PDA

View Full Version : * مـنـطـلـقـات طـالـب الـعـلـم *


صدى الحق
19-10-2001, 09:12 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أضع بين أيديكم كتاب الداعية الفاضل الشيخ محمد حسين يعقوب وهو بعنوان * مـنـطـلـقـات طـالـب الـعـلـم * .

والله اسأل أن ينفعنا وإياكم بما يحتويه من فائدة جمة ومعينة على تصحيح المفاهيم لدى الكثيرين من طلاب العلم الشرعي .

وسوف أعرضها عليكم فصلاً فصلا بإذن الله تعالى .

بسم الله الرحمن الرحيم

إنَّ الحمد لله نحمده تعالى ، ونستعين به ونستغفره ، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله تعالى فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .

ـ أما بعد ـ
إخوتاه ..
تجري دموع العين وفي الحشا زفرات حزن تلتطم ، ويكتم المرء وجدا في جوانحه وكيف يُكتم ما ليس ينكتم ، فهل للواجد المكروب من زفراته سكون عزاء أو تأوه ألم ؟ .

فلعمر الله إنَّما نحن في رزء عظيم ، وخطب أمره جلل جسيم ، رزئنا في جبال كانوا على الأرض النجوم في ليل بهيم ، مات ابن باز والألباني وابن عثيمين ، عليهم رحمات ربنا الرحيم ، وتقلب بصرك فلا تجد من يُدعى لخَطب أو يقال : عالمٌ كريم !! فمن ساعتها فتكت بأنفسنا الهموم ، فما في هذه الدنيا مكان يُسَرُّ بأهله الجارُ المقيم ، وسرطان الجهل في الأمة يسري فما تدري أعرضٌ حادث أم داء قديم ، فلك الله يا أمة محمد عليه أفضل صلاة وأزكى تسليم .

فمن لنا غيرك يا ربنا ، لا ملجأ منك إلا إليك فارحمنا .

كانوا بحور العلم فيا لحيرة العطشان في وقت الهجير !!

كانوا على ثغور فيا لذلة المظلوم وهو معدوم النصير !!
كانوا منارات فيا لحيرة الشيخ الأصم وحسرة الحدث الضرير !!

كانوا مزن الرحمة فيا لفجأة المكروه في اليوم العبوس القمطرير !!

اللهم إليك نشكو ضعف قوتنا و قلة حيلتنا و هواننا على النَّاس يا أرحم الراحمين !!

إلى من تكلنا ؟! إلى عدو يتجهمنا أم إلى قريب ملكته أمرنا ؟! إن لم يكن بك سخطٌ علينا فلا نبالي ، غير أن عافيتك أوسع لنا ، نعوذ بنور وجهك الكريم الذي أضاءت له السموات والأرض ، وأشرقت له الظلمات ، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن يحل علينا غضبك ، أو ينزل علينا سخطك ، لك العتبى حتى ترضى ، و لا حول ولا قوة إلا بك .

إخوتاه ..
قال الله تعالى : " إنَّما يخشى الله من عباده العلماء " [ فاطر/28]
وقال تعالى : " يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات " [ المجادلة /11 ]
قال الله تعالى : " قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون " [الزمر/9]
فالعلماء هم أكثر الناس خشية لله تعالى ، فالعلم عبادة القلب إذا ابتغي به وجه الله تعالى ، فتعلمه لله قربة ، ومدراسته ذكر ، والبحث عنه جهاد ، وتعليمه صدقة ، لأنَّه معالم الحلال والحرام ، وبيان سبيل الجنة ، والمؤنس في الوحشة ، والمحدث في الخلوة ، والجليس في الوحدة ، والصاحب في الغربة ، والدليل على السراء ، والمعين على الضراء ، والزين عند الإخلاء ، والسلاح على الأعداء .

وبالعلم يبلغ العبد منازل الأخيار في الدرجات العلى ، ومجالسة الأصفياء في الدنيا ، ومرافقة الأبرار في الآخرة .

وبالعلم توصل الأرحام ، وتفصل الأحكام ، وبه يعرف الحلال والحرام .

وبالعلم يعرف الله ويوحد ، وبالعلم يطاع الله ويعبد .

فخير الدنيا والآخرة مع العلم ، وشر الدنيا والآخرة مع الجهل .

إخوتاه ..
وإذا كان هذا شأن العلم ، فإنَّ القلب ليتفطر كمدًا ويقطر حسرة على عمر الدعوة الذي لم يثمر إلا أعدادًا ضئيلة تنحصر على أصابع اليدين من طلبة العلم المجتهدين ، وليس ثمَّ زمان أحرى من هذا الزمان لنعيد فتح " قضية التعلم " التي باتت من أكثر المزالق التي تزل فيها الأقدام ، فقد غابت " المنهجية " و" كثرت الدعاوى " و" انتشرت الآراء الباطلة " وتلك علامة الساعة ، فشرطها أنْ يزداد الجهل ، ويقل العلم .

ومما زاد الطين بلة أن كثيرا من حملة العلم إلا من رحم الله لم يصونوا العلم وندر العمل به ففقدوا سيما أهل العلم والصلاح وفقدت الأمة الرجل القدوة ، الذي يقود الأمة بعلمه وعمله ، بهديه وسمته وسلوكه ، وأقواله وأفعاله .

قال الفضيل : لو أن أهل العلم أكرموا أنفسهم ، وأعزوا هذا العلم وصانوه ، وأنزلوه حيث أنزله الله إذًا لخضعت لهم رقاب الجبابرة ، وانقاد لهم الناس ، وكانوا لهم تبعًا ، ولكنهم أذلوا أنفسهم ، وبذلوا علمهم لأبناء الدنيا ، فهانوا وذلوا ، فإنَّا لله وإنا إليه راجعون فأعظم بها من مصيبة !!

عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنَّ من أشراط الساعة أن يرفع العلم ، ويثبت الجهل ، ويشرب الخمر ، ويظهر الزنا "[1]

ولقد كثر سواد علماء السوء ، ووسد الأمر إلى غير أهله ، فهان العلم ، وازدادت الفتن ، وتوالت المحن .

قال صلى الله عليه وسلم : " سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ سَنَوَاتٌ خَدَّاعَاتٌ ، يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ ، وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ ، وَيْؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ ، وَيَخُونُ فِيهَا الأَمِينُ ، وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ .

قِيلَ: وَمَا الرَّوَيْبِضَةُ ؟!! قَالَ: الرَّجُلُ التَّافِهُ يَتكلَّم فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ .[2]
قال الثوري : كان يقال العالم الفاجر فتنة لكل مفتون .
إخوتاه ..
وليت البلاء وقف عند حد علماء السوء إذاً لقلنا : لهم الجهابذة يذبون عن شرع الله تعالى ، ولكنَّ البلية بليتان ، فقد عاد أهل الصلاح والإيمان ، من الندرة بمكان ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنَّ الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء ، حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رءوسا جهالا ، فسئلوا فأفتوا بغير علم ، فضلوا وأضلوا "[3] ‌

وفي خلال السنتين الماضيتين فقدت الأمة من خيرة علمائها ما لم تفقده طوال عقود ماضية ، ولم تعدْ تبصر من الأكابر إلا النادر القليل ، وعاد الأمر برمته بأيدي الأصاغر ، وتلك من علامات الساعة .

عن أبي أمية الجمحي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنَّ من أشراط الساعة أن يلتمس العلم عند الأصاغر "[4]

مات الأكابر : سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز ـ رحمه الله ـ وفضيلة العلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني ، ناهيك عن فحول أعلام كفضيلة الشيخ عطية سالم ، وفضيلة الشيخ جاد الحق شيخ الأزهر ، وفضيلة الشيخ سيد سابق ، وفضيلة الشيخ ابن غضون ، وفضيلة الشيخ منَّاع القطان ، وفضيلة الشيخ مصطفى الزرقا ، وفضيلة الشيخ حماد الأنصاري ، وفضيلة الشيخ محمد أمان الجامي ، وفضيلة الشيخ عمر فلاتة ، وفضيلة الشيخ على الطنطاوي وغيرهم .

ولم نلبث كثيرًا حتى رزئت الأمة في العَلم الهمام فضيلة الشيخ ابن عثيمين عليه رحمات الرحمن ، فاليوم تقلب بصرك فلا تجد من يقوم على ثغرات كان يسدها هؤلاء الرجال الجبال ، فموت العالم ثلمة في الإسلام لا يسدها شيء ما اختلف الليل والنهار .

قال أيوب : إني لأخبر بموت الرجل من أهل السنة فكأنِّي أفقد بعض أعضائي. فاللهم إليك المشتكي .

تعلَّم ما الرزية فقد مال *** ولا شاة تموت ولا بعير
ولكن الرزيـة فقد حر *** يموت بفقده بشر كثـير

إخوتاه ..
يوم مات الشيخ الألباني قلت : إنَّ القلق على مستقبل الأمة أعظم من حزننا على موت علمائنا ، فالمصاب الجلل أن تلتفت فلا تجد من يسد الثغرة التي كان عليها هؤلاء الفحول ، وأنْ يصير جل عملنا النواح ونترك العمل الإيجابي الجاد .

ولذلك طرحت يومها " ورقة عمل " من ست نقاط :

أولا : وجود منهج سلفي فعلي متكامل لطلبة العلم ، منهج واقعي ذي مراحل وفق طريقة سلفنا الصالح ، منهج محدد واضح يعرفه كل أحد ، ويتقيد به .

ثانيًا : أن يعكف فريق من الدعاة وطلبة العلم المجتهدين على شرح هذا المنهج على أشرطة وأسطوانات وكتب ، وتباع بسعر التكلفة ، وتتولى رعاية ذلك الجمعيات الرسمية ؛ لبث وتدريس هذا المنهج .

ثالثًا : تجييش الأمة بكل فئاتها وطبقاتها لطلب العلم .

رابعًا : تجريد الإخلاص في طلب العلم .

خامسًا : الشمولية قبل التخصص ؛ كي لا تفرز الأمة أنصاف متعلمين ، ليس لهم من العلم إلا شذرًا من هنا وهناك ، أو متخصصًا لا يدري شيئًا عمَّا لم يتخصص فيه .

سادسًا : عدم التعصب للآراء والمذاهب والمشايخ .[5]

وإذا كان ذلك على وجه الإجمال ، فلعلي في هذه الرسالة ـ أسأل الله أن يكتب الله لها القبول ـ أعيد ما أجملت ثمَّ بمزيد بيان ، والله المستعان .

إخوتاه ..
إنني أحاول من خلال هذه الرسالة أنْ أنبهكم لخطورة " قضية التعلم " فقد بات نوع من الفصام العجيب بين العلم والعمل ، ولم تعدْ تألف وجود العالم العامل ، كما كان الأمر من قبل ، فقد غيبت المفاهيم ، وانطلقت شعارات كـ " العلم للعلم " و" العلم المدني والعلم الشرعي " ونحو ذلك مما يدندن به أعداء هذه الأمة لسلب هويتها ، بمسخ أصولها وقواعدها الركينة ، فالعلم والعمل عندنا وجهان لعملة واحدة ، لا فصام بينهما البتة ، فالعلم عندنا ليس ترفًا معرفيًا ، ولا تطلعًا فلسفيًا ، ولا ينفصل عن عقيدة التوحيد قيد أنملة ، بل العلم وسيلة للقرب من الله تعالى وتحقيق خشيته في القلوب ، ولا علم دون عمل يثمره ، ولا عمل دون علم يبصره.

قال الحسن : رأيت أقواما من أصحاب رسول الله يقولون : " من عمل بغير علم كان ما يفسده أكثر مما يصلحه ، والعامل بغير علم كالسائر على غير طريق ، فاطلبوا العلم طلبا لا يضر بالعبادة ، واطلبوا العبادة طلبا لا يضر بالعلم .

وكان الرجل يطلب العلم فيهم حتى لا يلبث أن يُرى ذلك في تخشعه وزهده ولسانه وبصره [6]

وقال الخطيب البغدادي : لا تأنس بالعمل ما دمت مستوحشا من العلم ، ولا تأنس بالعلم ما كنت مقصرا في العمل ، ولكن اجمع بينهما وإن قل نصيبك منهما.[7]

ـ وبعدُ ـ
فإنَّ العلم الذي هو أول ما يعقد عليه الخنصر في الدين واليقين ، ليفسده اضطراب التلقي ؛ لذلك كانت هذه الوصايا لطالب العلم ، نناقش من خلالها " قضية التعلم " في وقتنا الراهن ، ونوضح السبل القويمة لتحصيله ، وذلك من خلال منطلقات عشرة ، هي بمثابة الركائز والأصول التي ينبني عليها صرح العلم الشامخ ، وأرجو من الله العلي القدير أن تكون منارات على الطريق تهدى الشداة السائرين .

وقد استقيتها من نهج سلفنا الأوائل في التلقي ، وأردت بذلك أن أمدَّ يد العون لطلبة العلم كي يستضيئوا بها في دربهم ، فإنَّ آمال الأمة معقودة على هذا الجيل كي ينتج لنا من العلماء والفقهاء ما يعوضنا خيرًا مما افتقدنا ، فإنَّ قبض العلماء نذير الساعة ، والساعة أدهى وأمر ، والساعة لا تقوم إلا على أراذل النَّاس ، نعوذ بالله أنْ نكون منهم .

أيها المتفقه ..
وهذا ندائي معك منذ اللحظة ، فلتكن كما يُراد منك ، وتعال لنجوب معًا في رياض العلم نقتطف منها ما يبلغك سؤلك وسؤل أمتك .

وأصدقُ ـ لا تواضعاً بل اعترافاً ـ أنني لم يكن لي أدنى فضل في كتابة أي كلمة من كل ما ستقرأه ـ أخي وحبيبي في الله ـ ؛ وإنَّما أنا فقط أقرأ وأكتب ما قرأتُ ، أجمع وأرتب ، بعد أن طفت في بساتين الحكماء ، وحلقت في آفاق العلماء ، وأبحرت في بطون الكتب ، فانتقيت لك زهوراً طالما استرعتْ انتباهي فأخذت بلبي ، واخترت لك زاداً كان لي غذاءً يوماً ، فآثرت وما استأثرت ، فكل عملي قطف الزهور ، وتعبئة الزاد ، والتنسيق بين هذا وذاك ، ثم هو لك معين ، فخذها هنيئاً مريئاً ، ولتحسن نيتك في الأخذ ، عساك أن ينفعك بها ربك فيرفعك مقامًا عليًا .

والله المستعان وعليه التكلان ، هو حسبنا ونعم الوكيل ، لا إله إلا هو نعم المولى ونعم النصير.

--------------------------------------------------------------------------------

[1] متفق عليه ، أخرجه البخاري (80) ك العلم ، باب رفع العلم وظهور الجهل ، ومسلم (2671) ك العلم ، باب رفع العلم وقبضه وظهور الجهل والفتن .

[2] أخرجه ابن ماجه (4036) ك الفتن ، باب شدة الزمان ، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (3261) .

[3] متفق عليه ، أخرجه البخار ي (100) ك العلم ، باب كيف يقبض العلم ، ومسلم (2673) ك العلم ، باب رفع العلم وقبضه وظهور الجهل والفتن .

[4] أخرجه ابن المبارك في الزهد (61) وصححه الألباني في الصحيحة (695)

[5] مجلة التوحيد عدد شعبان 1420هـ بعنوان " مرثية الحيارى "

[6] سير أعلام النبلاء (4/583)

[7] اقتضاء العلم العمل للخطيب البغذادي بتحقيق الشيخ الألباني ص (14) ط المكتب الإسلامي

المصدر :-
http://www.alzad.tv/nuke/html/article.php?sid=8

<html dir = "rtl">
<HR SIZE=3 WIDTH="60%"><EMBED SRC="http://www.alzad.tv/hal.rm" AUTOSTART="true" LOOP="false" WIDTH="280" HEIGHT="20" CONTROLS="StatusBar"><BR>

صدى الحق
22-10-2001, 03:25 PM
اعلم ـ أخي المتفقه وفقني الله وإياك ـ :

أن العلم أشرف ما رغب فيه الراغب ، وأفضل ما طلب وجدَّ فيه الطالب ، وأنفع ما كسبه واقتناه الكاسب .

قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ لكميل : " احفظ ما أقول لك : الناس ثلاثة ، فعالم رباني ، وعالم متعلم على سبيل نجاة ، وهمج رعاع أتباع كل ناعق ، يميلون مع كل ريح ، لم يستضيئوا بنور العلم ، ولم يلجأوا إلى ركن وثيق ، العلم خير من المال ، يحرسك وأنت تحرس المال ، العلم يزكو على العمل ، والمال ينقصه النفقة ، ومحبة العالم دين يدان بها باكتساب الطاعة في حياته ، وجميل الأحدوثة بعد موته وصنيعه ، وصنيعة المال تزول بزوال صاحبه ، مات خزان الأموال وهم أحياء ، والعلماء باقون ما بقي الدهر ، أعيانهم مفقودة ، وأمثالهم في القلوب موجودة " .

فللعلم مقام عظيم في شريعتنا الغراء ، فأهل العلم هم ورثة الأنبياء ، وفضل العالم على العابد كما بين السماء والأرض .

فعن قيس بن كثير قال : قدم رجل من المدينة على أبي الدرداء وهو بدمشق فقال ما أقدمك يا أخي ؟ فقال : حديث بلغني أنك تحدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال : أما جئت لحاجة ؟! قال : لا .
قال : أما قدمت لتجارة ؟! قال : لا .
قال : ما جئت إلا في طلب هذا الحديث .

قال : فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من سلك طريقا يبتغي فيه علما سلك الله به طريقا إلى الجنة ، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضاء لطالب العلم ، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض ، حتى الحيتان في الماء ، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب ، إن العلماء ورثة الأنبياء ، إنَّ الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما ، إنما ورثوا العلم فمن أخذ به أخذ بحظ وافر "[1]

والعلماء هم أمناء الله على خلقه ،‏ وهذا شرف للعلماء عظيم ، ومحل لهم في الدين خطير ؛ لحفظهم الشريعة من تحريف المبطلين ، وتأويل الجاهلين ، والرجوع والتعويل في أمر الدين عليهم ، فقد أوجب الحق سبحانه سؤالهم عند الجهل .

قال تعالى : " فاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ " [النحل/ 43]

وهم أطباء الناس على الحقيقة ، إذ مرض القلوب أكثر من الأبدان ، فالجهل داء ،

وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فإنما شفاء العي السؤال "[2]

ومرضى القلوب لا يعرفون مرضهم ، كما أن من ظهر على وجهه برص ولا مرآة له لا يعرف برصه ما لم يعرفه غيره ، والدنيا دار مرض ؛ فكما أنَّه ليس في بطن الأرض إلا ميت ، فكذلك ليس على ظهرها إلا سقيم ، والأسقام تتفاوت وتتنوع ، والعلم هو ترياقهم فتدبر . قال صلى الله عليه وسلم : " تداووا فإِنَّ اللّه تعالى لم يضع داءً إلا وضع له دواءً غير داءٍ واحدٍ: الهرم"[3]


أيها المتفقه ..

إنَّ القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة تفيض بالحث على طلب العلم وبيان أهميته وخطورته فمن ذلك :

1) قال الله تعالى : " شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائمًا بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم " [ آل عمران / 18]

فأهل العلم هم الثقات العدول الذين استشهد الله بهم على أعظم مشهود ، وهو توحيده جل وعلا ، وهذا هو العلم الحقيقي ، العلم بالله تعالى وأسمائه وصفاته ، وموجب ذلك ومقتضاه من الإيمان برسله وكتبه والإيمان بالغيب حتى كأنه مشاهد محسوس .

فهذه المزية الكبرى للعلم وأهله ، أنَّه يدل على صراط الله المستقيم ، أنَّه الوسيلة العظمى للقرب من الله تعالى ، وموجب لإحاطة محبته بالقلب ، فمتى عرفت الله اجتمع قلبك على محبته وحده جل وعلا ؛ لأنَّ له وحده الأسماء الحسنى والصفات العلا .

فهذا هو العلم وهذه هي ثمرته .

رزقنا الله وإياك الشجرة والثمرة إنه جواد كريم

2) وقد بوَّب الإمام البخارى بابًا فقال: " باب العلم قبل القول والعمل" ؛ لقوله تعالى : " فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك " [ محمد/19 ]

سئل سفيان بن عيينة عن فضل العلم فقال : ألم تسمع قوله حين بدأ به " فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك " [ محمد/19 ] فأمر بالعمل بعد العلم .

فالعلم مقدم على القول والعمل ، فلا عمل دون علم ، وأول ما ينبغي تعلمه " التوحيد " و "علم التربية " أو ما يُسمَّى بعلم " السلوك " فيعرف الله تعالى ويصحح عقيدته ، ويعرف نفسه وكيف يهذبها ، وأنت تلحظ هذا الارتباط بين العلم بالتوحيد " فاعلم أنَّه لا إله إلا الله " وبين التربية والتزكية التي من ثمارها المراقبة ودوام التوبة " واستغفر لذنبك "

3) والعلم نور يبصر به المرء حقائق الأمور ، وليس البصر بصر العين ، ولكن بصر القلوب ، " فإنَّها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور " [الحج/46] ؛ ولذلك جعل الله الناس على قسمين : إمَّا عالم أو أعمى فقال الله

تعالى : " أ فمن يعلم أنَّما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى " [ الرعد/19] .

ولذلك عبَّر الله تعالى بفعل " رأى " دلالة على العلم في قوله تعالى : " ويرى الذين أوتوا العلم الذي أُنزل إليك من ربك هو الحق " [سبأ /6] فلم يقل : " ويعلم " وهذا ـ والله أعلم ـ إشارة إلى العلم وأثره في القلوب ، التي صارت به تبصر وترى الحق ، ولا يلتبس عليها بالباطل .

وهذا واضح في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم " تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودا عُودا ، فَأَيّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ ، وَأَيّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ ، حَتّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ ، عَلَى أَبْيَضَ مِثْل الصّفَا ، فَلاَ تَضُرّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ ، وَالاَخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادا كَالْكُوزِ مُجَخّيا لاَ يَعْرِفُ مَعْرُوفا وَلاَ يُنْكِرُ مُنْكَرا، إِلاّ مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ "[4] .

4) والعلم يورث الخشية

قال الله تعالى : " إنَّما يخشى الله من عباده العلماء " [ فاطر/28]

وقال تعالى : " إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا " [ الإسراء /107-109 ]

5) وقد مدح الله أهل العلم وأثنى عليهم ، فجعل كتابه آيات بينات في صدورهم ، به تنشرح وتفرح وتسعد .

قال الله تعالى : " بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون " [ العنكبوت/49]

6) وقد أمرنا الله تعالى بالاستزادة من العلم وكفى بها من منقبة عظيمة للعلم .

قال الله تعالى : " وقل رب زدني علمًا " [ طه/ 114]

قال القرطبي : فلو كان شيء أشرف من العلم لأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يسأله المزيد منه كما أمر أن يستزيده من العلم.

7) والعلماء هم ورثة الأنبياء ، وهم أهل الذكر ، الذين أمر الناس بسؤالهم عن عدم العلم قال الله تعالى : " فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون " [ النحل/43]

8) وأخبر الله عن رفعة درجة أهل العلم والإيمان خاصة .

قال تعالى : " يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم وإذا قيل انشزوا فانشزوا يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات " [ المجادلة /11 ]

9) والعلم أفضل الجهاد ، إذ من الجهاد جهاد بالحجة والبيان ، وهذا جهاد الأئمة من ورثة الأنبياء ، وهو أعظم منفعة من الجهاد باليد واللسان ، لشدة مؤنته ، وكثرة العدو فيه .

قال تعالى : " ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرًا فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادًا كبيرًا " [ الفرقان / 51-52 ]

يقول ابن القيم : " فهذا جهاد لهم بالقرآن ، وهو أكبر الجهادين ، وهو جهاد المنافقين أيضًا ، فإن المنافقين لم يكونوا يقاتلون المسلمين ، بل كانوا معهم في الظاهر ، وربما كانوا يقاتلون عدوهم معهم ، ومع هذا فقد قال تعالى : " يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم " ومعلوم أنَّ جهاد المنافقين بالحجة والقرآن .

والمقصود أنَّ سبيل الله هي الجهاد وطلب العلم ، ودعوة الخلق به إلى الله "[5]

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من جاء مسجدي هذا لم يأته إلا لخير يتعلمه أو يعلمه فهو في منزلة المجاهد في سبيل الله ، ومن جاءه لغير ذلك فهو بمنزلة الرجل ينظر إلى متاع غيره " [6]. ‌

صدى الحق
22-10-2001, 03:29 PM
10) ولم يجعل الله التحاسد إلا في أمرين : بذل المال ، وبذل العلم ، وهذا لشرف الصنيعين ، وحث النَّاس على التنافس في وجوه الخير .

عن عبد الله بن مسعود قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالا فسلط على هلكته في الحق ، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها "[7]

11) ولا ينقطع عمل العالم بموته ، بخلاف غيره ممن يعيش ويموت ، وكأنَّه من سقط المتاع ، أمَّا أهل العلم الربانيون الذين ينتفع بعلمهم من بعدهم فهؤلاء يضاعف لهم في الجزاء والأجر شريطة الإخلاص .

عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة : إلا من صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له "[8]

12) وكل ما في الدنيا هالك وإلى زوال ، تتنزل عليه اللعنات ، والمرحوم من ذلك صنفان من النَّاس : أهل العلم وطلبته ، والعابدون الذاكرون الله كثيرًا .

عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ألا إن الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالم أو متعلم "[9]

13) وبالعلم يعظم أجر المؤمن ، ويصحح نيته ، فيحسن عمله ، وإذا كان النَّاس لا يشغفون بالمال عن العلم ، فإنَّ فضل العلم على المال أعظم ، وقد فصل لنا الشرع في هذه القضية ، فقد قسَّم رسول الله النَّاس على أصناف أربعة ، جعل الناجين منهم صنفين ، وهما من تلبث بالعلم .

فعن أبي كبشة الأنماري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ثلاثة أقسم عليهن ، وأحدثكم حديثا فاحفظوه .

قال : ما نقص مال عبد من صدقة ، ولا ظلم عبد مظلمة فصبر عليها إلا زاده الله عزا ، ولا فتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر أو كلمة نحوها .

وأحدثكم حديثا فاحفظوه قال : إنما الدنيا لأربعة نفر :

عبد رزقه الله مالا وعلما ، فهو يتقي فيه ربه ، ويصل فيه رحمه ، ويعلم لله فيه حقا فهذا بأفضل المنازل .

وعبد رزقه الله علما ، ولم يرزقه مالا ، فهو صادق النية يقول : لو أن لي مالا لعملت بعمل فلان فهو بنيته فأجرهما سواء .

وعبد رزقه الله مالا ، ولم يرزقه علما ، فهو يخبط في ماله بغير علم ، لا يتقي فيه ربه ، ولا يصل فيه رحمه ، ولا يعلم لله فيه حقا ، فهذا بأخبث المنازل .

وعبد لم يرزقه الله مالا ولا علما ، فهو يقول : لو أن لي مالا لعملت فيه بعمل فلان ، فهو بنيته فوزرهما سواء .[10]

والشاهد هنا أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم جعل العلم الحقيقي هو العلم الذي يبصر المرء بحقائق الأمور ، فصاحب المال إذا لم يتحلَ بالعلم فإنَّه سيسيء التصرف فيه ، فتجده ينفقه على شهوات نفسه ، ولا يعرف شكر هذه النعمة ، ولذلك استحق أن يكون بأخبث المنازل ، والعياذ بالله .

وجعل العالم يعرف قدر المال الحقيقي ، فيم ينفق ؟ فبعلمه نوى نية صالحة فصار بأعلى المنازل ، وإن لم ينفق .

14) ومن رزق فقهًا في الدين فذاك الموفق على الحقيقة ، فالفقه في الدين من أعظم المنن .

عن ابن عباس أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين "[11]

15) والعلم مقدم على العبادة ، فإنَّ فضلا في علم خير من فضل في عبادة ، ومن سار في درب العلم سهل عليه طريق الجنة .

أخرج البيهقي في سننه عن أمنا عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنَّ الله أوحى إليَّ : أنه من سلك مسلكا في طلب العلم سهلت له طريق الجنة ومن سلبت كريمتيه أثبته عليهما الجنة و فضل في علم خير من فضل في عبادة و ملاك الدين الورع "[12] ‌

16) ويكفي صاحب العلم فضلاً أنَّ الله يسخر له كل شيء ليستغفر له ويدعو له

فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " صاحب العلم يستغفر له كل شيء حتى الحوت في البحر "[13]

17) وطلبة العلم هم وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم .

فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " سيأتيكم أقوام يطلبون العلم ، فإذا رأيتموهم فقولوا لهم : مرحبًا بوصية رسول الله وأقنوهم "

قلت للحكم : ما أقنوهم ؟ قال : علموهم .[14]

18) وأهل العلم الذين يبلغون الناس شرع الله تعالى هم أنضر الناس وجوهًا ، وأشرفهم مقامًا ، بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم .

قال صلى الله عليه وسلم : " نضر الله امرأ سمع مقالتي فبلغها ، فرب حامل فقه غير فقيه ، رب حامل فقه إلى ‌من هو أفقه "[15]

19) ومن شرف العلم وفضله أنَّ الله امتن على أنبيائه ورسله بما آتاهم من العلم ، دلالة على عظم المنَّة .

فذكر نعمته على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فقال الله تعالى : " وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيمًا " [ النساء/113 ]

ووصف خليله إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام بأنَّه كان أمة ، أي جامعًا لصفات الكمال من العلم والعمل .

قال تعالى : " إنَّ إبراهيم كان أمة قانتًا لله حنيفًا ولم يك من المشركين شاكرًا لأنعمه " [ النحل/ 120-121 ]

وقال جل وعلا عن نبيه يوسف عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام : " ولما بلغ أشده آتيناه حكمًا وعلمًا وكذلك نجزي المحسنين " [ يوسف / 22 ]

وقال في كليمه موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام: " ولما بلغ أشده واستوى آتيناه حكمًا وعلمًا وكذلك نجزي المحسنين " [ القصص/114 ]

وقال في حق المسيح عيسى بن مريم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام : " يا عيسى بن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس تكلم الناس في المهد وكهلا وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل " [ المائدة / 110 ]

20) قال علي بن أبي طالب : ومن شرف العلم وفضله أنَّ كل من نسب إليه فرح بذلك ، وإنْ لم يكن من أهله ، وكل من دفع عنه ونسب إلى الجهل عزَّ عليه ونال ذلك من نفسه ، وإنْ كان جاهلاً .

فهذا غيض من فيض في هذا الباب ، وأنصحك بمطالعة كتاب " مفتاح دار السعادة " فقد عقد ابن القيم فيه فصلاً ماتعًا عن فضل العلم وشرفه ، ناهيك عمَّا سطره ابن عبد البر في " جامع بيان العلم وفضله " فاغتنمهما .

------------------------------------------------------------

[1] أخرجه الترمذي (2682) ك العلم عن رسول الله ، باب ما جاء في فضل الفقه على العبادة وصححه الألباني في صحيح الترمذي ( 2159)

[2] أخرجه أبو داود (336) ك الطهارة ، باب في المجروح يتيمم ، وابن ماجه (572) في المقدمة ، باب في المجروح تصيبه الجنابة بلفظ " أولم يكن شفاء العي السؤال " وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع (4362) وصحيح أبو داود (325)

[3] أخرجه أبو داود (3855) ك الطب ، باب في الرجل يتداوى ، وابن ماجه (3436) ك الطب ، باب ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء ، وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع (2930)

[4] أخرجه مسلم (144) ك الإيمان ، باب بيان أن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا، وإنه يأرز بين المسجدين.

[5] مفتاح دار السعادة (1/70) .

[6] أخرجه ابن ماجه (227) في المقدمة ، باب فضل العلماء ، والحث على طلب العلم ، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (186)

[7] متفق عليه ، أخرجه البخاري (73) ك العلم ، باب الاغتباط في العلم والحكمة ، ومسلم (816) ك صلاة المسافرين وقصرها ، باب فضل من يقوم بالقرآن ويعلمه .

[8] أخرجه مسلم (1631) ك الوصية ، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته .

[9] أخرجه الترمذي (2322) ك الزهد عن رسول الله ، وقال : حسن غريب ، وصححه الألباني في صحيح الترمذي (1891)

[10] أخرجه الترمذي (2325) ك الزهد عن رسول الله ، باب ما جاء مثل الدنيا مثل أربعة نفر ، وقال : حسن صحيح ، وصححه الألباني في صحيح الترمذي (1894)

[11] أخرجه الترمذي (2645) ك العلم عن رسول الله ، باب إذا أراد الله بعبد خيرًا فقهه في الدين ، وقال : حسن صحيح ، وصححه الألباني في صحيح الترمذي (2133)

[12] أخرجه البيهقي وصححه الألباني في صحيح الجامع (1727)

[13] أخرجه أبو يعلى وصححه الألباني في صحيح الجامع (3753)

[14] أخرجه ابن ماجه (247) في المقدمة ، باب الوصاة بطلبة العلم ، وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه (201)

[15] أخرجه ابن ماجه (230) في المقدمة ، باب من بلغ علمًا ، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (187) .

صدى الحق
27-10-2001, 05:02 PM
أيها المتفقه ..

حين نقول العلم ، فإنما نريد أن تعلم الأمة ، كل الأمة ، جميع الأمة ، صغاراً وكباراً ، رجالاً ونساءً ، حكاماً ومحكومين ، فكل أفراد الأمة على التعيين عليهم

أنْ يعرفوا الله : الله جل وعلا الذي يعبدونه ، الله الذي استسلموا له بالإسلام ، أن يعرفوا الله. من خلال عقيدة صحيحة صافية سليمة نقية واضحة .

وأن يعرفوا رسوله : فيعرفوه معرفة حقيقية ؛ ليتبعوه ، وليحبوه ، وليوالوه ، وليقتدوا ويتأسوا به ، ولا يتركوا شيئاً من سنته وعمله إلا عملوه .

وأن يعرفوا ما تلزم معرفته من أمر الدنيا والدين إذ ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، وللوسائل حكم المقاصد .

قال النبي صلى الله عليه وسلم : " طلب العلم فريضة على كل مسلم" ـ وفي رواية " على كل مؤمن "[1] ، وتأتى هذه الأهمية بعد قضية الإيمان بالله عز وجل ، فأول واجب على كل مسلم الإيمان بالله تعالى ، ويليه العلم ؛ لأنَّك بالتعلم تصحح إيمانك وعقيدتك ، وتصحح عملك ، فالتعلم هو الوسيلة التي يتمكن بها المكلف من تصحيح إيمانه ، ومن تصحيح عمله .

والتعلم له طريقان بحسب طاقة الناس :

1) فمن كان قادراً على تلقى العلم من شيوخه بالجلوس عند ركبهم ، ودراسة العلوم عليهم ، وجب عليه أن يتعلم الحد الواجب من العلوم بهذه الطريقة .

2) ومن لم يكن قادراً على ذلك فليتعلم بطريقة السؤال ؛ يسأل أهل الذكر وأهل العلم عن المسائل الضرورية التي يصحح بها عمله ، ويصحح بها إيمانه..

قال الله تعالى : " فاسألوا أهل الذكر إنْ كنتم لا تعلمون " [ النحل /43 ]

وقال صلى الله عليه وسلم " فإنَّما شفاء العي السؤال " [2]

وقد سلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلا المسلكين ، كلٌ على قدر طاقته ، وعلى قدر إمكاناته ، فالمهاجرون والأنصار الذين كانوا معه في المدينة النبوية المباركة أكثرهم تلقوا العلم من فم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن لم يسمعه من فمه صلى الله عليه وسلم يسمعه عمن سمعه منه صلى الله عليه وسلم ،. وكانوا يتناوبون على سماع العلم منه صلى الله عليه وسلم .

في الصحيحين عن عبد الله بن عباس عن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال : كنت أنا وجار لي من الأنصار في بني أمية بن زيد وهي من عوالي المدينة ، وكنا نتناوب النزول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ينزل يومًا ، وأنزل يومًا ، فإذا نزلت جئته بخبر ذلك اليوم من الوحي وغيره ، وإذا نزل فعل مثل ذلك .."[3]

وكثير من المسلمين في عهده الذين لم يستطيعوا التعلم بهذه الطريقة تلقوه بطريق السؤال ، كانوا يأتون رسول الله صلى الله عليه وسلم من كل حدب وصوب يسألون عن الضروري من أمور دينهم ، فيجيبهم صلى الله عليه وسلم بأوجز وأبلغ عبارة ، فيفهمون المراد ، ويرجعون إلى بلادهم وأقوامهم ، يبادرون إلى العمل .

فهذا رجل من ثقيف يأتي بعد أن امتن الله على قبيلته فدخلت في الإسلام لكن ذلك كان في فترة متأخرة ، فيرغب في الخير الذي حصَّله من سبقه ، فيسأل النبي سؤالاً جامعًا ، ويجيبه النبي بإجابة بليغة وجيزة .

عن سفيان بن عبد الله الثقفي قال : قلت : يا رسول الله قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا بعدك ـ وفي رواية "غيرك " ـ قال : قل آمنت بالله فاستقم "[4]

وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يفرحون بمجيء أحد من الأطراف ، خاصة إذا كان من البادية ؛ لأنهم كانوا يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مسائل كان الصحابة يتهيبون من سؤاله صلى الله عليه وسلم عنها .

ولذلك قال أنس : كنا نهاب أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء ،

وكان يعجبنا أن يأتيه الرجل من أهل البادية فيسأله ، ونحن نستمع .[5]

وذلك بعد أن أنزل الله تعالى قوله : " يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم" [ المائدة/101 ]

بل وحتى النساء كن يحرصن على سؤاله صلى الله عليه وسلم ، وتعلم أمور الدين منه صلى الله عليه وسلم ، فكانت المرأة من الصحابيات إذا استحيت أن تسأله مباشرة ، سألته بواسطة بعض أمهات المؤمنين إذا كان الأمر يتعلق بشيء مما يستحي منه النساء ، وأما في غير ذلك فيسألنه صلى الله عليه وسلم ، ويحرصن على تلقي العلم منه .

في صحيح مسلم عن عائشة أنَّ أسماء ـ رضي الله عنهما ـ سألت النَّبي صلى الله عليه وسلم عن غسل المحيض فقال : تأخذ إحداكن ماءها وسدرتها ، فتطهر فتحسن الطهور ، ثم تصب على رأسها فتدلكه دلكا شديدًا حتى تبلغ شؤون رأسها ، ثم تصب عليها الماء ، ثم تأخذ فرصة ممسكة فتطهر بها فقالت أسماء : وكيف تطهر بها !! فقال : سبحان الله تطهرين بها .

فقالت عائشة : كأنها تخفي ذلك تتَّبعين أثر الدم .

وسألته عن غسل الجنابة فقال : تأخذ ماء فتطهر فتحسن الطهور أو تبلغ الطهور ثم تصب على رأسها فتدلكه حتى تبلغ شؤون رأسها ، ثم تفيض عليها الماء .

فقالت عائشة نعم النساء نساء الأنصار لم يكن يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين .[6]

وانظر إلى حرص النساء على تعلم العلم منه صلى الله عليه وسلم ، جاءته أسماء بنت يزيد بن السكن رضى الله عنها وهو بين أصحابه فقالت : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، أنا وافدة النساء إليك ، واعلم ـ نفسي لك الفداء ـ أنه ما من امرأة كانت في شرق ولا غرب سمعت بمخرجي هذا أو لم تسمع إلا وهي على مثل رأيي ، أنَّ الله بعثك إلى الرجال والنساء كافة ، فآمنا بك وبإلهك ، وإنا معشر النساء محصورات مقصورات قواعد بيوتكم ، ومفضى شهواتكم ، وحاملات أولادكم ، وإنكم معاشر الرجال فضلتم علينا بالجمع ، والجماعات ، وعيادة المرضى ، وشهود الجنائز ، والحج بعد الحج ، وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله ، وإن الرجل منكم إذا خرج حاجًا أو معتمرًا أو مرابطا حفظنا لكم أموالكم ، وغزلنا لكم أثوابكم ، وربينا لكم أولادكم ، أفما نشارككم في هذا الخير يا رسول الله ؟!!

فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه بوجهه كله ثم قال : سمعتم مقالة امرأة قط أحسن من مساءلتها عن أمر دينها من هذه !!

قالوا : يا رسول الله ما ظننا أن امرأة تهتدي إلى مثل هذا . فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إليها ، ثمَّ قال: انصرفي أيتها المرأة ، واعلمي من ورائك من النساء أنَّ حسن تبعل إحداكن لزوجها ، وطلبها مرضاته ، واتباعها موافقته يعدل ذلك كله .

قال : فأدبرت المرأة وهي تهلل وتكبر استبشارا .[7]

فهذه طريقتهم في طلب العلم وحرصهم عليه وحسن سؤالهم عن شئونهم الحقيقية ، وتوصيفهم الصحيح لواقعهم بعد فهمهم الدين ، فلم يكونوا يفترضون الأمثلة ، ولا يطرحون الأمثلة للترف العلمي والفكري ، فتعلموا ونقلوا الدين بأمانة ، فوصلنا الدين من خلال هؤلاء الصحابة العلماء الأجلاء كاملاً مكملاً ، فلا تجد ثغرة في ديننا ولا مسألة إلا وعندك منها علمًا ، فجزى الله رسوله صلى الله عليه وسلم عنَّا وعن أمة الإسلام خير الجزاء ، وجزى صحابته خير الجزاء ، وإنما أعرضوا عمَّا لا ينفع ، وهذا ما علمه لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : لما جاءه رجل يقول : متى الساعة ؟ قال : وماذا أعددت لها .

فأحاله على ما ينفع ، ودله على أن يسأل عمَّا يفيده في دينه ، وينفعه في آخرته ، فأين اليوم أنت ـ أخي طالب العلم ـ من هؤلاء ، وكيف تطلب ؟ وعمَّ تسأل ؟ وفيم تبحث ؟!!!

ـ إخوتاه أحبتي في الله ـ
إنَّ قضية التعلم اليوم ، قد دخلها دخن كثير ، وشابتها شوائب كثيرة ، ما بين خرافات موروثة من التاريخ ، نقلها أهل الزيغ والعناد لا أهل العلم المتخصصون ، وما بين انحرافات صنعتها أصابع معاصرة ، أصابع مشبوهة ، غير مخلصة ، لها أغراض مريبة ، فما بين الخرافات الموروثة من ركام التاريخ ، وما بين انحرافات المعاصرين وقع المتفقهون في تعب وحيرة ، إذ بغيتهم وغايتهم معرفة الله عز وجل ، وعبادته بما شرع على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم . وهذه يجب أن تكون غاية كل مسلم يريد التفقه. ، ولكن الطريق فيه كثير من المكاره والعقبات ، خاصة بعد أن دخلها هذا الدخن في عصرنا الحاضر .

فهناك حاجة ماسة للمتفقهين إلى معرفة معالم الطريق الصحيح للتفقه في دين الله عز وجل. فهاك عشرة منطلقات على طريق التعلم عسى أن تكون ومضات تضئ طريق الطلب ، أو علامات تصحح السير .

--------------------------------------------------------------------------------

[1] أخرجه الطبراني في معجمه الكبير(10/240) ، والصغير (1/16) ، والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (10/375 ، 11/424) وصححه الألباني في صحيح الجامع (3913) .

[2] تقدم تخريجه قريبًا .

[3] متفق عليه ، أخرجه البخاري (89) ك العلم ، باب التناوب في العلم ، ومسلم (1479) ك الطلاق ، باب في الإيلاء واعتزال النساء .

[4] أخرجه مسلم (38) ك الإيمان ، باب جامع أوصاف الإسلام .

[5] أخرجه أبو يعلى في مسنده (6/80) .

[6] أخرجه مسلم (332) ك الحيض ، باب استحباب استعمال المغتسلة من الحيضة فرصة من مسك .

[7] أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (7/363-364 ) ، (29/66) .