PDA

View Full Version : هستيريا الحرب الأميركية غير المحدودة... إلى أين؟


Fiona
23-02-2002, 07:51 PM
تعيش الولايات المتحدة حالة هستيريا حقيقية تتصاعد من خلالها حمى الاستكبار والنزوع البدائي إلى التسلط عن طريق الممارسة الحصرية للعنف والبطش العسكري، مع ما يثيره ذلك من توجس واستياء عند الخصوم والحلفاء على السواء، وما يؤدي إليه من تداعيات خطرة على واقع الولايات المتحدة نفسها.

قد يصعب إعداد لائحة كاملة بالوقائع المعبرة عن هستيريا التوق إلى الغلبة التي تعصف بالولايات المتحدة والتي أطلاق العنان لها، ضمن إطار الحرب الأميركية المتصاعدة على ما يسمى بالارهاب، خلال الأيام القليلة الماضية، وإذا كان من شأن بعض هذه الوقائع أن يأخذ موقعه في خانة تلك الحرب، برغم التململ العالمي من التعسف الأميركي في التعامل مع مفهوم الارهاب، فإن بعضها الآخر يأخذ شكل التلذذ النزق بالاسراف في التطلب والمبالغة من البحث عن التسويات الصريحة لحسابات لا علاقة لها مطلقاً بمكافحة الارهاب المزعوم، ولا وظيفة لها غير التوكيد المرضي لنزعة الهيمنة والتفرد ودفع هذه النزعة إلى مداها الأقصى.

عنجهية بلا حدود

وإذا كان الهجوم على طالبان والقاعدة وجماعة "أبو سياف" قد أثار، برغم شبه الاجماع العالمي على "مشروعية" ذلك، كثيراً من الشكوك بالنيات الحقيقية الكامنة وراء هذا الهجوم، وما كشف عنه من مظاهر التفرد التي أزعجت الأوروبيين بوجه خاص، فإن التصريحات والتصرفات الأميركية اللاحقة، لا سيما تلك المتعلقة بما أسماه بوش بـ"محور الشر" قد دفعت باتجاه ارتفاع الأصوات في جميع أنحاء العالم ضد النزعة الاستكبارية الأميركية.

فعلى طريقة الكاوبوي المتبجح بقدرته على فرض ارادته بقبضة مسدسه، أعلن الرئيس بوش، خلال جولته الآسيوية، عن رغبته بإرسال ما يسمى بـ"فيالق السلام" الأميركية إلى أفغانستان وبلدان إسلامية أخرى لنشر المعايير العالمية التي "يقدرها كثيراً"، وهي الفيالق التي ينتشر أعضاؤها حالياً في أكثر من سبعين بلداً ويقومون بنشر المعايير الأميركية تحت ستار المساعدة في البناء وتطهير المياه والمشاريع التعليمية. ولا شك بأن نشاطات هذه الفيالق على صلة بالجهود الأميركية لتوجيه نظم التعليم في البلدان الاسلامية، أو بما يقوم به أعضاء طائفة الفالونغونع من أعمال بهدف إحراج السلطات الصينية التي ردت، قبل أيام من وصول بوش إلى بكين، باعتقال وطرد اعداد منهم بينهم 33 أميركياً، في إشارة واضحة إلى عدم استعداد الصينيين للرضوخ أمام جميع أصناف الابتزاز الاميركي. وفي الإطار نفسه، وفي الوقت الذي تسمح فيه عربدة السلام الاميركي في رقعة تمتد من كولومبيا بأميركا الجنوبية غرباً إلى الفيلبين شرقاً، أعلن بوش عن استعداده لفتح مجال للحوار مع كوريا الشمالية شرط قيامها بتقليص قواتها المسلحة والتوقف عن انتاج أسلحة الدمار الشامل من دون إغفال الكلام من موقع الوصاية عبر القول ان الرئيس الكوري الشمالي لا يعبر عن إرادة شعبه كما قام مساعده جورج تينت، رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية بإبلاغ الرئيس المصري حسني مبارك في شرم الشيخ بكون واشنطن قد حسمت أمرها وقررت توجيه ضربة عسكرية للعراق من دون تورع عن مطالبته بعدم إبداء مصر معارضة علنية على ذلك. كما عرض تينيت ما أسماه بـ"خطة جديدة من أجل وقف العنف" في الأراضي الفلسطينية تقضي بقيام عرفات بإلقاء القبض على عناصر حماس والجهاد مقابل الجلوس مع شارون وإحياء التعاون الأمني بين "إسرائيل" والسلطة الفلسطينية. أما مباحثات تينيت مع المسؤولين اليمنيين، التي جاءت بعد زيارة قام بها قائد العمليات المركزية للقوات الأميركية المشتركة، طومي فرانكس، وما اشتملت عليه من تنسيق في مجال ملاحقة المطلوبين أميركياً، فقد فتحت، على ما ورد في التصريحات الرسمية، مرحلة متقدمة في التعاون يبدو أنها ستفضي إلى نشر قوات أميركية في اليمن، إضافة إلى تدريب الجيش اليمني على استخدام معدات حديثة لازمة لاحكام القبضة الأميركية على مداخل البحر الأحمر، وذلك بالتوازي مع تسريبات عن رغبة أميركية لزعزعة الأوضاع في عمان بهدف خلق الشروط المناسبة لتعاون أو لتدخل عسكري يهدف إلى إحكام القبضة على مداخل مياه الخليج.

الإسلام كدين

وفي الوقت نفسه، يتكلم المراقبون عن توجهات أميركية لإقامة تحالف إقليمي يضم كلاّ من مصر وتركيا و"إسرائيل" وبعض دول الخليج والأردن بهدف العمل المشترك ضد إيران والعراق ومنظمات المقاومة في فلسطين ولبنان، وكل ذلك بالتوازي مع تصاعد الضغط على العراق من خلال المناورات العسكرية التي تجري في الكويت أو تلك التي تجري في تركيا بمشاركة قوات إسرائيلية. كما يتكلمون عن اعتزام الولايات المتحدة تسليم مصر كمية من الصواريخ المضادة للقطع البحرية بهدف تأمين سلامة المرور في قناة السويس، ولكن بعد تعديل هذه الصواريخ بحيث لا يمكن استخدامها ضد "إسرائيل". واللافت أن مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي قد وصل إلى حد مطالبة السعودية بالسماح له بمراقبة مراسم الحج، في وقت تثير فيه تصريحات جون اشكروفت، وزير العدل الأميركي، المعادية للإسلام كدين استياءً يضاف الى الاستياء من استمرار التعديات على المسلمين في الولايات المتحدة والتي بلغت 1700 اعتداء منذ عمليات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر. كما اعتبر ستون مثقفاً من كبار المثقفين الأميركيين، بينهم المنظّران فرانسيس فوكوياما وصمويل هنتنغتون ان "الحرب الأميركية ضد الإرهاب تشكل ضرورة أخلاقية عادلة، وقرنوا ذلك بالربط بين الاسلام وعدم التسامح والعنف والتطرف والتشدد"، وبرز صوت مارغريت تاتشر، رئيسة الوزراء البريطانية السابقة، التي هولت بما أسمته تعرض الغرب لـ"الإرهاب الاسلامي" الذي شبهته بالبلشفية بما هي، على حد قولها، عقيدة مسلحة.

وبالإضافة إلى محاولة بوش الهادفة إلى ضرب اتفاقيات كيوتو، من خلال طرح خطة جديدة في مجال البيئة تراعي مصالح الاقتصاد الاميركي ولا تتعرض لتقليص انبعاث ثاني اوكسيد الكربون، لم يتردد بوش في الكلام قبيل البدء بجولته الآسيوية عن أن الولايات المتحدة ستواجه "مهمة أكبر" من تلك التي أطاحت بنظام طالبان. وأضاف وهو يتحدث في قاعدة ايلمندروف الجوية في آلاسكا، كلاماً عما أسماه بالأمم ذات التاريخ القائم والماضي غير المريح والأشخاص "الذي يجعلوننا" نشعر بالعصبية"، وذلك ههلجة تذكر بلهجته عندما تكلم عن حربه الصليبية.

الغضب المرضي

وعلى ذكر هذه العصبية التي تبرر فرضية الهستيريا الأميركية، قد ينبغي التذكير بكتاب هنري كيسنجر الاخير ذي النزعة الميكافيلية والمعبر عن حقيقة التوجهات الأميركية نحو التحكم بمصائر العالم والذي يروج لأفكار من نوع العمل الأميركي من أجل منع ظهور أية قوة اقليمية أو دولية قادرة على توحيد القوى الأخرى لمواجهة الولايات المتحدة، وامتلاك هذه الأخيرة للقوة الكافية التي تغنيها عن الثرثرة الدبلوماسية والحاجة إلى سياسة خارجية ما دام أنها تستطيع على "الغضب" تطويع الأوضاع العالمية لمصلحتها. ولعل في عبارات الاحتقار التي أطلقها كلّ من بوش ووزير خارجيته كولن باول حيث وصفا وزير الخارجية الفرنسي بأنه مزاجي ويعاني من تشتت الأفكار، دليلاً واضحاً على تنامي نوازع الغضب المرضي في الولايات المتحدة.

والواضح أن مثل هذه الأفكار هي ما سمح لإدارة بوش بأن تستغل انتصارها في أفغانستان (ريتشارد مايرز، رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة اعتبر قبل يومين أن الحرب في أفغانستان قد بدأت لتوها) لتطلب زيادة مبلغ 48 مليار دولار على موازنة البنتاغون (وزارة الحرب) للعام الحالي لترتفع إلى 396 ملياراً، وهو الأمر الذي ينبغي تكراره سنوياً، والذي اعتبرته مجلة "الواشنطن بوست" إسرافاً فعلياً ما دام أن المبرر هو التلويح بخطر "محور الشر" الذي لا تزيد الموازنة العسكرية لبلدانه الثلاثة مجتمعة عن 12 مليار دولار سنوياً. ولكن المراقبين يعتبرون، بعيداً عن الاحتمالات الفعلية لشن حرب واسعة النطاق، وفي الوقت الذي تحتدم فيه الأزمة الاقتصادية في الولايات المتحدة وتتقلص موازنات الصحة والتعليم والطاقة فيها، أن البنتاغون هو أبرز المؤسسات الأميركية المعروفة بالهدر المالي وعدم شفافيته، وتقديم الخدمات للدوائر الرأسمالية المرتبطة بصناعة السلاح على حساب المكلف الأميركي.

المصدر: http://www.intiqad.com/