View Full Version : أهمية رسم الأهداف.... من أجل إنتاجية أفضل
محب الشيخ العثيمين
18-03-2005, 04:05 AM
يعيش العالم المتقدم أزمة حضارة بسبب افتقاده الوجهة أو الهدف الأكبر الذي
يجذب إليه جميع مناشط الحياة ، ويمنحها المنطقية والانسجام . أما المسلمون
فأزمتهم الأساسية ، هي أزمة حركة في العالم ، وأزمة شهود على العصر ؛ فهم في
أكثر الأحيان يتأثرون ، ولا يؤثرون ، ويأخذون من الحياة أكثر مما يعطونها ؛ وذلك
بسبب انخفاض إنتاجيتهم ، وضعف إدارتهم لإمكاناتهم الشخصية والعامة . نقرأ
آيات الاستخلاف وشروط التمكين في الأرض ، وأدبيات النجاح والفلاح ، لكنّ
قليلين منا الذين يسألون أنفسهم عن وظيفتهم الشخصية في تحقيق كل ذلك !
إن الأماني الوردية حول قيادة أمتنا للعالم تداعب أخيلة الكثيرين منا ، وتدغدغ
مشاعرهم ، لكن لا أحد يسأل عن آليات تحقيق ذلك ، ولا عن الإمكانات المطلوبة
للسير في طريقه !
إني أعتقد أن هناك حقيقة أساسية غائبة عن أذهان الكثيرين منا ، هي أننا لا
نستطيع أن نوجد مجتمعاً أقوى من مجموع أفراده ؛ ولذا فإن النهوض بالأمة يقتضي
على نحوٍ ما أن ينهض كل واحد منا على صعيده الشخصي ، وما لم نفعل ذلك ،
فإن الغد لن يكون أفضل من اليوم .
إن رسم الأهداف نوع من مدِّ النظر في جوف المستقبل ، وإن الله جل وعلا
يحثنا على أن نتفكر في الآتي ، ونعمل له : ] يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ
نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [ [الحشر : 18]
إن المسلم الحق لا يكون إلا مستقبلياً ، ولكننا بحاجة إلى أن نعمم روح الالتزام
نحو الآخرة على مسلكنا العام تجاه كل ما يعنينا من شؤون وأحوال .
محب الشيخ العثيمين
18-03-2005, 04:07 AM
من الأدوات الأساسية في تحسين وضعية الفرد أن يكون له هدف يسعى إلى
تحقيقه . ونرى أن حيوية وجود هدف واضح في حياتنا تنبع من اعتبارات عديدة ،
أهمها :
1- إن كل ما حولنا في تغير دائم ، والمعطيات التي تشكل المحيط الحيوي
لوجودنا لا تكاد تستقر على حال ، وهذا يجعل كل نجاح نحققه معرضاً للزوال ؛
ووجود هدف أو أهداف في حياتنا ، هو الذي يجعلنا نعرف على وجه التقريب ما
العمل الذي سنعمله غداً ، كما أنه يساعد على أن نتحسس باستمرار الظروف
والأوضاع المحيطة ؛ مما يجعلنا في حالة دائمة من اليقظة ، وفي حالة من الاقتدار
على التكيف المطلوب .
وقد جرت عادة الكثيرين منا أن يسترخوا حين ينجزون عملاً متميزاً ؛ مما
يضعهم على بداية الطريق إلى أزمة تنتظرهم . ولذا فإن الرجل الناجح ، هو الذي
يسأل نفسه في فورة نجاحه عن الأعمال التي ينبغي أن يخطط لها ، ويقوم بإنجازها ؛ فالتخطيط هو الذي يجعل أهمية المرء تأتي قبل الحَدَث . أما معظم الناس فإنهم لا
يفكرون إلا عند وجود أزمة ، ولا يتحركون إلا حين تحيط بهم المشكلات من كل
جانب ، أي يستيقظون بعد وقوع الحدث ، وبعد فوات الأوان !
2- إن وعي كثيرين منا بـ (الزمن) ضعيف ، ولذا فإن استخدامنا له في حل
مشكلاتنا محدود . وحين يجتمع الناس برجل متفوق فإنهم يضعون بين يديه كل
مشكلاتهم ، ويطلبون لها حلولاً عاجلة متجاهلين عنصر (الزمن) في تكوينها
وتراكمها ، وطريقة الخلاص منها . ووجود هدف في حياة الواحد منا يجعل وعيه
بالزمن أعظم ، ويجعله يستخدمه في تغيير أوضاعه . إذا سأل كل واحد منا نفسه :
ماذا بإمكانه أن يفعل تجاه جهله بعلم من العلوم مثلاً أو قضية من القضايا ؟ فإنه يجد
أنه في الوقت الحاضر لا يستطيع أن يفعل أي شيء يذكر تجاه ذلك . أما إذا سأل
نفسه : ماذا يمكن أن يفعل تجاهه خلال خمس سنين ؟ فإنه سيجد أنه يستطيع أن
يفعل الكثير ؛ وذلك بسبب وجود خطة ، واستهداف للمعالجة ، وهما دائماً يقومان
على عنصر الزمن . إني أعتقد أن كثيراً من الخلل المنهجي في تصور أحوالنا ،
وحل أزماتنا ، يعود إلى ضيق مساحة الرؤية ، ومساحة الفعل معاً ، وذلك كله
بسبب فقد النظر البعيد المدى .
3- إن كثيراً من الناس يظهرون ارتباكاً عظيماً في التعامل مع (اللحظة
الحاضرة) وذلك بسبب أنهم لم يفكروا فيها قبل حضورها ، فتتحول فرص الإنجاز
والعطاء إلى فراغ قاتل ومفسد ؛ وهذا يجعلنا نقول : إننا لا نستطيع أن نسيطر على
الحاضر ، ونضبط إيقاعه ، ونستغل إمكاناته ، إلا من خلال مجموعة من الآمال
والأهداف والطموحات ، وبهذا تكون وظيفة الهدف في حياتنا هي استثمار اللحظة
الماثلة على أفضل وجه ممكن .
إني أتجرأ وأقول : إن ملامح خلاص جيلنا ، والجيل القادم على الأقل من
وهن التخلف والانكسار قد تبلورت في أمرين : المزيد من الالتزام بالمنهج الرباني ، والمزيد من التفوق ، ولا نستطيع أن نجعل هذين الأمرين حقيقة واقعة في حياتنا
من غير تحديد أهداف واضحة .
محب الشيخ العثيمين
18-03-2005, 04:10 AM
1- المشروعية :
إن مجمل أهداف المرء في الحياة ، يعادل على نحو تام (استراتيجية) العمل
لديه ، ولذا فإن الذين لا يأبهون لشرعية الأهداف التي يسعون إلى تحقيقها يحيون
حياة مضطربة ممزقة ، تختلط فيها عوامل البناء مع عوامل الهدم ، وينسخ بعضُها
بعضَها الآخر . إن الهدف غير المشروع ، قد يساعد على تحقيق بعض النمو في
جانب من جوانب الحياة ، لكنه يحطّ من التوازن العام للشخصية ، ويفجّر في داخلها
صراعات مبهمة وعنيفة . وليس المقصود بشرعية الهدف أن يكون معدوداً في
(المباحات) فحسب ، وإنما المقصود أن يكون مندمجاً على نحو ما في الهدف
الأسمى والأكبر الذي يحيا المسلم من أجله على هذه الأرض ، ألا وهو الفوز
برضوان الله تبارك وتعالى وهذا يعني أن الأهداف المرحلية والجزئية للواحد منا
يجب ألا تتنافر معه في وضعيتها أو مفرزاتها أو نتائج تفاعلها . ولعل من علامات
الانسجام بينها وبين الهدف الأكبر شعور المرء أنه يحيا (حياة طيبة) وهي لا تولد
من رحم الرخاء المادي ، ولا من رحم التمتع بالجاه أو الاستحواذ على أكبر كمية
من الأشياء ، وإنما تولد من ماهية التوازن والانسجام بين المطالب الروحية والمادية
للفرد ، ومن التأنق الذي يشعر به من يؤدي واجباته .
الهدف المشروع عامل كبير في إيجاد التطابق بين رموزنا وخبراتنا ، وهو
إلى ذلك مولِّد لما نحتاجه من حماسة للمضي في الطريق إلى نهايته .
2- الملاءمة :
لكل منا طاقاته وموارده المحدودة ، وله ظروفه الخاصة ، وله إلى جانب ذلك
تطلعات وتشوّفات ؛ ومن الواضح اليوم أن الحضارة الحديثة أوجدت لدى الناس
طموحات فوق ما هو متوفر من إمكانات لتلبيتها ، وهذا يؤدي بكثير من الناس إلى
أن يسلكوا طرقاً غير مشروعة لتلبيتها ، أو يؤدي بهم إلى الشعور بالعجز والانحسار .
والهدف الملائم ، هو ذلك الهدف الذي يتحدى ولا يعجز . ومعنى التحدي دائماً : طلب تفجير طاقات كامنة أو استخدام موارد مهملة ، لكنها جميعاً ممكنة . حين
يكون الهدف سهلاً فإنه لا يؤدي إلى حشد إمكاناتنا الذاتية ، ولا إلى تشغيل أجهزتنا
النفسية والعقلية ، كما لو أننا طلبنا من شخص أن يقرأ في كل يوم ربع ساعة ، أو
يستغفر عشر مرات .
في المقابل فإن الهدف الكبير جداً يصد صاحبه عن العمل له ، وفي هذا
السياق نرى كثيراً من أهل الخير ، يشعرون بالإحباط ، ويشكون دائماً من سوء
الأحوال ، وتدهور الأوضاع ، وهذا نابع من وجود هدف كبير لديهم هو (الصلاح
العام) لكن ليس لديهم أهداف صغيرة ، أو مرحلية تصب فيه . إن كل هدف صغير
يقتطع جزءاً من الهدف الكبير ، ويؤدي إلى قطع خطوة في الطريق الطويل ؛ وعدم
وجود أهداف صغيرة ، يجعل الهدف النهائي يبدو دائماً كبيراً وبعيداً ، وهذا يسبب
آلاماً نفسية مبرحة ، ويجعل المرء يظهر دائماً بمظهر الحائر العاجز . إنه لا يأتي
بالأمل إلا العمل ، وقليل دائم خير من كثير منقطع .
3- المرونة :
إن أنشطة جميع البشر ، تخضع لعدد من النظم المفتوحة ، ومن ثم فإن النتائج
التي نتطلع إلى الحصول عليها ، تظل في دائرة التوقع والتخمين . حين يرسم
الإنسان هدفاً ، فإنه يرسمه على أساس من التقييم للعوامل الموجودة خارج طبيعة
عمله ، وخارج إرادته ، وهذه العوامل كثيراً ما يتم تقييمها على نحو خاطئ ، كما
أنها عرضة للتغير ، بالإضافة إلى أن إمكاناتنا التي سوف نستخدمها في ذلك هي
الأخرى متغيرة ؛ ولهذا كله فإن الهدف يجب أن يكون (مرناً) ، أي : له حدود دنيا ،
وله حدود عليا ؛ وذلك كأن يخطط أحدنا لأن يقرأ في اليوم ما بين ساعتين إلى أربع
ساعات ، أو يزور ثلاثة من الإخوة إلى خمسة وهكذا .. هذه المرونة تخفف من
ضغط الأهداف علينا ؛ فالناس يشعرون حيال كثير من أهدافهم أنها التزامات أكثر
منها واجبات ، والالتزام بحاجة دائماً إلى درجة من الحرية ، وسيكون من الضار بنا
تحوّل الأهداف إلى قيود صارمة ، وحواجز منيعة في وجه تلبية رغبات شخصية
كثيرة .
4- الوضوح :
هذه السمة من السمات المهمة للهدف الجيد ، حيث لا تكاد تخلو حياة أي إنسان
من الرغبة في تحقيق بعض الأمور ، لكن الملاحظ أن قلة قليلة من الناس ، تملك
أهدافاً واضحة ومحددة ، ولذا فمن السهل أن يتهم الإنسان نفسه أو غيره بأنه لم يتقدم
باتجاه أهدافه خطوة واحدة خلال عشرين سنة ، مع أنك لا تراه خلال تلك المدة إلا
منهمكاً ومتابعاً بما يعتقد أنه هدف يستحق العناء !
إنه يمكن القول بسهولة : إن كل هدف ليس معه معيار لقياسه وللكشف عما
أنجز منه ، وما بقي ؛ ليس بهدف . ولذا فإن من يملك أهدافاً واضحة يحدثك دائماً
عن إنجازاته ، وعن العقبات التي تواجهه . أما من لا يملك أهدافاً واضحة ، فتجده
مضطرباً ، فتارة يحدثك أنه حقق الكثير الكثير ، وتارة يحدثك عن خيبته وإخفاقه ؛
إنه كمن يضرب في بيداء ، تعتسفه السبل ، وتشتته مفارق الطرق ! نجد هذا
بصورة أوضح لدى الجماعات ؛ فالجماعة التي لا تملك أهدافاً واضحة محددة ، تظل
مشتتة الرأي في حجم ما أنجزته ، ولا يكاد خمسة من أبنائها يتفقون في تقويمهم
لذلك ! لا يكفي أن يكون الهدف واضحاً ، بل لا بد من تحديد توقيت لإنجازه ،
فالزمان ليس ملكاً لنا إلى ما لا نهاية ، وطاقاتنا قابلة للنفاد . ثم إن القيمة الحقيقية
للأهداف ، لا تتبلور إلا من خلال الوقت الذي يستغرقه الوصول إليها ، والجهد
والتكاليف التي نحتاجها . ولهذا كله فالبديل عن وضوح الهدف ، ووضوح تكاليفه
المتنوعة ، ليس سوى العبث والهدر والاستسلام للأماني الخادعة !
إن من أسباب ضبابية أهدافنا أننا لا نبذل جهداً كافياً في رسمها وتحديدها ،
وهذا لا يؤدي إلى انعدام إمكانية قياسها فحسب ، وإنما يؤدي أيضاً إلى إدراكها
بطريقة مبتذلة أو رتيبة ، مما يُفقدها القدرة على توليد الطاقة المطلوبة لإنجازها .
سنعمل الكثير من أجل أهدافنا إذا أدركنا أنه عن طريقها تتم الصياغة النهائية
لوجودنا .
ولله الأمر من قبل ومن بعد .
بقلم : د . عبد الكريم بكار