ابو الامير
30-10-2002, 09:14 PM
كانت الغيوم تكتسي اللون الرمادي وكانت السماء تتهيأ لقذف مياهها البكر فوق رؤوسنا ،وكان الجنود يحشرون الناس في اربعة خنادق ويراقبون من بعيد الوجوه العابسة الملوحة بالشحوب والاضواء اثر يوم عمل مرهق.
الزمن: يوم الاثنين
المكان:جاجز يربط الخليل ببيت لحم
الوقت: الرابعة والربع عصرا
في هذه الاثناء كان الحاجز العسكري الذي اقامته قوات الاحتلال عقب بضعة اشهر من الانتفاضة، مزدحما بالناس: شيوخ ومسنات وصبايا وشبان جلهم من الموظفين العائدين الى منازلهم في مدينة بيت لحم وقراها بعد يوم عمل شاق حيث يكون الموظف قد انهك جسديا وذهنيا وامعاؤه خاوية وتحتاج الى بعض الحساء والمرطبات قبل تناول اية وجبة غذائية.
غير ان جنود الحاجز اصروا على تقديم وجبة فريدة من نوعها لجميع من تواجد على الحاجز فهل هذا كرم زائد من الاحتلال الاسرائيلي؟.. لا، انها وجبة اذلال مسائي، فتخيلوا نحو (600) مواطن ينتظرون رحمة جندي شاحب الوجه يتكلم الروسية بطلاقة ولا يعرف الا كلمة عربية واحدة"ارجع" يقولها فقط لمن يحمل بطاقة الهوية البرتقالية او الخضراء المصنفة"ضفة غربية" حيث لا يسمح لحامليها بالمرور عبر الحاجز، وعلى حين غرة وفي وقت ضاقت فيه الصدور، جاءت سيارة فارهة بيضاء اللون مزينة بالورود وتقل بداخلها عروسين، اضافة الى السائق ومرافق واحد، فاعترضت طريقها مجندة ضامرة الخصر متجعدة الوجه تعتمر قبعة حربية، وطلبت من السائق العودة من حيث اتى، الا انه رفض ذلك باباء، فتدخل جندي آخر بشكل فظ شاهرا سلاحه الـ"ام 16" في وجه العروسين ومرافقيهما باثا في قلبيهما خوفا ورعبا ربما ساعدهما في تلك الليلة على تلافي رعدة الاخذ.
واستمر النقاش والجدال واشهرت البطاقات الزرقاء وجوازات السفر الاجنبية وتدخل رجال كبار في السن يتحدثون العبرية اذ انهم من سكان القدس ويختلطون كثيرا بالاسرائيليين حتى اقتنعت المجندة على مضض بان من في داخل السيارة يسمح لهم بالمرور، الا انه ولم تمض دقائق حتى جاء رجل وزوجته يحملان طفلهما الندي وقد كسرت ساقه ويريدان ايصاله الى اقرب مشفى لمعالجته، فاطلت عليهما نفس المجندة ولكن هذه المرة كان وجهها يفيض باللؤم فلم تسمح لهما البتة بالمرور، ووجهت لهما شتائم بذيئة وسحبت البندقية واستعدت للرمي مما اضطر الوالدين الى العودة مطأطئين رأسيهما وقد انفجرت الدموع من عيونهما، ويتكرر نفس المشهد وتطل نفس الوجوه وصارت الساعة الخامسة والربع مساء ولم يبق الا خمس واربعون دقيقة حتى يعلن عن اغلاق الحاجز.
الا ان هذه الاعلان اللعين لم يلق هذه المرة آذانا صاغية، فقد تمرد الناس وتجاوزوا الحاجز رغما عن الضابط، الذي اشهر سلاحه وامر جنوده بالتصدي للناس الذين بدورهم اصروا على التحدي وارغموا الجنود على الانصياع لقوة ارادتهم.
وعلى الجدار السلكي الشائك الذي يلف الحاجز كانت سيدة تحمل رضيعا بين ذراعيها، وتجادل بصخب مجندة منعت زوجها من الدخول لانه يحمل البطاقة البرتقالية وهي تحمل البطاقة الزرقاء المصنفة"هوية قدس"، وظل الجدال مستمرا حتى احتشد الناس حول المجندة وارغموها تحت ضغط صراخهم واحتجاجهم الشديد على هذا الاذلال المتعمد حيث اضطرت لادخال الرجل بعد ان صفعته ببطاقة هويته في وجهه ووجهت له شتيمة بذيئة.
وقد قامت سلطات الاحتلال في الاسبوع الماضي بادخال ترتيبات جديدة على الحاجز من شأنها التسهيل على الجنود من جهة والتضييق على الفلسطينيين من جهة اخرى، حيث جرى وضع اربعة مسارب من الكتل الاسمنتية ووضعت على الغرفة الحديدية التي يجلس فيها الضابط او الجندي، بطاقات تحمل الالوان البرتقالي والازرق والاخضر والابيض.
ويعني اللون الاول: هوية ضفة غربية، والثاني هوية قدس، والثالث هوية ضفة ايضا، ولكنها صادرة عن السلطة الفلسطينية والرابع جواز سفر.
واخيرا يبدو الحاجز وكأنه معسكر ضخم سيبقى مضروبا الى الابد على هذه البقعة من ارض فلسطين غير ان التاريخ اثبت في اكثر من حالة ان الاحتلال الى زوال.
الزمن: يوم الاثنين
المكان:جاجز يربط الخليل ببيت لحم
الوقت: الرابعة والربع عصرا
في هذه الاثناء كان الحاجز العسكري الذي اقامته قوات الاحتلال عقب بضعة اشهر من الانتفاضة، مزدحما بالناس: شيوخ ومسنات وصبايا وشبان جلهم من الموظفين العائدين الى منازلهم في مدينة بيت لحم وقراها بعد يوم عمل شاق حيث يكون الموظف قد انهك جسديا وذهنيا وامعاؤه خاوية وتحتاج الى بعض الحساء والمرطبات قبل تناول اية وجبة غذائية.
غير ان جنود الحاجز اصروا على تقديم وجبة فريدة من نوعها لجميع من تواجد على الحاجز فهل هذا كرم زائد من الاحتلال الاسرائيلي؟.. لا، انها وجبة اذلال مسائي، فتخيلوا نحو (600) مواطن ينتظرون رحمة جندي شاحب الوجه يتكلم الروسية بطلاقة ولا يعرف الا كلمة عربية واحدة"ارجع" يقولها فقط لمن يحمل بطاقة الهوية البرتقالية او الخضراء المصنفة"ضفة غربية" حيث لا يسمح لحامليها بالمرور عبر الحاجز، وعلى حين غرة وفي وقت ضاقت فيه الصدور، جاءت سيارة فارهة بيضاء اللون مزينة بالورود وتقل بداخلها عروسين، اضافة الى السائق ومرافق واحد، فاعترضت طريقها مجندة ضامرة الخصر متجعدة الوجه تعتمر قبعة حربية، وطلبت من السائق العودة من حيث اتى، الا انه رفض ذلك باباء، فتدخل جندي آخر بشكل فظ شاهرا سلاحه الـ"ام 16" في وجه العروسين ومرافقيهما باثا في قلبيهما خوفا ورعبا ربما ساعدهما في تلك الليلة على تلافي رعدة الاخذ.
واستمر النقاش والجدال واشهرت البطاقات الزرقاء وجوازات السفر الاجنبية وتدخل رجال كبار في السن يتحدثون العبرية اذ انهم من سكان القدس ويختلطون كثيرا بالاسرائيليين حتى اقتنعت المجندة على مضض بان من في داخل السيارة يسمح لهم بالمرور، الا انه ولم تمض دقائق حتى جاء رجل وزوجته يحملان طفلهما الندي وقد كسرت ساقه ويريدان ايصاله الى اقرب مشفى لمعالجته، فاطلت عليهما نفس المجندة ولكن هذه المرة كان وجهها يفيض باللؤم فلم تسمح لهما البتة بالمرور، ووجهت لهما شتائم بذيئة وسحبت البندقية واستعدت للرمي مما اضطر الوالدين الى العودة مطأطئين رأسيهما وقد انفجرت الدموع من عيونهما، ويتكرر نفس المشهد وتطل نفس الوجوه وصارت الساعة الخامسة والربع مساء ولم يبق الا خمس واربعون دقيقة حتى يعلن عن اغلاق الحاجز.
الا ان هذه الاعلان اللعين لم يلق هذه المرة آذانا صاغية، فقد تمرد الناس وتجاوزوا الحاجز رغما عن الضابط، الذي اشهر سلاحه وامر جنوده بالتصدي للناس الذين بدورهم اصروا على التحدي وارغموا الجنود على الانصياع لقوة ارادتهم.
وعلى الجدار السلكي الشائك الذي يلف الحاجز كانت سيدة تحمل رضيعا بين ذراعيها، وتجادل بصخب مجندة منعت زوجها من الدخول لانه يحمل البطاقة البرتقالية وهي تحمل البطاقة الزرقاء المصنفة"هوية قدس"، وظل الجدال مستمرا حتى احتشد الناس حول المجندة وارغموها تحت ضغط صراخهم واحتجاجهم الشديد على هذا الاذلال المتعمد حيث اضطرت لادخال الرجل بعد ان صفعته ببطاقة هويته في وجهه ووجهت له شتيمة بذيئة.
وقد قامت سلطات الاحتلال في الاسبوع الماضي بادخال ترتيبات جديدة على الحاجز من شأنها التسهيل على الجنود من جهة والتضييق على الفلسطينيين من جهة اخرى، حيث جرى وضع اربعة مسارب من الكتل الاسمنتية ووضعت على الغرفة الحديدية التي يجلس فيها الضابط او الجندي، بطاقات تحمل الالوان البرتقالي والازرق والاخضر والابيض.
ويعني اللون الاول: هوية ضفة غربية، والثاني هوية قدس، والثالث هوية ضفة ايضا، ولكنها صادرة عن السلطة الفلسطينية والرابع جواز سفر.
واخيرا يبدو الحاجز وكأنه معسكر ضخم سيبقى مضروبا الى الابد على هذه البقعة من ارض فلسطين غير ان التاريخ اثبت في اكثر من حالة ان الاحتلال الى زوال.