PDA

View Full Version : (مذكرات عادل كامل-البحريني- العائد من جوانتانامو1/4)


طيب_القلب
09-06-2006, 02:37 PM
(مذكرات عادل كامل-البحريني- العائد من جوانتانامو1/4)


ارجوا من الأخوة في المنتدى عدم الكتابة وزيادة المشاركات حتى انتهي من وضع جميع الحلقات.


الحلقة الأولى1/4
.
عادل كامل عبدالله يتذكر
الحلقة الأولى1/4
.
عادل كامل عبدالله يتذكر

التعريف
الاسم عادل كامل عبدالله، أبلغ من العمر 41 عاماً. ولدت ونشأت في فريج العمامرة بالمحرق، وهو حي بسيط يتصف كما هو حال فرجان المحرق بترابط أهله وفطرتهم السليمة وخلقهم الأصيل، وقد أعانتني تلك الصفات على أن أكون محافظا على الصلاة والصيام منذ كنت صغيراً. تخرجت من مدرسة المنامة الثانوية التجارية عام 1983م. كنت أعمل في قوة دفاع البحرين حتى سفري إلى أفغانستان. متزوج ولي ابنة واحدة تركتها وهي في الصف الخامس الابتدائي وعمرها عشر سنوات وعدت إليها وهي في الرابعة عشرة من عمرها وبالصف الثالث الإعدادي، وهي ابنتي الوحيدة التي أعطيتها وما زلت كل محبتي. كنت حنوناً عليها، كثير المزاح معها، وكثيرا ما كنت آخذها للحدائق العامة وللسباحة بالبحر، فقد كانت وهي صغيرة تحب السباحة وركوب الخيل، وكانت هي كذلك تحبني كثيرا ولا تفارقني.

قرار السفر إلى أفغانستان
عندما بدأ الأفغان بالنزوح من مدنهم وقراهم جراء القصف الأمريكي لأفغانستان في عام 2001م ، رداً على الهجوم الذي تعرضت له أمريكا والذي حمّلت الإدارة الأمريكية مسؤوليته المسلمين، كانت محطات التلفزيون ووكالات الأنباء تنقل الوضع المأساوي وحالة الهلع والخوف الذي يعيشه الأفغان والرعب مما قد يصيبهم إذا تعرضوا لهجوم من قبل القوات الأمريكية، فقد جرب الأفغان حياة اللاجئين وعاشوها لسنوات طويلة.
عندها قررت بشكل جازم أنه لابد من أن يكون لي دور إيجابي في مساعدة هؤلاء المساكين، لا أدري ماذا يمكنني أن أفعل بالتحديد ولا كيف السبيل، فأنا لست من العاملين في الحقل الإغاثي ولا أنتمي إلى جمعية من الجمعيات الخيرية، فماذا عساني أفعل؟ ولكن هذا التفكير السلبي لم يثنني عن القرار الذي كنت قد اتخذته بشكل جازم ألا وهو التوجه على الفور إلى أفغانستان لمساعدة الناس والوقوف بجانبهم.
بدأت على الفور في تأمين حاجيات أسرتي وذلك حتى لا يضطروا إلى طلب العون من أحد، فلا يعقل أن أذهب لإغاثة البعيد وأترك أمي وزوجتي وابنتي عالة على الآخرين. كما قمت بطلب بعض المساعدات المالية من الزكوات والصدقات من أهلي، لتوزيعها على المحتاجين.
كنت في ذلك الوقت في إجازتي السنوية التي لم أكن قد طلبتها من أجل السفر، ولكنها تزامنت مع عزمي على السفر، فأعددت مستلزمات السفر وتوكلت على الله واشتريت تذكرة السفر إلى إيران لدخول أفغانستان عن طريق الحدود البرية بين البلدين.

الوصول إلى إيران ثم إلى قندهار
في شهر أكتوبر 2001م وصلت إلى مدينة مشهد الإيرانية والقريبة من الحدود مع أفغانستان، وقمت بالسؤال عن الطريق المؤدية إلى الحدود الأفغانية وكيفية الدخول إلى أفغانستان بشكل صحيح، وذلك حتى لا أعرض نفسي لمخالفات مع الإيرانيين مما قد يعرقل وصولي إلى أفغانستان وهو الهدف الذي أتيت من أجله. لذلك فقد اضطررت للمكوث في إيران قرابة الأسبوعين حتى تمكنت أخيرا من دخول الأراضي الأفغانية. مررت بالعديد من مدن أفغانستان وقراها وشاهدت الوضع المأساوي الذي يعيشه الأفغان، والفقر الشديد الذي يعانونه، ورأيت الدمار والخراب الذي تعرضت له الكثير من المناطق جراء الهجمات التي قام بها الطيران الأمريكي الهمجي. كان مسيرنا خلال رحلة الدخول إلى أفغانستان بالنهار بسبب حظر التجول ومنع تحرك السيارات ليلاً، وذلك لأن الطائرات الأمريكية كانت تقصف أي هدف يتحرك ليلا سواء كان مدنيا أو عسكرياً، ولم تسلم القوافل الإغاثية من التعرض للهجمات الصاروخية الأمريكية.

الرحلة إلى قندهار
كانت وجهتنا مدينة قندهار والتي تعد من أكبر المدن الأفغانية، استغرقت الرحلة عن طريق حافلات النقل العام من الحدود الإيرانية إلى مدينة قندهار حوالي اليومين. كنا نبيت بالمساء في الاستراحات التي على الطريق حتى يبزغ الفجر ثم نواصل طريقنا نهارا. كانت الطريق آمنة ولم نتعرض لأي مشاكل كقطاع الطريق والعصابات أو القصف الجوي. ومررت على الكثير من الأحياء والمباني والمنازل والسيارات المدمرة والتي قصفت ليلا. وقد رأيت أثناء مروري بالقرى الأفغانية الفقر الشديد الذي تعاني منه الأسر الأفغانية والحالة المتردية للبيوت والبنية التحتية لهذه المناطق، فقمت بتقديم بعض من المساعدات والصدقات التي أحضرتها معي لهؤلاء المحتاجين الذين كانت علامات الفقر والعوز واضحة على وجوههم. وفي قندهار استقر بي المقام بأحد الفنادق المتواضعة، وقمت بالاتصال بأهلي بالبحرين لكي أطمأنتهم على وصولي. وقد تجولت في مدينة قندهار ومررت بمكتب الصليب الأحمر الذي كان مغلقا في ذلك الوقت، ثم تجولت في أحياء المدينة التي بدت لي مدينة قديمة المباني والشوارع. وكانت الشوارع والأسواق مزدحمة بالناس.

إلى العاصمة كابول
بعد أن مكثت في قندهار عدة أيام قررت الانتقال إلى العاصمة الأفغانية كابول لتقديم المساعدة والوقوف على الوضع الإنساني، حيث من المعلوم أن العمل الإغاثي يتركز عادة في العاصمة أكثر من غيرها من المدن الأخرى والمناطق الريفية. وصلت إلى العاصمة كابول بعد رحلة استغرقت يوما كاملا بواسطة الباص ومكثت فيها عدة أيام، قدمت خلالها بعض المساعدات والصدقات للمساكين والمحتاجين. ورغم سماع أصوات الانفجارات والقصف من المناطق البعيدة، فقد كان الوضع العام في العاصمة كابول شبه مستقر وكانت الحياة طبيعية. كانت كابول مختلفة تماما عن مدينة قندهار، فكابول مدينة منظمة حديثة، شوارعها مرصوفة وواسعة ونظيفة ومشجرة بالأشجار الجميلة، كانت المباني جديدة وجميلة. وكنت أرى الناس وهم يتجولون في شوارع العاصمة، وكانت الأسواق مليئة بالبضائع وكانت النساء يشترين من الأسواق بكل أمان، قد كنت أرى الأطفال وهم يلعبون بفرح وأمان فتذكرت ابنتي هاجر وتمنيت لها السعادة والخير. كان الناس يلبسون ملابس نظيفة على خلاف ما رأيته في قندهار.
كانت الجبال تحيط بالعاصمة كابل، لذا فقد كان جوها بالنهار جميلا ومائلا إلى البرودة، وأما بالليل فقد كان الجو بارداً. وكان الهواء نظيفا نقيا، أما قندهار فقد كان طقسها حاراً بالنهار ومعتدلا بالليل، وأما الهواء فلم يكن صحيا بل كان مغبرا لأن الشوارع لم تكن مرصوفة بل كانت تعلوها الأتربة.

الخروج من كابول
كانت الأحداث في أفغانستان تتسارع بشكل غير متوقع، وأيقن الناس أن كابول ستسقط لا محالة في أيدي الميليشيات الشمالية التي يطلقون عليها لقب المخالفين. كانت الميليشيات الشمالية تنتمي إلى العرق الطاجيكي والفارسي وكان هؤلاء يكنون عداوة شديدة جداً للعرب ويحمّلونهم مسئولية مقتل القائد الأفغاني الطاجيكي أحمد شاه مسعود، لذا فقد كانوا يتحينون الفرصة ويتمنون أسر أي عربي للانتقام لمقتل قائدهم وزعيمهم. فلما أحس العرب بأن الوضع لم يعد آمنا، بدؤوا بالخروج من أفغانستان، وعندها قررت عدم البقاء في العاصمة فخرجت إلى المناطق الريفية على أمل أن أتمكن من مغادرة أفغانستان إذا ساءت الأحوال. وقد صدقت التوقعات، فبعد خروجي من كابول بأيام قليلة، سقطت العاصمة الأفغانية في أيدي الميليشيات الشمالية التي عاثت فيها فسادا ودماراً، وقامت بالانتقام من العرب الذين وقعوا في قبضتهم، وقاموا بقتل العديد من الأفغان من الأصول البشتونية، والذين يسكنون المناطق الجنوبية والشرقية المحاذية لباكستان. كان الشماليون يقتلون الناس على الهوية وعلى الهيئة، لذا فقط سارع الكثيرون من الأفغان إلى حلق لحاهم ولبس البنطلون بدلا من اللباس الأفغاني التقليدي وذلك حتى يسلموا من القتل والانتقام العشوائي.

البحث عن العرب
في ظل هذه الفوضى العارمة، كان قرار التحرك شمالاً أو جنوباً وشرقاً أو غرباً ليس سهلاً، فقد يقودك الطريق إلى بر الأمان، وقد يوقعك في أيدي القوت التي تبحث عن العرب لقتلهم أو تسليمهم للأمريكان للحصول على المكافآت المالية التي رصدت لمن يأتي بأي عربي حيا أو ميتاً.
أصبح العرب بين فكي كماشة، فالأمريكيون يودون البطش بهم انتقاما لهجمات الحادي عشر من سبتمبر، والميليشيات الأفغانية الشمالية يبحثون عنهم لينتقموا لمقتل أحمد شاه مسعود والحصول على الجوائز والمكافآت. ورغم عدم صلتي لي بهجمات سبتمبر ولا بمقتل مسعود، إلا أن كوني عربياً كان يكفي لتعرضي للخطر، لذا كان الوضع يستدعي الخروج بسرعة من هذا المأزق، فكيف سيفهم الأمريكان والشماليون أنني بريء من كلتا التهمتين.
كان من حسن حظي أن التقيت في هذه الأثناء بالأخ عمر رجب الكويتي والأخ عبدالهادي السبيعي السعودي، فقررنا التحرك معاً وبدأنا نتنقل ببطء وحذر من مدينة إلى مدينة ومن قرية إلى أخرى أملا في الوصول إلى الحدود الباكستانية.

الاستعانة بدليل أفغاني
بلغ القصف الأمريكي ذروته، وكانت الطائرات تقصف كل شيء بشكل عشوائي ودون تمييز، وسقط آلاف الضحايا من الرجال والنساء والأطفال والشيوخ. وقد سمعت من الإعلامي سامي الحاج مصور قناة الجزيرة والذي التقيته في معتقل غوانتنامو، بأن بعض القرى قد مسحت عن بكرة أبيها. وقد صورت قناة الجزيرة بعض هذه المجازر وغطت الأحداث بالتفصيل، فعاقبت القوات الأمريكية قناة الجزيرة بإيداع سامي الحاج معتقل غوانتنامو، رغم كونه مجرد إعلامي ينقل الحدث بكل موضوعية وحرفية.
وصلنا مع الأخوين عمر وعبدالهادي إلى إحدى القرى، ولما علم الأهالي بوصول ضيوف من العرب استقبلونا أحسن استقبال وأكرمونا وضيفونا في بيوتهم. وفي اليوم التالي أخبرناهم بأننا قد نتعرض للخطر إذا ما وقعنا في أيدي المخالفين، فطمأنونا ووعدونا بأنهم سيساعدوننا في الوصول إلى باكستان. وبالفعل فقد كلفوا اثنين من رجال القرية ليرافقانا أثناء رحلة الخروج. ولأن السفر بواسطة السيارات غير آمن وذلك لوجود الكثير من الحواجز العسكرية في الطريق، كان من الأسلم لنا أن نخرج مشيا على الأقدام عبر القرى حتى نصل إلى باكستان. وقد أمن لنا أهل القرية الملابس الأفغانية وزودونا بالطعام والشراب والملابس الشتوية وقاموا بالواجب نحونا خير قيام فجزاهم الله خيرا. كان الدليلان يعرفان القرى التي نمر بها ويتجنبان المرور بالقرى غير المأمونة والتي قد يغدر بنا أهلها. وكان الناس في القرى التي نمر بها يكرموننا ويقدمون لنا الطعام والشراب والمأوى والمبيت، وبقي هذان الدليلان معنا حتى اقتربنا من إلى الحدود الباكستانية. جاء بعد ذلك أحد الأفغان وعرض أن يقوم بتوصيلنا إلى سفارات بلادنا مقابل مبلغ من المال، وقد أراد الدليلان أن يقدما له المال، ولكننا شكرناهم وأخبرناهم بأننا سنقدم له المال بأنفسنا عندما نصل إلى سفاراتنا آمنين.
بدأنا السير مع الدليل الجديد عبر المناطق الحدودية الوعرة حتى دخلنا الأراضي الباكستانية. خلال رحلة الخروج قطعنا الكثير من الوديان والغابات والجبال والأنهار. كان الجو باردا جدا، وقد نزل علينا المطر والثلج. وقد اضطررنا في المراحل الأخيرة من الرحلة أن نمر عبر جبال وعرة شاهقة جدا بلغ ارتفاعها حوالي أربعة آلاف متر. كنا نسير في الثلج الذي يصل مستواه إلى الركبة، وأحياناً إلى الفخذ والحوض. كانت الرحلة في غاية الصعوبة والمشقة حتى أن الدليل قد اضطر إلى الاستعانة بأدلة آخرين، لتجنب الوقوع في الحفر والسفوح والوديان المغطاة بالثلوج مما يعني موتا محققا. كان مسيرنا بالنهار حيث أن المشي بالليل كان في غاية الخطورة للأسباب التي ذكرتها آنفاً.
كان شهر رمضان قد دخل علينا أثناء هذه الرحلة، وقد صمنا بعض الأيام واضطررنا للفطر في أيام أخرى وذلك من شدة التعب والجوع، وقد أنهينا في معتقل غوانتنامو قضاء الأيام من شهر رمضان والتي لم نستطع صيامها في أفغانستان.
كان الناس في القرى التي نمر بها في هذه الجبال يرحبون بنا خير ترحيب ويقدمون لنا كل مساعدة ويكرموننا أفضل إكرام رغم فقرهم وحاجتهم. وكان شيوخ القرية وكبراءها يحتفون بنا ويخرجون معنا ويثنون على العرب وما قدموا من مساعدة للشعب الأفغاني، وكانوا يبدون لنا أسفهم الشديد لأنهم لا يستطيعون أن يقدموا لنا المساعدة على أكمل وجه ولا الوقوف معنا في هذه المحنة وذلك بسبب ما تمر به البلاد من فوضى عارمة وتدخل أجنبي، وكانت القرى التي تساعد العرب أو تؤويهم تتعرض للقصف والتدمير، وقد مسحت قرى بأكملها من الخريطة لأنها آوت بعض العرب، حيث قام الوشاة من ضعاف النفوس بالتبليغ عن هذه القرى واتهموا أهلها بالتعاون مع الطالبان، فقام الأمريكان بقصفها بالطائرات ودمروها عن بكرة أبيها. وهذه طبيعة الجنود الأمريكان، فهم من شدة جبنهم لا يواجهون أعداءهم وجها لوجه ولكن يقصفون القرى من بعيد فيقتلون النساء والأطفال والشيوخ.

الاختباء عن أعين المرتزقة
وعلى النقيض من تلك الصور الرائعة في حب الأفغان للعرب واستعدادهم للمساعدة وتقديم أي خدمة نطلبها، بل وقد كانوا يقولون لنا بأنهم سيفدوننا بالأرواح والأولاد لأننا في نظرهم أبناء الصحابة وقد أتينا من بلاد العرب لمساعدتهم ونجدتهم، كان بعض الأفغان والباكستانيين يتجولون بحثاً عن العرب طمعا في الحصول على المكافآت المالية التي يقدمها الأمريكان لمن يسلم العرب. ورغم حاجتنا إلى الطعام والراحة، فقد كان من الطبيعي أن نختبئ عن الأنظار. وكنا بدلا من أن نستعين بالمارة، كنا نختبئ عنهم خشية أن يكونوا من المرتزقة المندسين بين النازحين من الأفغان. ففي حين كان بعض الأفغان يبحث جاهدا عن العرب لتسليمهم للأمريكان، كانت الغالبية من الأفغان يحبون العرب كثيرا ويحتفون بهم ويجلسونهم في صدر المجلس إذا زاروهم، وكان العربي إذا تكلم أصغى الأفغان إليه وأخذوا كلامه بالتصديق والتسليم المطلق.
دخل علينا عيد الفطر ولكن لم يكن له طعم العيد الحقيقي عند الأفغان، فرغم أن الناس كانوا يحاولون الفرح والسرور بمقدم العيد، كان سقوط الضحايا الكثيرون من أبنائهم بل وسقوط أفغانستان كلها في أيدي القوات الأمريكية الغازية قد أطفأ الفرحة الحقيقية من قلوبهم ووجوههم.

في أيدي القوات الباكستانية
بعد مسير طويل رأينا من بعيد نقطة حدودية للجيش الباكستاني، فكان أمامنا خياران فإما أن نذ1هب للجنود الباكستانيين ونخبرهم بأننا من العرب وأننا نريد الوصول إلى باكستان ومن ثم إلى سفارات بلداننا، وإما أن نختبئ عن أنظار الجنود ونواصل المسير حتى ندخل إلى الأراضي الباكستانية. وحيث أن أوراقنا كانت سليمة وأن دخولنا إلى أفغانستان قد تم بشكل سليم وقانوني، ولأن التعب قد بلغ منا مبلغه ولم نعد قادرين على مواصلة السير نحو المجهول، ولأن الأفغان والمرتزقة والأمريكان والجوع والعطش والتعب كانوا جميعا أعداء لنا يلاحقوننا، فقد قررنا الذهاب إلى الجنود في تلك النقطة لنطلب منهم توصيلنا إلى سفارات بلادنا في باكستان، وارتحنا لهذا القرار الذي لم يكن أمامنا خيار آخر أفضل منه في تلك اللحظة.
استقبلنا الجنود الباكستانيون استقبالا طيباً وقدموا لنا الماء والطعام وكان الطعام عبارة عن الخبز والعدس، وأخبرونا بأن نأخذ راحتنا في التجول واستخدام دورات المياه، وطمأنونا أن الأمور ستسير على خير ما يرام، وأنهم سيأخذوننا في الصباح إلى الشرطة حيث سيتم استجوابنا بشكل سطحي لتحديد هوياتنا ثم ستقوم السلطات المختصة بتسليمنا إلى سفارات بلداننا.
كان في هذه النقطة الحدودية ضابط باكستاني يتحدث الإنجليزية وكان يطمئننا ويقول بأن الأمر سينتهي على خير، وطلب منا أن نسلمه ما نحمله من أمانات وأغراض شخصية في حوزتنا، حيث سيسلمنا للشرطة الباكستانية والتي ستقوم بدورها بتسليمنا لسفاراتنا، فأعطيته ما كان بحوزتي من جواز السفر والبطاقة الشخصية ورخصة القيادة، وكان يعد معي أموالي الخاصة ويسجل كل شيء في ورقة، ثم وقع على الورقة وطلب مني أن أوقع كذلك ثم وضع الأمانات في كيس من البلاستيك.

الغدر الباكستاني
بقينا في النقطة الحدودية حتى صباح اليوم التالي في انتظار السيارة التي وعدنا الضابط بتوفيرها لنقلنا إلى مركز الشرطة، ولكن السيارة تحولت إلى طائرة عمودية أرسلتها القوات الباكستانية مع فرقة من القوات الخاصة المسلحة التي ترتدي الملابس السوداء وقد تكون القوات الخاصة بمكافحة الإرهاب، وكان عددهم حوالي الخمسة عشر جنديا، وتسلمونا من النقطة الحدودية، عرفنا حينها أننا قد تعرضنا للغدر والخديعة. قام الجنود بربط أيدينا وأرجلنا من الخلف بحبال غليظة وغطوا أعيننا، ثم حملونا حملاً ورمونا داخل الطائرة. وتم تعيين أربعة جنود داخل الطائرة لحراسة كل واحد منا حيث جلس الجنود على ظهورنا طوال رحلة الطائرة، فكان الأمر شاقا علينا وكانت مفاجأة غير متوقعة.
هبطت الطائرة في مطار بيشاور حيث أخرجونا من الطائرة ورمونا رميا مرة أخرى على أرض المطار وبقينا في العراء مدة ساعتين دون أن يكلمنا أحد من الجنود، وكان ذلك اليوم هو يوم الجمعة حيث كنا نسمع الخطباء يخطبون من المساجد القريبة من المطار. ثم تم حملنا من جديد في إحدى الشاحنات مع عدد من الجنود، ولم نتمكن من معرفة عددهم لأن أعيننا كانت معصوبة، وسارت بنا الشاحنة حوالي عشرين دقيقة إلى أحد مراكز الشرطة، حيث فكوا أرجلنا وقادونا ونحن موثقي الأيدي ومعصوبي الأعين إلى زنازين وهناك فكوا أيدينا وأعيننا فاكتشفنا أننا قد تم إيداعنا في زنازين تقع تحت الأرض عليها أبواب حديدية وعددها حوالي ستة زنازين صغيرة وكنا أربعة ألأشخاص في زنزانة واحدة. كانت أرضية الزنزانة وسخة جدا، ومفروشة بسجادة شديدة القذارة. فطلبنا من الحراس أن يعطونا بعض البطانيات فادعوا عدم توفر أي بطانيات لديهم، فطلبنا منهم أن يشتروا لنا من أموالنا بعض البطانيات فرفضوا. وكان في الزنزانة المجاورة بعض الإخوة الباكستانيين الذين سجنوا لأنهم ساعدوا العرب على الخروج من أفغانستان إلى باكستان، فلما سمعونا نتحدث مع الحراس بشأن البطانيات، تبرعوا ببعض ما عندهم من البطانيات والوسائد والفرش وطلبوا من الجنود أن يقدموها لنا. بقينا في هذا المركز قرابة الأسبوع، كانت المعاملة في هذا السجن سيئة جدا، فلم يكونوا يسمحون لنا بالذهاب إلى الخلاء إلا قليلا، وأما الطعام الذي يقدم لنا فكان سيئا جدا، وهو عبارة عن عدس حار جدا ورغيف واحد في الغداء والعشاء، وأما الفطور فرغيف خبر واحد وبعض الشاي. ولم يكونوا يسمحون لنا بالخروج للوضوء بل كانوا يحضرون لنا الماء في قوارير لنتوضأ في الزنازين وكان ذلك صعبا لأن الماء يتجمع في الزنزانة الضيقة فتضايق المعتقلين ولكن لم يكن أمامنا خيار آخر، وكنا نصلي في الزنزانة صلاة الجماعة والحمد لله.
وتم التحقيق معنا من قبل جهاز الاستخبارات الباكستانية الذين أخبرتهم بأنني قد ذهبت إلى أفغانستان من أجل تقديم العون والمساعدة للشعب الأفغاني، فوعدونا خيراً وأخبرونا أنهم سيقومون بالاتصال بسفارات بلداننا لاستلامنا وإرسالنا إلى بلداننا ولم يوجهوا لنا أي اتهام.






-------------
اسير بحريني آخر ولا حول ولا قوة الا بالله
http://img150.imageshack.us/img150/2524/ali2qf.jpg

منقول من صحيفة الوسط البحرينية, فك الله أسره و أعاده و إخوانه الأسرى في كل مكان سالمين غانمين.