء واساتذة الجامعات. كان هدف هذه اللجنة كما يوحي اسمها الدفاع عن الحقوق الشرعية للمواطنين.

وكررت اللجنة في عدة ادبيات وبيانات انها ليست بالحزب السياسي ولكن هذا لم يمنع العلماء الرسميين بايحاء من الدولة من ادانتها. فبعد كر وفر ومجابهة مع السلطة انتقلت اللجنة الي لندن من اجل متابعة عملها بعد ان منعت من العمل في السعودية.

وفي عام 1994 وصل محمد المسعري وسعد الفقيه الي لندن لمتابعة اعمال اللجنة. ولجأت هذه اللجنة الي الفاكس والتكنولوجيا المعلوماتية من اجل ايصال بياناتها للداخل. وكانت اللجنة في مرحلتها الاولي تتبني اسلوب النصيحة للحاكم وتعتبره من اهم الواجبات ولم ترفض اللجنة الحكم السعودي في بداية عملها وظلت تصر علي انها تؤدي واجبا دينيا تجاه الحاكم. ولم تتطرق اللجنة لشرعية الحاكم الا مؤخرا.

وفي عام 1996 حصل انشقاق داخلي بين المسعري والفقيه ادي حينها الي فقدان شيء ما من الشعبية والمصداقية وتم الانفصال الرسمي فبقيت اللجنة تحت قيادة المسعري واسس الفقيه الحركة الاسلامية للاصلاح وقد حلل البعض هذا الانشقاق علي انه نتيجة هشاشة هذه المعارضة وهامشيتها ولكن السبب الحقيقي هو اختلاف التيارات الفكرية الاسلامية التي ينتمي اليها كل من المسعري والفقيه.

فالاول ربما يمكن وصف تياره بانه يمثل التيار الاسلامي الاممي المرتبط باحزاب اسلامية معروفة والثاني يمثل التيار الاسلامي القطري. ويجب ان يفهم هذا الانفصال علي انه نوع من التعددية السياسية والتي لم يتعود عليها لا الشعب السعودي ولا المراقب للاحداث السياسية في هذا البلد. فالساحة السعودية شاسعة ولن يضيرها ان تتعدد الطروحات المســـتقبلية حتي في هذه المرحلة.

واذا ركزنا علي الحركة الاسلامية للاصلاح فسنجد انها منذ منتصف التسعينات قامت بتطوير ادبياتها وصدرت عنها مجموعة من الكتب والمناشير كلها ترفض الحكم الحالي من مبدأ عدم حكمه بما انزل الله . ولكن رغم هذا الرفض القاطع نجد ان الحركة لا تدخل في امور معقدة كتكفير الحاكم مثلا كما تفعل التيارات الجهادية رغم انها تؤكد عدم شرعية النظام ككل.

واليوم بعد عقد كامل من استعمال وتسخير اخر ما وصلت اليه النظم المعلوماتية من انترنيت طورت الحركة مؤخرا قدرتها علي الاتصال مع قاعدتها الشعبية عندما استخدمت قناة اذاعية صوتية ومرئية تبث يوميا برنامجا سياسيا وحواريا من لندن وتدعو المستمعين للمشاركة بابداء رأيهم وتطلعاتهم ومناقشة قضايا الساعة.

وعادة يبدأ البث بما يشبه المحاضرة السياسية التي تعطي وجهة نظر الحركة علي الاحداث من خلال برنامج توعية سياسية وتربوية كطريق للاصلاح والتغيير السلمي.

وتتبي الحركة الاعتصامات والمظاهرات السلمية وترفض العنف كوسيلة للعمل السياسي. وبالفعل نادت الحركة العام الماضي للاعتصامات كانت الاولي من نوعها في السعودية. ولابد ان وجود الحركة في لندن يفرض عليها قيودا خاصة.

فبعد تفجيرات نيويورك والرياض نلاحظ ان الحركة تبنت موقفا تحليليا للاحداث خاصة وانها تعرض نفسها كبديل للتيار الجهادي. ومن الواضح ان اي تعاطف معلن مع التيار الجهادي قد يؤدي الي تقييد عمل الحركة او منعه في بريطانيا. وفي نفس الوقت ان اي ادانة صريحة للعمل الجهادي قد يؤدي الي فقدان الحركة لشيء ما من الشعبية.

وتصر الحركة بمنشوراتها انها لا تتبني العنف بل تشجع التغيير السلمي فجهادها جهاد لسان وليس سلاحا. وربما ان الاعمال الجهادية والتفجيرات والمداهمات الحاصلة الان في السعودية قد تخلق البيئة التي تزيد شعبية هذا التيار المتمثل بالحركة كتيار خلاص من الوضع القائم.

ان اي محاولة علمية لتحديد مدي شعبية الحركة في بلد كالسعودية لن يجدي اي نفع اذ ان الاستفتاءات ممنوعة والحريات مقيدة. كل هذا يجعل تقييم الحركات السياسية المعارضة من الامور المستحيلة اذا اتبعنا اساليب البحث العلمي في بلد يختلط فيه مفهوم البحث بمفهوم المباحث.

لذلك نجد ان كثيرا من الدراسات التي قيمت هذه الحركة كانت دائما تستنتج ان هذه المعارضة سطحية فهي وان وجدت ستكون مؤلفة من مجموعات نخبية صغيرة لا تمثل قاعدة شعبية كبيرة وان علت اصواتها ما تلبث ان تندثر وتتلاشي. وقد وقع في هذا الخطأ مثلا مأمون فندي الذي وصف التيار المرتبط بالحركة بانه تيار cyber space وشكك هذا الباحث بقدرة القائمين علي هذا التيار علي بث روح التغيير او الاصلاح واستنتج ان عدم انتماء رموز الحركة لقبائل بدوية معروفة قد يشكل عائقا في وجهة شعبيتهم. ولكن الكل يعرف ان الناطق باسم الحركة ينتمي الي قبيلة تميم النجدية. وربما تناسي هذا الباحث ان انعدام القبلية ان هي بالفعل منعدمة والذي يعتبره هو عاملا سلبيا ربما يكون من الايجابيات حيث ان عدم الانتماء القبلي قد يشجع شرائح كبيرة علي رؤية الحركة كحركة وطنية وليس كحركة مرتبطة بقبيلة واحدة وهيمنتها.

ومنذ عام 1996 استطاعت الحركة ان تبني مصداقيتها كمعارضة سياسية تنطلق من منطلق اسلامي. وركزت علي موضوع الاصلاح القطري دون ان تقطع نفسها عن محيطها العربي والاسلامي فهي تتعاطي مع هذا المحيط من منطلق الاولويات وهي لن تستطيع ان تشغل نفسها بأمور متشعبة تشتت جهودها في وقت حرج كالذي تمر به البلاد اليوم.

استطاعت الحركة الاسلامية للاصلاح ان تفرض نفسها علي الساحة السياسية المحلية والخارجية وقدر لها ان تفند مزاعم الدولة ومقولة الكثير من علماء السياسة التي تردد دوما انه لا توجد معارضة في السعودية ولا يوجد بديل لحكم السلطة الحالية. هذه الاستنتاجات كانت مبنية علي معادلات فاشلة في تفسير التغيرات السياسية والاجتماعية وحتي مفهوم المعارضة في القرن الواحد والعشرين.

كان من الطبيعي ان تتعاطي هذه المعارضة مع واقع القمع وانعدام الحريات بمرونة وشيء من الابداع.. ومن المسلم به ان الفاكس لا يخلق ثورات ولا انقلابات ولكنه وسيلة فعالة في التوعية السياسية والتعبئة النفسية والشعبية وهو جزء مهم في ايصال الرأي في بيئة تعودت علي احادية الرأي. واليوم الاذاعة هي ايضا وسيلة مهمة في افساح المجال للشعب السعودي للتعبير عن رأيه. الفاكس تحول الي شبكة حوارية ومنتديات وادبيات وقناة. فلو كانت هذه المعارضة بالهامشية المزعومة لما وجدنا الدولة حريصة علي التخلص منها واسكاتها واللجوء الي التشويش المستمر علي قناتها الاذاعية وحتي اسقاط مصداقيتها من خلال حملة علماء الدين الرسميين علي رموز الحركة.

ان اي تقييم علمي لشعبية الحركة يجب ان يأخذ هذه الامور بعين الاعتبار. فقبل ان تتبني الدولة لفظ الاصلاح كانت الحركة وتيارهـــا من اول من طرح هذا الشعار كوسيلة للتعاطي مع انواع التقصير السياسي وانعدام الرؤية الاقتصادية والعسكرية والاجتماعية للدولة القائمة.

ان من اهم انجازات الحركة رفع الوعي السياسي وتوفير القنوات الحوارية وهذا ما فشلت الدولة بتوفيره خلال السبعين سنة الماضية فالمتابع للقناة الاذاعية للحركة لن يغفل ان يلاحظ الزخم ومدي استجابة المشاركين من الرجال والنساء لطروحات الحركة. فكل مشترك ومحاور يعبر عن ارائه بطريقته الخاصة واسلوبه فمن مثقف وشاعر وناشط ومواطن عادي نجد ان المداخلات تعكس حاجة ماسة عند الشعب لايجاد طرق مشروعة للتعبير عن الرأي وتغيير الاوضاع. وقد وصف احد المشاركين هذه الاذاعة علي انها برلمان علي الهواء. وبالفعل توجد في المشاركات تعددية فكرية وقبلية ومناطقية.

ومن الملاحظ مؤخرا ان الحركة اصبحت تتبني خطابا شموليا وتوجهه لشرائح عريضة من الشعب وتحاول ان تكسب اكبر مجموعة ممكنة لمشروع الاصلاح. هذا الانفتاح وربما المرحلي يمثل محاولة استقطاب مصلحين من مختلف التيارات الموجودة علي الساحة السعودية. وتحاول الحركة تجاوز المناطقية اذ انها تنادي الجميع وتفتخر انها تضم في كوادرها البدوي والحضري والمتعلم وذوي العلم المحدود ومن المرجح ان تكون الاكثرية من تابعي الحركة ينتمون الي الطبقة الوسطي وسكان المدن وبعض الطبقات المهمشة. وليس من المستبعد ان تكون الحركة قد استقطبت بعض الشخصيات المهمة في السلم الاجتماعي ولكن تبقي هذه الشخصيات وراء الكواليس بسبب البطش المترتب علي الافصاح عن هويات هؤلاء خاصة بعد ان تبنت الحركة موقفا رافضا للحكم الحالي جملة وتفصيلا. فالاصلاح المقصود هو اصلاح جذري متمثل بولاية الامة واعادة الحكم الي الاصول الشرعية.

اما من ناحية برنامج الحركة السياسي فهو بشكل عام لا يختلف عن طروحات التيارات الاسلامية فالحركة تنادي بتطبيق الشريعة واستقلالية القضاء وحرية الرأي. وتنادي بالانتخابات اذا توفرت الظروف الحقيقية لنزاهتها. ومن المستغرب ان الحركة تنادي باعادة صياغة هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر من منطلق تطوير شامل لنظام الحسبة كما انها تنادي بالغاء مؤسسة المفتي الاعلي الواحد وتطالب بالتعددية في هذا الحيز المهم شرط ان يصدر الافتاء من اشخاص معترف بعلمهم واجازتهم.

انجزت الحركة الشيء الكثير وهي اليوم ربما تعتبر من التيارات الاكثر مصداقية بسبب طرحها الرافض للعنف ونزاهة القائمين عليها في زمن يكثر فيه شراء الضمائر.

ولكن تواجه الحركة اليوم بعض التحديات منها مثلا الانتقال من مرحلة التعبئة الشعبية الي مرحلة العمل الجماعي السلمي والمعلن علي الساحة. وربما تكون الاشهر المقبلة مرحلة حاسمة بالنسبة للحركة حين توضع شعبيتها علي المحك خاصة وان طلبت من اتباعها التحرك العلمي والعمل المشترك. والمراقب لاعتصامات اكتوبر الماضية والتي نادت بها الحركة سيلاحظ ان هناك استجابة جيدة من قبل اتباع الحركة وليس من المستبعد ان تتكرر هذه التجربة الجريئة والتي لم تعرفها السعودية من قبل.

اما التحدي الثاني حسب قول القائم علي الحركة الدكتور سعد الفقيه هو التغلب علي الترسبات الدينية والسياسية واهمها الخمول السياسي والاتكالية وعدم وجود تجربة العمل الجماعي تحت ظروف القهر الحالية. وهذه المعضلة لم تنتج عن طبيعة الشعب السعودي وانما هذه التراكمات هي نتيجة سياسة الدولة وردة فعل علي عصر الاسترخاء الذي ولدته الطفرة النفطية. فالحراك السياسي يرتبط دوما بحالات عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي واتساع الفجوة بين الواقع المعيشي وتطلعات الشعب. ويمكن القول ان ظروف البلد الحالية المتمثلة بالازمة المعيشية والفقر والبطالة في اغني بلد عربي وحالة التململ من انعدام الحريات وعدم القدرة من قبل السلطة علي التجاوب مع الواقع بطريقة واعية وحالة العنف المتفشية في الشوارع نجد ان الشعب السعودي ربما يفاجيء نفسه ويفاجيء العالم الخارجي بقدرته علي الحراك والتجاوب مع ازمة الحاضر.

وفي الختام، بعد ان اصبح خيار العنف حقيقة واقعة علي الساحة السعودية وازدياد قناعة التيار الليبرالي بعدم جدوي توجيه الخطاب للسلطة الرافضة مبدأ الاصلاح الا الذي يخرج من جهتها هي، تتقلص الخيارات المطروحة للتغيير من قبل التيارات المتعددة والمطالبة له. وان نظرتها الي الحركة الاسلامية للاصلاح وهي بحكم وجودها في الخارج واتساع حيز الحرية المتوفرة لها ورغم المطبات الاولي، استطاعت ان تبني قدرة علي الاتصال مع الداخل وربما تكون مثلا تقتدي به القوي السياسية الاخري ويكون هذا بداية للتعددية السياسية الحقيقية والمرجوة لتحقيق التغيير السياسي وتطوير مفهوم المشاركة الشعبية. واذا ظل تيار العنف هو الخيار الوحيد لفئة معينة من ابناء المجتمع ليس من المستغرب ان تتطور الحركة الي جبهة وطنية للانقاذ لمواجهة التخبط السياسي الحالي لرموز الحكم. كذلك اذا استمرت الدولة في استقطاب المعارضة الداخلية الاسلامية والليبرالية وتحويلها الي معارضة موالية لتفقدها اي رصيد شعبي وقتلها مجازيا لاي رمز من رموز الاصلاح قد يمثل شريحة قيادية في المستقبل عن طريق تطبيق الوصاية عليها فان الوضع قد يزداد تأزما في المستقبل.

وما تفجير مركز الامن العام في الرياض يوم الاربعاء 21/4/2004 الا نتيجة لاغلاق باب الاجتهاد السياسي والقضاء علي التطلعات المستقبلية من قبل الدولة واستهداف الالة الامنية والعسكرية للدولة يعكس ردة فعل علي حملة الاعتقالات العشوائية وسجن مئات من المواطنين والتنكيل بدعاة الاصلاح من كافة التيارات تحت مظلة الحرب علي الارهاب ومع الاسف ان رجال الامن والشرطة الذين هم بدورهم يقمعون ويعاملون معاملة العبد المأجور من قبل السلطة يقومون بحملة القمع هذه نيابة عن الدولة. لذلك هم اليوم يستهدفون استخدام العنف وسيلة اخيرة لتغيير وضع لا يطاق. فبعد اغلاق باب الاجتهاد نري ان فئات من الشعب فتحت باب الجهاد علي مصراعيه. انتقلت المعركة اليوم من مرحلة قتال الامريكان الي مرحلة التصدي لمن يعينهم في حروبهم ويساند مشاريعهم ويروج سياستهم.

فبين معارضة الامس ومعارضة اليوم توجد تيارات مختلفة واتجاهات عقدية متعددة ولكن هناك ايضا حقيقة تاريخية ثابتة ممثلة برفض السلطة بالامس واليوم رفضا قاطعا لمعني المشاركة السياسية وتجاهل الشعب وتجاوز طموحاته. اثبتت الاحداث الاخيرة ان هذا هو الثابت وان المتحول والمتغير هو طريقة الشعب في التعامل مع ثوابت السياسة المحلية.

مضاوي الرشيد ... تم نقل الموضوع بتصرف

مسدد
27-04-2004, 05:39 AM
شكرا على هذا النقل الطيب ، هذا تحليل متميز (إجمالا بدون الخوض في التفصيلات) حول هذا الموضوع ، اعتقد أنه لن ينفعنا أن نستخرج أن الأسرة الحاكمة هي الغلطانه وهي أساس الخلل ، أنا وأنت والناس جميعا تعرف هذه النقطة ، وهم أكبر من سيحاسب يوم القيامة على هذا ، ولكن يجب أن نتذكر أن هدفنا ليس استخراج المخطيء ، ولا أن نبحث عن كل نقطة خلافية ، بل الأصل أن نبحث عن ما لا يؤجج الفتن ، الآن السلطة لديك أقوى بكثير من أي تيار آخر ، وإذا تم وضع خطة لتحقيق المطالب خلال عشر سنوات بالعنف ، فحتى إن نجحت الخطة فإن النتائج وخيمة ، مثل ما حصل في الجزائر ، أما لو تم وضع خطة لتحقيق المطالب بصورة سلمية ، وهذه المطالب لن تأتي بدون أمرين مهمين:
1- التضحية ، سواء بالاعتقال أو بالنفي أو بخسارة المنصب والتضييق.
2- فرض ضغط متزن ، فبدون ضغط لن تحصل على أي استجابة ولا أية تنازلات ولا حتى تنازلات هامشية.
فثق تماما أنك ستصل إلى نتائج مباشرة خلال سنوات وإن طالت.

مشايخ التيار الإصلاحي وعلى رأسهم العلامة ابن جبرين تعرضوا لضغوط شديدة ، بعضهم سجن وبعضهم صدرت فيه فتاوى بالخروج وبعضهم أقيل من منصبه وبعضهم مدرسون في الجامعة ، وبعضهم منع تماما حتى من إلقاء خاطرة في المسجد (والتيار الاستئصالي ساعد في هذا ولعلنا نذكر وقاحة أحد الخطباء وهو يطالب بإعدام الشيخ سلمان العودة) ، وفي أقل من 8 سنوات شاهدناهم في التلفاز كتيار تتبناه الدولة ، وقفزت الدولة عن التيار الذي كان سندا لها لمدة طويلة.

اعود مرة أخرى لقضية جعل الحكومة غلطانه ، لن ينفعنا هذا كثيرا فانا لا أرغب في أن تتعامل الحكومة بأنفة وكبر وعزة نفس ، بل أريدها أن تحترم رأيي ، ما عندي وقت للصدام ، بل إذا احتجت أن أبجل شخصا معينا من أجل أن استميل قلبه وأحصل منه على الدعم الكافي الذي يساعدني في بث الفكر المعتدل فأنا مضطر لهذا الأسلوب.

والموضوع يطول ذكره