PDA

View Full Version : هل غير الفكر السياسي الإسلامي خطابة وابتعد عن التكفير ؟


وميض
23-01-2002, 02:29 PM
هل غير الفكر السياسي الإسلامي خطابة وابتعد عن التكفير ؟ (1)
____________________________________

سؤال طرحه أحد مطايا إبليس ويردده اليهود والصهاينة ومطاياهم من ( العلمانيين ) ، وأنا في الحقيقة لم أذكر الإجابة للشخص السائل ، نظراً لعدم إيمان مثل هؤلاء بالوحي الإلهي الذي أتانا بالخبر الصادق عن طريق خاتم الأنبياء والرسل سيدنا محمد –صلى الله عليه وسلم - ، ومن لا يؤمن إيماناً يقينياً بصدق الوحي وصدق خبره - الكتاب والسنة - لن يستطيع فهم واستيعاب آليات الحركة أو العمل ونتيجتها أو مآلاها .

جاء في الحديث النبوي:"عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ"(رواه مسلم).

إن قضية التكفير وحقيقته ، قضية مشوهة في أذهان معظم الناس ، شرحت حقيقتها في بعض مقالاتي السابقة ، فالقضية ليست بأيدينا ، نكفر ناس ونبارك إيمان آخرين ، فهناك آلية روحية تعمل وتتحرك بحسب عمل صاحبها وبحسب حركته ، وأنا أعتقد بأن كل المسلمين اللذين يعيشون بحالة ثورية أو تنويرية أو بعض التقليديين لم يستوعبوها بالشكل الصحيح ، فلا يكفي المسلم أن يشهد الشهادتين ويقيم الشعائر فقط ويعيش بعاطفة دينية ثورية أو تنويرية لينجو من الوقوع فيها .

وخلاصة القول ، إن هناك آلية روحية موجودة لا تستثني أحد ما تجاهل أو استخف أو تهاون في تطبيق منهج الله ، وهي تتحرك بحسب حركته وعمله ، فإذا كانت حركة صحيحة توافق الشرع فستكون النتائج طيبة يستشعر بها الفرد أو المجتمع والعكس صحيح ، ونتيجتها حتمية وتظهر على أحوال الفرد أو المجتمع ، سالباً كان أو موجباً ، وهي تتمثل سلباً - بالنسبة للفرد المتمرد على الله - بانقطاع وحجب نور الله عن القلب نهائياً ،( وهذا النور بطبيعته يسطع على جميع الحواس بما فيها العقل ) ، فيصاب الإنسان بحالة الانشقاق الفكري ، وهي تعني انفكاك التكامل بين الوحي الصحيح –الكتاب والسنة - من ناحية والعقل الصحيح والحواس السليمة من ناحية أخرى ( وهذا وصف علمي ذكره الدكتور ماجد عرسان الكيلاني ) فيعيش الإنسان بوهم كبير ، وحجب نور الله عن القلب يؤدي كذلك إلى الخواء الروحي وتبلد الحس والمشاعر وسيسير الفرد إلى الانحدار دون وعي بعد ما يدخل في غفوة وغيبوبة وسكرة فكرية تامة قريبه الشبه بالتنويم المغناطيسي ولكنها أشد ، ويصبح حاله حال أهل الكهف باختلاف طبيعة النوم ، وهذا وصف وتشخيص للحالة ، قال تعالى (أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من ءاياتنا عجبا(9)(الكهف).

وبالنسبة للمجتمع سيضطرب النظام العام وسيختل توازنه وستعم الفوضى وسينتشر الفساد و سيتنامى وسيسير المجتمع إلى الانحدار وسيعود إلى حياة الغاب والكهوف والبدائية ، وستسود شريعة الغاب (القوي يأكل ويقتل الضعيف ظلماً وعدواناً )(والأبيض يصادر حقوق الأسود ) ( والحزبي يقدم على الإنسان الذي لا ينتمي لحزب) (والشمال يحرم الجنوب من حقوقه ) وهكذا.

" حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ لَهَرْجًا قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْهَرْجُ قَالَ الْقَتْلُ فَقَالَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَقْتُلُ الانَ فِي الْعَامِ الْوَاحِدِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ كَذَا وَكَذَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ بِقَتْلِ الْمُشْرِكِينَ وَلَكِنْ يَقْتُلُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا حَتَّى يَقْتُلَ الرَّجُلُ جَارَهُ وَابْنَ عَمِّهِ وَذَا قَرَابَتِهِ فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَعَنَا عُقُولُنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – (( لا تُنْزَعُ عُقُولُ أَكْثَرِ ذَلِكَ الزَّمَانِ وَيَخْلُفُ لَهُ هَبَاءٌ مِنْ النَّاسِ لاعُقُولَ لَهُمْ )) ثُمَّ قَالَ الأَشْعَرِيُّ وَايْمُ اللَّهِ إِنِّي لأَظُنُّهَا مُدْرِكَتِي وَإِيَّاكُمْ وَايْمُ اللَّهِ مَا لِي وَلَكُمْ مِنْهَا مَخْرَجٌ إِنْ أَدْرَكَتْنَا فِيمَا عَهِدَ إِلَيْنَا نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلاَّ أَنْ نَخْرُجَ كَمَا دَخَلْنَا فِيهَا " (ابن ماجة ).

( لا تُنْزَعُ عُقُولُ أَكْثَرِ ذَلِكَ الزَّمَانِ وَيَخْلُفُ لَهُ هَبَاءٌ مِنْ النَّاسِ لاعُقُولَ لَهُمْ )

فالنتيجة التي نشاهدها أمامنا أتت بسبب تحييد الدين والشريعة الربانية عن الحياة وحصرها في جانب واحد ، وهو الجانب والمظهر التعبدي أو الشعائري وإبعادها عن المظهر الاجتماعي العام (التربوي والتعليمي والإعلامي والإقتصادي والسياسي) ، ومن المعلوم بأن مقاصد الشريعة هي المحافظة على ( الدين والعقل والعرض - أو النسل - والنفس والمال ) ، فبذهاب الإيمان واليقين عن القلب سيذهب كل شيء وأولهم العقل ، وبذهاب العقل سيذهب ورائه كل شيىء فسيهلك الحرث والنسل وسيسترخص العرض وسيبدد المال وسيسلب من أيدي الناس .

يتبع

وميض
23-01-2002, 02:34 PM
هل غير الفكر السياسي الإسلامي خطابة وابتعد عن التكفير ؟.(2)
____________________________________

لا تكفرونــا!.
_______

عبارة لا تكفرونا تصدر من المسلمين (العلمانيين) غالباً ، فهي عبارة بحاجة لمزيد من التوضيح .

فالتَّكفِير باللغة هو الحجب والتغطية والإخفاء ، فإذا كنت يا حاكم أو يا وزير أو يا مسئول أو يا إنسان تتجاهل ( الحقيقة والحق ) وتتعامى عنهم وتغطيهم عن النفس من أجل هوى متبع وتسوق المبررات من أجل ذلك ، أو تغطيهم عن الغير من أجل خداعهم أو من أجل الانتصار للباطل ، أو تمارس الكذب والنهب والسرقة والنفاق والدجل والتدليس والتغطية والحجب للحقائق وتتبع أسلوب ومنهج السياسة الغربية البدائية مثل ( الميكافيلية - الغاية تبرر الوسيلة -، أو البرجماتية – النفعية - ) ، أو حاولت التحايل على منهج الله أو كنت مستخفاً بربك ومنهجه أو تهاونت بتطبيق منهجه وتجاهلته ، فقلبك سيحجب وسَيُكَفَر وسيغطى بقدرة الله القدير الذي لا يعجزه شيء ، وسيزيد عتمة وقسوة بحسب ما تقوم به من أعمال حرمها الله ، وسيردك الله على عقبيك ، وستصاب بحالة الانشقاق الفكري والخواء الروحي وستسير إلى الانحدار ، فالإنسان بإرادته يقوم بذلك ، فالتكفير والتغطية والحجب للحق يقابله تغطية وحجب وإعتام للقلب وسحب أهم خواص العقل والأذن والعين ، أي ستتأثر وستضطرب المدركات الحسية بشكل عام ، وهذا يحدث للأفراد بنسب متفاوتة ، فالإيمان يزيد وينقص و ينعدم ، وكذلك نور الإيمان في القلب يزيد وينقص و ينعدم بحسب حركة وعمل الإنسان المسلم .

جاء في الحديث النبوي:" عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ ، قَالَ - رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَتَكُونُ فِتَنٌ يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيهَا مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا إِلاَّ مَنْ أَحْيَاهُ اللَّهُ بِالْعِلْمِ " (ابن ماجة).

(لقد عرف اللغويون الفتنة تعريفات متعددة خلاصتها هي الامتحان والاختبار المُذْهِب للعقل أو المال أو المُضِل عن الحق ).

فلذلك نحن نتعهد لكم بأننا ( لن نكفركم ) ولن نغطيك ولن نحجبكم ولن نخفيكم ، فهذا من أعمال الكفار والمنافقين والعياذ بالله ، وهو من أعمال المطبلين والمزمرين والناعقين في الظلام ، بل سنظهركم وسنسلط النور عليكم و سنرفع ( الكفرات ) والأغطية وسنكشف للناس الحقيقة الغائبة ، وذلك من أجل تأمينهم فكرياً ، حتى يسير الناس على نور وببصيرة ، ليفقهوا حقائق الأشياء والآليات والبرامج والمناهج والنظم الفاسدة المستحدثة وحقيقة الحركة العامة ، وإذا قمنا بتكفيركم وتغطيتكم وحجبكم وإخفاء الحقيقة عن الناس ستعتم قلوبنا وسينطفئ نورها كما أعتمت قلوب غيرنا ، فالطاقة الروحية التي تمد قلب المؤمن بالنور ستضعف بمجرد تراخيه عن الطواف (الفكري والروحي والنفسي ) حول محور التوحيد (لا إله إلا الله محمد رسول الله ) ، والعمل بمقتضاها هو الطواف ، وإذا توقف الإنسان عن هذا الطواف أو انقطع عن العمل بمقتضى كلمة التوحيد ستنقطع الطاقة الروحية عن قلبه نهائياً ليصبح أعمى ومن الأحياء الأموات .

قال تعالى –( ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى(124))(طه).
والذكر في الآية يعني ، تأمل وتدبر وتفكر وقول وعمل .

و مصدر الخطر على الجنس البشري ورقيه حسب تصورنا كمسلمين يكمن في "القيم" التي تُكَفِّر– أي تّحجِب وتُخفي وتُغطي– قوانين الخلق في((النشأة والحياة والمصير)) ، وتقتصر على نوازع التمتع بالحياة وشهواتها ، فقيم الكفر والنفاق تغطي وتحجب القلب عن النور والفيض الإلهي ، كما تحجب الأرض نور الشمس عن القمر في حالة الخسوف ، وكما يحجب القمر نور الشمس عن الأرض في حالة الكسوف ( وما ذكرنا من مثال سابق تعتبر وسيلة إيضاح كونية تقرب للإفهام آلية ونتائج الحركة لقيم الكفر والنفاق) ، ومن هذا الكفر تتشوه جميع أشكال الاعتقاد والشعور والممارسات في ميادين السلوك والاجتماع والعلاقات ، وسيكون هذا التشوه الفكري العام بسبب انفصال العقل والمدركات الحسية عن نور الله الذي امتنع عن الدخول في تلك القلوب المملوءة بالقيم والمفاهيم الفاسدة والآفات والأمراض والتي أدخلتها وسربتها إلى القلوب تلك الآليات والمناهج والنظم الغربية والمعمول بها في كل الدول بما فيها الدول الإسلامية ، لذلك يجب على المؤمنين والمؤمنات العمل على ( تأمين الناس فكرياً ) حتى يصلوا للمعرفة الحقيقية لطبيعة قيم (الكفر والنفاق ) والمفاهيم الفاسدة- التي يروج لها اليهود والغرب ومطاياهم - ومعرفة مدى تأثيرها على القلوب و على المدركات الحسية بشكل عام ، فالقيم والمفاهيم الفاسدة تؤثر على المدركات الحسية كما يؤثر الخمر على العقل فهي تحد من فاعليتها وتعمي وتحجب وتغطي الأفئدة .(... وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد(2)) (الحج).

يتبع

وميض
23-01-2002, 02:38 PM
هل غير الفكر السياسي الإسلامي خطابة وابتعد عن التكفير ؟ (3)
____________________________________

برزخ العقـل.
________

وبعد التأمل والدراسة والبحث وجدت أن هناك مجال ومنطقة عقلية أسميتها منطقة ( برزخ العقل ) فليس بعد العقل إلا اللاعقل ، وهي المنطقة التي يعيش بها- فكرياً - معظم الناس بما فيهم الكثير من المسلمين ، وقلة منهم لا يعيشون بها ، وهو وصف دقيق يزيل اللبس من أذهان بعض المؤمنين الذين وقعوا في الحيرة بسبب الفتاوى الخاطئة المضللة لبعض العلماء والمشايخ اللذين لا يعلمون بأنهم لا يعلمون مثل التنويريين والثوريين وبعض أتباع المدارس التقليدية –لأهل السنة والجماعة - من الذين تراخوا عن فكرة التوحيد ، وهي تسمية ووصف لن يقبل به معظم الناس في الوقت الحاضر ، وستجعلهم في حالة ((ثورية)) ، وقلة منهم سيتأمل بالأمر ويتفكر بالمسألة ويراجع نفسه ويتدارسها ، وبعضهم سيتجاهلها وسيتعامى عنها كأنه لم يسمع شيئاً ، مثل (العلمانيين )، والله سبحانه وتعالى قسم العقول والأحلام ، ولكنني أعتقد ، سيعيها معظم الناس بعد فترة وجيزة إذا شاء الله لهم ذلك ، فناصية الخلق ً وقلوبهم بيده جل شأنه ، فرأس مال الإنسان عقله ، فهل يقبل إنسان أن تقول له إنك بلا عقل بسبب ذهاب دينك و انحراف عقيدتك ومعتقدك وتشوه تصورك الإسلامي؟! ، فتلك مصيبة وحقيقة مؤلمة وكارثة مروعة.

وهذا لا يعني بأن من لم يصل إلى هذه المعرفة يعيش نفس الحالة سواء من العوام أو المشايخ والعلماء ، بل قد يكون يبحث عن تعريف ووصف دقيق للحالة العامة للناس والتي يشاهدها أمامه ، وهي حالة يعيشها معظم الناس بما فيهم المسلمين مثل الفنانين والفنانات والمثقفين والمثقفات من العلمانيين والمتأمل في حالهم وأحوالهم يستطيع الوصول إلى حقيقة أوضاعهم الروحية والعقلية ، فهم يشكلون صورة بارزة تجسد الحالة العامة للجنس البشري الذي انحدر إلى البدائية وعاد إلى حياة الغاب والكهوف ، ولكن بأزياء وبمراكب وبآلات حديثة وبصورة براقة خادعة مملوءة بالزيف والزينة والبهرجة ، ويأتي بعد ذلك معظم العوام و يليهم بعض العلماء والمشايخ ، فالقضية معقدة جداً ولا يوجد لها مقياس يحددها 100% ولكننا نطرحها ونصفها بشكل عام ، وكل شخص يعرف مقياس نفسه ولو بالتقريب إذا رجع إلى كتاب الله وسنة نبيه – صلى الله عليه وسلم – وتدبر الأمر ، وكذلك سيعرف حقيقة المتمردين على الله جل شأنه والمتجاهلين لمنهجه القويم وعلى رأسهم (العلمانيين والليبراليين) ، وذلك بشكل عام.

يتبع

وميض
23-01-2002, 02:47 PM
هل غير الفكر السياسي الإسلامي خطابة وابتعد عن التكفير ؟.( 4)
_________________________________________

ما الحل وما العمل ؟
______________

(وإن للذين ظلموا عذابا دون ذلك ولكن أكثرهم لا يعلمون(47))(الطور).

ومن يستوعب تلك الحالة ويعيها جيداً يشعر بأن الناس تعيش مأساة وكارثة ، لا يستحقون عليها القتل ، فيكيفهم ما بهم من عقوبة إلهية ، فمعظم الناس تعيش بوعي وإدراك خادع وبوهم كبير ، والخيار الذي سيختاره المشاهد لتلك الحقيقة هو خيار العلاج وإصلاح حال المعاق عقلياً ومحاولة دفعه من منطقة ومجال اللا عقل إلى منطقة ومجال العقل ، أي محاولة نقله وإخراجه من الظلام إلى النور ، لا القتل ، والعلاج أعني به هو بذل الجهد الفكري في شرح الحالة العامة للمصاب ومحاولة إخراجها بصورة فكرية قدر المستطاع ، ومن ثم إرشاده إلى كيفية الخروج من تلك الحالة ، وفي الوقت الراهن يستحسن ذلك عن بعد تجنباً للصدام والضجيج والعويل ، فبعض الناس سيكون حالهم أشبه بالمجانين المصابين بحالة هستيرية بسبب سوء حالهم وأحوالهم العقلية والروحية ، فنحن في زمن الإعجاب بالرأي وإتباع الهوى وكثافة الفتن وتقاطرها وكثرة الشبهات والإفتتان بالعقل وبمخرجاته ، فليس من السهولة نسف وتدمير البنى الفكرية الخربة التي تم بنائها في الأذهان و اقتلاع كل المسلمات الفكرية الخاطئة التي تجذرت في العقول المغتربة عن دينها وربها ، كما ليس من السهولة سحب و استلال الفتن والشبهات التي تشربتها الأفئدة ، خاصة لمن عرف عنهم بالحكمة والفطنة والفصاحة والنبوغ وسداد الرأي مثل بعض حملة شهادة الدكتوراه وخاصة من العلمانيين والليبراليين من المثقفين والمثقفات والكتاب والكاتبات والصحفيين والصحفيات...الخ ، أو كما يوصفون بالنخبة أو الصفوة ، وهم في حقيقتهم نخبة الضالين والمفتونين وصفوة المتخلفين عن الحقيقة ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . قال تعالى(وإن للذين ظلموا عذابا دون ذلك ولكن أكثرهم لا يعلمون(47))(الطور).

" عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ الشَّعْبَانِيِّ قَالَ أَتَيْتُ أَبَا ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيَّ قَالَ قُلْتُ كَيْفَ تَصْنَعُ فِي هَذِهِ الأيَةِ قَالَ أَيَّةُ آيَةٍ قُلْتُ ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ )) قَالَ سَأَلْتَ عَنْهَا خَبِيرًا سَأَلْتُ عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ بَلْ ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنَاهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ ((شُحًّا مُطَاعًا وَهَوًى مُتَّبَعًا وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ وَرَأَيْتَ أَمْرًا لاَ يَدَانِ لَكَ بِهِ )) فَعَلَيْكَ خُوَيْصَةَ نَفْسِكَ فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامَ الصَّبْرِ ، الصَّبْرُ فِيهِنَّ عَلَى مِثْلِ قَبْضٍ عَلَى الْجَمْرِ لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلاً يَعْمَلُونَ بِمِثْـلِ عَمَلِهِ " ( ابن ماجة ) .

ومجالس العلم لها جوها الخاص بين العلماء والدارسين فهي مجالس تحفها السكينة والرحمة ، فمن الممكن محاولة تصوير العملية بواسطة وسيلة إيضاح توضح للباحث آلية الحركة الروحية وطبيعتها وحقيقتها ونتائجها وحقيقة حالة وأحواله أو حال وأحوال الناس الروحية والعقلية ، وهذا إذا كان هناك اتصال مباشر ورغبة بالمعرفة للوقوف على الحقيقة الغائبة ، وهو بلا شك سيلاحظ ذلك على نفسه وعلى حاله وأحواله وسيشعر بها إذا كان من المسلمين المؤمنين بقدرة الله جل شأنه ، أو من غير المسلمين من الباحثين عن الحقيقة الغائبة ، وسيلاحظها أيضا على غيره من الناس وعلى الأجواء والأحوال العامة.

والعلاج هو نفس الخيار الذي سيختاره عاقل هذا الزمان تجاه المجنون ، فمن يعيش تحت وطأة العقوبة الإلهية التي ذكرناها لا يقتله أو يفكر بقتله إلا جاهل بالدين يهيم على وجهه في أدنى درجات برزخ العقل وتسوقه الشياطين على الناس بأسم الدين ، مثل المدعو( أبو حمزة المصري ) ، فهو يعيش بعاطفة دينية جياشة وبحالة ثورية ، وأعداء الإسلام يقدمونه كنموذج لمسلم أصولي وهو لا يعلم من الدين إلا رسمه ، وهو مثل التنويريين الذين لا يميلون إلى العنف والقتل ، فهم كذلك لا يعلمون من الدين إلا رسمه ولا يميلون إلى الأخذ من النقل الصحيح والتمسك به ، بل يميلون إلى استخدام العقل وتقديمه على النقل من خلال محاولة تطويع الآيات المحكمة ولي أعناق النصوص الربانية والنبوية ، وهذا العمل يلوي عنق صاحبة ويرده على عقبيه ، وهم يحاولون بذلك – وبحسب ظنهم - تكييف الدين ليوافق الواقع المادي الماثل أمامهم بمظاهره الإحتماعية الطارئة على البشرية بأسم مواكبة ( روح العصر ) أو التيسير على الناس ! ، وهذا العمل يعطل رسالة الدين في الإصلاح ، وهو من أسهل الأعمال ولا يكفل صاحبه أي جهد لأنه يساير الهوى المريض والوضع العام ، وهذا دليل على عدم معرفتهم بطبيعة وحقيقة ( روح العصر ) وآلية حركتها العامة وطبيعتها .

فالواجب هو تكييف الواقع ليوافق الدين ، وحقيقة ذلك التيسير المزعوم هو تيسير وتسهيل الأمر للشياطين التي تسير وتسوق الناس إلى الهاوية والهلاك ، كما هو تيسير وتسهيل العمل للنظم والمناهج والآليات التي تعمل على انحدار المجتمع الإسلامي بشكل خاص والجنس البشري بشكل عام واندثار قيمه ، فالتيسير على الناس لا يعني دعوة الناس للاستسلام للنظم والمناهج والآليات الغربية المعمول بها في الدول الإسلامية من خلال محاولة تعديل وتخفيف الالتزامات الدينية والمعلوم منها بالضرورة ، فالناس تريد ما يحفظ لهم ( دينهم وعقولهم وأعراضهم وأنفسهم وأموالهم ) وحقوقهم وضرورات حياتهم ، والناس تريد من ييسر ويسهل طريقها إلى الجنة وليس إلى جهنم ، وهناك دعاة على أبواب الجنة ودعاة على أبواب جهنم ، ولا إكراه في الدين ، فكل له مقعده في الجنة والنار فما عليه إلا الاختيار.

فيجب أن يبذل الجهد ( العلمي والعملي ) لتجديد ولتبديل تلك النظم والمناهج والآليات الغربية وتحويلها إلى إسلامية ليجد الناس سهولة في الحركة التي أمر بها الشرع ، (( وهنا يطلب بذل الجهد واستخدام العقل وتنشيط الفكر )) من أجل إيجاد نظم ومناهج وآليات حديثة توافق الشرع وتسهل الحركة العامة للناس وتضيق الحركة على الشياطين وأعوانهم من شياطين الإنس ، ولتشل قدراتهم الحركية نهائياً بعد ما تكتم أنفاس روح العصر الخبيثة ، وتنشيط الفكر لا يتم إلا من خلال الدوران والطواف (الفكري والروحي والنفسي ) حول محور التوحيد وهي كلمة ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ) وهذا يتطلب الصدق والإخلاص لله جل شأنه والخشية منه وحده دون غيره ،(... إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور(28))(فاطر) ، لذلك نحن نقول بأن دعاة التنوير والتيسير لا يعلمون بأنهم لا يعلمون وذلك في أحسن أحوالهم ، فهم يقومون بتوطئة الأمر - من حيث لا يشعرون - للنظم وللمناهج وللآليات الغربية التي تتحرك حركة لا توافق الشرع فلذلك هي ستؤذي الجنس البشري وستنحدر به بسبب طبيعتها المؤذية للنفس وللدين وللعقل وللعرض وللنسل وللمال وللبيئة ولكل شيء .

ونحن نعتقد بأن المدرسة التقليدية كالوهابية أو السلفية وغيرهم من المدارس الأصولية –لأهل السنة والجماعة – ، وبشكل عام ، أقرب إلى الحقيقة بسبب ثقتهم بالنقل الذي بأيديهم ، فتغير الصورة المادية وبروزها وطغيانها على الجو العام لم يؤثر على إيمانهم بالخبر الصادق الصحيح – الكتاب والسنة - الذي أتى عن طريق الوحي ، ولكنهم بحاجة لإعادة قراءة الموقف العام ببعديه المادي والروحي ، وندعوهم لعدم الاستسلام لتلك النظم والمناهج والآليات الغربية الخبيثة التي تعمل على انحدار وفناء الجنس البشري ، فتلك النظم والمناهج والآليات تعمل بتوطئة الأمر (( للأعور الدجال )) ، فمن سيدرس وسيتأمل في حركتها وطبيعتها العامة وأسلوبها في العمل ونتائجها سيجدها نفس حركة وطبيعة وأسلوب الدجال والموجودة في النقل الصحيح ، أي حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فالروح التي تسيرهم روح واحدة وأهدافها واحدة ، وهي ( انحدار وفناء الجنس البشري ) ، فالأمر بحاجة لقراءة ( جديدة و عميقة ) ، فنحن المسلمون ورثة الحقيقة المطلقة بلا ريب ، (الم(1) ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين (2) الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون (3) والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون(4)أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون (5) إن الذين كفروا سواء عليهم ءأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون (6) (البقرة).

"عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ إِنَّ اللَّهَ لا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ النَّاسِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمُ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ فَإِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالاً فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا"(رواه أبن ماجه).

اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين .

قال تعالى:"يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون(32)"(التوبة).
____________________________________

إن أي علم لا تكون العقيدة الإسلامية أساساً له يصبح حلماً يتداوله الناس فيما بينهم يعيشون بأوهامه.

قال تعال: " أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ(109)"(التوبة).
____________________________________

العقل مناط التكليف ورأس مال الإنسان ، والدين رأس مال العقل ، واليقين رأس مال الدين ، واليقين من صفات المؤمنين ، وأمة بلا دين تصبح مطايا للشياطين.
____________________________________

ملاحظة : أنا أعتقد بأن على العالم و الفقيه النظر إلى المسلمين -الذين يرفضون تطبيق الشريعة تطبيقاً كاملاً- نظرة عاقل هذا الزمان إلى المجنون الذي يمتلك نوع من الوعي الذي سيجعله يقاوم الدخول إلى المصحة العقلية بسبب علمه بوجود نوع من حبس الحرية ، فكذلك الشياطين ستقاوم حبس حريتها ومنعها من الحركة بعد شل قدرتها من خلال المناهج والنظم والآليات الإسلامية ، وهي ستقاوم ذلك من خلال أوليائها الذين تحكمت بمشاعرهم وقلوبهم وردود أفعالهم وعقوله وعلى رأسهم (العلمانيين أو اللبراليين) فهم يعيشون بوعي وإدراك خادع وبوهم كبير ، وهم في حالة استدراج من الخالق جل شأنه ، وهم لن يعوا تلك المسألة بسهولة ، ولنقرب المسألة إلى الأذهان هم أشبه بالنائمين مغناطيسياً ، بل حالهم أشد ، فحالهم وأحوالهم العقلية والروحية يرثى لها ، ولله في خلقه شؤون .

قال تعالى
(وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون(67))(الزمر).

وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ، وسيعلم الكفار لمن عقبى الدار.

انتهى وبتوفيق الله .