PDA

View Full Version : الرؤوس المفخخه


USAMA LADEN
18-09-2005, 09:30 AM
الرؤوس المفخخه
أطلت علينا في الآونة الأخيرة رؤوس ترتدي لباس التعقل والاستبصار و (( التنوير )) وتطلق صفات : التزمت والإسلاموية و (( التفخيخ )) على من تريد إقصاءه . ومثل تلك المصطلحات تحمل عدة معان وربما قصداً – ليتم تفسيرها بحسب الظروف والأهواء ، كما في مصطلحات (( حقوق الإنسان )) و ((الإرهاب)) و (( الحرية )) و (( الديمقراطية )) و ((الاستعمار)) و (( إعادة الإعمار )) ... إلاّ أن التفخيخ هو أحد تلك المصطلحات الجديدة والخاصة حينما تضاف للرؤوس فإنما يعتقد به أن العقول المفخخة هي : الأدمغة المحشوة بأفكار منحرفة ذات نتائج مدمرة .
وعندما ننظر – في المقابل – إلى تلك الرؤوس (( المتعقلة )) ! (( المستنيرة )) ! نجدها أكثر تفخيخاً وأشد تدميراً – لو تحقق لها ما تريد – للأسباب التالية :
أولاً : إن أفكارها التدميرية قد غُطيت بعدة طبقات من الأغلفة البراقة .
ثانياً : إن التدمير الفكري يأخذ أبعاد كثيرة ، ويمتد تأثيره طويلاً.
ثالثاً : روحها اٌقصائية في تناول الرأي الآخر ، فلا مجال للحوار أو سماع وجهة نظره .
وقد برزت مظاهر التفخيخ في تلك الرؤوس في الجوانب التالية :
1- أخذت تلك الرؤوس على عاتقها تبرير الغزو الأجنبي للعراق واحتلاله ، مع إن الشرائع السماوية والقوانين البشرية لا تقر ذلك . وعلى الرغم من أن الإدارة الأمريكية حاولت الحصول على تفويض دولي فلم تفلح ، وشنت حرباً غير شرعية لم تقرها الأمم المتحدة ولا مجلس الأمن . فبأي حق تروّج له تلك الرؤوس المفخخة ، مع معرفتها بأن ذلك الغزو – كما هو معلوم – قام على أسس كاذبة ، اعترف مقترفوها بذلك ، واتضح للعالم أجمع عدم صحتها ، ما عدا تلك العقول المفخخة التي ما زالت مظهرة تصديقها .
2- حاولت تلك الرؤوس الترويج للمقولة بأنها جاءت لمنح العراقيين (( الحرية )) و (( الديمقراطية )) و الضغط على الدول المجاورة – وفي مقدمتها دول الخليج – لإجراء (( إصلاحات )) وإلاّ فإن مصيرها سيكون مثل العراق . صحيح أن التهديد بفرض الإصلاح خفت في الأشهر الأخيرة للمأزق التي وقعت فيه أمريكا ، لكن حليمة ستعود لعادتها القديمة إذا ما واتتها الفرصة . فهل تريد تلك الرؤوس المفخخة أن نصبح مثل العراق ؟ يقول الأمين العام المساعد السابق للأمم المتحدة (( دينس هاليدي )) (بوش الديكتاتور الأكبر للنظام العالمي لتورطه في جرائم الحرب في العراق وفلسطين وأفغانستان ، إِنها إِرهاب دولة ، وانتهاك صريح لميثاق الأمم المتحدة ، واتفاقية جنيف)) ويضيف (إن أمريكا تريد فرض هيمنتهاـ وليس الديموقراطية كما تدعى ـ لاستنزاف الموارد الطبيعية للعرب , في مقدمتها النفط )) كما شبّه هاليدي الهيمنة الأمريكية على الوطن العربي بأنه (( تسونامي أمريكي )) .
3- لقد تعامت تلك الرؤوس عن الأهداف الحقيقية للغزو الأمريكي والتي تهدد مستقبل العالم العربي والإسلامي على المدى القريب والبعيد : دينياً وثقافياً واقتصادياً وعسكرياً وسياسياً ، وإذا كانت قوات التحالف فكرت في الخروج من أفغانستان قبل عشرة سنوات من الآن ، كما أعلن – منذ أيام – القائد الألماني لتلك القوات ؛ فكم من عشرات السنين تكفي لخروج الأمريكان طوعاً من العراق ؟
4- حاولت تلك الرؤوس إلصاق التطرف بالاتجاهات الإسلامية والمناهج التعليمية ، وطالبت في محاصرتها وتجفيف منابعها ، وبتعديل المقررات الدراسية . ولكنها تجاهلت أن حكومة بوش يسيطر عليها تحالف الصهاينة مع (( المحافظين الجدد )) – كما تقول – بل بلغ بتلك الرؤوس الحد إلى تزوير الحقيقة ؛ فالترجمة الصحيحة لـ ( New born christians ) النصارى الجدد ، وليست (( المحافظون الجدد )) التي يريد أولئك أن يلبّسوا الأمر علينا .
وفي الوقت الذي تحاول تلك الرؤوس المفخخة إبراز الولايات المتحدة على إنها دول إعلامية ، بعيدة عن الانتماءات الدينية ، نجد المحللين السياسيين يؤكدون أن التقارب (بوش) أو(رايس) ليس فقط تقارباً سياسياً بل هو أيضاً تقارب ديني ؛ فـ( رايس ) قد صبُغت دينياً بيدي أبيها القس ومدير الكنيسة ، أما سياسياً فقد صنعها أستاذها اليهودي المتعصب المهاجر التشيكي ( جوزيف كورييل ) والد ( مادلين أولبرايت ) وزير الخارجية في حكومة كلنتون .
بل أشار المحللون إلى أكثر من ذلك ، وهو أن العامل السياسي في إعادة انتخاب بوش هو انطلاقه من معتقداتهم الدينية على الرغم من إخفاقه سياسياً وعسكرياً واقتصادياً .
كما ركزت تلك الرؤوس على وصف الداعين إلى مقاومة الاحتلال ومجاهدة العدو بأنه غير واقعيين ، وأنه بزعمهم ضحايا لمفردات ومصطلحات العصور الوسطى ، لكنهم صموا آذانهم عن سماع التوجيهات التي تلقاها الجنود ورجال البحرية الأمريكيون ، ليس فقط من القساوسة – الذين هم جزء من الجيش – بل أيضاً من القادة العسكريين ؛ فهي مشحونة بالعبارات الدينية . وكما ذكرت صحيفة ( كريستان ساينس مونيتر ) الأمريكية أن الجنود المهاجمين بالفلوجة يتلون دائماً ( مزامير داود ) وخاصة ( الإصحاح 91 ) الذي يحث على القتال والبطش بالأعداء ، بل لو استلمت إلى ما قاله قائد الفرقة التي هاجمت الفلوجة لاعتقدت أنك أمام أحد قادة الحملات الصليبية القديمة : (( مزقوا جسد العدو وأرسلوه إلى الله ، يحفظكم الرب )) . هذه العبارات لا تصدر من جيش يدعي العلمانية ، ولكن الرؤوس المفخخة تصم أذنيها عن سماع مثل هذه الألفاظ .
6- لقد تعامت تلك الرؤوس المفخخة عن جرائم الحرب والتعذيب التي يرتكبها الأمريكيون في أفغانستان والعراق وغوانتنامو ، والتي هزت العالم وأرعبته وكشفت سوءة أمريكا ، ولكنها لم تجد منفذا إلا تلك الرؤوس المفخخة ، بل انبرت للدفاع عنها وتبريرها بصورة مشينة لم يجرؤ عليها الأمريكيون أنفسهم .
7- صدّقت تلك الرؤوس المزاعم الأمريكية بأنها تشن هذه الحروب لمكافحة المنظمات الإرهابية ، بينما تناست تلك الرؤوس أن أمريكا نفسها تمارس الإرهاب وتدعم دولاً تمارسه كالعدو الصهيوني ، وبعض دول أمريكا الجنوبية ، وقد بيّن د.عبد الرحمن العصيل – أستاذ العلاقات الدولية بجامعة الملك فهد – بأن الولايات المتحدة الأمريكية أحد أبرز مصدري الإرهاب في العالم ، ففيها 380 منظمة إرهابية ، تتلقى دعماً سنوياً يصل إلى مائة مليار دولار .
8- لم تُدِنْ تلك الرؤوس جرائم الإِبادة الجماعية التي أقترفها الأمريكيون في مطار بغداد ، وبغداد نفسها ، والفلوجة ، والرمادي ، وبعقوبة ، والنجف ، والموصل ... وقصفها بالصواريخ والمدافع وطائرات بـ52 والأسلحة المحرمة ، وتدمير المساجد وتدنيسها ، وهدم البيوت على رؤوس أصحابها المدنيين من الأطفال والنساء والشيوخ ، ومنع سيارات الإسعاف والإِغاثة من معالجة الجرحى ونقل الموتى ، كل ذلك لم يحرك ساكناً لدى تلك الرؤوس المفخخة ولم تنبس بكلمة . لقد أدت هذه الإِبادة الجماعية إلى قتل أكثر من مائة ألف مدني عراقي خلال الستة عشر شهراً الأولى من الحرب ، كما جاء في تقرير علمي لأساتذة جامعتين أمريكية وعراقية . لم ترَ تلك الرؤوس هذه المذابح التي يرتكبها جيش نظامي ، بينما تضخم عمليات محدودة يقوم بها أفراد ليس لهم قيادة موحدة ، وعرضة للاجتهاد والاختراق .
9- بل بلغ التفخيخ في هذه الرؤوس حد وصف المقاومة العراقية بأنها هي المعتدية وأن الأمريكيين هم المعتدى عليهم !! ؛ وعليه فإن المقاومة الفلسطينية هي المعتدية وإرهابية ، و شارون هو رجل السلام ، كما وصفته الإدارة الأمريكية . بل لو تعرض بلدنا للتهديد – كما جاء على ألسنة بعض الساسة ووسائل الإعلام الأمريكية – فعلينا ألاّ نقاوم حتى لا نعتدي على الغزاة . إِن القوى الغازية لن تندحر إلاّ بالمقاومة ، يقول الأمين العام المساعد السابق للأمم المتحدة دينس هاليدي : ( إِن المقاومة العراقية تمارس حقها المشروع لتحرير وطنها ، وميثاق الأمم المتحدة ينص على حق الأفراد في الدفاع عن النفس في ظل الاحتلال ) .
10- الدعوة الملحة من تلك الرؤوس المفخخة إلى الاستسلام وترك المقاومة ما هو إِلا حلم ووهم تمني نفسها به ، كما توهم الغزاة بأن الشعب العراقي سيقابلهم بالورود ، فلجأت هذه الرؤوس إلى التخذيل تارة ، وإلى التخويف تارة أخرى ، وإلى التلويح بمخاطر الحرب الأهلية ، إن الأمريكان لن يدَّخروا وسعاً في إِشعال حرب أهلية عندما تتحقق هزيمتهم . ولكن تلك الرؤوس لم ترَ ما تفعله أمريكا لزرع أسباب الفرقة في العراق ؛ فهي تسعى لتقسيم أرضه عرقياً وطائفياً ، وتوزيع المناصب السياسية عرقياً وطائفياً في الحكومتين الانتقالية والمؤقتة .
11- طُعْم آخر يعلقه أمامنا أولئك المتآمرون ، وهو بناء العراق الحديث . ولكن من قال إن عليك أن تدمِّر بلداً كاملاً لتجعله حديثاً؟؟؟ ألم يصل مستوى إدراك تلك الرؤوس المفخخة عقل ذلك الطفل الأمريكي – الذي رأى قصف الجيش الأمريكي لبغداد بالطائرات والصواريخ والمدفعية في بداية الحرب – فسأل أباه : ماذا يصنع هؤلاء ؟ فأجاب أبوه : يحررون العراقيين . فقال الطفل : أرجو ألاّ يأتوا لتحريرنا . لقد أغمضت تلك الرؤوس عيونها عن مغامرات أمريكا التحريرية الفاضحة في أمريكا اللاتينية ؛ حيث نصبت مجموعة من الحكام الدكتاتوريين دعماً منها للديمقراطية وبناء الدولة الحديثة ، أما بناء الدولة الحديثة في العراق فيتطلب – بحسب النظرة الأمريكية – تمثيلاً نسبياً جنسياً وطائفياً وعرقياً ، وهذا وضع تؤثرنا به على نفسها .
13- تلك الرؤوس المفخخة المبشرة ببزوغ فجر الحرية والديموقراطية في المنطقة تعامت عن التعتيم – بل التزوير – الإعلامي الذي يقوم به الذين جاءوا لتعليمنا الحرية ، بل إن تلك الرؤوس نفسها كانت أداة من أدوات ذلك التعتيم والتزوير ، فبلد ( الحرية ) و ( الديمقراطية ) ، حارب الصحفيين في الداخل بالإقصاء والفصل من العمل والتهديد لمجرد محاولة نشر الحقيقة أو انتقاد السياسة الأمريكية . أما في الخارج فأبعدت وسائل الإعلام عن الأحداث ، وحجبت الحقيقة ، وتعرض من يجرؤ على نقل أخبار لا تريدها الإدارة الأمريكية إلى التهديد والوعيد من رامسفيلد ، بل القتل والتفجير كما حدث لقناتي الجزيرة والعربية ، وقتل المراسلين والصحفيين في فندق فلسطين وغيره . ولو تتبعنا ردة الفعل لجريمة الحرب التي ارتكبها جنود البحرية الأمريكية في مسجد الفلوجة ، التي هي واحد من أبشع جرائم الحرب الأمريكية ، لوجدنا أن السياسيين وبعض وسائل الإعلام الأمريكية قد وجهت اللوم والنقد الشديد لمراسل ( إن بي سي NBC ) لنقله الخبر والصورة ، ودعا أحد أعضاء الكونجرس إلى منع الصحفيين من مرافقة الجيش ، طبعاً حتى لا تنكشف تلك الجرائم . ونتيجة للحملة التي تعرض لها سايتز – المراسل الذي كشف جزءاً من المستور – فقد كتب رسالة مفتوحة يبرر فيها صحة تصرفه . وحينما يضطر صحفي لتبرير نقله جزءاً من الحقيقة ؛ فذلك دليل على مدى ما وصلت إليه الحرية في أمريكا ، والتي تريد أن تعلمنا إياها . إن تلك الرؤوس لا تريد أن تصدق أن من أكبر ضحايا هذه الحرب هي الحرية والديمقراطية .
إنك لتعجب من رؤوس أُشريت الولاء لأمريكا ، وخُتم على قلوبها فلا تدرك الباطل باطلاً ولا الحق حقاً ، وغُشّيت أبصارها فلا ترى إلا ما تُريها ولَِّيتها ، وصُمّت آذانها فلا تسمع صرفاً ولا عدلاً . غير أن عجبك هذا لا يدفعك لأن تتمنى سكوتها ؛ فهي وسيلة من وسائل إظهار الحقيقة من جانبين :
تهافت منطقها ، وصلابة الموقف الذي تحاربه .

lumina
19-09-2005, 12:11 AM
شكراً اخي الكريم على الموضوع وانا أقرأه الآن ... مشكووور

حفيد حمزة
21-09-2005, 08:12 PM
الأخ أسامة
إن لم تكن أنت كاتب الموضوع فهلا تكرمت بنشر الاسم الأصلي لكاتبه؟