PDA

View Full Version : رسائل الاعدام المهين


ثابت الجنان
17-01-2007, 11:45 PM
رســـــائل الإعــــدام المهــــــــين
بقلم : فهمى هويدى
عن جريدة الشرق

لا أفقنا من الصدمة. ولا فارقنا الشعور بالمهانة والخزي. ولا نجحت الأيام العشرة التي مرت في إزالة آثار البصقة التي القيت في وجوهنا صبيحة يوم العيد. لكن ذلك ينبغي ألا يمنعنا من فض حزمة الرسائل التي تلقيناها من العواصم المعنية منذ وقعت الواقعة

(1)
ثمة حقيقة يتعين الاعتراف بها قبل فض تلك الرسائل، وهي أن الذين أهانوا الرئيس السابق صدام حسين وأرادوا اذلاله والانتقام منه، قدموا له من حيث لا يحتسبون خدمة جليلة لم يحلم بها وهو في محبسه، إذ حولوه من رمز للجبروت والطغيان إلى رمز للكبرياء والشجاعة، حيث رآه الناس في مشهد اعدامه صامدا وثابت الجنان، بينما ظهر جلادوه أقزاما تخفوا وراء الاقنعة وجرذانا مذعورة تحاول أن تتخفى من أعين التاريخ


إن الذين تخيروا ساعة النحر يوم عيد الأضحى موعدا لشنقه، وحرصوا على تصوير ما جرى لحظة بلحظة، كأنما أعمى الله بصيرتهم فأوقعهم في شر أعمالهم. إذ بدا واضحا أن الغباء وشهوة الانتقام والحقد، هذه العوامل حين اجتمعت فيهم، فإنها غيبت عنهم ادراك جلال مناسبة العيد التي تمس شغاف قلوب مئات الملايين من المسلمين، وعن المعاني السامية والنبيلة التي يستحضرها المسلمون في تلك اللحظات. كما أعمتهم عن تمثل ابسط القيم التي تقرر للناس حق الكرامة في لحظات الموت، ناهيك عن أنهم تخلوا في تلك اللحظات عن مقتضيات المروءة والشهامة التي يجلها العرب والشرفاء في كل مكان

حين عموا عن ذلك كله وصموا، فإنهم لم يهينوا صدام حسين وحده، وإنما اهانوا عيد المسلمين، وملايين المسلمين، ومشاعر العرب أجمعين. ولأن غباءهم بدا مفرطا وبلا حدود، فإنهم حولوا مراسم الإعدام إلى طقس شيعي، فصوبوا سهما مسموما إلى العلاقة التي أصابها الوهن في العراق بين الشيعة والسنة. الأمر الذي حول مشهد الاعدام إلى قنبلة ملوثة شديدة الانفجار، انتشرت شظاياها في انحاء العالمين العربي والاسلامي

بشاعة تصرفهم جعلت كثيرين ينسون سجل صدام حسين وفظائعه، ويتذكرون فقط لحظات الثبات التي وقفها وهو مقبل على حبل المشنقة. ناهيك عن أن منهم من أصبح يترحم على ايامه حين يقارنها بالخراب الذي عم البلاد وأهلك العباد بعد "التحرير". كما أن التشفي فيه ومحاولة اهانته دفعا الأغلبية الساحقة إلى الانحياز للضحية، ومن ثم الاعجاب بشجاعته والتعاطف معه. وهناك آخرون انضموا إلى صفوف الغاضبين والناقمين، ليس احتجاجا على ما اصاب الرجل، وأنما غضبا لحرمة عيدهم الذي تم ابتذاله وانتهكت كرامته، ولحرمة انتمائهم العقيدي الذي تعرض للتجريح والاهانة، وغيرة على قيم المروءة والنخوة التي اهدرت في المشهد
(2)
في العدد الأخير من مجلة "نيوزويك" (9/1) وصف رئيس تحريرها فريد زكريا مشهد الاعدام بأنه "انتقام المنتصرين" ووصف اداء فريق الرئيس بوش في العراق بأنه كان مزيجا غريبا من "الجهل السذاجة". لكني لا أرى في هذه الاوصاف تشخيصا دقيقا ولا تفسيرا كافيا لاختيار اعدام الرئيس العراقي السابق بهذه الطريقة في ذلك التوقيت الحساس. أعنى في ساعة النحر صبيحة اليوم الأول من عيد الأضحى. علما أنه تم تجاوز اللغط حول صلة الأمريكيين بتحديد موعد الاعدام، بعدما ثبت أنهم العنصر الاساسي في حسم كافة تفاصيل العملية. وأن كل ما فعلته الحكومة العراقية أنها قامت بالتنفيذ واعتبرته فرصة للانتقام والتشفي

صحيح أن الانتقام وارد وأن الجهل والسذاجة باتا من السمات الأصيلة لقرارات الإدارة الأمريكية في العراق، لكن إجراء الإعدام وتوقيته صبيحة يوم العيد سلطا الضوء على ما هو أبعد وأعمق من مضمون تلك المصطلحات. الأمر الذي يضعنا بازاء حالة تجلى فيها الازدراء والاحتقار في اسطع صورة. ذلك أن القاء تلك البصقة الجارحة في وجوه مليار و300 مليون مسلم دفعة واحدة في يوم عيدهم لا يمكن الاكتفاء في تفسيره بحسبانه نابعا من مجرد الجهل والسذاجة. فخطوة بهذه الجسامة لا يمكن لراشد أن يغفل عن تداعياتها في الظروف العادية. ولا يمكن لصاحب القرار ان يقدم عليها في مناسبة عيد ديني هو الأكبر عند المسلمين، إلا اذا كان قد تعامل مع الطرف الآخر فيها (العرب والمسلمون) بحسبانهم كائنات لا قيمة لها ولا كرامة. وليس لديهم ما يستحق الاعتبار، لا العقيدة ولا التقاليد أو الأعراف، وأن ثقافتهم مما يمكن دوسه واستباحته دون قلق من ردود الفعل

لو أن الرئيس بوش وفريقه خطر ببالهم للحظة أنهم يتعاملون مع أمة فيها نبض حياة وتخيلوا أن ثقافتها تستحق الاحترام، وأن شعوبها لها شىء من الكرامة وتعرف معنى الغضب لترددوا الف مرة قبل أن يقدموا على فعلتهم، ولما آوى الرئيس بوش إلى فراشه متهللا في تلك الليلة، ومحظرا على الجميع ايقاظه تحت أي ظرف. (كما نشرت الصحف)- ولم لا يستريح ضميره ويهنأ باله، وهو يعلم أن غاية ما سوف يحدث في الصباح التالي أن تسقط جثة فرد فوق سطح جثة أمة لم يرها إلا فاقدة الحراك ومعدومة الاعتبار؟!

تلك هى الرسالة الأهم التي يتعين استلامها مما جرى. ومن يريد منها استزادة أو توثيقا لخلفيات موقف الازدراء الامريكي التقليدي بالآخر، فعليه أن يقرأ كتاب الباحث منير العكش: حق التضحية بالآخر_ امريكا والإبادات الجماعية. وهو من سجل بتفصيل مثير قصة الوحشية الامريكية في ابادة الهنود الحمر، - أول "آخر" صادفهم_ الذين كان الامريكيون يمعنون في إذلالهم وتحقيرهم ويصفونهم بأنهم "عرب

(3)
اذا كان الاحتقار هو مفتاح قراءة الموقف الامريكي ، فإن الانتقام الطائفي هو مفتاح موقف السلطة العراقية. ولا يخلو من مبالغة وصفها بأنها "سلطة"، لأنها لا تملك من الأمر شيئا في حين أن السلطة الفعلية هى للأمريكيين على مستوى، وللإيرانيين على مستوى آخر، وكل الذين يتحركون على مسرح "السلطة" خيوطهم مشدودة إلى هذا الطرف او ذاك. كما أن كل الذي يشاع عن اقامة الاحتلال لدولة ديمقراطية يسودها القانون ومجتمع مدني تتعدد فيه المؤسسات، هو هراء ومحض اكاذيب. فنحن بازاء انقاض واشلاء دولة تمكنت منها جماعات لها دوافعها الطائفية، التي تريد اعادة صياغة العراق وكتابة تاريخه من هذه الزاوية. وهم في ذلك لم يختلفوا كثيراً عن صدام حسين في تبنيهم للعنف، بل ربما كانوا اسوأ منه. أقله لان الرجل كان جلادا لحساب الوطن، بينما هم جلادون لحساب بالطائفة. وهذه هى الرسالة الثانية التي تلقيناها في ثنايا مشهد الاعدام المهين. دعك من اهدار القانون في تشكيل المحكمة بواسطة حكومة الاحتلال، وفي اجراءات التحقيق والمرافعة، وفي تنفيذ الاعدام في يوم العيد الكبير (الممنوع بحسب القانون وطبقا للاعراف السائدة في العالم المتحضر)، وفي شنق الرجل في حين أنه كان ينبغي أن يعدم رميا بالرصاص باعتباره أسير حرب، إلى غير ذلك من الممارسات التي ندد بها المنصفون والراشدون، وفضحت أكذوبة "دولة القانون". اذا غضضت الطرف عن ذلك كله وسألت: لماذا اعدم الرجل بتهمة قتل 138 مواطنا عراقيا (هم حصيلة يوم واحد في المقتلة الدائرة حاليا)، ولم يحاسب على قتل خمسة آلاف كردي عراقي بالغاز السام في حلبجة، ولا على غزوه للكويت، أو حربه ضد ايران، أو الجرائم الأخرى التي ارتكبت بحق معارضيه السياسيين؟

ستلوح فكرة الانتقام في الافق حين تتحرى الاجابة. اذ ستلاحظ أن الذين حاولوا اغتيال الرئيس السابق قبل ربع قرن، اثناء حربه ضد "إيران"، هم من شيعة قرية الدجيل، الذين بطش بهم الرجل اثر فشل المحاولة. ولأن الجماعات الشيعية هى صاحبة السهم المعلى في الوضع الراهن، فإن اشباع رغبتها في الانتقام اقتضى أن يعدم صدام حسين بسبب ما اقترفه بحقهم

واذا كان الابالسة الذين اخرجوا المشهد قد وفروا للمتعصبين فرصتهم في التشفي، إلا انهم حققوا من وراء الاعدام غرضا آخر كسبوا به نقطة اراحت خواطرهم. فإلى جانب مجاملتهم للشيعة، فأنهم تخلصوا من الرجل واسكتوه الى الابد. حتى لا يفضى بمالديه من اسرار ويكشف مخزون فضائح الممارسات السياسية التي تمت في عهده، التي كانت الدول الغربية وبعض العربية ضالعة فيها. ذلك أن الغاز السام الذي قتل به الاكراد في حملة "الانفال" لم يكن منتجا عراقيا ولكنة قدم اليه من الدول الغربية "الصديقة". وحربه ضد ايران كانت مؤيدة بالدعم الامريكي والعربي، حتى غزوه للكويت لم يسلم من اللغط الذي جرى الزج في ثناياه بدور للدبلوماسية الأمريكية. وخلال سنوات حكمه التي استمرت ربع قرن فانه لم يكن يتصرف لوحده دائما. وانما تداخلت معه وتقاطعت اطراف أخرى خارجية بصورة أو أخرى. وذلك كله يمكن أن يفجر ويفضح اذا ما حوكم الرجل عن تلك الجرائم. ولان اسكاته غدا مطلبا ملحا لاغلاق الملفات الاخرى، فإن الاعدام كان هو الحل
(4)
بقيت عندي رسالتان، إحداهما جاءتنا من طهران، والثانية بعثت بها عواصم العرب. الاولى عبرت عنها تصريحات المسؤولين في العاصمة الايرانية، الذين رحبوا بشنق صدام حسين. واعتبروه "نصرا للعراقيين" (حميد رضا آصفي نائب وزير الخارجية)- وهنئوا شعب العراق لأن الرجل ذهب الى الجحيم (علاء الدين يروجردي رئيس لجنة الأمن في مجلس الشورى).. وهو ما سوغ لوكالات الانباء أن تصنف الجمهورية الاسلامية مع اسرائيل والولايات المتحدة، في موقفها من الحفاوة بعملية الاعدام

لقد شعرت بمرارة في حلقي حين وقعت على ذلك التصنيف. لكن المرارة اقترنت بحزن لم استطع اخفاءه لأن طهران انضمت الى الشامتين، ولم يستوقفها انتهاك حرمة العيد ولا ما اصاب مشاعر ملايين المسلمين من أذى ومهانة جراء تنفيذ الاعدام صبيحة يومه الأول، ورأيت في تلك التصريحات ايرانا أخرى غير التي عرفتها أو تمنيتها. غلبت فيها فرحة الانتقام للطائفة على الغضب لما اصاب كرامة عامة المسلمين من انتهاك وازدراء.وهو ما جعلني اتساءل قائلا: لو أنها كانت ايران الشاهنشاهية، هل كان الامر يختلف عما عبرت به ايران الاسلامية؟

اما رسالة عواصم العرب فقد عبرت عنها الاصداء القوية لحدث الاعدام في مشرق العالم العربي ومغربه، التي اختلط فيها الغضب لما اصاب الذات من جرح بمشاعر الاعجاب والافتتان بالصورة التي ظهر بها الرئيس السابق في مشهد الاعدام. حتى الذين آذاهم صدام حسين واجرم بحقهم نسوا ما اصابهم واكبروا موقفه، الامر الذي يشي بحقيقة يتعين الانتباه اليها، وهى أن العالم العربي ضاق ذرعا بالانكسار والاستخذاء. ومنذ سنوات وهو يبحث جاهدا عن رمز يجسد له الصمود والكبرياء والعزة. ذلك أنه مع كل صفعة نتلقاها، أو مهانة تحل بنا، فان الناس ما برحوا يهرعون الى الواجهات باحثين عن قشة كبرياء يتعلقون بها أو رمز للعزة يصطفون وراءه، الا انهم في كل مرة يردون الى اعقابهم محبطين. ولولا بعض ومضات الأمل في محيطهم لاستسلموا لليأس والكمد. بسبب من ذلك، فما أن رأوا صدام حسين منتصب الهامة ومرفوع الرأس ومتحديا لكل ما احاط به من قهر وذل، حتى غفروا له جرائمه وغسلوا يديه من دمائهم، ورفعوه فوق رؤوسهم عاليا، شاكرين له أنه استدعى إلى وعيهم في ومضة نادرة ما يفتقدونه في واقعهم الذى يخيم عليه العجر والمهانة

عقاب
21-01-2007, 11:14 AM
برغم اني كنت ضد صدام واعلنت مرارا بانه كان يستحق الاعدام الا انني كنت منزعجا كثيرا من اعدامه بهذه الطريقة .


تحياتي

شفيق
24-01-2007, 09:34 PM
الحقد يعمي البصيره
اما كلام الكاتب فهمي هويدي ان اعدام صدام في يوم العيد جاء كبصقه في وجوه مليار وثلاث مئة مليون مسلم!!!!! وانا اتسائل اين هؤلاء المسلمون؟ ام هم كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم غثاء كغثاء السيل.
تحياتي للجميع