PDA

View Full Version : متدين يحب الحياة الدنيا !


فتى دبي
23-09-2002, 11:54 AM
خطر ببالي ان يكون عنوان مقالي الثابت: متدين يحب الحياة. والسبب في ذلك انني رأيت العديد من المقبلين على الله يكرهون الدنيا: ومن المؤسف أن تجد سندهم قائما على كتاب الله وسنة رسوله الكريم وأراهم قد ظلموا الدين والدنيا معاً.

ومؤخراً تحاورت مع واحد من هؤلاء فقال لي: ابعد عواطفك وهواك عن نفسك، وتجرد لله ثم انظر إلى القرآن الكريم لتعرف نظرة الإسلام إلى الدنيا! ثم ارجع إلى المصدر الثاني لديننا وهي السنة المطهرة، وبعدها سيكون قلبك معلقا بالآخرة، تمضي في الدنيا وكأنك غريب أو عابر سبيل كما قال سيدنا محمد .

وقد أخذت بنصيحة محدثي فجردت نفسي من هواها! وشكرت ربي على ذلك، وتذكرت سورة سيدنا يوسف وما جاء على لسان امرأة العزيز: إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي.. إن ربي غفور رحيم وأقول لكم بصراحة انني احتفظت بعواطفي رغم طردي للهوى! وعاطفتي والحمد لله إسلامية تحب الإسلام وأهله: فهي ليست شرا حتى أتملص منها!! وهل يعقل أن يعيش الإنسان بلا عاطفة؟؟

جاء ذكرها 115 مرة

وهكذا نظرت إلى القرآن الكريم بعقلي وقلبي! وفكري وعاطفتي وتبين لي بعد الفحص أن كلمة الدنيا وردت في كتاب ربنا 115 مرة! وأن معظم الآيات تحذر منها بالفعل وبدا لأول وهلة أن صاحبنا الذي يكره حياته في الأرض كلامه صحيح! لكن عقلي تدخل قبل عاطفتي رافضا الاستسلام لهذا المنطق المعوج! وتساءل بعقل: وماذا ستفعل مع تلك الآيات القرآنية الكريمة التي تطالبك بأن تعيش حياتك وتحب الدنيا؟ صحيح أنها قليلة، لكنها موجودة في صميم تعاليم ربنا بالقرآن الكريم، ولا يمكن الاستغناء عنها بحجة أن الاقلية مهزومة دائما أمام الأغلبية!!

وألف رحمة ونور عليك يا شيخ غزالي: قلتها من قلبي وأنا أفكر في هذا الموضوع.. أستاذي وأستاذ أجيال بأكملها العلامة الداعية الشيخ محمد الغزالي عليه ألف رحمة سمعته أكثر من مرة يدافع عن الحياة الدنيا! وأظنه قد تناول هذا الأمر في مؤلفاته.

وهل نتركها للملحدين؟

ويؤكد شيخنا الجليل أن الآيات العديدة الواردة في ذم الدنيا إنما هي جرس انذار لمنع الانغماس فيها ونسيان الآخرة! فقد نزل الوحي على سيدنا النبي: وكان يعيش وسط قوم لا يؤمنون بالآخرة ولا يصدقون أن الموتى يمكن أن يبعثهم الله من جديد ليعيشوا حياة أخرى في الدار الآخرة الخالدة! لذلك كان تركيزهم كله على الحياة الدنيا التي لا حياة سواها من وجهة نظرهم!

وإذا نظرت إلى عصرنا الحديث تجد أقواما غرقوا في بحر الحياة الدنيا رغم أنهم يسجدون لربهم لكن حياتهم في الأرض أخذتهم بعيدا عن الاستعداد للآخرة وهكذا فقدوا توازنهم بين الدارين! لذلك فتلك الآيات القرآنية التي تحذر من الدنيا مهمة كوسيلة لاعادة الانضباط إلى هؤلاء!

والأثرياء ترى منهم رجالا صالحين يشكرون ربهم على نعمائه وكرمه معهم! لكن العديد منهم أجارك الله!! نسوا الله فأنساهم أنفسهم! والتصدي للترف والفسق إنما هو يكون بالاستشهاد بتلك الآيات التي تحذر من الحياة الدنيا.

والشيخ محمد الغزالي رحمه الله معه كل الحق وهو يتساءل: إذا رفضنا تعمير الأرض بحجة أن القرآن يدعونا إلى نسيان الدنيا.. فمن الذي سيقوم بهذه المهمة العظمى، وهل يعقل أن يقودنا في حياتنا الدنيا الملحدون، لأن المؤمنين يعبدون ربهم، ولا يريدون تلويث أنفسهم بغبار الأرض؟؟

وقد تكون الإجابة: سأقوم بواجبي على أكمل وجه في الأرض، لكنني لن أحب الحياة الدنيا. وسأبتعد عنها قدر الامكان!! لماذا يا أستاذ؟ أليست الدنيا هي أهلك وزوجتك وأبناؤك وأصدقاؤك.. لماذا لا تختلط بهم وتعيش حياتك! وفي ذات الوقت تتطلع إلى الآخرة وبذلك تجمع بين الحسنيين.

هدية إلى سودوي المزاج!!

الشيخ محمد الغزالي رحمه الله وصف هؤلاء الذين يرفضون الدنيا بأنهم سودويو المزاج ! ويريدون فرض أمزجتهم المعتلة على المجتمع كله: وإلى هؤلاء أهدي لهم بعضا من آيات القرآن الكريم، لعلها تساعدهم على مزيد من الاعتدال تجاه نظرتهم للحياة! وتعدل من مزاجهم تجاه دنيانا!!

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار الآية 201 من سورة البقرة . والجدير بالذكر ان هذه الآية بالذات من السنة تريددها وأنت تختم صلاتك.

فأتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة والله يحب المحسنين سورة آل عمران رقم 48 . وقد قالها الله في المجاهدين في سبيله.

وفي سورة النساء تجد قوله تعالى في الآية رقم 134.. من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة يعني ربنا لم يستنكر هذا المسلك بل قال: أنا عندي ثواب الدارين معاً.

وفي سورة الأعراف تجد آيات جميلة تؤيد تماما الدعوة إلى حب الدنيا بشرط عدم نسيان الآخرة، وهذا الأمر يتضح تماما من قوله تعالى: يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين، قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق. قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة.

ومن يقرأ هذا الكلام الرباني بإمعان يتضح له على الفور ان ربنا يدعونا للاقبال على الحياة ويحذر من هؤلاء الذين يقومون بتحريم الطيبات.. وما أكثرهم للأسف بين الدعاة والمتحدثين باسم الدين!! وهذه الطيبات ينالها المؤمن والكافر على السواء في الدنيا، اما الآخرة فيحتكرها المؤمنون وحدهم!

والمؤمن الذي يقول: أنا أحب الدنيا فلا لوم عليه مادام يحب الآخرة أيضاً! فقط عليه أن يتذكر أن من الحب ما قتل!!

فليحذر من عصيان ربه وارتكاب الموبقات! وهذا نبهت إليه الآية الكريمة التي لم تنهنا عن طيبات الحياة وإنما حذرتنا فقط من الوقوع في الغلط وله أنواع عدة وصدق الله العظيم: قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن، والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطان وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون.واختم كلامي بالعنوان الذي زينت به مقالي وهو يتكون من ثلاث كلمات الدنيا حلوة يا متدينين !