تسجيل الدخول

View Full Version : اذا كان صدام حسين ديكتاتورا فمن هو الحاكم الديمقراطي ؟


mohammad
05-02-2002, 11:37 PM
حول موقف المثقفين العرب من نظرية المؤامرة
اذا كان صدام حسين ديكتاتورا فمن هو الحاكم الديمقراطي في المنطقة العربية؟
هويدا طه
كثيراً ما يدور الجدل في العالم العربي بين تيارين أحدهما يرتكن ـ لحد الاسترخاء ـ إلي نظرية المؤامرة في تفسير ما يمر به العرب من ضعف وتراجع بين الأمم، والآخر ينكر ـ لحد الغفلة ـ وجود تلك المؤامرة علي هذا الوطن المنكوب. وكثيرا ما نجد مثقفاً عربيا يوجه (اتهاما) لآخر بأنه يهرب إلي نظرية المؤامرة، ليبدأ الآخر في (الدفاع) عن وجهة نظره نافيا ميله إلي التفسير التآمري للتاريخ.
وبين التيارين يمضي العالم العربي في تراجعه، تارة بأيدي بعض أبناءه، وتارةً أخري بأيد خارجية تتلاعب به، ومرات كثيرة بالتحالف بين كليهما.
لكن نظرة (لا مفر منها) للتاريخ ـ قديمه وحديثه ـ قد تضيء المسافة الفاصلة بين هاتين الرؤيتين، فقد كانت منطقتنا هي القلب النابض فيما كان يسمي بالعالم القديم، تمر بأرضه وبحاره طرق التجارة بين الشرق والغرب وتأتي إليه شتي الأقوام من كل اتجاه، بالإضافة إلي النشأة الأصيلة في أرضه لما انتشر في أرجاء العالم من الأديان السماوية الثلاث، هذا عدا السمات الحضارية الممتدة من أرض ما بين النهرين إلي وادي النيل وما بينهما، فكان أن تطلعت القوي المختلفة في العالم ـ شرقه وغربه ـ منذ فجر التاريخ إلي السيطرة علي هذا القلب النابض للتحكم في طرق التجارة قديما إلي آبار البترول حديثا، وما بينهما من موارد أخري وممرات بحرية وبرية وغيرها. و أسئلة من مثل لماذا هجم المغول بهذه الوحشية علي أرض الرافدين ولماذا جاء الفرس إلي أرض مصر والبطالمة والإغريق والأتراك وغيرهم، ثم لماذا فكر الأوروبيون ـ في بدء نهضة الغرب ـ في هذه المنطقة، إلي أن جاء الأمريكان ـ كابوسا ـ ما زال جاثما حتي اللحظة، هي كلها أسئلة مشروعة أمام تاريخ طويل حافل بالنجاح في طردهم حينا والإخفاق أحيانا. وإذا كان يحق للبعض أن ينفي المؤامرة بشكلها الفج ـ كأن يجلس المتآمرون حول طاولة مستديرة ويقررون التآمر علينا ـ فإن الشاهد أن مصالح القوي المختلفة عبر التاريخ كانت لابد أن تولي الأهمية دوما لأهم منطقة في جغرافيا العالم وتاريخه ـ منطقة البحر المتوسط في القلب منه ـ ونحن حوله أو طريقا إليه، وإذا كانت العودة إلي التاريخ القريب أكثر ملائمة فإن ثلاثة نماذج ـ فلسطين ومصر والعراق ـ هي الأوضح للتدليل ليس فقط علي التآمر التاريخي طويل المدي صعب الاكتشاف، ولكن هذه النماذج تشير أيضا إلي كم نحن في حاجة إلي تعديل استراتيجيتنا وأهدافنا الثابتة والمتغيرة علي مستوي النظم و الدول والتحالفات ، وكم نحن بحاجة إلي إرساء مفاهيم واضحة عبر مثقفينا ومفكرينا يمكنها أن تقود هذه الملايين من أصحاب المنطقة من خلال هوية واضحة وعدو واضح وخيارات واضحة إلي طريق واضح للتنمية المعتمدة علي الذات ونهضة تستند إلي تاريخ حافل غني الدلالة.
العراق
كادت الأمم المتحدة أن تخرج بلدين عربيين من لائحة الدول النامية إلي لائحة الدول المتقدمة في تقرير صدر في أوائل الثمانينات من القرن الماضي، كان هذان البلدان هما الجزائر والعراق! والآن ليس هناك من يعاني من الشعوب مثلما يعاني شعبا هذين البلدين! رغم ما يمتلكان من موارد مادية وبشرية هائلة، فالعراق الذي تسميه الولايات المتحدة ـ القوة الاستعمارية الكبري في هذا العصر ـ دولة مارقة ، بدأ نهضته الحديثة مع تفجر الثروة النفطية بشكل لا يقتصر أو يتمركز حول البذخ والنهم الاستهلاكي لإنتاج الغير ـ كما فعلت بعض الدول التي فوجئت بالثروة ـ و إنما نهضة بناء وتعليم وتحديث بما وصل إليه العلم ـ ثروة كل البشر ـ للإنسان والأرض والوطن، ومن بين أبناءه تكونت قاعدة علمية ما زالت الولايات المتحدة تطاردها حتي الآن، وانطلاقا من الوعي التاريخي المخزون في الذاكرة الجمعية لم يشأ العراق أن تحرق بغداد مرة أخري، فاستغل الثروة النفطية وكاد أن يمتلك سلاح الردع النووي، لكن القوي الاستعمارية لا تريد هذا التغير النوعي في استراتيجيات المنطقة، والآن وعلي لسان بعض مثقفي الغرب أنفسهم يظهر بوضوح ـ لا يتسع له مقال صحفي ـ كيف رتبوا لإغراق العراق في مستنقع الحروب التي استنزفت موارده وطاقته وعطلته حتي عبروا ـ هم بأنفسهم ـ عن الرغبة الحاقدة في إرجاع العراق إلي العصر الحجري، أو علي الأقل حصره في مجرد بئر بترول يرسل النفط إلي الغرب في مقابل الذهب والحرير لا التقنية والعلم، ويقول بريان بيكر أحد ـ مثقفيهم ـ في الغرب أن إدارة بوش الأب أرادت وقبل اليوم الأول في أزمة الخليج شن حرب ضد العراق لإعادة تقسيم وتوزيع أسواق الشرق الأوسط نيابة عن شركات البترول الأمريكية العملاقة والتي يمتلك بوش نفسه حصصاً فيها، ويضيف بيكر أن هذه الحرب كان لابد أن تكون حربا إمبريالية بالتعاون مع القوي الاستعمارية السابقة ـ بريطانيا وفرنسا تحديدا ـ وتم التخطيط لها ـ يقول بيكر ـ حتي قبل (غزو) العراق للكويت. فإذا كان التآمر الخارجي أوضح من أن يشرح وتساق عليه الأدلة فإن التآمر الداخلي أيضا تتضح خيوطه يوما بعد يوم أمام المواطن العربي الذي يراقب في صمت ـ مجبرا أو مختارا ـ الحصار والتدمير لبلد عربي عريق كاد أن ينتشل نفسه وأمته من قبضة الرغبة الاستعمارية التاريخية الجامحة في السيطرة علي المنطقة ومواردها، وما يساق في أبواق الإعلام ـ الداخلي والخارجي ـ من دعاوي سطحية سخيفة عن غياب الديموقراطية في العراق وديكتاتورية صدام حسين، هو مزيد من العبث والاستخفاف بالعقل، فإذا كان صدام حسين ديكتاتورا فمن هو الديموقراطي في هذه المنطقة؟ وبأي تعريف للديموقراطية تصنف الدول هنا ؟
مصر
نظرة إلي تاريخ مصر تجعل الحديث عنها ذي شجون، فمحاولات هذا البلد للنهضة تضرب بضراوة تجعل الحديث عن المؤامرة ذي مغزي، تتبدل القوي الاستعمارية عبر التاريخ لكن مصر تظل هدفا لها، يسيل لعاب الفرنسيين إلي الدرجة التي صاح فيها بونابرت قائلا: من هنا من ارض مصر أستطيع أن اجعل فرنسا إمبراطورية عظمي ، ويستميت الانجليز في فرض الحماية علي مصر، وتدفع الولايات المتحدة إعانة رخيصة ومهينة ومكبلة بقيود تمنع إنفاقها في تنمية حقيقية، وأمثلة أكثر من هذا، ماذا نسمي تكالب أوروبا لضرب تجربة محمد علي لتحديث مصر؟ نسميها شراكة؟!، وعندما انتزع جمال عبد الناصر مصر من قبضة بريطانيا ومندوبها السامي وصنع لها كرامة ومكانة في العصر الحديث، ماذا نسمي العدوان الثلاثي علي مصر؟ وكيف نصنف موقف الولايات المتحدة في حرب 73؟ نسميها صداقة؟! ، وعندما كادت مصر أن تمتلك سلاح الردع النووي، ـ كمحاولة لتعديل الوضع الاستراتيجي للمنطقة العربية بالنسبة للعالم ـ بقيادة عبد الناصر أحد أبناءها، ضرب المشروع النووي في مصر وشرد رواده، ويعود من جديد صوت الحلف الداخلي بنفس الحجة القديمة المتجددة وعبر نفس الأبواق، كان عبد الناصر ديكتاتورا، كل محاولة لرفع الرأس في هذه المنطقة هي غياب للديموقراطية بتعريفها الغربي النسبي اللعين، وكل انتكاسة وتسليم هي (انفتاح) علي العالم، وكل انبهار بنموذج الغرب ـ الاستعماري ـ هو تقدم، (مع التفرقة بين الانبهار بالعلم ونتائجه ومحاولة تتبع خطاه ـ وهو أمر واجب وضروري وملح ومشروع لكل الأمم ـ وبين الانبهار بقوة الاستعمار والتسليم بالضعف أمامه)، بل وماذا نسمي تبعية القرار المصري للولايات المتحدة منذ العام 74 إلي الآن، والدوران في فلكها كمستعمرة أمريكية بالشكل الحديث للاستعمار؟ ندية؟!
فلسطين
لابد أن نتذكر مع آخرين المقولة الشهيرة ـ من لا يملك وهب من لا يستحق ـ عندما تفرض تداعيات أحداث كل يوم علينا لتذكرنا بوعد بلفور في بدايات القرن الماضي ، ضاقت أوروبا ذرعا بالحركة الصهيونية فقذفت بأصحابها إلي منطقة أرادت دوما أن تغرس فيها حليفا يضرب كل من يقاوم أهدافها الاستعمارية فيها، ماذا نسمي كل هذا الدعم الإمبريالي لهذا الغرس الشيطاني في بلادنا؟ هل نسميه تعاونا؟! وللمرة الألف في تاريخنا يهب الحلف الداخلي ويتحدث عن السلام والتعايش والنهضة في الشرق الأوسط الذي كان ـ الوطن العربي ـ، لكنها نهضة تحت تهديد السلاح، نهضة تضمن أسواقا لهم واستنزافا لمواردنا وتحجيما لأحلامنا المشروعة في نهضة نوعية وليست نهضة شكلية يرسمها الغرب وحلفاؤه ، يغيرون دلالات المصطلحات، ويتبعهم الحلف الداخلي، فالثورة الفلسطينية أصبحت السلطة الفلسطينية، و(طرد) المستعمر ـ متعدد الجنسيات ـ من المنطقة أصبح محصورا في هدف قزم هو التخلص من الجنود الإسرائيليين والمستوطنين من الضفة الغربية وغزة، حتي صارت الدويلة الفلسطينية في هذه البقعة الممزقة من ـ فلسطين التي عرفها تاريخنا الطويل ـ هي هدف يموت من أجله الصغار والكبار؟ وصارت المقاومة عنفا وإرهابا، والتصدي والتحدي صارا حماقة، والتسليم بالأمر الواقع سلاما (بل سلاما عادلا وشاملا واستراتيجيا وحيدا!)، بل وأصبح ممول المشروع الصهيوني (راعيا) للسلام.. إلي آخر هذه التحويلات التي من شأنها تحويلنا إلي هنود حمر جدد في تاريخ العالم! لكنها ليست المرة الأولي التي يفكر فيها هذا الحلف الداخلي (بواقعية)، فهناك حادثة ذات دلالة في تاريخنا ، إذ عندما وصل هولاكو قائد المغول إلي غزة بعد انتصارات ساحقة في الشرق أحرق قطز رسالته التي طالبه فيها بالاستسلام وقتل رسله وعلق رؤوسهم علي باب زويلة (ما زال هذا الباب وبنفس الاسم في القاهرة! ) فتردد بعض الأمراء في القتال بما سمعوه من أهوال يلقاها من يقف في طريق جيش المغول، فغضب قطز وصاح في هؤلاء (الأمراء) قائلا يا أيها الأمراء لكم زمان تأكلون من أموال بيت المال، وأنتم للقتال كارهون، أما أنا فذاهب إليه فمن اختاره فليصحبني ومن أراد أن يركع فليعد إلي بيته . (وكان قطز سلطانا وليس حاكما ديموقراطيا منتخبا أو مستفتي عليه!)
كيف ننكر المؤامرة إذا ونحن نعلم أن قدر منطقتنا أن تعيش بين الشرق والغرب، في قلب العالم، لكن المؤامرة لا تنجح إلا بحلفائها (الواقعيين) في الداخل، والشعوب التي لا تقاوم هي شعوب مريضة، والمقاومة تشمل المستعمر الخارجي وحليفه الداخلي، والرواد من مثقفين وعلـــــماء ورجال دين وفلاسفة وغيرهم هم من يقولون للنـــــاس أن تحدي المستعمر كرامة، وأن تغيير الوضع الراكـــــد القائم هو طريق (وحيد) ، والرواد من القـــــادة هم من يعدون للقتال بلا استعداد مسبق مبيت النية للتنازل، حتي لو قبلوا الهدنة حينا، وهـــــذا لا يعني أن العداء للغرب هو عداء للتحضر والتكنولوجيا وحقوق الإنسان، إنما العداء هو للاستـــــعمار وتجاوز الآخر لحقوقنا، ومن هذا الغرب خرج فلاسفة وعلماء أضاءوا الـــتاريخ بإبداعهم وبينوا للبشرية ـ كلها ـ مع غيرهم من علماء وفلاسفة في أنحاء العالم قديمه وحديثه الطريق نحو العدالة وتغيير الموازين المقلوبة، وأحدهم قال في رسالة لصديقه " الفلاسفة يقدمون تفسيرا للعالم ، وهو مهم، لكن الأهم هو تغييره .