ثابت الجنان
03-08-2007, 08:36 AM
حول حياة صدام حسين وموته
من الكتب الجديدة التي صدرت مؤخرا في موسكو كتاب (دماء فوق الرمال) لمؤلفه الكاتب الروسي المعروف سرغي بليخانوف والكتاب الذي يحتوي على 190 صفحة من القطع المتوسط يتناول حياة صدام حسين وموته .
يتحدث سرغي بليخانوف عن صدام حسين أنه بدأ بناء عراق جديد بعد أن تولى حزب البعث العربي الاشتراكي السلطة فيه . وكتب بليخانوف يقول " لقد كان صدام حسين صاحب الفكرة الهندسية للبناء " مشيرا إلى انه بلغ يومذاك سن 31 عاما . وأضاف المؤلف قائلا " مع ذلك فان صدام حسين بالذات أصبح الملهم الرئيسي للقرارات السياسية الكبرى، وفي غالب الأحيان المنفذ المباشر لها " .
ويقول الكاتب " أن الرئيس حسن البكر الذي كان يتمتع بشعبية كبيرة في البلاد وفي الجيش لم يكن رجلا استراتيجيا في السياسة . وكان يروق له تماما دور الحكم الأعلى الأخلاقي . فهو رجل تقاليد لحد كبير، وكان يشبه من حيث أساليب حكمه زعيم العشيرة الذي يمارس القيادة بالاعتماد على مكانته . لقد كان شخصية هامة وذات مسئولية وضرورية في المرحلة الأولى من قيام دولة حزب البعث . لكن هيهات أن كان يستطيع قيادة البلاد على مدى أكثر من عشرة أعوام بدون رفيق درب ونصير مثل صدام حسين" .
ويعرب الكاتب عن ثقته بأن " صدام حسين كان أول سياسي حديث حقا في العراق استخدم التكنولوجيات السياسية للقرن العشرين من اجل بناء النموذج الاجتماعي الذي يتفق مع واقعيات العصر الجديد". لقد كان زعيما " تسلح ليس فقط بالعقيدة القومية، بل بالمقدرة على تنفيذ خطط بناء الدولة، المستعدة للتصدي إلى تحديات الزمن" .
لقد كان صدام حسين يؤكد دوما إخلاصه للجذور ، وكذلك " اهتم بأن يرى الناس في عهده تجسيدا للحلم حول المستقبل الأفضل . وهذا الزعيم الحديث، كما بدا صدام إمام شعب العراق، انتهك لحد كبير التصورات القديمة حول الفئة الحاكمة . وكان يستطيع التحدث ليس فقط إلى بسطاء الناس بلغتهم بل ويشاركهم لحد كبير الآراء والعادات المعيشية" .
ويظهر الكاتب انعكاس صورة بطله في عيني العراقي العادي ويقول: " في الوقت نفسه، ورغم كون صدام قد خرج من رحم الشعب فان الناس لم يعتبروه أبدا واحدا من أوساطهم . لقد كان مفهوما لديهم، ولكنه اعتبر مع هذا من خيرة الأخيار. إن طوله الفارع(186 سم) وسحنته الجذابة ذات السمات المتناسقة وكلامه المعبر – هي من مقومات البطل المحبوب التي لا تتوفر دائما في شخص واحد . وإذا ما أضفنا إلى ذلك ذوقه المرهف وأناقته في الملبس، وسلوكه الرائع وصوته العذب – فان صورة زعيم الأمة تكون قد اقتربت من المثل الأعلى" .
ويعترف الكاتب بنشوء عبادة الرئيس تدريجيا في البلاد، وفي النتيجة تجاوزت حتى عبادة شخصية ستالين . وصدرت عنه الكتب منذ العام الأول لوجوده في السلطة وترجمت إلى اللغات الأجنبية، وأنتج فيلم عن حياة صدام كتب السيناريو له بنفسه، وكانت صورة صدام تتصدر كل عدد من جريدة " الجمهورية " الرسمية .
إن بليخانوف لا يصف فحسب عبادة شخصية صدام حسين بل يحاول إيراد تحليل فلسفي له . ولدى تعميم الخبرة الثورية في البلدان الأخرى كتب يقول: " يسعى الزعيم الذي يبرز بصفته الأول بين الآخرين المتساوين معه، تارة عن قصد وتارة بلا قصد، إلى صياغة تلك السمعة والمكانة له التي تتيح له العمل دون ايلاء اهتمام إلى الذين خرج من صفوفهم . أن نطاق المهام الماثلة أمام الشخصية الثورية يدفعه نفسه إلى الدكتاتورية . إن الدكتاتورية تحطم الإنسان وتتجافى مع طبيعته، وتسعى إلى سحق النظام القائم من اجل بلوغ الحلم الذي يعتبر (بهذه الصيغة أو تلك) مشروعا جديدا لبناء برج بابل".
ويورد الكاتب ضمن خدمات صدام تقوية قدرة البلاد " أصبحت البلاد بعد تغير السلطة في تموز/يوليو عام 1968 في طليعة بلدان العالم العربي. وحققت أفكار القومية العربية تطورا جديدا في الممارسة الحية لبناء الدولة، وفي تحول المجتمع. ولئن كانت مصر تعتبر في العهد السابق زعيمة العالم العربي، فأن هذا الدور انتقل تدريجيا إلى العراق". وساعد على ذلك بقدر كبير تأميم صناعة النفط في البلاد . ويؤكد الكاتب الروسي على انه " لو لم يظهر صدام حسين إلى جميع الأشقاء العرب كيف يمكن تحقيق النصر في مواجهة الكارتل النفطي الجبار لما أقدمت الأقطار العربية الأخرى كما أظن على العمل بحزم أكبر . وبالتالي لما كانت الموارد التي حصلت عليها في خلال فترة 1973 – 1981 بهذا القدر الكبير . ويمكن القول بكل تأكيد أن الحد الأعلى للدولارات النفطية التي تدفقت على الأقطار العربية يمثل تجسيدا للإرادة الثورية التي أبداها حزب البعث وقائده".
لقد تغير اتجاه السياسة الخارجية للبلاد مع ملجئ صدام إلى السلطة . فقد سعى إلى جعل العراق مركز جذب من قبل الأراضي العربية، وتم تخفيف التعابير الثورية، وجرى الحوار مع الأنظمة الملكية، وبدأ التركيز على الجوهر الإسلامي للبلاد . وأدى صدام حسين سوية مع ابرز أعضاء قيادة البلاد فريضة الحج إلى مكة المكرمة، وبدأ الابتعاد عن الاتحاد السوفييتي والتقارب الخفي مع أمريكا . ولم يتضح مغزى جميع هذه الخطوات إلا بعد بدء الحرب الإيرانية – العراقية حين "احتاج صدام حسين إلى المؤخرة المضمونة والموارد المالية للأنظمة الملكية النفطية، والشئ الرئيسي إلى تعاطف ومودة البلدان الغربية". ولكن إذا ما كانت حسابات صدام بشأن الحرب مع إيران صائبة : فقد أيده العالم المحيط به، لأنه شكل أمام العالم العقبة الرئيسية أمام انتشار أفكار الثورة الإسلامية، فأنه اخطأ في شن الحرب على الكويت .
ويعتقد الكاتب الروسي أن هدف الرئيس العراقي من غزو الكويت كان هو تحويل بلاده إلى القطر المهيمن بلا جدال في العالم العربي . فمن شأن ذلك أن يزيد قدرات البلاد النفطية بمقدار الضعفين . كما سيقرب صدام حسين من بلوغ هدفه : أي إعطاء نصف الإنتاج العالمي من الذهب الأسود ." وعندئذ كان يمكن العودة مجددا إلى فكرة إقامة الدولة العربية الموحدة ، ولأتخذ صدام في مثل هذا الوضع موقفا أكثر صلابة من جمال عبد الناصر في أعوام الخمسينيات . كما أن القوة العسكرية المدعمة بالقدرات الاقتصادية والمالية كانت ستعطي العراق، في نهاية المطاف، الفرصة ليصبح دولة إقليمية كبرى لا يمكن تجاهل مواقفها في الشئون العالمية أيضا".
بيد أن زعامة البلاد لم تدم فترة طويلة . فان صدام الاستراتيجي في الشئون السياسية الداخلية كان يرتكب الأخطاء في العلاقات مع الدول العالمية الكبرى التي أيدت العراق حين كان يحارب إيران، بينما لم تغفر له عدوانه على الكويت وحملته مسئولية أحداث 11 أيلول/سبتمبر . وسلك الغرب سلوكا غادرا مع العراق خوفا من احتمال نشوء مركز جاذبية جديد في العالم العربي : فهو أيد سرا خططه لغزو الكويت، ومن ثم الحق به الهزيمة في ساحة القتال . علما أن وسائل الإعلام الغربية، التي كانت في أعوام الحرب الإيرانية – العراقية صورة جذابة جدا عن العراق – باعتباره المدافع عن الحضارة الأوربية والدول العربية، عاجلت بتكوين صورة معاكسة تماما له، صورة صنو هتلر الشرق أوسطي . ويتساءل الكاتب الروسي :" هل ستمحي رمال الزمن الأثر، وهل ستنسى الضحايا الدامية، التي قدمت قربانا لأحلامه حول الوطن العربي الكبير . فقد بدأ حساب جديد للضحايا، وأريقت دماء جديدة – باسم حلم آخر، هو النظام العالمي الجديد".
وكتب بليخانوف عن صدام حسين يقول : " لقد كان رجلا قاسيا ومتسامحا، وغادرا وساذجا، وقويا وضعيفا . ولم يعد هناك وجود لمثل هؤلاء الرجال تقريبا . بينما يزداد أكثر عدد رجال من صنف آخر - من المنافقين " المستقيمين سياسيا " . ولا تصدر بحقهم أحكام الإعدام، وحتى لا تفرض عليهم الغرامة بسبب انتهاك قواعد السير . وعندما سيسود في الأرض نظام ديمقراطية الحزبين والبرلمان ذي المجلسين، فسيجري في الكتب فقط إحياء الأبطال الذين تولوا السلطة بقوة السلاح وحكموا، بالتشاور مع الآلهة، وليس مع كتاب العقود الرسمية المنتخبين لمدة خمسة أعوام . نحن آخر جيل قدر له أن يرى الأبطال الأحياء الذين أصبحوا زعماء، وتطلعوا إلى عيون الخلود ليس من فراش المرض الذي تفوح منه روائح الأدوية بل من منصة المشنقة" .
إن الكاتب لا يبرر بطله : إذ بمرور الزمن " تحول عدم الثقة إلى الريبة، وتحولت الروح الديمقراطية المميزة لصدام في يفاعه إلى غطرسة . ولم يشعر بالأمان على نفسه بسبب الحروب والحصار حتى في قصوره" . لكنه يعتقد بأنه أفردت إلى صدام حسين في أسفار التاريخ في القرن العشرين مكانة اكبر بكثير من بوش وبلير اللذين سلباه السلطة .
ويورد بليخانوف رأي الأكاديمي والمستعرب الروسي المعروف يفجيني بريماكوف الذي قال: " أن صدام حسين لم يتميز أبدا بالمرونة وصفة المناورة والقدرة على التكيف إلى الظروف وتقييم الواقع كما يجب حتى بالرغم من كل النمط البراجماتي لتفكيره . ويبدو حتى انه خلص تدريجيا إلى الاستنتاج بأن الأقدار منحته مكانة خاصة، " وضمنت " له النجاح في معالجة مهام بدت بالنسبة إلى الكثيرين عسيرة المنال" . ويوافق بليخانوف على هذا الرأي فقال " لقد صدق صدام بوجود نجمة السعادة له" .
ويختتم الكتاب حول حياة الدكتاتور العراقي كما يلي : " أن الأعوام الثلاثة التي أمضاها صدام في السجن الأمريكي كانت أعوام النضال في سبيل كرامته نفسه . النضال الذي لم تعبأ به بقية العالم . لكن نزاله الأخير مع القدر والذي سجلته عدسة الفيديو للهاتف الجوال ، قد دفع ملايين الناس إلى إدراك أن الكرامة هي الشيء الوحيد الواجب الاحتفاظ به قبيل الانتقال إلى الخلود" .
عرض وترجمة
ثابت الجنان
من الكتب الجديدة التي صدرت مؤخرا في موسكو كتاب (دماء فوق الرمال) لمؤلفه الكاتب الروسي المعروف سرغي بليخانوف والكتاب الذي يحتوي على 190 صفحة من القطع المتوسط يتناول حياة صدام حسين وموته .
يتحدث سرغي بليخانوف عن صدام حسين أنه بدأ بناء عراق جديد بعد أن تولى حزب البعث العربي الاشتراكي السلطة فيه . وكتب بليخانوف يقول " لقد كان صدام حسين صاحب الفكرة الهندسية للبناء " مشيرا إلى انه بلغ يومذاك سن 31 عاما . وأضاف المؤلف قائلا " مع ذلك فان صدام حسين بالذات أصبح الملهم الرئيسي للقرارات السياسية الكبرى، وفي غالب الأحيان المنفذ المباشر لها " .
ويقول الكاتب " أن الرئيس حسن البكر الذي كان يتمتع بشعبية كبيرة في البلاد وفي الجيش لم يكن رجلا استراتيجيا في السياسة . وكان يروق له تماما دور الحكم الأعلى الأخلاقي . فهو رجل تقاليد لحد كبير، وكان يشبه من حيث أساليب حكمه زعيم العشيرة الذي يمارس القيادة بالاعتماد على مكانته . لقد كان شخصية هامة وذات مسئولية وضرورية في المرحلة الأولى من قيام دولة حزب البعث . لكن هيهات أن كان يستطيع قيادة البلاد على مدى أكثر من عشرة أعوام بدون رفيق درب ونصير مثل صدام حسين" .
ويعرب الكاتب عن ثقته بأن " صدام حسين كان أول سياسي حديث حقا في العراق استخدم التكنولوجيات السياسية للقرن العشرين من اجل بناء النموذج الاجتماعي الذي يتفق مع واقعيات العصر الجديد". لقد كان زعيما " تسلح ليس فقط بالعقيدة القومية، بل بالمقدرة على تنفيذ خطط بناء الدولة، المستعدة للتصدي إلى تحديات الزمن" .
لقد كان صدام حسين يؤكد دوما إخلاصه للجذور ، وكذلك " اهتم بأن يرى الناس في عهده تجسيدا للحلم حول المستقبل الأفضل . وهذا الزعيم الحديث، كما بدا صدام إمام شعب العراق، انتهك لحد كبير التصورات القديمة حول الفئة الحاكمة . وكان يستطيع التحدث ليس فقط إلى بسطاء الناس بلغتهم بل ويشاركهم لحد كبير الآراء والعادات المعيشية" .
ويظهر الكاتب انعكاس صورة بطله في عيني العراقي العادي ويقول: " في الوقت نفسه، ورغم كون صدام قد خرج من رحم الشعب فان الناس لم يعتبروه أبدا واحدا من أوساطهم . لقد كان مفهوما لديهم، ولكنه اعتبر مع هذا من خيرة الأخيار. إن طوله الفارع(186 سم) وسحنته الجذابة ذات السمات المتناسقة وكلامه المعبر – هي من مقومات البطل المحبوب التي لا تتوفر دائما في شخص واحد . وإذا ما أضفنا إلى ذلك ذوقه المرهف وأناقته في الملبس، وسلوكه الرائع وصوته العذب – فان صورة زعيم الأمة تكون قد اقتربت من المثل الأعلى" .
ويعترف الكاتب بنشوء عبادة الرئيس تدريجيا في البلاد، وفي النتيجة تجاوزت حتى عبادة شخصية ستالين . وصدرت عنه الكتب منذ العام الأول لوجوده في السلطة وترجمت إلى اللغات الأجنبية، وأنتج فيلم عن حياة صدام كتب السيناريو له بنفسه، وكانت صورة صدام تتصدر كل عدد من جريدة " الجمهورية " الرسمية .
إن بليخانوف لا يصف فحسب عبادة شخصية صدام حسين بل يحاول إيراد تحليل فلسفي له . ولدى تعميم الخبرة الثورية في البلدان الأخرى كتب يقول: " يسعى الزعيم الذي يبرز بصفته الأول بين الآخرين المتساوين معه، تارة عن قصد وتارة بلا قصد، إلى صياغة تلك السمعة والمكانة له التي تتيح له العمل دون ايلاء اهتمام إلى الذين خرج من صفوفهم . أن نطاق المهام الماثلة أمام الشخصية الثورية يدفعه نفسه إلى الدكتاتورية . إن الدكتاتورية تحطم الإنسان وتتجافى مع طبيعته، وتسعى إلى سحق النظام القائم من اجل بلوغ الحلم الذي يعتبر (بهذه الصيغة أو تلك) مشروعا جديدا لبناء برج بابل".
ويورد الكاتب ضمن خدمات صدام تقوية قدرة البلاد " أصبحت البلاد بعد تغير السلطة في تموز/يوليو عام 1968 في طليعة بلدان العالم العربي. وحققت أفكار القومية العربية تطورا جديدا في الممارسة الحية لبناء الدولة، وفي تحول المجتمع. ولئن كانت مصر تعتبر في العهد السابق زعيمة العالم العربي، فأن هذا الدور انتقل تدريجيا إلى العراق". وساعد على ذلك بقدر كبير تأميم صناعة النفط في البلاد . ويؤكد الكاتب الروسي على انه " لو لم يظهر صدام حسين إلى جميع الأشقاء العرب كيف يمكن تحقيق النصر في مواجهة الكارتل النفطي الجبار لما أقدمت الأقطار العربية الأخرى كما أظن على العمل بحزم أكبر . وبالتالي لما كانت الموارد التي حصلت عليها في خلال فترة 1973 – 1981 بهذا القدر الكبير . ويمكن القول بكل تأكيد أن الحد الأعلى للدولارات النفطية التي تدفقت على الأقطار العربية يمثل تجسيدا للإرادة الثورية التي أبداها حزب البعث وقائده".
لقد تغير اتجاه السياسة الخارجية للبلاد مع ملجئ صدام إلى السلطة . فقد سعى إلى جعل العراق مركز جذب من قبل الأراضي العربية، وتم تخفيف التعابير الثورية، وجرى الحوار مع الأنظمة الملكية، وبدأ التركيز على الجوهر الإسلامي للبلاد . وأدى صدام حسين سوية مع ابرز أعضاء قيادة البلاد فريضة الحج إلى مكة المكرمة، وبدأ الابتعاد عن الاتحاد السوفييتي والتقارب الخفي مع أمريكا . ولم يتضح مغزى جميع هذه الخطوات إلا بعد بدء الحرب الإيرانية – العراقية حين "احتاج صدام حسين إلى المؤخرة المضمونة والموارد المالية للأنظمة الملكية النفطية، والشئ الرئيسي إلى تعاطف ومودة البلدان الغربية". ولكن إذا ما كانت حسابات صدام بشأن الحرب مع إيران صائبة : فقد أيده العالم المحيط به، لأنه شكل أمام العالم العقبة الرئيسية أمام انتشار أفكار الثورة الإسلامية، فأنه اخطأ في شن الحرب على الكويت .
ويعتقد الكاتب الروسي أن هدف الرئيس العراقي من غزو الكويت كان هو تحويل بلاده إلى القطر المهيمن بلا جدال في العالم العربي . فمن شأن ذلك أن يزيد قدرات البلاد النفطية بمقدار الضعفين . كما سيقرب صدام حسين من بلوغ هدفه : أي إعطاء نصف الإنتاج العالمي من الذهب الأسود ." وعندئذ كان يمكن العودة مجددا إلى فكرة إقامة الدولة العربية الموحدة ، ولأتخذ صدام في مثل هذا الوضع موقفا أكثر صلابة من جمال عبد الناصر في أعوام الخمسينيات . كما أن القوة العسكرية المدعمة بالقدرات الاقتصادية والمالية كانت ستعطي العراق، في نهاية المطاف، الفرصة ليصبح دولة إقليمية كبرى لا يمكن تجاهل مواقفها في الشئون العالمية أيضا".
بيد أن زعامة البلاد لم تدم فترة طويلة . فان صدام الاستراتيجي في الشئون السياسية الداخلية كان يرتكب الأخطاء في العلاقات مع الدول العالمية الكبرى التي أيدت العراق حين كان يحارب إيران، بينما لم تغفر له عدوانه على الكويت وحملته مسئولية أحداث 11 أيلول/سبتمبر . وسلك الغرب سلوكا غادرا مع العراق خوفا من احتمال نشوء مركز جاذبية جديد في العالم العربي : فهو أيد سرا خططه لغزو الكويت، ومن ثم الحق به الهزيمة في ساحة القتال . علما أن وسائل الإعلام الغربية، التي كانت في أعوام الحرب الإيرانية – العراقية صورة جذابة جدا عن العراق – باعتباره المدافع عن الحضارة الأوربية والدول العربية، عاجلت بتكوين صورة معاكسة تماما له، صورة صنو هتلر الشرق أوسطي . ويتساءل الكاتب الروسي :" هل ستمحي رمال الزمن الأثر، وهل ستنسى الضحايا الدامية، التي قدمت قربانا لأحلامه حول الوطن العربي الكبير . فقد بدأ حساب جديد للضحايا، وأريقت دماء جديدة – باسم حلم آخر، هو النظام العالمي الجديد".
وكتب بليخانوف عن صدام حسين يقول : " لقد كان رجلا قاسيا ومتسامحا، وغادرا وساذجا، وقويا وضعيفا . ولم يعد هناك وجود لمثل هؤلاء الرجال تقريبا . بينما يزداد أكثر عدد رجال من صنف آخر - من المنافقين " المستقيمين سياسيا " . ولا تصدر بحقهم أحكام الإعدام، وحتى لا تفرض عليهم الغرامة بسبب انتهاك قواعد السير . وعندما سيسود في الأرض نظام ديمقراطية الحزبين والبرلمان ذي المجلسين، فسيجري في الكتب فقط إحياء الأبطال الذين تولوا السلطة بقوة السلاح وحكموا، بالتشاور مع الآلهة، وليس مع كتاب العقود الرسمية المنتخبين لمدة خمسة أعوام . نحن آخر جيل قدر له أن يرى الأبطال الأحياء الذين أصبحوا زعماء، وتطلعوا إلى عيون الخلود ليس من فراش المرض الذي تفوح منه روائح الأدوية بل من منصة المشنقة" .
إن الكاتب لا يبرر بطله : إذ بمرور الزمن " تحول عدم الثقة إلى الريبة، وتحولت الروح الديمقراطية المميزة لصدام في يفاعه إلى غطرسة . ولم يشعر بالأمان على نفسه بسبب الحروب والحصار حتى في قصوره" . لكنه يعتقد بأنه أفردت إلى صدام حسين في أسفار التاريخ في القرن العشرين مكانة اكبر بكثير من بوش وبلير اللذين سلباه السلطة .
ويورد بليخانوف رأي الأكاديمي والمستعرب الروسي المعروف يفجيني بريماكوف الذي قال: " أن صدام حسين لم يتميز أبدا بالمرونة وصفة المناورة والقدرة على التكيف إلى الظروف وتقييم الواقع كما يجب حتى بالرغم من كل النمط البراجماتي لتفكيره . ويبدو حتى انه خلص تدريجيا إلى الاستنتاج بأن الأقدار منحته مكانة خاصة، " وضمنت " له النجاح في معالجة مهام بدت بالنسبة إلى الكثيرين عسيرة المنال" . ويوافق بليخانوف على هذا الرأي فقال " لقد صدق صدام بوجود نجمة السعادة له" .
ويختتم الكتاب حول حياة الدكتاتور العراقي كما يلي : " أن الأعوام الثلاثة التي أمضاها صدام في السجن الأمريكي كانت أعوام النضال في سبيل كرامته نفسه . النضال الذي لم تعبأ به بقية العالم . لكن نزاله الأخير مع القدر والذي سجلته عدسة الفيديو للهاتف الجوال ، قد دفع ملايين الناس إلى إدراك أن الكرامة هي الشيء الوحيد الواجب الاحتفاظ به قبيل الانتقال إلى الخلود" .
عرض وترجمة
ثابت الجنان