PDA

View Full Version : الإسلاميون والثورة الإرترية !!!


الفجر
05-08-2002, 10:16 AM
الإسلاميون والثورة الإرترية
د. جلال الدين محمد صالح /6/3/2002م


كنت قد كتبت عن الحركة الإسلامية في القرن الإفريقي، العمق التاريخي، والتعدد المذهبي، وأتبعه اليوم هذا المقال الذي عنونته بعنوان ( الإسلاميون والثورة الإرترية) تأكيدا، وبيانا لأصالة الدور الإسلامي، الذي خالط المسألة الإرترية، وارتبط بها من أول يوم برزت فيه على الوجود كمشكلة سياسية، وتركة استعمارية،خلفها الوجود الإيطالي في القارة الإفريقية، يتنازعها أكثر من حل سياسي، منه ما يتجه بها تارة نحو السودان تقسيما، وتارة أخرى نحو إثيوبيا إلحاقا، وتعود جذور هذا الارتباط المصيري، والتاريخي الوثيق بين الإسلاميين والمسألة الإرترية إلى نشأة حزب الرابطة الإسلامية، الساعد الإسلامي العنيد، الذي أعاق كل محاولات إلغاء إرتريا بحدودها الجغرافية المعروفة، من ساحة الوجود الدولي، واستطاع في النهاية أن يجعل منها قضية حية، تناقش في أروقة الأمم المتحدة، وحقا مشروعا من ورائه ثورة شعبية، من غير أن يعني هذا أن الرابطة الإسلامية، كانت تحمل وقتئذ ما يحمله الإسلاميون اليوم من مشروع حضاري، يستهدف حكم إرتريا بنظام إسلامي، فإن لكل مرحلة تاريخية خصائصها الفكرية، وأولوياتها الضرورية، ومن ثم من الخطأ إثبات إسلامية الرابطة أو نفيها، بمحاكمة حلولها السياسية في الحكم والإدارة إلى ثوابت المشروع الإسلامي المعاصر، كما يطرحه الإسلاميون اليوم ويبشرون به، وإنما لا بد من البحث عن مرجعية منطلقاتها الوطنية، ودوافعها الأساسية، التي جعلت منها تيارا حادا، بالذات في مواجهة سياسات الرغبة الإثيوبية، بجانب الرصيد الفكري، والتراث الأسري في التكوين التربوي، لأبرز زعاماتها القيادية، فإن هذا وحده كاف لإثبات هذه الهوية أو نفيها، وبالرغم من وجود تفسير يعيد هذا الدافع إلى شعور طبقي، ويختزل الرابطة الإسلامية في أنها تعبير عن حالة اجتماعية في المقام الأول " انبثقت من حركة الأقنان المعادية للإقطاع في المنخفضات…"، طبقا لما جاء في كتاب (وراء الحرب في إرتريا ص111 إعداد برخت هبتي سلاسي وآخرين)، فإن وثائق الرابطة تقرر حقيقة أخرى، غير تلك التي أبرزها التفسير المشار إليه، وهو في الحقيقة تفسير لا يمثل إلا محاولة يائسة لتجريد الرابطة من صبغتها الإسلامية، وسلب الإسلام دوره الوطني، انطلاقا من التفسير المادي للتاريخ، الذي يحصر دوافع الإنسان في الجانب المادي، زاعما أن كل تصرفاته السياسية، ومفاهيمه الأخلاقية، إنما هي انعكاس لهذا الجانب ليس إلا، وهو تفسير أثبتت وقائع الأيام خلله وخرفه، ويبدو أن هذا التفسير يستند إلى موقف الشيخ إبراهيم سلطان في مسألة التجري والشماقلي، ومهما كان الحكم على هذا الموقف من حيث أولويته في ذلكم الظرف، وتلكم المرحلة، فإن الإسلام يرفض المفاضلة بين الناس على أساس طبقي، وليس هناك ما يمنع من التعبير عن مثل هذا الموقف إسلاميا، ولكن من مجافاة الموضوعية ومجانبتها، أن يجعل هذا التفسير من هذه الموقف دون غيره من المواقف الأساسية والبارزة بشكل واضح وجلي، ركيزة حكمه على حركة سياسية ضمت مختلف طبقات المجتمع الإسلامي الإرتري، وانطلقت في تأسيس ذاتها من منطلقات عقدية، باسم الإسلام، وتحت زعامة إسلامية، تستمد شرعيتها من الانتساب إلى بيت النبوة، تمثلت في قيادة السيد بكري المرغني، بأنها حركة طبقية قامت لمعاداة الإقطاع في المنخفضات، فإن هذا يتنافى مع أبسط معطيات الواقع التاريخي، بالإضافة إلى أنه يتعارض مع ما أعلنته الرابطة بشكل صريح أمام المجتمع الدولي، من أنها تمثل المسلمين، وتدافع عن مصالحهم، وذلك عندما وقف رئيس وفدها السيد إبراهيم سلطان رحمه الله، أمام اللجنة السياسية في الأمم المتحدة في 20/4/1949م قائلا: إن منظمته تدافع عن مصالح المسلمين. وفقا لما ذكره رجب حراز في كتابه الأمم المتحدة وقضية إرتريا ص 45 معهد البحوث والدراسات العربية.
أضف إلى ذلك أن الشهيد عبد القادر صالح كبيري وضح بما لا يترك مجالا لكل تفسير متهافت أسباب تأسيس الرابطة الإسلامية، ومبررات رفض الالتحاق بإثيوبيا في رسالة كتبها في 25/8/1947م إلى (كولير نور)، الذي كان يسكن وقتها (مقديشو)، يقول فيها: "نحن رزقنا الله السمع والبصر كيف نفكر بالانضواء تحت إثيوبيا المستبدة!! ألم نر حال إخواننا المسلمين … ليس لهم حول ولا قوة … مضطهدون من الأقلية الحقيرة… فإننا نظرا لذلك صَمَّمْنَا على الدفاع عن كياننا، وأن نطالب بحقنا إلى الممات".
وهذا النص بكل ما يحمل من مشاعر، وأحاسيس إسلامية؛ نحو معانات ومرارات المسلم الإثيوبي، يضع حدا لكل التخمينات والتفسيرات التي استهدفت تعرية الرابطة الإسلامية من ثوبها الإسلامي، وإلباسها ثوبا آخر، مفصلا بمقاييس ماركسية، ويعكس في الوقت ذاته الخلفية الثقافية، والتكوين التربوي لكاتبه، وهو أمر متوقع، وغير مستغرب من شخصية إسلامية، خبرت ما كان يعانيه المسلمون الإثيوبيون من ظلم سياسي واقع عليهم عبر العصور من أباطرة إثيوبيا، واتخذته عبرة للأولي الألباب، علاوة على أن هذه الشخصية نفسها تعود في أصل جذورها، ومنبت نشوئها، وسابق تاريخها، إلى أسرة عريقة في الإسلام، اشتهرت بالفقه في الدين، والإمامة فيه، ليس في إطار محيطها المحلي، وإنما أيضا في أوساط المحيط الإقليمي، ويكفي أنها تلقت خطابات تواصل، وهدايا تكريم، من حاكم اليمن وإمامها في القرن السابع عشر الميلادي المتوكل على الله إسماعيل بن القاسم (1645 – 1675م)، الأمر الذي يشير إلى ما كان لها من دور سياسي واجتماعي، يمثل مصالح المسلمين، ويتصدر قيادتهم، يتضح هذا من الإطراء، والثناء الذي قاله فيها موفد الإمام المتوكل على الله إلى ملك الحبشة فاسيلاداس (1632 – 1665 )، الذي طلب من إمام اليمن إرسال من يتباحث معه في أمر لا يبوح به لأحد غيره، فكان هذا الرسول، عالم اليمن وفقيهها، الحسن بن أحمد، المعروف بالحيمي، الذي دون رحلته في كتاب سماه (سيرة الحبشة)، حيث قال فيه بعد مقابلته لعدد من أفراد أسرة آل كبيري في (أندرته): " ووصل إلينا إلى ذلك المحل الفقهاء آل كبيري صالح، وكان بأيدينا كتاب إليهم من مولانا أمير المؤمنين، وكسوة سنية فاخرة…ووصل معهم كبيري خير الدين، وله معرفة جيدة بمذهب الشافعي، وهو أفقه من آل كبيري صالح، وهم جميعا على مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه." أنظر: ص 94
وهذا الرصيد التاريخي من الموروث الثقافي، والمكانة الاجتماعية والدينية لأسرة الشهيد عبد القادر صالح كبيري، لا بد أن يلقي بظلاله على وعي الشهيد السياسي، وهذا ما نراه يتجلى في الخطاب الذي وجهه إلى كولير نور، ومن غير الممكن إغفاله عند تحليل دوافع تكوين الرابطة الإسلامية، كما لا يمكن تجاهل أثره الواضح، سواء في نفسية السيد الشهيد،رحمه الله، ومشاعره، أو في دوره القيادي عند صياغة التوجه العام للرابطة، وتحديد مطالبها الأساسية التي تشكلت معالمها بالدرجة الأولى والأساسية، على ضوء مصالح المسلمين، تلافيا لمعانات إخواننا المسلمين في إثيوبيا، الذين كانوا يعانون وقتها على حد تعبير الشهيد من اضطهاد الأقلية الحقيرة، ولهذا ليس من الغريب أو العجيب أن نرى بعد ذلك الرابطة الإسلامية تعترض على العلم الإثيوبي، ليكون علم الاتحاد الفيدرالي، وتطالب بعلم جديد، باعتبار أن العلم الإثيوبي لا يمثل القيمة الاعتقادية لمسلمي إرتريا، وشعاراته تستفز مشاعر المسلمين الدينية، وذلك في المذكرة التي رفعتها إلى مندوب هيئة الأمم المتحدة إدوارد ماتينزو في 10/10/1951م حيث تقول المذكرة في ص 13: " لأن الفيدرالية مخلوق جديد ينبغي أن يكون لها علمها الخاص بها، وأن العلم الإثيوبي ليس صالحا ليكون علما سياسيا لفيدرالية تضم المسلمين والمسيحيين، لأنه علاوة على اشتماله على ألوان راية الكنيسة القبطية، فهو يحمل أسد يهوذا، أي رمز الشعب اليهودي، وهذا الأسد يحمل بدوره صليبا، وهذه أمور تتنافى كلها والديانة الإسلامية". وفي هذا دلالة واضحة في أن الرابطة اتخذت من الإسلام مرجعا لها، في القبول والرفض، وإن لم تنادي به دستورا في المجتمع، وهذا كاف لأن يجعل منها سلفا صالحا لحركة الجهاد الإسلامي اليوم، ويجعل من الحركة عَقِبًا بارا بها، ووفيا لها، يحمل شعار تحكيم الإسلام دستورا للحياة، الأمر الذي يجعل من العسير فصل الحركة عن الرابطة، على نحو يباعد بينهما، فكل منهما ينطلق من الدوافع والمرجعية التي انطلق منها الآخر، ملخصة في رفض كل ما يتنافى والدين الإسلامي، مع حماية مصالح المسلمين والدفاع عنها، ولا يضير ما بينهما من اختلاف في مسألة إقامة نظام إسلامي، فهذه مسالة اجتهادية من حيث تحقيقها واقعيا في ظرف زماني، ومكاني، وعدم إثارتها من الرابطة الإسلامية في ذلكم الظرف الزماني والمكاني يعكس رجاحة وعيها السياسي، ويا حبذا لو اقتفى الإسلاميون اليوم أثرها في هذه القضية بالذات، وكفوا عما لا يطيقون فعله، وأنزلوا الإسلام منجما كما نزل أول مرة، فما جعل الله عليهم في الدين من حرج، وهذه مسألة ربما أثرتها لا حقا، وبهذا نخلص إلى أن الاتجاه الإسلامي في إرتريا ما هو إلا حقب من الأجيال المتلاحقة، ذات المرجعية الموحدة، والثوابت المشتركة والمتوارثة، ابتداءً من الرابطة الإسلامية، ومرورا بجبهة تحرير إرتريا، قبل تلوث فطرتها، وانتهاء بحركة الجهاد الإسلامي، التصق بالمسألة الإرترية، وحمل همومها في وقت مبكر، منذ فجر نشوئها، كمشكلة سياسية، وأصر على بقائها حرة طليقة، محمية بسواعد أبنائها من أطماع الهيمنة الإثيوبية، لا لأنها مجرد تربة صالحة للرعي والزراعة، وتطل على شواطئ البحر الأحمر، أو لأنها ذات ثروات طبيعية فحسب، وإنما لأن مصالح المسلمين الثقافية، والسياسية، والاقتصادية فيها، تستدعي عدم التهاون في إلحاقها بالعرش الإمبراطوري، الذي يضطهد إخوانهم في الحبشة.
وهذه الرؤية هي أهم قاسم مشترك يميز الاتجاه الإسلامي الإرتري، ويجمع في الوقت نفسه بين شتى فصائله في مختلف عصورها، وأزمانها، بتعدد اجتهاداتها حول مفهوم محدد وموحد لمعنى الوطنية، فإرتريا في مفهوم هذا الاتجاه لمعنى الوطنية ليست بقعة مقدسة في ذاتها، تتضاءل دونها قداسة الدين، والعرض، والأرض، وإنما هي وعاء مكاني لا معنى لها في ذاتها، ما لم تضمن مصالح الإنسان المسلم بأفرعها المتعددة، دون الإضرار بمصالح الآخر.

يتابع .......

الفجر
05-08-2002, 10:17 AM
تابع ... الإسلاميون والثورة الإرترية

الإسلاميون وجبهة تحرير إرتريا

إلا أن قوى التآمر الاستعماري استطاعت بوسائلها الخاص أن تجهض مشروع الرابطة الإسلامية وقتها، وأن تمكن الإرادة الإثيوبية من بسط نفوذها وسلطانها على إرتريا، بمعونة الكنيسة الإرترية، كما هو معروف، مما اضطر قيادة المشروع الإسلامي التحرري ممثلا في رجال الرابطة إلى الهروب واللجوء إلى العواصم العربية، وإعلان شرارة الكفاح المسلح باسم جبهة تحرير إرتريا، التي لقيت دعما منقطع النظير من الخط الإسلامي على الصعيد المحلي، والعربي، فقد اتصلت تلك القيادات المهاجرة بالموثوقين من رجال الداخل، لا سيما ذوي الوجاهة الإسلامية، وبموجب هذه الاتصالات "نظم الشيخ محمد داود، وهو من الزعماء الدينيين في المنطقة الغربية، سبق أن اتصلت به الجبهة، اجتماعا سريا في منطقة أديراي في بركة حضره 160 شخصا على رأسهم حامد إدريس عواتي" طبقا لما ذكره عثمان صالح سبي في ذكرياته التي نشرت بعنوان (ذكريات من أوراقي) في مجلة الثورة العدد 159 سبتمبر 1980م، ونقله الأستاذ هارون آدم علي في كتابه غير المنشور(الثورة الإرترية بين الأصالة والتبعية)، واتسم خطاب الجبهة في هذه الفترة من تاريخها بخصائص الخطاب الإسلامي، من حيث بلورة معانات المسلمين، وما يفرضه وضعهم السياسي والثقافي والاقتصادي من دعم مادي ومعنوي على إخوانهم المسلمين في العالم، تماما كما هو اليوم واقع خطاب حركة الجهاد الإسلام الإرتري في مقاومة ظلم الجبهة الشعبية واضطهادها، والمظالم هي هي، متطابقة، صرخت بها من قبل جبهة تحرير إرتريا في الستينات، وتصرخ بها اليوم حركة الجهاد الإسلامي، أي إن الزمان استدار كهيئته يوم ابتلع الإمبراطور إرتريا، ولعل هذا البيان الصادر من مكتب جبهة تحرير إرتريا بدمشق، والذي يحمل تاريخ ذي الحجة 1387هـ آذار مارس 1968م يؤكد هذه الحقيقة، فالبيان يعلوه عنوان (نداء واستغاثة)، ثم يعرف بإرتريا قائلا: إرتريا بلد عريق عرفه اليونان… وعرفت في العهد الإسلامي بالطراز الإسلامي… وكانت جزءا من بلاد الخلافة الإسلامية منذ عهد الدولة الأموية…وفي عام 1950 أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرار الاتحاد الفيدرالي…ويعد هذا القرار الفيدرالي مجحفا وبعيدا عن أماني شعب إرتريا المسلم… وقد اتخذ هذا القرار بدعم من الدول الاستعمارية الصليبية، التي رأت في ربط إرتريا بعجلة الحبشة الصليبية ضمانا لمصالحها الاستراتيجية… واتخذت الحكومة الإثيوبية حيال القرار الفيدرالي سياسات عدوانية شرسة استهدفت أول ما استهدفت ضرب الكيان الإسلامي العربي لإرتريا، فأغلت المعاهد الإسلامية، والمدارس العربية، ومنعت استعمال اللغة العربية التي هي لغة إرتريا الرسمية حسب المادة 38 من الدستور الإرتري… ويجاهد شعب إرتريا …ضد العدوان الحبشي الغاشم بصلابة المؤمن المحتسب إحدى الحسنيين الفوز بالنصر أو الاستشهاد… وقام جيش الحبشة الصليبية بإحراق وتدمير عشرات من قرى إرتريا المسلمة…واعتدوا على شرف الفتيات والنساء…وسبى جنود الحبشة عشر فتيات مسلمات من قرية (عد إبراهيم)، وفي مقرايب ذبح الجنود الأحباش 30 مسلما في جامع، كما ذبحت السلطات الحبشية 21 مسلما في سجن تسني. ثم بعد هذا العرض لمأساة المسلمين يوجه البيان نداءه إلى المسلمين قائلا: إخواننا المسلمون: إننا نتوجه إليكم باسم الإخاء الإسلامي… طالبين مساندتكم المادية، والأدبية لأشقائكم الذين يجاهدون بأرواحهم، وأجسادهم دفاعا عن دينهم ووطنهم ضد التغول الصليبي. أيها الأخوة في الله إن مجاهدي إرتريا والآلاف من اللاجئين بالسودان هم اليوم في أمس الحاجة إلى المساعدات…وإن تأييدكم لهم في ساعة العسرة إنما ينبثق من روح الإخاء الإسلامي الذي أكرمنا به الله ( إنما المؤمنون أخوة) وقول الرسول صلوات الله عليه وسلامه (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا) وقوله أيضا ( من أعان مجاهدا فقد جاهد).
ولا تختلف لغة حركة الجهاد الإسلامي اليوم عن لغة هذا البيان، كما نلاحظ، لدرجة أن المرء لا يكون مبالغا حين يقرر على ضوء هذا البيان، بأن جبهة تحرير إرتريا في الستينات هي حركة الجهاد الإسلامي في الثمانينات والتسعينات، وأن حركة الجهاد الإسلامي في التسعينات هي بعث وإحياء لجبهة تحرير إرتريا وتراثها في الستينات، من قبل أن تلعب بها الأهواء، وتشرذمها النعرات القبلية والجهوية، وتعبث بها أخير يد اليسار الماركسي، وتحرفها عن المسار السوي، وتحيلها إلى خارج الساحة العسكرية، مهزومة، ممزقة، ومشتتة، لتجعل منها أثرا بعد عين، وأن اعتداءات الجبهة الشعبية اليوم على قضايا الدين، والثقافة، والقيم، والعار، هي اعتداءات النظام الإمبراطوري عليها بالأمس، تعددت الطرق والنتيجة واحدة، تدينها حركة الجهاد اليوم، كما أدانتها بالأمس جبهة تحرير إرتريا من قبل أن يجري فصلها عن تراث الشعب وقيمه، ووصلها بتراث وقيم شعب آخر. ومن الطبيعي أن يثير هذا الخطاب روح الحمية الإسلامية في نفوس المسلمين الإرتريين بالدرجة الأولى والأساسية، ويدفع بهم نحو الثورة بروح مشحونة بمبادئ حماية الدين والعرض، والأرض، باعتبار ذلك ضرورات ثلاث متمازجة، ومتشابكة، غير قابلة للفصل، الاعتداء على واحد منها اعتداء على الآخر، والحفاظ على واحد منها حفاظ على الآخر، ويحمل في الوقت نفسه القيادات الإسلامية في الداخل من أمثال المفتي إبراهيم عمر المختار رحمه الله على تعهد شباب المسلمين، وتغذيتهم بمفاهيم التحرر والاستقلال عن التاج الإثيوبي، باعتباره تاجا صليبيا، محمولا على أسد يهوذا، كما شخصته الرابطة، أيضا أنه من البديهي أن تتفاعل مع هذا الخطاب فصائل الاتجاه الإسلامي في العالم العربي ابتداء من السودان، حيث الأخوان المسلمون الذين استقبلوا المتسللين من الشباب الإرتري الثائر، وعملوا على مساعدتهم في الخروج إلى مصر بالتنسيق مع عثمان صالح سبي، كما وثق سائر الإسلاميين في العالم العربي صلتهم بجبهة تحرير إرتريا، وسخروا وسائلهم الإعلامية للحديث عن القضية الإرترية، وتعريف الشعوب الإسلامية بها، ودعوتها إلى دعم ثورة الشعب الإرتري المضطهد، ممثلة في جبهة تحرير إرتريا، فهذا الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله المراقب العام للأخوان المسلمين في سوريا كتب مقالا في مجلة حضارة الإسلام العدد السابع شباط فبراير 1963م تحت عنوان (رمضان الإسلام، ورمضان المسلمين) شرح فيه مأساة الشعب الإرتري، وطالب الحكومات العربية بالوقوف مع قضيته العادلة قائلا: كل هذا يجري على مسمع العرب، والمسلمين شعوبا، وحكومات، فلا ترفع دولة عربية، أو إسلامية صوتها بالاحتجاج على هذا العدوان والاضطهاد الديني والسياسي والوطني لشعب تربطنا به أو ثق الصلاة، من دينية، وتاريخية، وسياسية…".
وما كان دعم الإسلاميين العرب للجبهة، وهي في عهد الطفولة والنمو، وبراءة الفطرة وسلامتها من الزيغ، قاصرا على الجانب الإعلامي بل امتد ليشمل الجانب الاقتصادي والعسكري، والاجتماعي، ولقد حدثني الأستاذ ياسين عمر الإمام الذي أمسك بملف الثورة الإرترية في حركة الإخوان المسلمين عندما زرته في منزله بعد عودته من أسمرا عقب مشاركته في احتفالات عيد الاستقلال، مع أول وفد سوداني دخل إرتريا عقب تحريرها ليشارك في أول عيد استقلال تقيمه الجبهة الشعبية، وكان معي ممثل حركة الجهاد في الخرطوم الشهيد أول الخير مصطفى رحمه الله، بأن أول باخرة دعم اقتصادي لجبهة تحرير إرتريا كانت من المحسن الإسلامي الكويتي رئيس جمعية الإصلاح أبو بدر عبد الله المطوع، وكان أبو بدر نفسه قد ذكر لي ذلك يوم تقابلنا في مطار زيورخ بسويسرا عام 1991م بعد أن حياني، وحييته، وعرفته بنفسي وبلدي، وليس هذا فحسب بل قدم دعما عسكريا تحدث عنه عثمان صالح دندن في كتابه معركة إرتريا ص 111- 112 قائلا: الشيخ عبد الله العلي المطوع… قدم الكثير للثورة الإرترية منذ البداية… من جمع تبرعات من أصدقائه التجار وحث المسؤولين في دولة الكويت على تقديم الدعم ماديا وسياسيا للثورة الإرترية. في عام 1964م قَدِمَ الشيخ عبد الله المطوع – أبو بدر – إلى جدة (وقدمني إليه) الزعيم الراحل عثمان صالح سبي، وكلفني بمتابعة مسألة مهمة معه، وبعد مرور بضعة أسابيع عاد الشيخ عبد الله إلى جدة، مرة أخرى التقيته في محل صديقه التاجر السعودي أسعد جمال، الكائن في شارع الملك عبد العزيز، وكان معه شخص آخر وأخبرني أن هذا الرجل سيقوم بتسليمك هدية مهمة واتفقنا على المكان والزمان للاستلام، وكانت كلمة السر بيننا (بدر). مع الآذان الأول لصلات الفجر وصل الرجل ومعه الهدية عبارة عن واحد وعشرين صندوق متوسط الحجم تحتوي على أربعة وعشرين رشاش براوننج إنجليزية الصنع مع لوازمها…"

يتابع ....

الفجر
05-08-2002, 10:18 AM
تابع ... الإسلاميون والثورة الإرترية

ولقد أزعجت هذه الصلات إسياس أفورقي، أيما إزعاج، وهو بَعْدُ ما زال في أديس أبابا، وأبى إلا أن يعبر عن استيائه منها، ويؤلب عليها أبناء التجرنية، وفقا لما ذكره ولد يسوس عمار، ويرسم خطته على الإطاحة بها، لأنه يرى فيها ضررا بالقضية الإرترية،كما يتصورها ويريدها أن تكون، بالرغم من أنها كانت علاقات بريئة،لم تستهدف مسيحي إرتريا، وإنما كشفت ما ارتكبه جيش الإمبراطور في حق المسلمين، واستعطفت المسلمين في العالم، ولكن مهما كانت نزيهة، فإن مجرد انبثاقها من ميثاق الترابط الإسلامي مرفوض عند إسياس، ويعد في حد ذاته جريمة كافية في ثقافته السياسية لإدانة الجبهة، والاستنفار لمواجهتها، لأن لِكُلٍ ثقافته، ومحيطه الذي يسبح فيه، والسباحة في المحيط الإسلامي لا ترضي إسياس، ولا تمت إلى ثقافته بصلة، إذن لا بد أن يعمل على تشويهها أولا، ثم إسقاطها، بعد استغلالها والاستفادة منها لصالح المشروع المناقض لها، وتوجيه الخط الثوري بعد تنحيتها إلى وجهة يرضاها، وقبلة يطيب لها، وتطيب له، وهي طبعا كل قبلة، ووجهة لا تنسجم مع القبلة والوجهة الإسلامية والعربية، وهذا ما حدث فعلا، بعد أن وثق إسياس تطلعه هذا في وثيقته الشهيرة نحن وأهدافنا، التي قال فيها منددا بالروح الإسلامية في الجبهة وعلاقاتها: " إن هؤلاء الذين بدأوا الحركة (يقصد أسسوا الجبهة) خجلوا أن يضفوا عليها وجهها الوطني، واعتقدوا أنهم سيدعمون موقفهم بفعالية أكثر إذا قاموا بدعاية إسلامية، ولذلك فقد قيدوا انطلاق الحركة (النضال) في محيط الإسلام، وبرمجوا عملهم في الداخل والخارج على هذا الأساس. إن زعماء الجبهة قد وطنوا أنفسهم، وتحملوا مسؤولية إقامة علاقات مع الحكومات والمنظمات الأجنبية التي تعمل لتطبيق دستور الإسلام، وعملوا على كسب عطف هذه الدول، والمنظمات ضد هيلي سلاسي ملك الحبشة الذي يضطهد الشعب الإرتري، يُكوِّن المسلمون80% من سكانه، لقد طرحوا القضية على أنها مقاومة للتوسع المسيحي الذي يقوده هيلي سلاسي، لذا فهم يطلبون العطف والتأييد من إخوانهم المسلمين، وتقديرا للمساعدة التي تلقوها أضفى الزعماء على الحركة الطابع الإسلامي" انظر صوت إرتريا عدد 21 تاريخ 14/9/1998م. فياله من رجل وضع نقطة البداية، والنهاية من أول يوم مشواره، فما حاد، ولا ضل، وإن كان لكل ظلم نهاية. على كل بهذه العقلية الرافضة لكل علاقة إسلامية، ورائحة عربية، اخترق رجل شوفينية التجرنية في الستينات، ثم السبعينات جبهة تحرير إرتريا، وهو يضمر لها كل سوء وكراهية، لا لشيء سوى أنها نبتة إسلامية بكل ما كان يشوبها من دخن، أشعل فتيلها المسلمون، واستغلوا في بنائها، وحمايتها كل إمكاناتهم الذاتية، وعلاقاتهم الثقافية، في وقت كانت فيه كل أفريقيا السوداء، وكل أوروبا، وأمريكا في قبضة الإمبراطور الهالك، وفعلا شق طريقه إلى مقتلها من خلال استثمار تناقضاتها الداخلية، والاستفادة منه لصالحه، إلى أن أنهى وجودها العسكري، بعد أن نجح في تطهيرها من الوجود الإسلامي، فكرا وأشخاصا، بالتحالف مع اليسار الماركسي، حزب الشعب في داخل قوات التحرير الشعبية، وحزب العمل في داخل جبهة تحرير إرتريا، فكان عثمان صالح سبي، أحد أقطاب القوى المتصارعة من قيادات جبهة تحرير إرتريا أول ضحايا مشروعه، لفظه بعد أن امتصه، ثم ألحق به جبهة تحرير إرتريا بكل قواها العسكرية المتآكلة، واتجاهاتها المتصارعة، وبهذا ختم صراعه مع الوجود الإسلامي، واستطاع أن يحرر إرتريا، ويرجع فيها هيمنة شوفينية التجرنية، وأن يعيد الجيل الثالث من المسلمين إلى نقطة بداية الجيل الأول، وأن يفرض عليهم استئناف جولة ثالثة من الصراع، باسم حركة الجهاد الإسلامي، أرجو أن لا يلدغ هذا الجيل من الجحر الذي لدغ منه الأوائل.
في الحلقة القادمة إن شاء الله كيف ضرب الوجود الإسلامي في الثورة الإرترية، وكيف عاد إلى الظهور ثانية باسم حركة الجهاد الإسلامي الإرتري .

انتهى .