بويك ون
05-08-2002, 04:24 AM
أقدم الأفغان العرب يتحدث لـ«الشرق الأوسط» عن مسيرته التي أوصلته في النهاية إلى السجن في السعودية
* كنت أحد شهود ميلاد تنظيم «القاعدة» قبل 12 عاماً وكانت الفكرة مصرية * في مجلس بن لادن سمعت كلاما عن تأسيس جيش إسلامي يكون ثمرة من ثمار ما صرفه بن لادن على الجهاد الأفغاني * تجاهلني الناس بسبب فتوى ورد فيها اسمي تناقض فتوى عزام عن الجهاد * عندما ذهبنا الى جبهات القتال وجدنا بن لادن في معسكر المدينة أميرا له ومعه أربعة من زملاء دراسته * قابلت رباني وقال لي: لسنا بحاجة إلى مجاهدين بل إلى أموال ومواد إغاثية * ما هي قصة أول لقاء جمع بين السريحي وبن لادن؟ * أدعو الشباب إلى اتباع كلام أهل العلم الثقات * اختيار أفراد لـ«القاعدة» يتم وفق مواصفات خاصة * مقتل عزام تزامن مع حصول انتخابات بين الأفغان العرب لاختيار أمير للجهاد وظهور فكرة قيام تنظيم «القاعدة» * بن لادن يعاني من أمراض الكلى وهبوط في الضغط والسكري * لاحظت أن مبادئ وسلوكيات بن لادن اختلفت عن بدء التحاقه بالجهاد * نصحت بن لادن عندما كان في السودان للعودة الى السعودية فقال لي: أشعر بشوق وحنين للعيش في المدينة المنورة * انتهاكات وقضايا إنسانية وأخلاقية تعرض لها كثير من الشبان أثناء أعمالهم الجهادية يندى لها الجبين * ما حصل في الرياض والخبر ونيويورك وواشنطن لا يقبله الشرع
حوار: حاسن البنيان
تكشفت أوراق خطيرة وخفايا مذهلة حول اللقاء السري الذي جرى في منزل بن لادن في بيشاور عام 1989، وضم اثنين من قادة «الجهاد الاسلامي» في مصر، حيث جرى الترتيب لاعلان ميلاد تنظيم «القاعدة» لاحتواء الشباب المسلم المجاهد بعد انتهاء مرحلة الجهاد الأفغاني لانضوائهم في إطار هذا التنظيم الذي شكل نواة قيام جيش اسلامي مدرب لإعلان الجهاد في أية بقعة في العالم.
«الشرق الأوسط» التقت حسن بن عبد ربه السريحي (48 عاماً) المعروف بـ«أبو عبد الرحمن» من أحد قدامى المجاهدين الذين زاملوا بن لادن وعزام في الجهاد الإسلامي قبل 15 عاماً، وكان أحد 4 شهود ليلة تأسيس «القاعدة»، وكان قد أدين بعد اعترافه بارتكاب عدة تجاوزات تتعلق بأمن الدولة وصدر بحقه حكم شرعي مميز يقضي بسجنه حيث أمضى 6 سنوات من محكوميته ثم صدر أخيراً مع اطلالة شهر رمضان المبارك أمر سام باطلاق سراحه والعفو عنه لسلوكه وتعامله المثالي داخل السجن.
وقد أبدى السريحي، الذي كان يعمل إماماً لمسجد الشيخ عبد العزيز بن باز ـ رحمه الله ـ في حي الششه بمكة المكرمة ندمه وأسفه لما بدر منه من أعمال وتصرفات تستوجب المواطنة الحقة البعد عنها لما يمكن أن تسببه من اساءات واضرار تلحق بالأفراد والمجتمع والأمن القومي وتهدد تماسك الجبهة الداخلية للبلاد.
وكشف الرجل عن محاولات من قبل بن لادن لاقناعه بالانضمام إلى «القاعدة».
وتطرق إلى مصلحة المصريين في عملية تصفية عبد الله عزام باغتياله لافساح الطريق لابن لادن ليكون أميراً على الجماعات الإسلامية.
ودار بين «الشرق الأوسط» والسريحي الحوار التالي:
* ما هي ظروف التحاقك بالجهاد؟
ـ كنت على صلة وثيقة بالشيخ محمد بن صالح بن عثيمين ـ يرحمه الله ـ وكان ذلك في عام 1986، وقد راج في البلد لغط كثير حول الجهاد الاسلامي في افغانستان لمقاومة المحتل الشيوعي من القوات الروسية وذلك عندما تم توزيع منشور صادر عن الدكتور عبد الله عزام كان له انتشار واسع بين أوساط مجتمع الشباب ويتضمن فتوى تدعو الى الجهاد ومن أنه من أهم فروض الاعيان بمعنى أن تارك الجهاد كتارك الصلاة، هذه الفتوى تسببت في اشعال ذروة حماس الشباب نحو الجهاد وبدأ كثير منهم يجهز نفسه استعداداً للسفر الى افغانستان، وبحكم أنني كنت الأكبر سناً بين تلامذة الشيخ بن عثيمين، فقد طلب مني الذهاب إلى افغانستان لاستيضاح الاوضاع والوقوف على الحقائق ولقاء المسؤولين عن الجهاد هناك.
وذهبت بالفعل الى بيشاور، وجدت شاباً عربياً في المطار، فوجئت أنه يرحب بي لرؤيته شكلي ومن انني عربي مثله، وعرض علي ان كنت راغباً في لقاء أحد أمراء الجهاد، أجبته ان هذه هي الغاية التي جئت من أجلها، وأخذني الى دار ضيافة والى جوارها مكتب لتسهيل الخدمات لطالبي الجهاد، عرفت انه تابع للشيخ عبد الله عزام، ولم يكن وقتها موجوداً في المكان. كانت مهمة هذا المكتب مساعدة واعانة وتدريب الراغبين في الجهاد واستضافتهم وامدادهم بالسلاح، وعندما لم أجد عزام، طلبت لقاء أحد القادة الأفغان فاخذوني الى مقر الجمعية الاسلامية التي يتزعمها برهان الدين رباني، الذي لم أجده ايضا، وقيل لي انه سيعود بعد اسبوع، وجدت في مقره مجموعة من المسؤولين ومن أقارب رباني نفسه، وطلبت منهم أن يسمحوا لي بالتعرف على أوضاع المجاهدين، وقالوا لي ان المسافة بعيدة ومضنية، وعليك أن تكون جاهزاً في الغد بعد صلاة الفجر مباشرة، وكنت مستعداً في نفس الموعد، واسعفني الحظ أن كان من بين مرافقي واحد من الأفغان ممن يجيد اللغة العربية حيث كان يعمل في السعودية، وذهبنا الى المواقع المتقدمة على الجبهة، واستمر مشوارنا في السيارة للوصول 11 ساعة، وكان المرافق يشرح لي عندما وصلنا للموقع عن معسكرات تخص عبد رب الرسول سياف واخرى لقلب الدين حكمتيار، وكانت هذه المعسكرات عبارة عن خيام ومبان طينية مقامة بطريقة بدائية وعشوائية، اقمت بينهم شهراً كاملاً اتنقل بين المجاهدين للتعرف على احوالهم واوضاعهم، وقد لمست ان الافغان كانوا يتوقعون انني رجل اغاثة سعودي سيقدم العون والمساعدة الاغاثية لهم، وكل فئة تريد استمالتي اليها لتظفر بحصيلة أكبر من التبرعات، وعندما عاد برهان الدين رباني الى مقر الجمعية الاسلامية في بيشاور رتبوا لي لقاء معه، واخبرته انني مبعوث من قبل الشيخ محمد بن عثيمين، واطلعته على ردود الفعل التي نتجت في السعودية بين الشباب خاصة من جراء منشور عبد الله عزام الذي يتضمن فتوى بطلب الجهاد، قال لي: انت جئت هنا وشاهدت الافغان وهم كثر لهذا نحن لسنا في حاجة الى المزيد من المجاهدين، فالذي نحتاجه فقط هو تجهيز المجاهدين من الافغان لأننا في أمس الحاجة للمواد الاغاثية والمادية أكثر من أي شيء آخر. وقال: نحن لا نستغني عند دعمكم ومساعدتكم لنا. وسعدت بأن أسمع مثل هذا الكلام من رجل مسؤول أفغاني كبير، حاولت أن التقي قادة ومسؤولين أفغانا آخرين، وابلغوني أنهم موجودون في الداخل ومن ان المواصلات صعبة ومتعبة، واكتفيت بلقاء رباني، وعدت الى السعودية للقاء الشيخ بن عثيمين وابلاغه بنتائج رحلتي، وقلت لرباني هذا الشيء وهو انني سأخبر شيخنا برغبته، ومن أن الشيخ محمد سيعمل على اصدار فتوى شرعية تطلب وتحث المجتمع السعودي والمسلم على مد يد العون بالتبرع للمجاهدين، لأن فتوى عزام كانت على النقيض، وكان لها وقع مؤثر بين أوساط الشباب.
* ثم التقيت الشيخ بن عثيمين..
ـ نعم.. التقيته في مسجده الطيني في عنيزة، وكان عنده اثنان من أهل القصيم، أبلغته بنتائج رحلتي، ولقائي مع رباني، وطلب الشيخ ـ يرحمه لله ـ ان يكون اللقاء معي مسجلاً على شريط، وأعد أحد الاخوة الموجودين مقدمة الشريط، ثم أمرني الشيخ ان اتحدث بما عرفت، وعندما فرغت من كلامي، بدأ الشيخ يوجه لي عدة أسئلة حول رحلتي وأنا أجيبه، ثم اختتم بن عثيمين الشريط بالقول: لقد أصبح الوضع في افغانستان الآن واضحاً وجلياً، ومن أنه يفتي بناء على الكلام الذي سمعه من «أبو عبد الرحمن» ـ وهو يقصدني ـ والذي ذهب الى المنطقة الفلانية وقابل برهان الدين رباني، وعلى هذا الكلام أفتى بأنه «لا ينبغي للشباب أن يذهبوا للجهاد، وانما العمل على مد يد العون والمساعدة لاخوانهم عن طريق الهيئات الاغاثية، وان يتفرغ الشباب للاتجاه لطلب العلم». كانت هذه فحوى ومضمون فتوى الشيخ بن عثيمين التي اشتمل عليها الشريط الذي جرى تداوله بين الناس لفترة طويلة.
* ماالذي حدث بعد صدور فتوى بن عثيمين؟
ـ تعرضت شخصياً، خاصة انني كنت إمام مسجد الشيخ عبد العزيز بن باز ـ يرحمه الله ـ في الششه بمكة المكرمة لانتقاد الكثيرين خاصة الشباب منهم، الذين أعرضوا حتى عن السلام علي.. وكثر الكلام عني انني أعمل على صد توجه الشباب للجهاد ومن انني عملت على اقناع الشيخ بن عثيمين بعد عودتي من افغانستان، وهذا يعني أنني كنت ضد التيار الجارف وقتها حيث كل المجتمع السعودي يتحدث عن الجهاد، ومن خلال الخطب التي تلقى في الحرمين الشريفين، وفي كافة الجوامع والمساجد وبين العلماء وطلبة العلم وفي المجالس والمنتديات على امتداد السعودية كلها، هذا الكلام حز في نفسي وتأثرت منه كثيراً، وقررت أن أذهب من مكة إلى عنيزة للقاء شيخي ابن عثيمين لاخباره بالذي حصل، وفوجئت أن شيخنا «وصله العلم» ـ أي سمع بما يقال عني ـ قلت للشيخ: وماذا تريدني أن أعمل؟، رد عليّ بالقول: ليس هناك أفضل من أن تعمل لاخراس ألسنة مثل هؤلاء الذين لا يعرفون مصلحة أنفسهم، وهو أن تعاود الذهاب إلى الجهاد، وتلتقي بقادة أفغان آخرين غير رباني، وأن تقيم هناك فترة مستطاعة، ثم تعود إلى المملكة لتخرس هذه الألسن، واستجبت بالفعل لنصيحة الشيخ، وعدت إلى الجهاد في عام ( 1987 ).
* يعني كنت مقتنعاً بمشورة الشيخ بن عثيمين..
ـ بالتأكيد، لأنني أحسست بانزعاج لما يثار عني حتى أصبح الناس يتجاهلونني ولا يسلمون عليّ في المسجد الذي أصلي فيه في مكة.
* هل اصطحبت معك أحداً الى الجهاد؟
ـ كنت أعمل جاهداً في أن لا يذهب معي أحد، لكن الوضع هذه المرة تغير بسرعة، فليس الأمر مثل المرة الأولى التي سافرت فيها، فالذاهبون الى الجهاد كثر، لأنني عندما أردت الحصول على تذكرة سفر وجدت جموعاً سبقوني الى مكتب الحجز الى اسلام أباد، وكان معي على نفس الرحلة ما يقرب من 20 شاباً سعودياً من مختلف المدن، وفي بعض الأحيان يصل الى 75 شاباً تقريباً في كل رحلة، بمعنى أن يصل عددهم إلى 225 شاباً في ثلاث رحلات خلال الاسبوع الواحد.
المهم عدت، ووجدت أن الأوضاع في مطار بيشاور تغيرت هي أيضاً عن المرة الأولى، ففي هذه المرة وجدت أفراداً يستقبلون القادمين إلى الجهاد ويرحب بهم ويسهلون اجراءات دخولهم ويؤمنون حافلات لنقلهم.
* من هم الذين وراء هذه الترتيبات؟
ـ ليس هناك أحد غيره في بيشاور في ذلك الوقت.. انه عبد الله عزام.
* كيف كان انطباعك عن أول لقاء يجمعك بعبد الله عزام؟
ـ نقلوني من المطار إلى موقعه، حيث كان لديه معسكر لتدريب الشباب على الأسلحة الخفيفة واعطاء دروس فقهية في مسجد صغير مجاور. عندما جئت وجدته يخطب في الجمع، ورآني ومن معي من الشباب فتوقف عن الحديث، وأقبل علينا مرحباً، ووجه السؤال لي شخصياً دون الآخرين: من أنت؟ وما هو اسمك؟ أجبته: «أبو عبد الرحمن»، رد عليّ: لدينا هنا الكثيرون ممن يسمون بـ«أبو عبد الرحمن»، قلت له: هذا هو اللقب الذي عُرفت به من صغري: أجابني: لا.. لا بد أن تغير لقبك..! رددت عليه: هذا شأني، فلا أرغب في تغيير لقبي.
وحقيقة استغربت منه ذلك، ثم رحب بنا وقال: اذا أردتم أن تبقوا هنا فأهلاً وسهلاً، وان اردتم غير ذلك فهذا يرجع لكم.. قال هذا الكلام، وجمع من الشباب وأغلبهم من السعوديين يستمعون لما يقوله، والبعض منهم عرفني لأنهم من مكة المكرمة، فنهضوا قائمين وأخذوا أمتعتهم، وانسحبوا من المكان، وانضموا اليّ لأنهم عرفوا أنني سأذهب الى جبهات القتال.
* كنت أحد شهود ميلاد تنظيم «القاعدة» قبل 12 عاماً وكانت الفكرة مصرية * في مجلس بن لادن سمعت كلاما عن تأسيس جيش إسلامي يكون ثمرة من ثمار ما صرفه بن لادن على الجهاد الأفغاني * تجاهلني الناس بسبب فتوى ورد فيها اسمي تناقض فتوى عزام عن الجهاد * عندما ذهبنا الى جبهات القتال وجدنا بن لادن في معسكر المدينة أميرا له ومعه أربعة من زملاء دراسته * قابلت رباني وقال لي: لسنا بحاجة إلى مجاهدين بل إلى أموال ومواد إغاثية * ما هي قصة أول لقاء جمع بين السريحي وبن لادن؟ * أدعو الشباب إلى اتباع كلام أهل العلم الثقات * اختيار أفراد لـ«القاعدة» يتم وفق مواصفات خاصة * مقتل عزام تزامن مع حصول انتخابات بين الأفغان العرب لاختيار أمير للجهاد وظهور فكرة قيام تنظيم «القاعدة» * بن لادن يعاني من أمراض الكلى وهبوط في الضغط والسكري * لاحظت أن مبادئ وسلوكيات بن لادن اختلفت عن بدء التحاقه بالجهاد * نصحت بن لادن عندما كان في السودان للعودة الى السعودية فقال لي: أشعر بشوق وحنين للعيش في المدينة المنورة * انتهاكات وقضايا إنسانية وأخلاقية تعرض لها كثير من الشبان أثناء أعمالهم الجهادية يندى لها الجبين * ما حصل في الرياض والخبر ونيويورك وواشنطن لا يقبله الشرع
حوار: حاسن البنيان
تكشفت أوراق خطيرة وخفايا مذهلة حول اللقاء السري الذي جرى في منزل بن لادن في بيشاور عام 1989، وضم اثنين من قادة «الجهاد الاسلامي» في مصر، حيث جرى الترتيب لاعلان ميلاد تنظيم «القاعدة» لاحتواء الشباب المسلم المجاهد بعد انتهاء مرحلة الجهاد الأفغاني لانضوائهم في إطار هذا التنظيم الذي شكل نواة قيام جيش اسلامي مدرب لإعلان الجهاد في أية بقعة في العالم.
«الشرق الأوسط» التقت حسن بن عبد ربه السريحي (48 عاماً) المعروف بـ«أبو عبد الرحمن» من أحد قدامى المجاهدين الذين زاملوا بن لادن وعزام في الجهاد الإسلامي قبل 15 عاماً، وكان أحد 4 شهود ليلة تأسيس «القاعدة»، وكان قد أدين بعد اعترافه بارتكاب عدة تجاوزات تتعلق بأمن الدولة وصدر بحقه حكم شرعي مميز يقضي بسجنه حيث أمضى 6 سنوات من محكوميته ثم صدر أخيراً مع اطلالة شهر رمضان المبارك أمر سام باطلاق سراحه والعفو عنه لسلوكه وتعامله المثالي داخل السجن.
وقد أبدى السريحي، الذي كان يعمل إماماً لمسجد الشيخ عبد العزيز بن باز ـ رحمه الله ـ في حي الششه بمكة المكرمة ندمه وأسفه لما بدر منه من أعمال وتصرفات تستوجب المواطنة الحقة البعد عنها لما يمكن أن تسببه من اساءات واضرار تلحق بالأفراد والمجتمع والأمن القومي وتهدد تماسك الجبهة الداخلية للبلاد.
وكشف الرجل عن محاولات من قبل بن لادن لاقناعه بالانضمام إلى «القاعدة».
وتطرق إلى مصلحة المصريين في عملية تصفية عبد الله عزام باغتياله لافساح الطريق لابن لادن ليكون أميراً على الجماعات الإسلامية.
ودار بين «الشرق الأوسط» والسريحي الحوار التالي:
* ما هي ظروف التحاقك بالجهاد؟
ـ كنت على صلة وثيقة بالشيخ محمد بن صالح بن عثيمين ـ يرحمه الله ـ وكان ذلك في عام 1986، وقد راج في البلد لغط كثير حول الجهاد الاسلامي في افغانستان لمقاومة المحتل الشيوعي من القوات الروسية وذلك عندما تم توزيع منشور صادر عن الدكتور عبد الله عزام كان له انتشار واسع بين أوساط مجتمع الشباب ويتضمن فتوى تدعو الى الجهاد ومن أنه من أهم فروض الاعيان بمعنى أن تارك الجهاد كتارك الصلاة، هذه الفتوى تسببت في اشعال ذروة حماس الشباب نحو الجهاد وبدأ كثير منهم يجهز نفسه استعداداً للسفر الى افغانستان، وبحكم أنني كنت الأكبر سناً بين تلامذة الشيخ بن عثيمين، فقد طلب مني الذهاب إلى افغانستان لاستيضاح الاوضاع والوقوف على الحقائق ولقاء المسؤولين عن الجهاد هناك.
وذهبت بالفعل الى بيشاور، وجدت شاباً عربياً في المطار، فوجئت أنه يرحب بي لرؤيته شكلي ومن انني عربي مثله، وعرض علي ان كنت راغباً في لقاء أحد أمراء الجهاد، أجبته ان هذه هي الغاية التي جئت من أجلها، وأخذني الى دار ضيافة والى جوارها مكتب لتسهيل الخدمات لطالبي الجهاد، عرفت انه تابع للشيخ عبد الله عزام، ولم يكن وقتها موجوداً في المكان. كانت مهمة هذا المكتب مساعدة واعانة وتدريب الراغبين في الجهاد واستضافتهم وامدادهم بالسلاح، وعندما لم أجد عزام، طلبت لقاء أحد القادة الأفغان فاخذوني الى مقر الجمعية الاسلامية التي يتزعمها برهان الدين رباني، الذي لم أجده ايضا، وقيل لي انه سيعود بعد اسبوع، وجدت في مقره مجموعة من المسؤولين ومن أقارب رباني نفسه، وطلبت منهم أن يسمحوا لي بالتعرف على أوضاع المجاهدين، وقالوا لي ان المسافة بعيدة ومضنية، وعليك أن تكون جاهزاً في الغد بعد صلاة الفجر مباشرة، وكنت مستعداً في نفس الموعد، واسعفني الحظ أن كان من بين مرافقي واحد من الأفغان ممن يجيد اللغة العربية حيث كان يعمل في السعودية، وذهبنا الى المواقع المتقدمة على الجبهة، واستمر مشوارنا في السيارة للوصول 11 ساعة، وكان المرافق يشرح لي عندما وصلنا للموقع عن معسكرات تخص عبد رب الرسول سياف واخرى لقلب الدين حكمتيار، وكانت هذه المعسكرات عبارة عن خيام ومبان طينية مقامة بطريقة بدائية وعشوائية، اقمت بينهم شهراً كاملاً اتنقل بين المجاهدين للتعرف على احوالهم واوضاعهم، وقد لمست ان الافغان كانوا يتوقعون انني رجل اغاثة سعودي سيقدم العون والمساعدة الاغاثية لهم، وكل فئة تريد استمالتي اليها لتظفر بحصيلة أكبر من التبرعات، وعندما عاد برهان الدين رباني الى مقر الجمعية الاسلامية في بيشاور رتبوا لي لقاء معه، واخبرته انني مبعوث من قبل الشيخ محمد بن عثيمين، واطلعته على ردود الفعل التي نتجت في السعودية بين الشباب خاصة من جراء منشور عبد الله عزام الذي يتضمن فتوى بطلب الجهاد، قال لي: انت جئت هنا وشاهدت الافغان وهم كثر لهذا نحن لسنا في حاجة الى المزيد من المجاهدين، فالذي نحتاجه فقط هو تجهيز المجاهدين من الافغان لأننا في أمس الحاجة للمواد الاغاثية والمادية أكثر من أي شيء آخر. وقال: نحن لا نستغني عند دعمكم ومساعدتكم لنا. وسعدت بأن أسمع مثل هذا الكلام من رجل مسؤول أفغاني كبير، حاولت أن التقي قادة ومسؤولين أفغانا آخرين، وابلغوني أنهم موجودون في الداخل ومن ان المواصلات صعبة ومتعبة، واكتفيت بلقاء رباني، وعدت الى السعودية للقاء الشيخ بن عثيمين وابلاغه بنتائج رحلتي، وقلت لرباني هذا الشيء وهو انني سأخبر شيخنا برغبته، ومن أن الشيخ محمد سيعمل على اصدار فتوى شرعية تطلب وتحث المجتمع السعودي والمسلم على مد يد العون بالتبرع للمجاهدين، لأن فتوى عزام كانت على النقيض، وكان لها وقع مؤثر بين أوساط الشباب.
* ثم التقيت الشيخ بن عثيمين..
ـ نعم.. التقيته في مسجده الطيني في عنيزة، وكان عنده اثنان من أهل القصيم، أبلغته بنتائج رحلتي، ولقائي مع رباني، وطلب الشيخ ـ يرحمه لله ـ ان يكون اللقاء معي مسجلاً على شريط، وأعد أحد الاخوة الموجودين مقدمة الشريط، ثم أمرني الشيخ ان اتحدث بما عرفت، وعندما فرغت من كلامي، بدأ الشيخ يوجه لي عدة أسئلة حول رحلتي وأنا أجيبه، ثم اختتم بن عثيمين الشريط بالقول: لقد أصبح الوضع في افغانستان الآن واضحاً وجلياً، ومن أنه يفتي بناء على الكلام الذي سمعه من «أبو عبد الرحمن» ـ وهو يقصدني ـ والذي ذهب الى المنطقة الفلانية وقابل برهان الدين رباني، وعلى هذا الكلام أفتى بأنه «لا ينبغي للشباب أن يذهبوا للجهاد، وانما العمل على مد يد العون والمساعدة لاخوانهم عن طريق الهيئات الاغاثية، وان يتفرغ الشباب للاتجاه لطلب العلم». كانت هذه فحوى ومضمون فتوى الشيخ بن عثيمين التي اشتمل عليها الشريط الذي جرى تداوله بين الناس لفترة طويلة.
* ماالذي حدث بعد صدور فتوى بن عثيمين؟
ـ تعرضت شخصياً، خاصة انني كنت إمام مسجد الشيخ عبد العزيز بن باز ـ يرحمه الله ـ في الششه بمكة المكرمة لانتقاد الكثيرين خاصة الشباب منهم، الذين أعرضوا حتى عن السلام علي.. وكثر الكلام عني انني أعمل على صد توجه الشباب للجهاد ومن انني عملت على اقناع الشيخ بن عثيمين بعد عودتي من افغانستان، وهذا يعني أنني كنت ضد التيار الجارف وقتها حيث كل المجتمع السعودي يتحدث عن الجهاد، ومن خلال الخطب التي تلقى في الحرمين الشريفين، وفي كافة الجوامع والمساجد وبين العلماء وطلبة العلم وفي المجالس والمنتديات على امتداد السعودية كلها، هذا الكلام حز في نفسي وتأثرت منه كثيراً، وقررت أن أذهب من مكة إلى عنيزة للقاء شيخي ابن عثيمين لاخباره بالذي حصل، وفوجئت أن شيخنا «وصله العلم» ـ أي سمع بما يقال عني ـ قلت للشيخ: وماذا تريدني أن أعمل؟، رد عليّ بالقول: ليس هناك أفضل من أن تعمل لاخراس ألسنة مثل هؤلاء الذين لا يعرفون مصلحة أنفسهم، وهو أن تعاود الذهاب إلى الجهاد، وتلتقي بقادة أفغان آخرين غير رباني، وأن تقيم هناك فترة مستطاعة، ثم تعود إلى المملكة لتخرس هذه الألسن، واستجبت بالفعل لنصيحة الشيخ، وعدت إلى الجهاد في عام ( 1987 ).
* يعني كنت مقتنعاً بمشورة الشيخ بن عثيمين..
ـ بالتأكيد، لأنني أحسست بانزعاج لما يثار عني حتى أصبح الناس يتجاهلونني ولا يسلمون عليّ في المسجد الذي أصلي فيه في مكة.
* هل اصطحبت معك أحداً الى الجهاد؟
ـ كنت أعمل جاهداً في أن لا يذهب معي أحد، لكن الوضع هذه المرة تغير بسرعة، فليس الأمر مثل المرة الأولى التي سافرت فيها، فالذاهبون الى الجهاد كثر، لأنني عندما أردت الحصول على تذكرة سفر وجدت جموعاً سبقوني الى مكتب الحجز الى اسلام أباد، وكان معي على نفس الرحلة ما يقرب من 20 شاباً سعودياً من مختلف المدن، وفي بعض الأحيان يصل الى 75 شاباً تقريباً في كل رحلة، بمعنى أن يصل عددهم إلى 225 شاباً في ثلاث رحلات خلال الاسبوع الواحد.
المهم عدت، ووجدت أن الأوضاع في مطار بيشاور تغيرت هي أيضاً عن المرة الأولى، ففي هذه المرة وجدت أفراداً يستقبلون القادمين إلى الجهاد ويرحب بهم ويسهلون اجراءات دخولهم ويؤمنون حافلات لنقلهم.
* من هم الذين وراء هذه الترتيبات؟
ـ ليس هناك أحد غيره في بيشاور في ذلك الوقت.. انه عبد الله عزام.
* كيف كان انطباعك عن أول لقاء يجمعك بعبد الله عزام؟
ـ نقلوني من المطار إلى موقعه، حيث كان لديه معسكر لتدريب الشباب على الأسلحة الخفيفة واعطاء دروس فقهية في مسجد صغير مجاور. عندما جئت وجدته يخطب في الجمع، ورآني ومن معي من الشباب فتوقف عن الحديث، وأقبل علينا مرحباً، ووجه السؤال لي شخصياً دون الآخرين: من أنت؟ وما هو اسمك؟ أجبته: «أبو عبد الرحمن»، رد عليّ: لدينا هنا الكثيرون ممن يسمون بـ«أبو عبد الرحمن»، قلت له: هذا هو اللقب الذي عُرفت به من صغري: أجابني: لا.. لا بد أن تغير لقبك..! رددت عليه: هذا شأني، فلا أرغب في تغيير لقبي.
وحقيقة استغربت منه ذلك، ثم رحب بنا وقال: اذا أردتم أن تبقوا هنا فأهلاً وسهلاً، وان اردتم غير ذلك فهذا يرجع لكم.. قال هذا الكلام، وجمع من الشباب وأغلبهم من السعوديين يستمعون لما يقوله، والبعض منهم عرفني لأنهم من مكة المكرمة، فنهضوا قائمين وأخذوا أمتعتهم، وانسحبوا من المكان، وانضموا اليّ لأنهم عرفوا أنني سأذهب الى جبهات القتال.