USAMA LADEN
02-04-2005, 07:27 AM
الفلوجـــة فـــي الذكـــرى الثانيـــة لغـــزو العــــراق
الأمريكيون دمروا آلاف المنازل والمساجد.. والحرس الوطني متهم باغتصاب نساء
الفلوجة (إياد الدليمي) - خدمة قدس برس
في صباح العشرين من آذار 2003، انطلقت صفارات الإنذار التي تعوّد عليها أغلب العراقيون، تدوي بصوتها المخيف الحامل للرعب، معلنة عن اقتراب أول الصواريخ الأمريكية من العاصمة بغداد.
وبعد قليل دكت تلك الصواريخ منطقة في جنوب العاصمة العراقية، وتحديداً منطقة الدورة، التي ما تزال وبعد مرور عامين كاملين ترفع السلاح في وجه «المحررين» الجدد، وكأنها تحاول أن تنتقم من قسوة ذاك اليوم، الذي حفر ذكراه في جدار الزمن.
وقعت واقعة الحرب، وجاءت صواريخ «الفاتحين الجدد» تدك الأرض دكاً، ومعها كان الإعلام الحربي يدك عقول العراقيين وأفئدتهم بمدافع لا تقل قسوة، مبرراً وحشية ما يرون من قتل ودمار، بالبحث عن أسلحة الدمار الشامل، وبتحرير الشعب العراقي من الظلم والطغيان.. وهكذا كانت الحرب، وكان الاحتلال الأمريكي للعراق، بعد نحو عشرين يوماً من يوم بدء المعركة.
وإذا كانت أغلب مدن العراق قد نالت حظاً من نيران «الفاتحين الجدد»، فإن لمدينة الفلوجة سجل لا يمكن أن تخطئه العين، أو يتغافل عنه المراقب، من حظ «الديمقراطية الجديدة»، التي دخلت - عبر الآلة الحربية الأمريكية - بعد معركتين شهيرتين، لم تعرف مدينة في العالم مثلهما.
وأنت تدخل إلى الفلوجة تنتابك حالة من الحيرة والتساؤل: كيف يمكن للمرء أن يربط بين الحديث عن الديمقراطية التي حملتها القوات الأمريكية وحليفتها البريطانية لهذا البلد، وبين ما يشاهده بعينيه من خراب ودمار في هذه المدينة المطحونة.
حي الأندلس واحد من إحياء الفلوجة، يقع في الطرف الغربي من المدينة. وعلى الرغم من أنه كان بعيداً نسبياً عن المعارك الفعلية التي دارت في شهري تشرين ثاني وكانون أول من العام الماضي، إلا أنه نال قسطاً هائلاً من الخراب والتدمير، فالبيوت الجميلة التي طالما تفنن معماريو المدينة ومهندسوها في نحتها وتجميلها، تحولت إلى أكوام من حجارة.
وفي هذا الصدد يقول حافظ الدليمي، المسؤول عن إجراء إحصاء بآثار الدمار الذي لحق بالمدينة: «لقد أتت المعركة الأخيرة على نحو 15000 منزل ودار في المدينة، بالإضافة إلى تدمير نحو عشرة مساجد بالكامل مع مآذنها، وأقول بالكامل، أي إنه لم يبق منها أي أثر، كما تم تدمير 13 مدرسة بالكامل. وهذه الإحصائية تركزت على مركز المدينة، فأطرافها مازالت تجري عمليات إحصاء الأضرار التي لحقت بها».
ويذهب مراقبون عراقيون إلى أن الدمار الذي أصاب المدينة مردّه إلى أن القوات الأمريكية استعملت في حربها الأخيرة على المدينة قوة عسكرية هائلة تكفي لغزو دولة كبيرة وليس للسيطرة على مدينة صغيرة بحجم الفلوجة.
عندما دخلنا المدينة كانت الإجراءات الأمنية مشددة إلى أبعد الحدود، فالقوات الأمريكية وضعت العديد من نقاط التفتيش على الطريق. ودخول أبناء المدينة إليها صعب. أما الغريب فإنه قد يعرّض نفسه للاعتقال إذا ما فكر في الدخول، لأنه سيتّهم بالإرهاب حتماً، إلا أن هويتنا الصحفية شفعت لنا.
في حيّ الأندلس الذي لم نستطع أن نتجاوزه إلى غيره بسبب عوامل كثيرة، كانت المنازل ومآذن المساجد شواهد تحكي حقيقة ما جرى. أم أيمن كانت تقيم على أطلال بيتها، بعد أن عادت فوجدت أن بيتها تحول إلى أثر بعد عين. وتقول هذه السيدة، التي تحمل شهادة البكالوريوس في اللغة الإنجليزية، وتبلغ من العمر ثلاثين عاماً: «عندما عدنا وجدنا منزلنا على الهيئة التي تراه عليها الآن، واضطررنا إلى البقاء في المدينة، لأننا لم نعد نحتمل العيش في المخيم الذي أقيم لنا في الحبانية، نصبنا خيمة فوق أطلال المنزل، وبدأنا تدبر أوضاعنا المعيشية، والحمد لله الناس هنا متعاونون، فكلهم أهل دين وحميّة، وأغلبهم أقارب».
وأضافت «انتظرنا لجان التعويض بلا فائدة، فكل يوم تأتي لجنة وتقول سنصرف لكم تعويضات الأضرار التي لحقت بمنازلكم، ولكن ليس هناك تنفيذ، وكل ما تقاضيناه كان مبلغ مائة دولار، صرفت لنا مع البطاقة التموينية. أما مبلغ التعويضات التي من المقرر أن تبلغ 2000 دولار، فلم نتسلم منها أي شيء. وأصعب شيء هنا هو عدم توفر الماء الصالح للشرب، خاصة بعد أن حذرتنا الجهات الصحية في المدينة من تناول الماء الموجود هنا، خشية أن يكون ملوثاً».
وعلى الرغم من الأوضاع المأساوية، التي كانت تعيش فيها أم أيمن، إلا أنها أصرت أن تقيم لنا مأدبة غداء، مما سمحت به ظروفها الصعبة، وجادت به يدها الكريمة، كعادة أهل هذه المدينة، الذين ما اشتهروا بشيء مثل اشتهارهم بالكرم.
الرحلة إلى الفلوجة لم تنته، فالمدينة مازالت في جعبتها الكثير لتقوله، كما يؤكد الشيخ طه الدليمي إمام أحد المساجد في حي الأندلس، قال: «الفلوجة تحتاج إلى جهات محايدة لترى ما حل بها من ديمقراطية أمريكا».
وسكت قليلاً ثم أضاف: «العديد من القنوات الإعلامية دخلت إلى هذا الحي تحديداً، وسجلت العديد من اللقطات البشعة للمجازر، التي ارتكبها الطغيان الأمريكي، وخاصة بعد بدأ دخول العائلات إليها، غير أن الغريب في الأمر أن هذه القنوات الإعلامية كانت تنشر مقتطفات قليلة من الحقيقة، ومما صورته هي بنفسها».
ويمضي الشيخ الدليمي إلى القول «الفلوجة مازالت تريد أن تأتي لجان الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية لتسجل حقيقة ما جرى فيها.. لقد تفنن المحتلون في إيذاء هذه المدينة، فالهدم والحرق وغيرها من الأساليب، كانت جزء مما مورس ضد أهل المدينة، وأصعب ما في القضية هو ما قام به الحرس اللاوطني لعنهم الله، فلقد جاؤوا محملين بالحقد على أهل المدينة، فدمروا المنازل غير المدمرة، وأحرقوا أثاثها، وخاصة الفوج 36 الذي قامت القوات الأمريكية بتدريبه وتسليحه وإعداده خصيصاً لمهاجمة الفلوجة، والأنكى من ذلك أنهم دخلوا المدينة وهم يحملون صور بعض المراجع الشيعية مثل السيستاني وغيره.
كان لزاماً علينا أن نغادر المدينة قبل الثالثة عصرا، حسب التعليمات، لأن البقاء بعد تلك الساعة يعني أننا سنبيت داخل المدينة، لأنه من غير المسموح أن يدخل أحد أو يخرج من المدينة بعد هذا التوقيت،. وقبل أن نحزم حقائبنا سمعنا أصوات انفجارات هزت الطرف الجنوبي من المدينة، قال الشيخ الدليمي «لا تستغربوا فمنذ عدة أيام عادت عمليات مهاجمة القوات الأمريكية والعراقية مجدداً إلى المدينة.. لم يعد يمر يوم دون أن تنفذ عملية أو اثنين في المدينة، أعتقد أن هناك أعداداً من المقاتلين قد تمكنوا من العودة إلى المدينة، وهم يعرفون مخابئ أسلحتهم جيداً».
نعم يبدو أن لدى الفلوجة الكثير مما تريد أن تقوله، وعلى الرغم من إصابة الكثيرين بالصمم والخرس، بسبب جلبة أصوات الدبابات الأمريكية، إلا أن للفلوجة صوتاً ربما سيعلو مجدداً في الأيام القادمة.
الأمريكيون دمروا آلاف المنازل والمساجد.. والحرس الوطني متهم باغتصاب نساء
الفلوجة (إياد الدليمي) - خدمة قدس برس
في صباح العشرين من آذار 2003، انطلقت صفارات الإنذار التي تعوّد عليها أغلب العراقيون، تدوي بصوتها المخيف الحامل للرعب، معلنة عن اقتراب أول الصواريخ الأمريكية من العاصمة بغداد.
وبعد قليل دكت تلك الصواريخ منطقة في جنوب العاصمة العراقية، وتحديداً منطقة الدورة، التي ما تزال وبعد مرور عامين كاملين ترفع السلاح في وجه «المحررين» الجدد، وكأنها تحاول أن تنتقم من قسوة ذاك اليوم، الذي حفر ذكراه في جدار الزمن.
وقعت واقعة الحرب، وجاءت صواريخ «الفاتحين الجدد» تدك الأرض دكاً، ومعها كان الإعلام الحربي يدك عقول العراقيين وأفئدتهم بمدافع لا تقل قسوة، مبرراً وحشية ما يرون من قتل ودمار، بالبحث عن أسلحة الدمار الشامل، وبتحرير الشعب العراقي من الظلم والطغيان.. وهكذا كانت الحرب، وكان الاحتلال الأمريكي للعراق، بعد نحو عشرين يوماً من يوم بدء المعركة.
وإذا كانت أغلب مدن العراق قد نالت حظاً من نيران «الفاتحين الجدد»، فإن لمدينة الفلوجة سجل لا يمكن أن تخطئه العين، أو يتغافل عنه المراقب، من حظ «الديمقراطية الجديدة»، التي دخلت - عبر الآلة الحربية الأمريكية - بعد معركتين شهيرتين، لم تعرف مدينة في العالم مثلهما.
وأنت تدخل إلى الفلوجة تنتابك حالة من الحيرة والتساؤل: كيف يمكن للمرء أن يربط بين الحديث عن الديمقراطية التي حملتها القوات الأمريكية وحليفتها البريطانية لهذا البلد، وبين ما يشاهده بعينيه من خراب ودمار في هذه المدينة المطحونة.
حي الأندلس واحد من إحياء الفلوجة، يقع في الطرف الغربي من المدينة. وعلى الرغم من أنه كان بعيداً نسبياً عن المعارك الفعلية التي دارت في شهري تشرين ثاني وكانون أول من العام الماضي، إلا أنه نال قسطاً هائلاً من الخراب والتدمير، فالبيوت الجميلة التي طالما تفنن معماريو المدينة ومهندسوها في نحتها وتجميلها، تحولت إلى أكوام من حجارة.
وفي هذا الصدد يقول حافظ الدليمي، المسؤول عن إجراء إحصاء بآثار الدمار الذي لحق بالمدينة: «لقد أتت المعركة الأخيرة على نحو 15000 منزل ودار في المدينة، بالإضافة إلى تدمير نحو عشرة مساجد بالكامل مع مآذنها، وأقول بالكامل، أي إنه لم يبق منها أي أثر، كما تم تدمير 13 مدرسة بالكامل. وهذه الإحصائية تركزت على مركز المدينة، فأطرافها مازالت تجري عمليات إحصاء الأضرار التي لحقت بها».
ويذهب مراقبون عراقيون إلى أن الدمار الذي أصاب المدينة مردّه إلى أن القوات الأمريكية استعملت في حربها الأخيرة على المدينة قوة عسكرية هائلة تكفي لغزو دولة كبيرة وليس للسيطرة على مدينة صغيرة بحجم الفلوجة.
عندما دخلنا المدينة كانت الإجراءات الأمنية مشددة إلى أبعد الحدود، فالقوات الأمريكية وضعت العديد من نقاط التفتيش على الطريق. ودخول أبناء المدينة إليها صعب. أما الغريب فإنه قد يعرّض نفسه للاعتقال إذا ما فكر في الدخول، لأنه سيتّهم بالإرهاب حتماً، إلا أن هويتنا الصحفية شفعت لنا.
في حيّ الأندلس الذي لم نستطع أن نتجاوزه إلى غيره بسبب عوامل كثيرة، كانت المنازل ومآذن المساجد شواهد تحكي حقيقة ما جرى. أم أيمن كانت تقيم على أطلال بيتها، بعد أن عادت فوجدت أن بيتها تحول إلى أثر بعد عين. وتقول هذه السيدة، التي تحمل شهادة البكالوريوس في اللغة الإنجليزية، وتبلغ من العمر ثلاثين عاماً: «عندما عدنا وجدنا منزلنا على الهيئة التي تراه عليها الآن، واضطررنا إلى البقاء في المدينة، لأننا لم نعد نحتمل العيش في المخيم الذي أقيم لنا في الحبانية، نصبنا خيمة فوق أطلال المنزل، وبدأنا تدبر أوضاعنا المعيشية، والحمد لله الناس هنا متعاونون، فكلهم أهل دين وحميّة، وأغلبهم أقارب».
وأضافت «انتظرنا لجان التعويض بلا فائدة، فكل يوم تأتي لجنة وتقول سنصرف لكم تعويضات الأضرار التي لحقت بمنازلكم، ولكن ليس هناك تنفيذ، وكل ما تقاضيناه كان مبلغ مائة دولار، صرفت لنا مع البطاقة التموينية. أما مبلغ التعويضات التي من المقرر أن تبلغ 2000 دولار، فلم نتسلم منها أي شيء. وأصعب شيء هنا هو عدم توفر الماء الصالح للشرب، خاصة بعد أن حذرتنا الجهات الصحية في المدينة من تناول الماء الموجود هنا، خشية أن يكون ملوثاً».
وعلى الرغم من الأوضاع المأساوية، التي كانت تعيش فيها أم أيمن، إلا أنها أصرت أن تقيم لنا مأدبة غداء، مما سمحت به ظروفها الصعبة، وجادت به يدها الكريمة، كعادة أهل هذه المدينة، الذين ما اشتهروا بشيء مثل اشتهارهم بالكرم.
الرحلة إلى الفلوجة لم تنته، فالمدينة مازالت في جعبتها الكثير لتقوله، كما يؤكد الشيخ طه الدليمي إمام أحد المساجد في حي الأندلس، قال: «الفلوجة تحتاج إلى جهات محايدة لترى ما حل بها من ديمقراطية أمريكا».
وسكت قليلاً ثم أضاف: «العديد من القنوات الإعلامية دخلت إلى هذا الحي تحديداً، وسجلت العديد من اللقطات البشعة للمجازر، التي ارتكبها الطغيان الأمريكي، وخاصة بعد بدأ دخول العائلات إليها، غير أن الغريب في الأمر أن هذه القنوات الإعلامية كانت تنشر مقتطفات قليلة من الحقيقة، ومما صورته هي بنفسها».
ويمضي الشيخ الدليمي إلى القول «الفلوجة مازالت تريد أن تأتي لجان الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية لتسجل حقيقة ما جرى فيها.. لقد تفنن المحتلون في إيذاء هذه المدينة، فالهدم والحرق وغيرها من الأساليب، كانت جزء مما مورس ضد أهل المدينة، وأصعب ما في القضية هو ما قام به الحرس اللاوطني لعنهم الله، فلقد جاؤوا محملين بالحقد على أهل المدينة، فدمروا المنازل غير المدمرة، وأحرقوا أثاثها، وخاصة الفوج 36 الذي قامت القوات الأمريكية بتدريبه وتسليحه وإعداده خصيصاً لمهاجمة الفلوجة، والأنكى من ذلك أنهم دخلوا المدينة وهم يحملون صور بعض المراجع الشيعية مثل السيستاني وغيره.
كان لزاماً علينا أن نغادر المدينة قبل الثالثة عصرا، حسب التعليمات، لأن البقاء بعد تلك الساعة يعني أننا سنبيت داخل المدينة، لأنه من غير المسموح أن يدخل أحد أو يخرج من المدينة بعد هذا التوقيت،. وقبل أن نحزم حقائبنا سمعنا أصوات انفجارات هزت الطرف الجنوبي من المدينة، قال الشيخ الدليمي «لا تستغربوا فمنذ عدة أيام عادت عمليات مهاجمة القوات الأمريكية والعراقية مجدداً إلى المدينة.. لم يعد يمر يوم دون أن تنفذ عملية أو اثنين في المدينة، أعتقد أن هناك أعداداً من المقاتلين قد تمكنوا من العودة إلى المدينة، وهم يعرفون مخابئ أسلحتهم جيداً».
نعم يبدو أن لدى الفلوجة الكثير مما تريد أن تقوله، وعلى الرغم من إصابة الكثيرين بالصمم والخرس، بسبب جلبة أصوات الدبابات الأمريكية، إلا أن للفلوجة صوتاً ربما سيعلو مجدداً في الأيام القادمة.