PDA

View Full Version : الإرهابيون.. وحصاد الفشل


ثابت الجنان
17-06-2006, 02:11 AM
ربما يستغرق الأمر اسابيع قبل معرفة ما اذا كان لمقتل ابو مصعب الزرقاوي اثر دائم على حملة الارهابيين في العراق. إلا أن ثمة امرا واضحا وهو ان مقتل الزعيم الارهابي ابو مصعب الزرقاوي لم يثر اهتماما يذكر في العالم الاسلامي. إذ ان مقتله لم يلهم حتى اولئك الذين يكتبون القصائد وينشرونها على شبكة الانترنت، كلما رحل زعيم ارهابي من هذا العالم الذي يعتبرونه موبوءا بالكفار.

الزرقاوي، الذي دخل ومجموعته العراق قبل حوالي ثلاث سنوات ظل يعمل انطلاقا من استراتيجية وضعت في مؤتمر للمجموعات المتطرفة انعقد في الخرطوم عام 1993. قرر ذلك المؤتمر تشكيل «مجلس شورى» من تسعة أعضاء من بينهم اسامة بن لادن وأيمن الظواهري.

ارتكزت الاستراتيجية المشار اليها الى ثلاث فرضيات. اولاها، ان السلطة في كل الدول المسلمة في يد نخب صغيرة متأثرة بالغرب وتحكم بتأييد من قوى «الكفر» الكبرى، خصوصا الولايات المتحدة. وتتخلص الفرضية الثانية في ان هذه النخب لن تكون قادرة على مواجهة تحدي الجهاد وستضطر هذه النخب بالتالي للاستعانة بهذه الدول «الكافرة» للقتال لمصلحتها. ثالثتها، اعتقد خبراء الاستراتيجية بالمؤتمر الشعبي العربي الاسلامي في مؤتمرهم الذي عقدوه بالخرطوم في النصف الاول من عقد التسعينات ان نوع التطرف الذي يتبنونه هو البديل الوحيد للوضع الراهن في العالم الاسلامي. اول تجربة شجعت على صياغة هذه الاستراتيجية صيغت في افغانستان خلال الحرب ضد الحكومة الشيوعية والاتحاد السوفياتي السابق. إذا ان الحزب الشيوعي الأفغاني الذي كان منقسما الى فصيلين ويفتقر الى تأييد شعبي، لم يكن قادرا على السيطرة على البلاد بدون الدعم السوفياتي.

على العكس من الاسطورة الرائجة، لعب «الأفغان العرب» دورا هامشيا في الحرب ضد النظام الافغاني المدعوم من الاتحاد السوفياتي السابق. فالقتال كله تقريبا قاده المجاهدون الأفغان الذين لم يرحبوا بالعرب مثل عدم ترحيبهم بالسوفيات. العالم الخارجي، بقيادة الولايات المتحدة، ساعد جماعات المجاهدين بالمال والسلاح والشرعية السياسية. إلا ان السلطة في افغانستان سيطرت عليها في نهاية الأمر اجهزة الاستخبارات الباكستانية باسم طالبان، التي اسستها هذه الأجهزة عقب خروج السوفيات من أفغانستان. دعت حركة طالبان الأفغان العرب للعودة الى أفغانستان بعد ان أبعدهم المجاهدون الافغان من البلاد. إلا ان الأفغان العرب قرروا لسبب ما ادعاء ان إخراج السوفيات من أفغانستان نصر لهم، على الرغم من المجموعات التي ارتبطت بجماعات الأفغان العرب لم تلعب دورا في الاستيلاء على العاصمة كابل.

خرجت جماعات الأفغان العرب «الجهادية» من التجربة الأفغانية بخلاصة من نقطتين: الأولى تتلخص في ان قوى «الكفر» ـ الاتحاد السوفياتي، لم يكن لديها الاستعداد للقتال على مدى سنوات وتكبدت خسائر كبيرة. لذا، فإن واحدا من الأهداف الرئيسية لهؤلاء يتمثل في إضعاف معنويات «الكفار» وحمل قادتهم على سحب قواتهم.

اما النقطة الثانية، فيمكن تلخيصها في ان الأفغان العرب ظنوا النخب المحلية التي تحكم بدعم اجنبي ستضطر للفرار اذا ادركت ان قوى «الكفر» التي تدعمهم لم تعد راغبة في المضي قدما في دعمها ومساندتها. تتضمن التجربة الأفغانية عددا من العناصر التي تؤكد التحليل الذي توصلت اليه عناصر الأفغان العرب، إذ ان مئات الآلاف من الأفغان المنتمين الى الطبقة الوسطى والذين ساعدوا النظام الشيوعي في توسيع قاعدته ودعم سياساته فروا من البلاد. وفي نفس الوقت بدأ التذمر في اوساط الرأي العام السوفياتي الذي تحمل في السابق عشرات الملايين من القتلى في الحرب ضد النازية، بسبب بضعة آلاف من القتلى في صفوف الجيش الأحمر في أفغانستان.

حاول الجهاديون استخدام نفس الاستراتيجية في الجزائر، حيث بدأوا تمردا في يناير (كانون الثاني) 1992. إذ صنفت هذه العناصر فرنسا قوة «كافرة» وراء دعم ومساندة النخبة الحاكمة في الجزائر، على الرغم من ان الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا ميتران أعلن رسميا استعداده للعمل مع النظام الاسلامي في الجزائر. وبنهاية العام 1994 نجح المتمردون في حمل كل الأجانب، ما عدا عدد قليل، على الخروج من الجزائر، بالإضافة الى مغادرة ما يزيد على 1.5 مليون جزائري من المنتمين للطبقة الوسطى وكانوا من المفترض ان يشكلوا قاعدة المؤيدين الرئيسية للحكومة.

اتضح بسرعة فيما بعد ان استراتيجية العناصر الجهادية ستفشل في الجزائر كما فشلت في أفغانستان في السابق. ففي الجزائر قررت النخبة الحاكمة توسيع قاعدة النظام من خلال سلسلة من الانتخابات التي نجحت، رغم بعض النواقص، في عزل الجهاديين.

وبسقوط صدام حسين عام 2003، جاء دور العراق ليصبح مسرحا تجريبيا لاستراتيجية الجهاديين ويمكن القول ان العراق كان بمثابة حلم لهؤلاء، فهو بلد واسع المساحة ويقع في قلب المنطقة العربية وغني بموارد طبيعية هائلة ممثلة في النفط والمياه.

ففي حديث العام الماضي قال مفكر عربي متعاطف مع الجهاديين: «الاميركيون سيفرون من العراق عندما تصل خسائرهم الى مقتل ألف جندي. سيتبعهم الشيعة بالفرار الى ايران ثم الأكراد بالفرار الى أي من دول الجوار التي تسمح لهم بالدخول»! ولذا فإن الهدف الاساسي لحملة الجهاديين التي كان الزرقاوي من قيادتها الرئيسية، وان لم يكن الوحيد، هي تحطيم معنويات الاميركيين وحلفائهم، وبصفة خاصة البريطانيين في الداخل. وفي اطار السعي لهذا الهدف، اكتشف الزرقاوي وغيره من قادة الارهاب عددا من الحلفاء غير المتوقعين داخل معسكر «الكفار»: الافراد والجماعات التي تريد سقوط العراق في يد الجهاديين لتصفية حساباتهم مع الرئيس الاميركي جورج بوش ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير.

وبالرغم من ذلك فشلت استراتيجية الجهاديين في العراق، كما فشلت من قبل في افغانستان والجزائر. فلم يفر الاميركيون وحلفاؤهم فيما عدا الاسبان. كما لم يفر شيعة واكراد العراق الذين يمثلون معا 80 في المائة تقريبا من سكان البلاد. والاسوأ من ذلك، من وجهة نظر الجهاديين، تم تطبيق جميع جوانب «مشروع العراق» طبقا للجدول الزمني المحدد منذ عام 2003.

ولا يعني فشل الجهاديين عدم وجود مستقبل للحركات العديدة المتنوعة التي تركز على دور الدين في السياسة. بل على العكس، فنهاية الجهادية، عندما تتحقق، يمكن ان تدعم فرص الاحزاب الاسلامية غير المؤمنة بالعنف للفوز بنصيب من السلطة في بعض الدول ذات الاغلبية الاسلامية.

والدولة الوحيدة التي تسيطر فيها حركة اسلامية علنية على الحكومة، هي تركيا العلمانية، وهو امر لم يكن ليتحقق عبر الارهاب الجهادي.

لقد قاتلت الجماعات الاسلامية التي تؤمن بالعنف لمدة ربع قرن في مصر وتسببت في مقتل العديد من الضحايا. وبالرغم من ذلك فشلت في الحصول على نصيب من السلطة. إلا ان حركة الاخوان المسلمين تمكنت، في العام الماضي، في الفوز بعدد غير متوقع من المقاعد في اول انتخابات برلمانية حرة، الى حد ما، منذ عام 1952. وتعرضت الجزائر الى تجربة مماثلة. فلم يحصل الاسلاميون على أي شيء عبر العنف الذي تسبب في مقتل 150 الف شخص. وبالرغم من ذلك اصبحوا الان جزءا من الحكومة إثر النتائج التي حققوها في آخر حملتين انتخابيتين اجريتا في البلاد.

وفي الجزائر يضم اول مجلس نيابي ينتخب انتخابا حرا في البلاد مجموعة جيدة من الاسلاميين، وهو امر لم يكن ليتحقق عبر الارهاب.

وفي العراق ايضا، تسيطر الاحزاب الاسلامية الشيعية والسنية، على نصف مقاعد البرلمان العراقي تقريبا، بينما اصبح الارهابيون على غرار الزرقاوي في وضع سيئ.

والرسالة واضحة: يمكنك ان تحقق عبر بطاقات الاقتراع، ما لن تحققه الرصاصة لك.

أمير طاهري