View Full Version : الحركة السنوسية في ليبيا للكاتب علي محمد محمد الصلابي ( المقدمة للجزء الأول )
الأسد الخجول
30-09-2007, 01:05 PM
الحركة السنوسية
في ليبيا
الإمام محمد بن علي السنوسي
و
منهجه في التأسيس
(التعليمي والحركي والتربوي والدعوي والسياسي)
- الجزء الأول -
تأليف:
علي محمد محمد الصلابي
الإهداء:
الى العلماء العاملين ، والدعاة المخلصين،
وطلاب العلم المجتهدين،وأبناء الأمة الغيورين
أهدي هذا الكتاب سائلاً المولى عز وجل بأسمائه
الحسنى وصفاته العُلا أن يكون خالصاً لوجهه الكريم ,قال تعالى: ................ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِهِ فَلْيَعمَل عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشرِك بِعِبَادَةِ رَبِه أَحَدَاً.(سورة الكهف، آية 110)
الأسد الخجول
30-09-2007, 01:38 PM
إن الحمدلله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله { ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حَق تقاتِهِ ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون} (سورة آل عمران : آية 102).
{ ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم اعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطعِ الله ورسوله فقد فازاً فوزاً عظيماً} (سورة النساء، الآية1).
أما بعد؛
يارب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت.
هذا الكتاب السابع يتحدث عن الحركة السنوسية في ليبيا وقد سميته (الإمام محمد بن علي السنوسي ومنهجه في التأسيس، التعليمي، الحركي، التربوي، الدعوي).
وقد ذكرت في مقدمة الكتاب الأول من سلسلة (صفحات من التاريخ الاسلامي في الشمال الأفريقي)؛ أن اهتمامي بالتاريخ كانت بدايته خلف أسوار السجن السياسي في ليبيا، وقد اكرمني الله تعالى أن ألتقي في مدرسة يوسف عليه السلام ببعض وجهاء بلادنا في فترة الستينات من ذوي الثقافات المتنوعة، والخبرات المتعددة، والأتجاهات المتباينة، وقد حرصوا على توريث تجاربهم وخبراتهم، وتاريخهم للأجيال القادمة ، وقد استمعت الى بعض أبناء الحركة السنوسية وهم يتحدثون على ماقام به الدعاة والمجاهدون من أبناء الحركة في إعزاز دين الله، ونصرة أهله والدعوة إليه في الصحراء الكبرى، وغرب ووسط أفريقيا، وبلاد الحجاز، ومصر والشمال الأفريقي ، وكان لذلك الحديث أثره في نفسي ومن ثم اهتميت بجمع المعلومات عن كل ما يتعلق بالحركة السنوسية، من أجل الكتابة عنها، ودراستها ، دراسة تحليلية وافية، وكنت شديد الفرح بكل معلومة أحصل عليها من أفواه رجال الحركة، فأكتبها على أوراق الصابون، وأوراق البسكويت، وأوراق حليب الكورنيش بواسطة أقلام الرصاص، والجرافيت التي كنا نستخرجها من بطاريات الشحن الصغيرة؛ لأنه كان من الصعوبة بمكان الحصول على أوراق أو أقلام في المعتقل.
وبعد خروجي من السجن في 3/3/1988م وقد أكرمني الله بوضوح الهدف، والشعور بوجوب الدعوة الى الله تعالى، والإستعداد للتضحية في سبيلها قال الشاعر:
خرجنا من السجن شم الأنوف
كما تخرج الأسد من غابها
نمرّ على شفرات السيوف
ونأت المنية من بابها
وعندما خرجنا من المعتقل، كانت الصحوة الاسلامية قد امتدت في شرايين المجتمع الليبي، لقد غمرتني سعادة كبرى بظهور التيار الاسلامي، وامتلاء المساجد وانتشار الحجاب، وظهور التدين في المناسبات الاجتماعية إلا أنه بعد احتكاكي ببعض أبناء الصحوة، لاحظت أنها عاطفة جياشة ينقصها العلم الشرعي من الكتاب والسنة، كما وأنني لمست أنقطاعاً واضحاً عند هذا الجيل المبارك عن تاريخ أجداده وجهادهم ضد فرنسا في وسط أفريقيا والصحراء الكبرى، وجهادهم العظيم ضد ايطاليا في طول البلاد وعرضها، وجهادهم ضد بريطانيا على الحدود المصرية الليبية، وللأسف الشديد لايتذكرون من فتوحات الصحابة والتابعين لليبيا والشمال الأفريقي إلا ثقافة ضحلة لاتسمن ولاتغني من جوع، لذلك ازدادت قناعتي بأهمية كتابة تاريخ بلادنا ليس من الحركة السنوسية فقط؛ بل ليمتد من الفتح الاسلامي الى العصر الحديث، وبعد خروجي من بلادنا العزيزة لطلب العلم ألتحقت بالجامعة الاسلامية بالمدينة النبوية، وكانت فكرة كتابة التاريخ قد استقرت في ذهني، وشرعت في تنفيذها مستعيناً بالله العليم الحكيم، ومتضرعاً الى التواب الرحيم أن يلهمني الصواب، وييسر لي الأسباب ، وبعد عشر سنين ظهرت تلك الفكرة بفضل الله ومنه وتوفيقه الى حيز الوجود في سلسلة صفحات من التاريخ الاسلامي في الشمال الأفريقي طبع منها ستة كتب، وانتشرت في المكاتب العربية، والمعارض الدولية، ووصلت الى كثير من القراء، فكانت بين مادح وذام ، ومنتقد ومستدرك؛ قال الشاعر:
إن تجد عيباً فسدَّ الخللا
جل من لاعيب فيه وعلا
وقال الشاعر:
من الذي ما ساء قط
ومن له الحسن فقط
وقد وصلتني ملاحظات علمية قيمة أشكر أخواني على حسن نصحهم، وجميل أهدائهم، وتشجيعهم، وأدعو الله العلي الكبير ان يوفقني وأياهم لخدمة دينه وسنة نبيه ، وتاريخ الاسلام المجيد.
وها أنا الآن أقدم للجزء الأول للكتاب السابع وقد أطلع عليه بعض المختصين بعلم التاريخ، وقد قال أحد المؤرخين: إن مايقوم به هذا الباحث الشاب رد عملي على كل من يريد أن يفصل ليبيا عن جذورها الاسلامية الممتدة في أعماق التاريخ، ومن النوادر اللطيفة عندما كنت أكتب في هذا الكتاب طرق باب بيتي مجموعة من الشباب الليبي المهاجر، فأدخلتهم وأكرمتهم وبدأت أحدثهم عن الدرر ، والجواهر، والأمجاد العظيمة التي يزخر بها تاريخ بلادنا المعاصر، فقال أحدهم لي أحدهم لانريدك أن تكتب التاريخ وإنما نريدك أن تصنعه؛ فقلت لهم: أنتم تصنعونه وأنا أكتبه، فضحك الجميع ، وماكانت تلك الكلمة لتثنيني عن هدفي الذي هيمن على نفسي ومشاعري وأحاسيسي، فبذلت له وقتي وجهدي ومالي سائلاً المولى عز وجل أن تكون أعمالي خالصة لوجهه الكريم.
إنني كلما توغلت في دراسة التاريخ ازددت قناعة بأهميته في تكوين الأمم، وتربية الشعوب، وتحقيق الآمال، وبناء الدول، ومحاربة الباطل، وإزالة الظلم، ونشر العدل.
إن هذا الجزء الأول من الكتاب السابع يعرّف القارئ الكريم بالإمام محمد بن علي السنوسي حامل لواء النهضة الحديثة في ليبيا، ومرسي قواعدها، وموقد جذوة الإيمان في قلوب قبائلها.
يتحدث هذا الكتاب عن حياة هذا الإمام الذي بارك الله في علمه وعمله واحيا الله به شعباً حمل لواء الدعوة والجهاد في الصحراء الكبرى، ووسط أفريقيا ولم يتردد في بذل ماله ورجاله من أجل نصرة دين الله تعالى.
ويسلط الأضواء على جوانب متعددة في منهج الحركة السنوسية، ليبين للقارئ الكريم أن شعب ليبيا عندما أكرمه الله تعالى بداعية رباني، استطاع أن يفجر طاقته الكامنة تحول الى مجتمع اسلامي قوي حمل مشاعل النور في قلب أفريقيا المظلمة وبذل الغالي والنفيس في سبيل الاسلام.
ويوضح للقارئ الكريم أن ابن السنوسي يعتبر رائداً من رواد مدرسة الاصلاح الاسلامي في الشمال الأفريقي ووسطها وغربها عمل على نشر الاسلام الصحيح، ومحاربة البدع، والخرافات، والشعوذة بأنواعها وأشكالها، التي لحقت به في عصورها المتأخرة في مشرقه ومغربه على حد سواء.
إن هذا الجهد المتواضع يزيل اللثام عن شخصية علمية دعوية ربانية كان لها أثر ولازال في لييا خصوصاً وافريقيا عموماً ويجيب القارئ على كثير من الأسئلة التي يحتاجها المهتمون بدراسة الدعوات الاصلاحية، والتي يبحث عن إجابتها دعاة الاسلام في لييا خصوصاً.
ماهي رحلات ابن السنوسي العلمية؟ وماهي العلوم التي درسها؟ ومن هم شيوخه؟ وماسر نجاحه؟ وماهي صفاته؟ وكيف تعرف على أحوال المسلمين واخلاقهم؟ وكيف استطاع أن يتصل بالكثير من القادمين من مختلف أنحاء العالم الاسلامي؟ وماهي خطة عمله التي سار عليها؟ وهل استفاد من حركة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، وتجربة محمد علي باشا حاكم مصر؟ وماهو اسلوبه في التعامل مع الدولة العثمانية، وعلمائها؟ وكيف تعامل مع الطرق الصوفية، والقبائل البدوية، والقبائل الوثنية؟ وماهي حقيقة الزوايا السنوسية؟ وهل استطاع ابن السنوسي أن يجعل من قبائل ليبيا قوة اسلامية يحسب لها حسابها الاقليمي، والدولي؟ وهل كانت مفاهيم الحركة السنوسية سلفية؟ وماهي علاقة ابن السنوسي بحركة الجهاد ضد ايطاليا وفرنسا؟ وهل كان من الممكن أن يخرج أبطال الجهاد، من أمثال أحمد الشريف، وعمر المختار وغيرهم لولا الله ثم جهود ذلك المصلح العظيم؟
نعم علامات استفهام كثيرة نحاول الاجابة عليها في الجزء الأول ثم الجزء الثاني بإذن الله تعالى.
هذا وإنني لم آتي بجديد، وإنما وفقني الله تعالى للجمع والترتيب والتحليل، فإن كان خيراً؛ فمن الله وحده، وإن أخطأت السبيل فأنا عنه راجع إن تبين لي ذلك والمجال مفتوح للنقد، والرد والتعليق والتوجيه، كما أقرر بأنني قد استفدت كثيراً في كتابي هذا من الجهود التي سبقتني، ككتاب (السنوسية دين ودولة) لمحمد فؤاد شكري، والحركة السنوسية، للدجاني ، وبرقة العربية أمس اليوم للأشهب، والسنوسي الكبير للأشهب، والفوائد الجليلة في تاريخ العائلة السنوسية لعبدالقادر بن علي، والمجموعة المختارة للإمام ابن السنوسي التي جمعها محمد عبده بن غلبون وإخوانه، وغيرها من الكتب، وقد دونت مااختصرته من مباحث وأشرت إليه في هامش الكتاب للأمانة العلمية، كما أنني انتهجت منهجاً دعوياً ، تاريخياً يعتمد على توسيع النقاط البيضاء المشرقة ، وتضييق النقاظ السوداء المظلمة ، مساهمة مني في علاج الهزيمة النفسية التي يمر بها شعبنا المظلوم ومتضرعاً لله تعالى الحي القيوم أن يحي شعبنا وأمتنا بالإيمان والقرآن الكريم، وسنة سيد الخلق أجمعين.
وقد قمت بتقسيم الجزء الأول من الكتاب السابع في السلسلة التاريخية الى مقدمة ، وثلاثة فصول ، وخاتمة ، وهي كالآتي:
الفصل الأول : الإمام محمد بن علي السنوسي ، ويشتمل على ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: اسمه ونسبه وشيوخه ورحلاته في طلب العلم.
المبحث الثاني: اسباب اختيار ابن السنوسي برقة مركزاً لدعوته.
المبحث الثالث: إقامة ابن السنوسي في الحجاز وعودته الى برقة .
الفصل الثاني: البعد التنظيمي ، والمنهج التربوي، والبعد السياسي عند ابن السنوسي ويشتمل على ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: البعد التنظيمي.المبحث الثاني: المنهج التربوي.
المبحث الثالث: البعد السياسي.
الفصل الثالث: اسلوبه الدعوي، وثروته الفكرية، وصفاته الربانية ويشتمل على ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: الأسلوب الدعوي.
المبحث الثاني: الجانب الفكري عند ابن السنوسي من خلال كتبه .
المبحث الثالث: من أهم صفات ابن السنوسي.
ثم نتائج البحث.
وأخيراً: أرجو من الله تعالى أن يكون عملاً خالصاً لوجهه الكريم وأن يثيبني على كل حرف كتبته ويجعله في ميزان حسناتي وأن يثيب إخواني الذين أعانوني بكافة مايملكون من أجل إتمام هذا الكتاب .
((سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك، وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين)).
الفقير الى عفو ربه ومغفرته
علي محمد محمد الصّلابي
البقية تاتي إن شاء الله ..