PDA

View Full Version : مطلوب استنساخ شارون


حماس
18-11-2001, 08:30 PM
لو لم يكن شارون موجوداً لكان على الفلسطينيين أن يتدبروا أمرهم بكل ثمن لاستنساخه أو استئجاره، ذلك أن الإسرائيليين في تاريخهم المستحدث اعتقدوا أن البلاد أصبحت خالصة لهم فلا ينازعهم فيها أحد ولو كان ما يزال يملك "كوشان" الأرض أو البيت الذي رأت فيه أجيال وأجيال النور الذي يعلن بدء الحياة.

ولقد لعبت المناهج الإسرائيلية المدرسية في تعزيز هذا الاعتقاد لعبتها، ولعب ساسة ومخططون ومنظّرون اللعبة ذاتها من خلال كتابات تتحدث عن الفلسطينيين كأمة منقرضة في أحسن الأحوال، وفي الأحوال البائسة تنكر وجودهم إلى حد إلغائهم وطمس تاريخهم وإرثهم وموروثاتهم الشعبية الضاربة في عمق الزمان، حتى أن هناك "عبقرياً" اسمه بنيامين نتنياهو ذهب في كتابه "مكان تحت الشمس" إلى أن الفلسطينيين ليسوا شعباً ولم يكونوا في يوم من الأيام موجودين في فلسطين، ولم يكن لهم أثر فوق هذه الأرض التي كان يسكنها بضعة آلاف من البدو الرحل!

في هذا الجو من الاعتقاد المعمّى والمصنّع خصيصاً ليخدم فكرة الدولة العبرية التي لا يزاحمها أحد، كانت اتفاقات أوسلو، التي سحبت الأمور إلى منطقة مختلفة، ربما كان إسحق رابين محقاً وأكثر إخلاصاً مئات المرات من شارون ونتنياهو و"شاؤول موفاز" ليهوديته وللمشروع الصهيوني الذي أصابه العطب، لأسباب داخلية تتعلق بتركيبة المجتمع التي يصعب خلطها، بمفهوم صهرها، وبتطور المفاهيم وتباين الثقافات والمرجعيات الثقافية في الأساس، فأقدم على أوسلو لتكون محطة لمشروع تعايش إسرائيلي فلسطيني لم يعد من الممكن تفاديه.

كان رئيس الوزراء الأسبق رابين يحاول اجتراح حلول تخفف ما يعتبره الغلاة من الإسرائيليين كارثة وضرراً، فلم يعد من الممكن إلغاء الشعب الفلسطيني، ومقولة أرض بلا شعب لشعب بلا أرض قد سقطت إلى الأبد، أسقطها الواقع، بما أن الفلسطينيين أعلى عدداً في الداخل والخارج من الإسرائيليين، والمتغيرات في عالمنا ألقت بظلالها بقوة، حتى أن أية قضية ساخنة أو حتى شبه ساخنة أصبحت تحت العدسة، ومحور اهتمام لا تستطيع القوى كبرى كانت أو صغيرة تجاهله أو تفاديه.

لو لم يكن شارون موجوداً لأوجدناه لأننا كنا بحاجة إلى من يفضح الوجه الصريح للاحتلال في ثوبه الإسرائيلي الجديد. كنا بحاجة إلى كل هذا القتل الواضح والاغتيال والانتهاك وتدمير الشجر والبيئة وكأن دبابات هولاكو مرت من هنا، لكي يظهر كم كان قهرنا وقتلنا والاعتداء على تاريخنا كل تاريخنا.

وأدى شارون الدور على أكمل وجه، ولقد أُعِدّ له المسرح على نحو عجائبي. تدخّل القدر، جمّع كل خيوطه وقدرته على المناورة والمؤامرة، ليحيط المسرح بكل ما يتطلبه المناخ الأمثل، الذي يجعل المسرحية غنية وثرية، فكان الزلزال الأمريكي، وكانت قبل الزلزال حكومة باراك الذي جاء بوجه طفل، أتاح للعالم أن يتفاءل أو يتنفس الصعداء، وغادر بوجه شيطان. أراد فعل كل ما يفعله شارون الآن، ولكن بوجهه هو وجه اللاعب المناور المداور الكتوم، الذي يوحي بأنه يفعل الكثير، في حين أنه لا يفعل شيئاً.

هذا الرجل شارون سفاح محترم، لأنه يضع النقاط فوق الحروف والصورة في مكانها. إنه يضع الدبابات في شوارع المدن والقرى، تخرب ما بنته السلطة الوطنية الفلسطينية بعرق عمالنا وبأموال المانحين. ويضع الجندي الإسرائيلي المدجج بالسلاح والذي لا يغادر دبابته التي تحميه من المفاجآت، في مواجهة الأطفال والنساء. لا يستطيع الجندي النزول من الدبابة، ولكنه يستطيع منع التجول والتجويع ويستطيع فوق ذلك القتل. هل هناك أكثر من شارون احتراماً!!

إنه يتجول بصورة إسرائيل كما هي وليست كما يحاول أن يصورها الذين هرعوا إلى الولايات المتحدة وعلى رأسهم شيمون بيريس وروني ميلو وغيرهما من عباقرة الدعاية، ليسوقوا الرجل الذي لا يحتاج إلى تسويق!!

لقد كنا بحاجة إلى فرز ما ينتظرنا، فنحن الطرف الأضعف والأقوى معاً، الأضعف بما لا يقاس في ميزان القوة، والأقوى بما لا يقاس، كذلك، في موازين الاستحقاق. كنا نريد أن نفهم نحن المقبِلون على السلام المعتقدون به خياراً لا رجعة فيه، ماذا ينتظرنا وشعبنا ما زال تحت الاحتلال، وما تحرر من الأرض لا يبني دولة ولا يشكل أفقاً. ولقد كانوا يراوغوننا، في كل لحظة وكل مشوار تفاوضي، هل كانوا ينطلقون من اعتقادهم الذي ملأهم بأن يظهرونا دائماً رافضين، لقد كانت مقولة بن غوريون بالغة التعبير: خذوهم إلى كل مكان ولا تعطوهم شيئاً.

الآن هم الرافضون، شارون يرفض كل شيء وهو واضح تماماً، فقد أعلن السقف الذي يصل إليه في الانسحاب، وفوق كل ذلك يطلق للقوة العسكرية الإرهابية القاهرة العنان. غير أن هذا ليس هو كل شيء وإنما هناك العلاقة مع الولايات المتحدة التي فجرها في لحظة مثالية للانفجار، في أعقاب الصاعقة التي ضربت الفيل وأثخنته بالجراح.

لم يفهم شارون اللحظة التاريخية ومن حقه أن لا يفهم، وربما من الأفضل ألا يفهم بعض الناس، بخاصة أولئك الذين يساقون قَدَراً وقسراً، لتنفيذ أخطاء جسيمة في استراتيجية الدول. فلقد تصور أنه تهيأت الفرصة لحرب إبادة على الإسلام، بدليل انه الأول الذي أبدا استعداده لمساعدة الولايات المتحدة في حربها على الإرهاب بمفهوم الإسلام، وليس بالمفهوم الذي يستحقه وضمن حدوده.

أغلب الظن أن حماس شارون كان ينطلق من دافعين: الأول محاولة تغطية إرهاب الدولة الإسرائيلي الرسمي، والثاني كراهيته وحقده على الإسلام والمسلمين.

ثم .. لم يلتقط شارون فرصة السلام التاريخي النادر التي قد لا تتكرر أو تعوض فاتجه إلى تصعيد هائل وعنيف، وسّع الهوة وأشاع الكراهية والأحقاد، إلى درجة أن الخروج من الحالة لم يعد ممكناً، سوى بتطبيق دقيق للشرعية الدولية وإلا فلن يكون هناك خروج! وهذا بحد ذاته مكسب للشعب الفلسطيني على الرغم من الكارثة والخسائر الفادحة والشهداء والجرحى والمعاقين.

لقد فاق شارون كل قادة إسرائيل السابقين، فأولئك وضعوا أقنعة فوق أقنعة على وجوههم ومارسوا الخداع، وها هو شارون يأتي مثلما أراد أن يأتي دائماً سافراً واضحاً ومباشراً، وفوق ذلك موتراً فذاً للعلاقة مع الولايات المتحدة، رافضاً دعوتها وزيارتها!

ألم نقل لو لم يكن شارون موجوداً لكان من مصلحتنا أن نستنسخه أو نستأجره