PDA

View Full Version : هل جاء دور فلسطين


USAMA LADEN
09-02-2002, 07:02 PM
هل جاء دور فلسطين

بعد أفغانستان؟؟



لؤي عامر

تتزاحم التوقعات، وتتباين الاجتهادات حول مكان وزمان الحرب الأمريكية التالية بعد أفغانستان، ضمن مسلسل الحروب المعدة لتأديب العالم، ولتأكيد احتكار الأمريكيين لزعامته. فالولايات المتحدة تصر على أن لا تغمد سيفها قبل القضاء على آخر أعداء الولايات المتحدة، أو المعترضين على سياسة الهيمنة الأميركية المطلقة على العالم.

الولايات المتحدة التي وضع النظام العربي الرسمي كل أوراق اللعبة في يدها، وفوضها أن تكون الراعية الوحيدة لعملية التسوية في المنطقة، بدأت مؤخراً بخلط الأوراق بطريقة تدعو للدهشة، فلم يعد ممكناً تصنيف هذه السياسة الأميركية تجاه القضية الفلسطينية، هل تقع ضمن توجهها المعلن لإنجاز تسوية سياسية بين الفلسطينيين والصهاينة، أم أنها تندرج ضمن سياستها المستجدة لمكافحة ما تسميه بالإرهاب الدولي، أم أنها سياسة وسط بين التوجهين.

التوقيت والوسيط

لقد عاين العرب انحياز الولايات المتحدة الفاضح إلى جانب الصهاينة، وتعايشوا مع هذا الانحياز وتقبلوه مرغمين، غير أن المسار الجديد للسياسة الأميركية تجاوز كثيراً حدود الانحياز إلى الجانب الصهيوني، وبلغ حداً من التطابق مع التوجهات والأهداف الصهيونية، يخرج الولايات المتحدة من كونها راعية للتسوية، ويضعها في خندق الحرب الصهيونية المعلنة ضد الشعب الفلسطيني.

منذ البداية، كان الهروب من مواجهة تعقيدات الصراع العربي الصهيوني هو الخيار الأول لإدارة بوش الابن، التي أرادت تجنب الفشل المكرر الذي واجهته الإدارات الأميركية السابقة في الشرق الأوسط. لقد قرر بوش أن يسبح على شواطئ مشكلة الشرق الأوسط، وأن لا يغوص بعيداً في دوامتها وهو ما اصطلح على تسميته في الدوائر الأميركية بالتدخل المتدني.

فلم تكن إدارة بوش تطمح إلى أكثر من تحقيق واحد من الإنجازين التاليين: إما الاستمرار في ضرب الفلسطينيين وإنهاكهم من قبل شارون إلى حد القبول بالشروط الصهيونية المفروضة، وإما استمرار الوضع الراهن، وكسب الوقت لصالح الكيان الصهيوني على امتداد الفترة أو الفترتين الرئاسيتين لبوش الابن.

إن التدخل المتدني للولايات المتحدة في الصراع العربي ـ الصهيوني، يحقق الحضور السياسي المطلوب للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ويمنع في الوقت ذاته وجود فراغ سياسي في المنطقة، قد تتحمس قوة أخرى مثل أوروبا إلى ملئه. وكان توافد المبعوثين الأميركيين ذوي الصفة الأمنية أو العسكرية إلى المنطقة هو التجسيد العملي لسياسة التدخل المتدني للولايات المتحدة في مسألة الصراع العربي ـ الصهيوني.

لقد عبرت هذه السياسة عن جوهر التوازنات السياسية الداخلية في الولايات المتحدة. فبوش يدرك حجم الدعم الذي يحظى به الكيان الصهيوني ضمن البنى السياسية الأميركية القائمة، وخاصة في الكونغرس الأميركي، ومؤسسات صنع الرأي العام، وهو تأييد لا يتجه نحو تحقيق حل عادل للصراع، بل يكاد يكون مطلقاً للاتجاهات الأكثر تطرفاً وعنصرية في الكيان الصهيوني.

وأمام حاجة بوش الملحة لتأييد الكونغرس ومؤسسات صنع الرأي العام لسياساته المتطرفة على الصعيد العالمي، وخاصة مشروع المسمى بدرع الصواريخ، فقد أسقط بوش، منذ البداية إمكان السعي لإنجاز أية تسوية للصراع في الشرق الأوسط، يمكن أن تنطوي على المساس بمصالح الصهاينة أو توجهاتهم العدوانية.

الأهداف والمبادئ

تمثل مرحلة ما بعد الحادي عشر من أيلول الماضي، تحولاً نوعياً في توجهات السياسة الدولية للولايات المتحدة. فلقد امتلك الأميركيون، مرة واحدة، وربما بالصدفة، الذريعة الكبرى لإشهار مشروعهم المتعدد الأبعاد للهيمنة على العالم. وتمثل هذا التحول في الانتقال من سياسة التدخل لحل المشكلات الدولية العالقة، إلى سياسة إزالة المشكلات العالقة من طريق العربة الأميركية التي تجتاح العالم. فلقد بات الجميع يدركون أن شعار مكافحة الإرهاب الدولي، هو تعبير عن سياسة أهداف، وليس عن سياسة مبادئ.

لم يعد بمقدور الأميركيين، بعد الحادي عشر من أيلول، الاستمرار في سياسة التدخل المتدني في الصراع المحتدم على أرض فلسطين، هذه السياسة التي قد تطيل عمر هذا الصراع بدل أن تقصره. فلقد أصبح الصراع على أرض فلسطين، وتداعياته الإقليمية والدولية يشكل صخرة تعترض طريق العربة الأميركية على دروب الشرق الأوسط.

وحتى لا يبدو الأمر وكأنه اكتشاف جديد لحقيقة قديمة، فإن ثمة مؤشرات عديدة تشي بأن الولايات المتحدة، وبالتنسيق الكامل مع العدو الصهيوني، توجه مسار الأحداث في المنطقة باتجاه جعل فلسطين هي الساحة الثانية بعد أفغانستان لشن الحرب على ما تسميه بالإرهاب، وهي حرب لن تضطر الولايات المتحدة إلى زج أساطيلها وجنودها فيها بصورة مباشرة، ولكنها ستظل، على الرغم من ذلك، الطرف الرئيس في هذه الحرب ضد الشعب الفلسطيني، حتى لو لم تعلن ذلك صراحة.

إن تتبع مسار الأحداث، خلال الأسابيع الماضية. يفضح التوجهات والمساعي الأميركية الهادفة إلى تهيئة الأجواء الإقليمية والدولية الرامية إلى تدمير كافة البنى السياسية والعسكرية والاقتصادية للفلسطينيين في الضفة والقطاع، واحتوائهم كمجرد حالة سكانية إنسانية ملحقة بالكيان الصهيوني.

لقد كان توصيف عدد من الحركات الجهادية الفلسطينية باعتبارها حركات إرهابية مجرد مقدمة لتشريع الحرب المعلنة على الشعب الفلسطيني، حيث أخذ هذا التوصيف يتسع إلى أن شمل الشعب الفلسطيني بكافة قواه السياسية، بما فيها قطاعات من السلطة الفلسطينية، وبالتوازي مع ذلك، فقد باشرت الإدارة الأمريكية بمحاولة نزع الشرعية الدولية عن منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية، وهدد وزير الخارجية الأميركي بأن الإدارة الأميركية تدرس جملة من الخيارات لسحب غطاء الشرعية عن الفلسطينيين من بينها إمكانية إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن.

لقد بدأت الإدارة الأمريكية بالتعامل مع الشعب الفلسطيني من موقع الخصم وليس من موقع الوسيط، ونشطت وسائل الإعلام الأميركية بشن حملة مكثفة على ما يسمى بالإرهاب الفلسطيني، بالتوازي مع جملة من التحركات الأميركية المكثفة على الصعيدين الأوروبي والعربي للتمهيد للفصل القادم من فصول هذه الحرب ضد الشعب الفلسطيني. إنها نفس التكتيكات الأميركية التي مهدت سابقاً للحرب ضد العراق، ثم للحرب في أفغانستان.

وإذا كانت الولايات المتحدة قد خاضت معظم حروبها بعد الحرب العالمية الثانية بالواسطة، وليس بالجيوش والأساطيل الأميركية، فإن هذه الحرب الجديدة على أرض فلسطين سيسند الدور المباشر فيها للجيش الصهيوني. تحت مظلة كثيفة من الدعم السياسي والمالي والتغطية الشرعية من قبل الولايات المتحدة. لكن قرار شن هذه الحرب سيظل قراراً أميركياً، وأهدافها الاستراتيجية لا تخرج عن هامش المصالح الأميركية الصهيونية المشتركة.

لقد أعلن وزير الخارجية الصهيوني شمعون بيريز قبيل اندلاع الحرب في أفغانستان بأنه "لا دور لنا الآن في التحالف ضد طالبان، ولكن دورنا قادم بالتأكيد في هذه الحرب ضد الإرهاب". ولعل بيريز كان يشير بذلك إلى بدء تشابك الخطوط الأميركية ـ الصهيونية حول أهداف الحرب القادمة في فلسطين.