الفجر
03-08-2002, 04:55 PM
معالم في طريق التغيير
محمد محمد بدري
لا شك أن المسلم الذي يرى الحياة من خلال واقعه وليس من خلال أمـانـيه ، يدرك لأول وهلة أن "واقع" الأمة الإسلامية اليوم هو مصداق قول رسول الله -صلى الله علـيـه وسلم: »يوشك أن تداعي عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها ، قالوا : أمن قلة نحن يومئذ يا رسول الله ؟ ، قال : بل أنتم يومئذ كثير ، ولكنكم غثاء كغثاء السيل ، ولينزعــن الله المهابة من صدور أعدائكم ، وليقذفن في قلوبكم الوهن ، قالوا : وما الوهن يا رسول الله ؟ قال : حب الدنيا وكراهية الموت«(1) .
فقد أصبحت الأمة الإسلامية "غثاء" من النفايات البشرية الخاوية ، تعيش على "ضفاف" مجرى الحياة الإنسانية كدويلات متناثرة ومتصارعة،تفصل لينها حدود جغرافية ونعرات قومية مصطنعة ، وتعلوها راية "الوطنية" ، وتحكمها قـوانين الغرب العلمانية.. تدور بها "الـدوامـات" الـسـيـاسية فـلا تملك نفسها عن الدوران، ولا تختار حتى المكان الذي تدور فيه!!
لـقـد قـذف الله فـي قـلــوب المسلمين "الوهن" فأصبحت أمتهم تخاف من تكاليف الحرية ومجابهة الظلم في الداخــــل ، وتجبن عن صد الغزاة في الخارج.. فتداعت عليها الأمم ، وأحاط بها الأعداء الذين أوصلوها إلى مرحلة "القصعة المستباحة" التي حذرها إياها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
ولا ريب أن هذه الحال تـؤرق أكـثـر المسلمين وتقض مضاجعهم ، فتقفز إلى أذهانهم أسئلة بكثيرة : كيف نخرج بأمتنا من أزمـتهـا ، وننتقل بها من الاستضعاف إلى التمكين ؟ ومن التبعية إلى الريادة ؟ كيف نرفع "غثاء" الأمـــــة الإسلامية من حضيضه الذي يعيش فيه ليعود كما أراده الله خير أمة أخرجت للناس ؟
ولكن لا موغل في "حلم" الريادة البشرية على حـســـاب "حقيقة" التبعية ، أو تهرب من مواجهة "واقع" الاستضعاف بالانغماس في "خيال" التمكين ، لا بد أن نحزم أمرنا ونعد عدتنا ، ونجد السير في طريق التغيير الذي يمكن أن نتبين بعض معالمه فيما يلي :
1- إقامة الفرقان الإسلامي :
بينما كـــان الاستعمار القديم يستعين بقواته العسكرية لقهر شعوب المستعمرات، لـم يـعـد الاستعمار الجديد في حاجة إلى استخدام القهر بالقوات العسكرية ، بعد أن أفلح في اختيار عملائه وصـنـائـعـه من النخبات "الوطنية" التي أشربت في قلوبها ثقافة الاستعمار وتربت على يديه ، ونشأت في كنفه ورعايته.. ثم وقفت تحت راية "الوطنية" وتخفت وراء لافتة "الإســــــلام" لتقـوم بمؤامرة "التباس" الحق بالباطل التي تفتن الأمة عن دينها، وتـمـزق وحدتها وتشتت شـمـلـهـا ، وتوجد الثغرات فيها كي ينفذ من خلالها أعداء الأمة الذين يحطمون قواها ويستنزفون طاقاتها...
لقد تمكن أعداء الأمة الإسلامية عبر النخبات الوطنية ، من مزج الإسلام بالأفكار الغربية عنه من "علمانية" وقومـيـة و "وطنية" وغيرها ، ليلتبس على الأمة أمر دينها ، وليصبح الإسلام الواحد بعقيدته ومـبـادئــه تشريعاته اسماً متعدداً بتعدد ألوان مؤامرة "الالتباس" التي تصد الأمة عن سبيل الإسلام الحق .
ومن هنا فإنه لا يمكن تحقيق انـطـلاقــة قـويـة فـي طريق إحياء الأمة الإسلامية إلا باقامة "الفرقان" الذي يرفع "الالتباس" ويسقط اللافتات الخادعة التي تتوارى خلفها العلمانية . فيتمايز الناس إلى فسطاطين : فسطاط نفاق لا إيمان فيه ، وفسطاط إيمان لا نفاق فيه.. وعـنـدهــا تخرج الأمة الإسلامية من حال التذبذب إلى الانحياز إلى دينها وشريـعـتـهــا، والانتصار لإسلامها من كل أعدائها .
2- إحياء الهوية الإسلامية :
تشكل الـهـويـة - في أية أمة - الحافز العقدي والدافع النفسي الذي يدفع الأمة في طريق التقدم والحضارة، ويقاوم في ذات الوقت الاجتياح الحضاري للأمم الأخرى.. فما هي هوية الأمة الإسلامية ؟
لا شك أن الإسلام "وحــــده" هو هوية الأمة الإسلامية ، ومحور اجتماع أفرادها ، والقوة الدافعة التي تفجر طاقاتها وتقوي وقفتها في مواجهة كل أعدائها . لقد قام العملاء من بني جلدتنا بإبعاد الإسلام كـهـويــــة للأمة الإسلامية ، وزعموا أن طريق "الإحياء الحضاري" للأمة هو "إحياء الهوية الوطنية" و "المشروع القومي المتجدد"!!
فأما "الهوية الوطنية" فقد فرقت الأمة الإسلامية إلى كيانات جزئية ومجتمعات منفصلة ، وأصبح الفرد في ظلها يعاني من"الاغتراب" و "فقدان الانتماء" للأمة، فانعزل داخل همومه الفردية واهتماماته الذاتية،.. وتـحـولــت المجتمعات الإسلامية إلى "ركام" من الأفراد لا يربطهم خيط جامع.. ووصلت الأمة إلى المعادلة الصعبة: وطن بلا مواطنين ، ومواطنون بلا وطن..
3- التربية الإسلامية الشاملة :
يتأسس بنيان المشروع الحضاري العلماني على شفا جرف هار من مفاهيم الغرب النصراني عن الدين ، والتي تجعل الإسلام مـجـمـوعة من الطقوس والشعائر لا علاقة لها بشأن من شؤون الحياة !!
ومن هنا كان تعامل زعماء العلمانية مع مشاكل الأمة الإسلامية وأزماتها الحضارية، تعاملاً ناقصاً يشوبه الاضطراب والعجز.. وما ذلك إلا لأن هؤلاء الزعماء يحاولون مصالـحـة "كل" أزمات الأمة ومشاكلها بـ "جزء" من الإسلام !!
ومن هنا فإن المشروع الحضاري الإسلامي لا بد أن يكون منهاجاً للتغيير الكامل والجذري، يـقـوم بمجابهة الأزمات الحضارية للأمة والانتكاسات الفردية والاجتماعية عبر "خطاب إســلامي شـامــل" يهتم بالجانب العقدي والتشريعي والسلوكي اهتماماً متوازناً ومتعانقاً ، يعالج السقوط العقائدي والاجتماعي والأخلاقي علاجاً شافياً..
4- إخراج الأمة المسلمة :
وفـي ظـــل عنف الحكام في معاملة خصومهم السياسيين ، وإرهابهم لكل من يعارض أمراً يهمون به . فـي ظل ذلك تخلى أكثر الأمة عن "واجب" الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالنسبة للحكام ، وآثروا العافية يأساً من الإصلاح ، ورغبة في إصلاح الذات!!
وفي ظل هذا الواقع ، لا بد أن نؤكد أن المسئولية عن الإسلام هي مسئولية كل من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمــداً رسول الله على تفاوت في الدرجات بتفاوت الاسـتـعـــدادات، والقدرات،والمواقع، والظروف.. وأن العمل الإسلامي هو جهاد "أمة" وليس جهاد "حزب" أو "جماعة" أو "تنظيم" .
ومن هنا فـإن "إخراج الأمة المسلمة" هو العلاج الحاسم ، والوقاية الحقيقية لكل المسلمين من نماذج الأنظـمـة الطاغية التي تُخرجها العلمانية ، والتي يراد بها حرق "المستضعفين" من المسلمين في أتون الظلم والقهر والاستعباد .
5- الطليعة تقود الأمة :
يضع الإسلام لقـيـادة الأمــــة الإسلامية شروطاً دقيقة ومواصفات خاصة . وتؤكد الأصول الإسلامية أن "أولي الأمر" هم "العلماء والأمراء".. بل إن أكثر المفسرين يرون أنهم "العلماء" وحدهم .
ولا شك أن هذا الاهتمام بأمر القيادة في الأمة الإسلامية ، يرجع إلى أن الأمة التي يقودها ويتولى زمام أمورها "فقهاء" و "أولو ألـبـاب" تتقدم وتنتصر ، أما الأمة التي يقودها ويتولى زمام أمورها "خطباء" لا يحسنون إلا الـتلاعب بالمشاعر والعواطف.. فإنها تبقى تتلهى بـ "الأماني" حتى إذا جابهت الأزمات لم "يفقه" حكامها من "الخطباء" ماذا يصنعون ؟ وآل أمرهم إلى الفشل ، وأحلوا أمتهم دار البوار .
ومن هنا فإنه لا سبيل إلى الإحياء الحضاري للأمة الإسلامية إلا أن يوجد في الأمة "فقهاء" يتصفـون بصفات المؤمنين ويتحركــون على أســاس من الوعي يقيم الوحي قرآناً وسنة مع الدراية بشؤون الواقع.. "فقهاء" يتميزون بمنهجيتهم وموضوعيتهم في رؤية حقائق الواقع، ومواجهة تحديات العصر..
ولكي يستطيع هؤلاء الفقهاء حمل رسالة أمتهم وتقديم العطاء الحضاري المنشود ، لا بد أن يكون عـمـلـهـم بـ "روح الـفـريـق" ولا بـد أن تربط بينهم من شبكة من العلاقات العقائدية والاجتماعية خيوطها الإيمان والتكامل والـتـنـاصــر والـجـهــاد فـي سبيل الخروج بالأمة الإسلامية من التبعية إلى الريادة ومن الاستضعاف إلى التمكين .
إن "نواة" الفقهاء التي تتسم بالفاعلية والحيوية ، تجذب إليها "صفوة" الفكر والتجارب ، و "خيرة" القدرات والإمكانات ليتكون من هؤلاء جميعاً "طليعة" قوية قادرة على تحدي كل أعداء الأمة ، ومواجهة جميع أزماتها ، والسير في طريق الإحـيـــاء الحضاري بصبر ودأب ، حتى يأذن الله بالانبعاث الإسلامي المنشود.. وإذن فإن قيادة الطـلـيـعـة المـؤمنة للأمة الإسلامية هو في حقيقة أمره "تشترطه" أسس التغيير ، وتستدعيه متطلبات التمكين.
يتابع ....
محمد محمد بدري
لا شك أن المسلم الذي يرى الحياة من خلال واقعه وليس من خلال أمـانـيه ، يدرك لأول وهلة أن "واقع" الأمة الإسلامية اليوم هو مصداق قول رسول الله -صلى الله علـيـه وسلم: »يوشك أن تداعي عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها ، قالوا : أمن قلة نحن يومئذ يا رسول الله ؟ ، قال : بل أنتم يومئذ كثير ، ولكنكم غثاء كغثاء السيل ، ولينزعــن الله المهابة من صدور أعدائكم ، وليقذفن في قلوبكم الوهن ، قالوا : وما الوهن يا رسول الله ؟ قال : حب الدنيا وكراهية الموت«(1) .
فقد أصبحت الأمة الإسلامية "غثاء" من النفايات البشرية الخاوية ، تعيش على "ضفاف" مجرى الحياة الإنسانية كدويلات متناثرة ومتصارعة،تفصل لينها حدود جغرافية ونعرات قومية مصطنعة ، وتعلوها راية "الوطنية" ، وتحكمها قـوانين الغرب العلمانية.. تدور بها "الـدوامـات" الـسـيـاسية فـلا تملك نفسها عن الدوران، ولا تختار حتى المكان الذي تدور فيه!!
لـقـد قـذف الله فـي قـلــوب المسلمين "الوهن" فأصبحت أمتهم تخاف من تكاليف الحرية ومجابهة الظلم في الداخــــل ، وتجبن عن صد الغزاة في الخارج.. فتداعت عليها الأمم ، وأحاط بها الأعداء الذين أوصلوها إلى مرحلة "القصعة المستباحة" التي حذرها إياها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
ولا ريب أن هذه الحال تـؤرق أكـثـر المسلمين وتقض مضاجعهم ، فتقفز إلى أذهانهم أسئلة بكثيرة : كيف نخرج بأمتنا من أزمـتهـا ، وننتقل بها من الاستضعاف إلى التمكين ؟ ومن التبعية إلى الريادة ؟ كيف نرفع "غثاء" الأمـــــة الإسلامية من حضيضه الذي يعيش فيه ليعود كما أراده الله خير أمة أخرجت للناس ؟
ولكن لا موغل في "حلم" الريادة البشرية على حـســـاب "حقيقة" التبعية ، أو تهرب من مواجهة "واقع" الاستضعاف بالانغماس في "خيال" التمكين ، لا بد أن نحزم أمرنا ونعد عدتنا ، ونجد السير في طريق التغيير الذي يمكن أن نتبين بعض معالمه فيما يلي :
1- إقامة الفرقان الإسلامي :
بينما كـــان الاستعمار القديم يستعين بقواته العسكرية لقهر شعوب المستعمرات، لـم يـعـد الاستعمار الجديد في حاجة إلى استخدام القهر بالقوات العسكرية ، بعد أن أفلح في اختيار عملائه وصـنـائـعـه من النخبات "الوطنية" التي أشربت في قلوبها ثقافة الاستعمار وتربت على يديه ، ونشأت في كنفه ورعايته.. ثم وقفت تحت راية "الوطنية" وتخفت وراء لافتة "الإســــــلام" لتقـوم بمؤامرة "التباس" الحق بالباطل التي تفتن الأمة عن دينها، وتـمـزق وحدتها وتشتت شـمـلـهـا ، وتوجد الثغرات فيها كي ينفذ من خلالها أعداء الأمة الذين يحطمون قواها ويستنزفون طاقاتها...
لقد تمكن أعداء الأمة الإسلامية عبر النخبات الوطنية ، من مزج الإسلام بالأفكار الغربية عنه من "علمانية" وقومـيـة و "وطنية" وغيرها ، ليلتبس على الأمة أمر دينها ، وليصبح الإسلام الواحد بعقيدته ومـبـادئــه تشريعاته اسماً متعدداً بتعدد ألوان مؤامرة "الالتباس" التي تصد الأمة عن سبيل الإسلام الحق .
ومن هنا فإنه لا يمكن تحقيق انـطـلاقــة قـويـة فـي طريق إحياء الأمة الإسلامية إلا باقامة "الفرقان" الذي يرفع "الالتباس" ويسقط اللافتات الخادعة التي تتوارى خلفها العلمانية . فيتمايز الناس إلى فسطاطين : فسطاط نفاق لا إيمان فيه ، وفسطاط إيمان لا نفاق فيه.. وعـنـدهــا تخرج الأمة الإسلامية من حال التذبذب إلى الانحياز إلى دينها وشريـعـتـهــا، والانتصار لإسلامها من كل أعدائها .
2- إحياء الهوية الإسلامية :
تشكل الـهـويـة - في أية أمة - الحافز العقدي والدافع النفسي الذي يدفع الأمة في طريق التقدم والحضارة، ويقاوم في ذات الوقت الاجتياح الحضاري للأمم الأخرى.. فما هي هوية الأمة الإسلامية ؟
لا شك أن الإسلام "وحــــده" هو هوية الأمة الإسلامية ، ومحور اجتماع أفرادها ، والقوة الدافعة التي تفجر طاقاتها وتقوي وقفتها في مواجهة كل أعدائها . لقد قام العملاء من بني جلدتنا بإبعاد الإسلام كـهـويــــة للأمة الإسلامية ، وزعموا أن طريق "الإحياء الحضاري" للأمة هو "إحياء الهوية الوطنية" و "المشروع القومي المتجدد"!!
فأما "الهوية الوطنية" فقد فرقت الأمة الإسلامية إلى كيانات جزئية ومجتمعات منفصلة ، وأصبح الفرد في ظلها يعاني من"الاغتراب" و "فقدان الانتماء" للأمة، فانعزل داخل همومه الفردية واهتماماته الذاتية،.. وتـحـولــت المجتمعات الإسلامية إلى "ركام" من الأفراد لا يربطهم خيط جامع.. ووصلت الأمة إلى المعادلة الصعبة: وطن بلا مواطنين ، ومواطنون بلا وطن..
3- التربية الإسلامية الشاملة :
يتأسس بنيان المشروع الحضاري العلماني على شفا جرف هار من مفاهيم الغرب النصراني عن الدين ، والتي تجعل الإسلام مـجـمـوعة من الطقوس والشعائر لا علاقة لها بشأن من شؤون الحياة !!
ومن هنا كان تعامل زعماء العلمانية مع مشاكل الأمة الإسلامية وأزماتها الحضارية، تعاملاً ناقصاً يشوبه الاضطراب والعجز.. وما ذلك إلا لأن هؤلاء الزعماء يحاولون مصالـحـة "كل" أزمات الأمة ومشاكلها بـ "جزء" من الإسلام !!
ومن هنا فإن المشروع الحضاري الإسلامي لا بد أن يكون منهاجاً للتغيير الكامل والجذري، يـقـوم بمجابهة الأزمات الحضارية للأمة والانتكاسات الفردية والاجتماعية عبر "خطاب إســلامي شـامــل" يهتم بالجانب العقدي والتشريعي والسلوكي اهتماماً متوازناً ومتعانقاً ، يعالج السقوط العقائدي والاجتماعي والأخلاقي علاجاً شافياً..
4- إخراج الأمة المسلمة :
وفـي ظـــل عنف الحكام في معاملة خصومهم السياسيين ، وإرهابهم لكل من يعارض أمراً يهمون به . فـي ظل ذلك تخلى أكثر الأمة عن "واجب" الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالنسبة للحكام ، وآثروا العافية يأساً من الإصلاح ، ورغبة في إصلاح الذات!!
وفي ظل هذا الواقع ، لا بد أن نؤكد أن المسئولية عن الإسلام هي مسئولية كل من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمــداً رسول الله على تفاوت في الدرجات بتفاوت الاسـتـعـــدادات، والقدرات،والمواقع، والظروف.. وأن العمل الإسلامي هو جهاد "أمة" وليس جهاد "حزب" أو "جماعة" أو "تنظيم" .
ومن هنا فـإن "إخراج الأمة المسلمة" هو العلاج الحاسم ، والوقاية الحقيقية لكل المسلمين من نماذج الأنظـمـة الطاغية التي تُخرجها العلمانية ، والتي يراد بها حرق "المستضعفين" من المسلمين في أتون الظلم والقهر والاستعباد .
5- الطليعة تقود الأمة :
يضع الإسلام لقـيـادة الأمــــة الإسلامية شروطاً دقيقة ومواصفات خاصة . وتؤكد الأصول الإسلامية أن "أولي الأمر" هم "العلماء والأمراء".. بل إن أكثر المفسرين يرون أنهم "العلماء" وحدهم .
ولا شك أن هذا الاهتمام بأمر القيادة في الأمة الإسلامية ، يرجع إلى أن الأمة التي يقودها ويتولى زمام أمورها "فقهاء" و "أولو ألـبـاب" تتقدم وتنتصر ، أما الأمة التي يقودها ويتولى زمام أمورها "خطباء" لا يحسنون إلا الـتلاعب بالمشاعر والعواطف.. فإنها تبقى تتلهى بـ "الأماني" حتى إذا جابهت الأزمات لم "يفقه" حكامها من "الخطباء" ماذا يصنعون ؟ وآل أمرهم إلى الفشل ، وأحلوا أمتهم دار البوار .
ومن هنا فإنه لا سبيل إلى الإحياء الحضاري للأمة الإسلامية إلا أن يوجد في الأمة "فقهاء" يتصفـون بصفات المؤمنين ويتحركــون على أســاس من الوعي يقيم الوحي قرآناً وسنة مع الدراية بشؤون الواقع.. "فقهاء" يتميزون بمنهجيتهم وموضوعيتهم في رؤية حقائق الواقع، ومواجهة تحديات العصر..
ولكي يستطيع هؤلاء الفقهاء حمل رسالة أمتهم وتقديم العطاء الحضاري المنشود ، لا بد أن يكون عـمـلـهـم بـ "روح الـفـريـق" ولا بـد أن تربط بينهم من شبكة من العلاقات العقائدية والاجتماعية خيوطها الإيمان والتكامل والـتـنـاصــر والـجـهــاد فـي سبيل الخروج بالأمة الإسلامية من التبعية إلى الريادة ومن الاستضعاف إلى التمكين .
إن "نواة" الفقهاء التي تتسم بالفاعلية والحيوية ، تجذب إليها "صفوة" الفكر والتجارب ، و "خيرة" القدرات والإمكانات ليتكون من هؤلاء جميعاً "طليعة" قوية قادرة على تحدي كل أعداء الأمة ، ومواجهة جميع أزماتها ، والسير في طريق الإحـيـــاء الحضاري بصبر ودأب ، حتى يأذن الله بالانبعاث الإسلامي المنشود.. وإذن فإن قيادة الطـلـيـعـة المـؤمنة للأمة الإسلامية هو في حقيقة أمره "تشترطه" أسس التغيير ، وتستدعيه متطلبات التمكين.
يتابع ....