PDA

View Full Version : { كذبوا الآن جاء القتال }


مسك
27-10-2001, 08:03 AM
(كذبوا الآن جاء القتال)
عن النواس بن سمعان قال فتح على رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح فأتيته فقلت يا رسول الله سيبت الخيل ووضعوا السلاح فقد وضعت الحرب أوزارها وقالوا لا قتال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذبوا الآن جاء القتال الآن جاء القتال إن الله جل وعلا يزيغ قلوب أقوام يقاتلونهم ويرزقهم الله منهم حتى يأتي أمر الله على ذلك وعقر دار المؤمنين الشام رواه النسائي وابن حبان وغيرهما

كانت تلك الكلمات التي وصفها النبي صلى الله عليه وسلم بالكذب بعد انتصار وغنم وفتح ، وبعد أن بذل الجنود جهدهم واستلوا سيوفهم وحالفهم النصر ورافقهم الفتح ، فاستشفوا من ذلك أن الحرب قد وضعت أوزارها لانكسار شوكة العدو ، فمالوا إلى تسييب الخيل ، وجنحوا إلى وضع السلاح ، لأنها قد أعدت لشيء قد انتهى ، وجهزت لأمر قد انقضى ، وتخيلوا أن لا قتال بعد ذلك ، بعد حصول التمكين وقدوم الفتح المبين ، فلما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم تلك المقولة بادر بإنكارها بأشد الألفاظ ونعتها بأقسى النعوت ، وأوضح لصحابه أن موعد القتال قد حان ، وأن دوره قد أتى ، وأن مجيئه قد حل ، ولما أراد صلى الله عليه وسلم مسح مثل تلك الخيالات عن أذهان أصحابه ، واستئصال بذرتها من عقولهم وتفكيرهم ، ورغب في أن يوطدوا أنفسهم على الاستمرار في القتال ، ويهيئها لمواصلة مشاقه ومتاعبه ، بين لهم أن ثمة أقواما ستزيغ قلوبهم زيغا يستحقون به القتال ، إشارة منه إلى أنه كلما وجد هذا الصنف الذي فاضت قلوبه بالزيغ ، وامتلأت بالضلال فإن القتال مستمر ، وأن دوره – ومنه إزالة أصحاب تلك القلوب الزائغة – لا ينقطع ، وأن الله سيفتح على مقاتليهم فتحا مبينا ، ويرزقهم بسيوفهم رزقا حسنا ، ويجعل عاقبتهم خير عاقبة ، وهو أمر لا ينحصر في حقبة من الحقب ، ولا يتوقف عند عصر من الأعصار ، بل الأمر على هذه الصفة وبتلك الحالة حتى يأتي وعد الله عز وجل

وها نحن نرى اليوم وبعد أن امتلأت الأرض جوراً وظلماً ، وتعالى المارقون وتبجحوا كبرا وبطرا ، واستأسد على أمة الإسلام كل ضعيف مرذول مهين ، ومكنوا خناجرهم في جسدها فراحوا يمزقونه بها أوصالا ، ويتبعونها الطعنة تلو الطعنة ، وسددوا السهام من كل صوب تخترق مقاتلها ، فانتزعوا منها الحكم والسلطان انتزاعا ، ونبذوا أحكامها وشرائعها وآدابها وأصولها وفروعها ، وأقاموا عليها قهرا وقسرا أحكام الجاهلية الجهلاء ، وأرغموها على الخضوع لدساتير شيطانية التقطوا أحكامها ونظمها من كل قبيل ، وفتحوا لدراستها وتأصيلها وتقنينها المعاهد والكليات ، وزرعوا فيها بذور الشرك بأنواعه المختلفة ، وسهروا وكدوا وتعبوا من أجل إخراج أجيال لا تعرف من الإسلام إلا الأسماء ولا تدرك من حقائقه ألفاً ولا ياء ، وولوا وجوههم شطر بلاد الغرب الكافر فحطوا رحالهم عند بابه ، وقد تغلغل في نفوس الجيل ونُشِّأ على الشعور بالتبعية له ، فتهافت النشء على أفكار ومبادئ وتصورات ونظريات الغربيين تهافت الفراش على النيران ، وهو يتلقفها بافتتان وإعجاب ، ويستقبلها بحفاوة واعتزاز وافتخار ، بعد أن أقتنع واستقر في قلبه أن جنس الغربيين الكفرة باعتبار ما أنتج واستخرج وأبدع هو الأفضل والأرقى والأعقل ، وكل هذه المزالق التي ليس بعدها مزالق لم تأت بين عيشة وضحاها ، ولم تحل في ديار المسلمين بطريقة عفوية وطفرة عابرة ، ولم تكن مجرد أمور جزئية أو قضايا فرعية لا يحسب حسابها ولا يستشعر عذابها ، وإنما تولدت وظهرت من جهود أساطين كفر وزندقة وإلحاد ، سهروا على وضع الخطط وبناء القواعد ورسم الخطوات التي يتم بها إبعاد الأمة عن دينها شيئا فشيئا ، والتدرج في إيصال الأجيال إلى الانسلاخ والتنكر لدين الإسلام برعاية تامة ودقة بالغة ، فكان لهم نصيب كبير مما أرادوا ، فصارت شرعة الرحمن بين هذه الشرائع نسيا منسيا ، من دعا إليها قمع ، ومن نابذ عنها نبذ ، ومن بين حقائقها ونافح عن عقائدها ومبادئها نبز ، فهو الرجعي أو الأصولي أو المتطرف أو الجامد أو..أو ، وفي خضم هذا المزيج ظهرت أفكار وتولدت تصورات وانتشرت آراء – وإن كانت تدعو إلى الإسلام وتحث على اتباعه – إلا أنها لم تعر كلية من آثار لوثة تصورات وأفكار وآراء الجاهلية العصرية المقننة و(المتطورة) ، ولم تستطع أن تخرج بنقاء الإسلام وصفائه وجلائه من بين ظلمات ذلك البحر المتلاطم والصخب الهائم من جهالات الجاهلية دون أن يمسها شيء من دنسه ويشوش عليها بضجيجه ، غير أن ذلك التأثر كان متفاوتا من فكرة إلى أخرى ومن مسلك إلى مسلك بحسب قربها أو بعدها من المصادر أو المنابع التي تتولد عنها أفكار الهدم وتيارات محاربة الإسلام المتعددة.

ولسنا في هذه العجالة بصدد بيان تفاصيل كيفية وقوع بعض المسلمين في الشراك أو الفخ الذي نصبه لهم أعداؤهم ، بحيث كادت أن تكون في كثير من الأحيان – ومن غير شعور أو قصد - مآلات دعوات بعض الجماعات أو الأفراد تصب في المغزى أو المقصد الذي رمى إليه رؤوس الخبث والزندقة ممن يريد هدم الإسلام ومحوه من الوجود ، ولكن لو أخذنا جانبا واحداً من جوانب متعددة تمثل انحرافات كبيرة في مسيرة التصورات أو الأعمال الإسلامية ، لرأينا المنزلق الخطير الذي تردت فيه كثير من الدعوات واسترسلت دون أن تشعر بخطورته أو من غير أن تتنبه لفظاعة مباينته لما قرره الإسلام بنصوص صريحة واضحة وما يدعو إليه وبقوة من التمسك بها والدعوة إليها والمنافحة عنها ، حتى انقلب الأمر في أذهان وواقع تلك التجمعات فصارت داعية لما يناقضها ومساندة لما يناهضها ومعاونة لما يقف في طريقها فهما وعملا ومن غير أن تشعر بذلك الخطر والله المستعان.

فالجهاد هو تلك العبادة الربانية التي أمر الله بها في كتابه العزيز بنصوص صريحة جلية ، وتنوعت الأساليب التي بينت حقيقة هذه العبادة ، وأظهرت الغاية أو المقصد منها ، وبينت المخاطر العظيمة المترتبة على تركها أو التهاون في القيام بها ، وحددت من هو المعذور في تركها عذرا شرعيا مقبولا مقنعا ومن يراوغ في البحث عن تعللات واهية يكشف التأمل فيها حقيقة صاحبها وتظهر الدوافع الحقيقية وراء إظهارها وذكرها ، ورغبت فيها ترغيبا ليس بعده ترغيب ، ومثل ذلك ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من أقواله وأفعاله ، مما سنه وشرعه لأمته من بعده في أحداث ووقائع ومواقف لا تحتمل تحريف المحرفين ولا خوض الخائضين ، ولا لي الملتوين ، وسار على ذلك النهج القويم بأمانة وصفاء وإخلاص الصحابة الكرام ، فأقاموا أعلام الجهاد ، وشيدوا مناراته ، وأوضحوا مهايعه ، وحرصوا على خوض غماره ، فما راحوا يبحثون عن الأعذار الواهية ، ولا يتصيدون الأفكار الردية البالية ، ولا ينقبون عن سبل تكون عن سلوكه واقية ، فسار على سيرتهم من خَلَفهم من الأئمة المهتدين ، وتشبث بطريقتهم سادات المؤمنين ، فأصبح بذلك نهج الجهاد وطريقه جليا واضحا لا خفاء فيه ولا غبش عليه ، وغدا بين بقية العبادات الشرعية مميزا بآدابه وأحكامه وصوره وضوابطه .

هذا ورغم صراحة النصوص الواردة في هذه العبادة ترغيبا وتحضيضا وأمرا وإلزاما إلا أنها لم تسلم من معاول الهدم وأقلام التحريف وأفكار التخريب ونظريات التلويث والتشويه التي طالت العبادة والقائمين عليها على حد سواء ، فمع الحالة المتردية المزرية والمهينة التي تتقلب فيها أمتنا منذ زمن طويل ، ومع معرفة الأسباب الحقيقية الجوهرية لهذا الوضع الشاذ ، وهو تسلط شراذم المفسدين على الأمة والحيلولة بينها وبين التنعم بأحكام دينها وشرائعها ، إلا أن كثيرا من الإسلاميين قالوا بلسان حالهم أو قولهم : لقد وضعت الحرب أوزارها ، فعليكم أن تسيبوا الخيل وتكسروا السيوف وتدفنوا الأسلحة وتقبلوا على أبواب (السلام) وقاعات (الحوار) وطاولات (المفاوضات) فإن الزمان زمانه ، والقوم قومه ، فلهؤلاء وغيرهم نقول كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : كذبوا الآن جاء القتال الآن جاء القتال