PDA

View Full Version : ماهكذا تورّد الإبــل


حفيد حمزة
25-06-2006, 11:29 PM
أعجبني هذا المقال فنسخته لكم وهو من صحيفة البيان الإماراتية لكاتب من جامعة الإمارات

--- المقال ---
ليس هكذا تورد الإبل
بقلم :د. محمد سلمان العبودي

مازلنا نشجب ونتهم ونطلق العنان لألسنة الإعلام المرئي والمقروء والمسموع ضد عمليات القتل التي تمارسها إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية جوا وبرا في فلسطين والعراق، كل في جهته وحيث تدفعه مصالحه.

ثم نعود بعد أقل من 24 ساعة نغازل إسرائيل والولايات المتحدة على طريقتنا الخاصة بأن عليها أن لا تكون قاسية معنا وأن لا تكيل الأمور بمكيالين وأن تتفهم الوضع جيدا وأن تعود إلى طاولة الحوار. أو كما قال أحدهم بأننا نشبه تماما تلك المرأة المطيعة الطيبة القلب المغلوبة على أمرها من قبل زوجها السيئ الطباع.

إننا نحلم منذ عقود طويلة وفي كل مرة تبدأ في تلك الدولتين طقوس انتخابات الديمقراطية الغربية، نحلم برئيس وزراء إسرائيلي جديد أو برئيس ثانٍ للولايات المتحدة أكثر إنسانية وطيبة يشعر بالأسى والحزن والظلم للفلسطينيين أو للمصيبة العربية.

لذا وفي كل مساء وفي مطابخ تحرير الأخبار نجند كل طاقاتنا الإعلامية للتهليل لأحد المرشحين الذين نتوسم فيهم حب عيون الطفل الفلسطيني أو رائحة النفط العربي التي أدمنتها الولايات المتحدة الأميركية. لنفاجأ في صباح اليوم التالي وقبل أن توزع تلك الصحف بأننا كنا نعيش أحلام يقظة المراهقين أو العجائز الذين على أسرة الموت وهم يحلمون بعودة أيام الشباب.

ما زلنا نتعامل مع هذين الخصمين اللدودين منذ زمن طويل وكأنهما يسمعان أو يقرآن أو حتى يشعران بما نضمره في قلوبنا أو نعلنه وننشره في الصحف ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة، أو بأن اللغة العربية يقرؤها ويفهمها الشارع العالمي. أو أن هناك واحدا منهما على الأقل سوف يعمل لإنصافنا.

إلا أننا لا ندرك أن القنوات العربية والصحف العربية والإذاعات العربية من الخليج للمحيط ولحسن حظها لا يشاهدها ولا يقرؤها ولا يسمعها ولا يفهمها سوى العرب. بل بعض العرب.

إننا نتعامل مع العالم بطريقة غريبة جدا. وهذه الطريقة لا تقوم على أي أساس واقعي. بكلمة أخرى، نحن نعيش حالة مستمرة من أحلام اليقظة. وبكلمة أخرى أيضا: نحن لم ولا ولن نتعلم من أخطائنا ولا من تجارب الآخرين.

إننا في حاجة إلى أمر نعرفه ولا نعرف كيف نصل إليه رغم أن العالم مجتمعا وصل إليه بقليل من الجهد وقليل من المنطق. في حاجة إلى النزول إلى عالم الواقع والتعامل معه من هذا المنطلق.

لم تقصر وسائل الإعلام العربي - التي لا تمثل في كثير من الأحيان الإنسان العربي ولا تمت له بصلة - في نشر ألوان الدماء التي تسيل في العراق وفلسطين ولبنان. وتركز بشكل خاص على صور الأطفال الأبرياء الذين سقطوا بالرصاص الإسرائيلي أو الأميركي سواء في الرمادي أو على ساحل غزة.

وتنتظر هذه الوسائل أن يشعر العالم بشيء من لهيب المأساة التي يعيشها العرب منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وازديادها بعد نهاية الحرب الباردة. ولو قمنا بسؤال أي أجنبي من آسيا أو أوروبا حتى ولو كان هذا الأجنبي يعيش بيننا.

وعلى أرضنا ويشرب منها ويأكل من تمرها ويشتري بيته فيها ويبني مستقبله من خيراتها لو أننا سألناه عن رأيه أو تعليقه على تلك الصور، لصدمنا بأنه لا يقرأ أخبار الوطن العربي، وأنه يكتفي بقراءة صحفه القومية أو الصفحات الاقتصادية في الصحف الملحية التي تهمه.

إننا نريد أن نغير رأي العالم عنا على طريقتنا. ونسعى للحصول على حقوقنا عن طريق التسول واستعطاف قلوب الغرباء.
(ما هكذا تورد الإبل) كما يقول المثل العربي. (ورغم زخامة الأمثال العربية إلا أننا أيضا لا نستخلص من حكمتها شيئا كما يفعل الصينيون والهنود والفرس).

إننا نحارب هاتين الدولتين (وأقصد بهما إسرائيل وأميركا) على جبهتين لا يمكن قهرهما عليها: السياسة والإعلام. لأنهما متفوقتان علينا في كلا الجبهتين بمراحل عديدة.

سياسيا، تسيطر الولايات المتحدة الأميركية على سياسة العالم منذ سقوط الاتحاد السوفييتي. وإعلاميا، فإن معظم وسائل الإعلام العالمية وعلى رأسها وسائل الإعلام الأميركية اشترتها رؤوس الأموال اليهودية منذ زمن طويل. ولن نجد بعد سنين قليلة مقبلة أي صحيفة أو قناة فضائية أوروبية تبث خبرا أو صورة فيها ما قد يسيء إلى سمعة إسرائيل. إضافة إلى أننا فقدنا مصداقيتنا إعلاميا وسياسيا.

لقد اكتفينا وأصبحنا متشبعين صورا وشجبا وصراخا دون أن يعيرنا أحد اهتمامه. نحن في الألفية الثالثة وفي عالم العولمة المتغير بسرعة البرق، وفي زمن لا مكان فيه للسمك الصغير ولا للبكاء الذي لا يسمعه أحد.

إن المنطق يقول: بأننا بشريا نمثل نسبة خطيرة جدا وتكفي لتغيير موازين العالم. وان الدين الإسلامي يربط عددا من البشر وبمساحة جغرافية يحسب حسابها العالم كله.

وبوجود هذين العاملين: الأيدي العاملة + المساحة الجغرافية الممتدة بين محيطين، فإننا ببساطة نمثل قوة عظمى كامنة دون أن ندرك ذلك. ويهود العالم هم الوحيدون الذين انتبهوا لهذه القوة المخبأة دون أن يثيروا موضوعها على صفحات الجرائد إلا عندما شعروا بتحرك هذا المارد ليصبح الإرهابي الذي يجب القضاء عليه قبل أن يخرج من قمقمه.

وحيث ان المساحة الجغرافية الممتدة طولا وعرضا تعني وجوب القبض على أهم مصادر النمو الاقتصادي والصناعي عليها كالمعادن والأرض الخصبة ومصادر المياه من أنهار وآبار وموانئ بحرية للتسويق، فإن هذين العاملين لو تم استغلالهما بالمنطق العصري وبحسابات الأرقام لما تجرأت إسرائيل وأميركا على معاداة الأمة الإسلامية والعربية.

كلنا تألمنا للصور التي شاهدها العرب والمسلمون على ساحل غزة. ومنظر تلك الطفلة المرعوبة. وكلنا جلسنا نحلم بأن إسرائيل سوف تندم غدا على فعلتها، وسوف تذهب لحضور مأتم عائلتها، وأن أميركا سوف تضع إسرائيل تحت قائمة الإرهاب مع إيران وكوريا وليبيا وحزب الله وحماس وسوريا، وأنها سوف تقطع مساعداتها إليها عقابا على وحشيتها.

وسوف تطالب الأمم المتحدة بالسماح لها لغزو إسرائيل لتخليصها من الإرهابيين الذين حكموها منذ 1948 على نفس خطى جولدا مائير وبيجن وشارون وباراك وأولمرت وغيرهم من الذين لم يفهموا إلا لغة الدم والقتل والخبث والغش والذين شردوا دولة كاملة بأطفالها وشيوخها ونساءها واقتلعوا أشجارها ودمروا منازلها واستولوا عليها ومن ثم استوطنوها وبنوا على جثث أصحابها منازلهم الملوثة.

كلنا حلمنا بمثل ذلك، واعتقدنا أن يهود العالم سوف يقرؤون ويشاهدون ويسمعون أخبارنا عن طريق وسائل إعلامنا وسوف يشعرون بالذنب وأن الشعب الأميركي سوف يعاقب حكومته على مساعدة إسرائيل في ارتكاب مثل أعمال الغاب تلك.

ولم تتحقق أحلامنا منذ عقود طويلة. ولن تتحقق ما دمنا لم نفهم بعد دروس المنطق الساذجة التي ألغيت من مناهج التدريس لعدم قدرة العقل العربي على فهم هذا العلم البسيط الذي لا يتعدى تكرار جملة المنطق الشهيرة: (إذا كان هناك دخان فهناك نار)، وظل يصر على أن الدخان ليس شرطا لوجود نار... فقد يكون أحد الأثرياء يدخن سيجارا كوبيا فاخرا وهو يشاهد احدى محطات منافسات أفضل المصممين أو المطربين الجدد.

جامعة الإمارات