PDA

View Full Version : ( تعالوا : نتعلم كيف نتذوق .................. ( 5 )..)


بو عبدالرحمن
19-02-2001, 08:05 PM
-
بسم الله الرحمن الرحيم ..

وهذه طائفة أخرى من الأمثلة .. نواصل ما ذكرناه من أمثلة الدرس السابق :
http://www.qal3ah.com/vb/showthread.php3?threadid=29012

(1) هناك المواضع التي يتناسق فيها التعبير ، مع الحالة المراد تصويرها ، فيساعد على إكمال معالم الصورة ــــــ الحسية أو المعنوية __…. مثال ذلك :
( إن شرَ الدواب عند اللـه الصم البكم الذين لا يعقلون )
كلمة ( الدواب ) تطلق عادة على الحيوان __ وأن كانت تشمل الإنسان ، لأنه يدب على الأرض _ ….. لكن اختيار الكلمة هنا ( الدواب ) ، ثم تجسيم الحالة التي تمنعهم من الانتفاع بالهدى بوصفهم ( الصم البكم ) .. كلاهما يكمل الصورة ويقررها :
صورة الغفلة والحيوانية ، التي يريد أن يرسمها لهؤلاء الذين لا يؤمنون ولا يعقلون ..

ومثلها : ( والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم )
فقد رسم لهم بهذا التشبيه صورة دقيقة عجيبة :
إنهم يأكلون ويتمتعون .. غافلين عن الجزاء الذي ينتظرهم .. كما تأكل الأنعام وتمرح ، غافلة عن شفرة القصاب ، أو غافلة عما سوى الطعام والشراب ….!!


(2) وقد يستقل لفظ واحد _ لا عبارة كاملة _ برسم صورة شاخصة … وهذه خطوة أخرى في تناسق التصوير … خطوة يزيد من قيمتها أن لفظا مفردا هو الذي يرسم الصورة ، تارة بجرسه الذي يلقيه في الأذن ، وتارة بظله الذي يلقيه في الخيال ، وتارة بالجرس والظل جميعاً ..
تسمع الأذن كلمة ( اثاقلتم ) في قوله :
( يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم : انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض . ) فيتصور الخيال ذلك الجسم المُثّاقل ، يرفعه الرافعون في جهد ، فيسقط من أيديهم في ثقل .!.. إن في هذه الكلمة ( طناً ) على الأقل من الأثقال !!
ولو أنك قلت ( تثاقلتم ) لخف الجرس ، ولضاع الأثر المنشود ، ولتوارت الصورة المطلوبة التي رسمها هذا اللفظ المختار ، واستقل برسمها ..

(3) وتقرأ قوله تعالى : ( وإن منكم لمن ليبطئنّ )
فترتسم صورة التبطئة في جرس العبارة كلها .. وفي جرس ( ليبطئنّ ) خاصة .. وإن اللسان ليكاد يتعثر ، وهو يتخبط فيها ، حتى يصل ببطء إلى نهايتها ..!!

(4) وتتلو حكاية قول هود عليه السلام :
( أرأيتم إن كنت على بينةٍ من ربي وآتاني رحمة من عنده فعُميّـت عليكم أنُـلْزِمُـكموها وأنتم لها كارهون ؟ )
فتحس أن كلمة : (أنُـلْزِمُـكموها ) تصور جو الإكراه ، بإدماج كل هذه الضمائر في النطق ، وشد بعضها إلى بعض ، كما يدمج الكارهون مع ما يكرهون ، ويشدون إليه وهم منه نافرون ..!!

وهكذا يبدو لون من التناسق أعلى من البلاغة الظاهرية ، وأرفع من الفصاحة اللفظية اللتين يحسبهما بعض الباحثين في القرآن الكريم أعظم مزايا القرآن !

وكما نقول في أعقاب كل درس :
متى يمكن أن نتعلم من كتاب ربنا سبحانه ، كيف نكتب إذا كتبنا ، وكيف نتحدث إذا نطقنا ؟؟
متى سنحسب للكلمة حسابها ، فنختارها بدقة ، لتأتي في المكان المناسب ، حتى تعطي أثرا أبقى ، ووقعا أقوى … ؟
متى سيستفيد مبدعونا من أسلوب القرآن في تناول القضايا ، وطريقة طرحها ، وأسلوب عرضها ، ليكونوا عامل دفع بالقارئ إلى السماء ، لا عامل من عوامل شد القارئ إلى أوهاق الأرض ..؟؟ متى .. متى .. متى ….؟؟؟

...... وإلى لقاء آخر قريب _ إن شاء الله _
.................أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه ..

بو عبدالرحمن
20-02-2001, 08:49 PM
حين يكون التذكير حول كتاب ربنا جل جلاله
فما أروع هذا التذكير ..
إن خيره مضمون .. وثمرته قريبة ..

وقد قرر علماؤنا أن خير جلسة وأفضلهاوأرقاها وأكثرها أجرا :
جلسة مع كتاب الله تعالى : تلاوة ، وتدبرا ، ومدارسة ...
وهذا ما نحاوله هنا .. وبالله التوفيق ..

مدردش متقاعد
21-02-2001, 06:32 AM
و جزاك الله خيرا أستاذي الفاضل بو عبدالرحمن..

كلمات معبرة بصرتنا فيها بالإعجاز القرآني الرباني الذي ما زادنا إلا قناعة بأنه معجزة ربانية باقية و محفوظة إلى أن يشاء الله..

و بالفعل للمتمعن في القرآن و المتذوق لكلماته سيجد فيها بحرا من الكلمات و الأساليب البديعة التي بالتأكيد ستزيد في أسلوبه قوة و جمالا و سلاسة في نفس الوقت..

أسأل الله أن يثيبك على ما تسطره لنا و أن يبعد عنك كل مكروه و يحفظك من كل سوء..

و لك مني خالص الاحترام و التقدير

بو عبدالرحمن
23-02-2001, 09:21 AM
-
أخي الحبيب / مدردش .... حفظك الله ورعاك

جزاك الله خير الجزاء على هذه المتابعة الواعية ...

أخي القرآن الكريم من جهة الأدب غاية الجمال .. ومن جهة الفضيلة غاية الخير ... ومن جهة الفلسفة غاية الحق الوضح البين ..
لكن مصيبتنا أننا نستقطع أوقاتاً كثيرة لغير القرآن الكريم ، ثم نتساءل في دهشة : لماذا أصابنا ما أصابنا ؟؟؟؟؟

أسأل الله أن يقبل بقلوبنا على كتابه الكريم ، وأن يعلمنا منه ما جهلنا ، وأن يذكرنا منه ما نسينا ..

بارك الله فيك أخي الكريم ..