تسجيل الدخول

View Full Version : استقالة الرئيس العراقي


Corvette Man
01-01-2003, 09:49 AM
الأنظمة العربية تعيش حاليا مأزقا خطيرا، وتزداد حدته مع اقتراب موعد العدوان الامريكي علي العراق، وتراجع فرص الحلول الأخري التي تتطلع اليها امريكا لغزو البلاد بأقل القليل من الخسائر. فنجاح العدوان في تحقيق اغراضه ـ لا قدر الله ـ سيضعها في موقف حرج للغاية امام امريكا من ناحية وشعوبها من ناحية اخري. وفشل العدوان، او مواجهته بمقاومة عراقية شرسة يعني هز استقرارها، وتفجير ثورات شعبية ضدها، باعتبارها متواطئة ومتورطة سرا ان لم يكن علنا مع هذا العدوان.
فالنظام العربي الرسمي الحالي يعيش في غرفة العناية المركزة، وميؤوس من نجاته، وحتي ان كتبت له النجاة فلن يعمر طويلا، لأن ادواته التي حافظت علي وجوده في قمة السلطة طوال الخمسين عاما الماضية باتت قديمة ومتآكلة، ولا تصلح للمرحلة المقبلة، مرحلة الديمقراطية وحقوق الانسان والقضاء المستقل والشفافية المالية، سواء جاءت هذه المرحلة بضغط شعبي، او بفرض امريكي.
ولأن هذا النظام بات عاجزا عن التأثير في مجريات الاشهر القليلة المقبلة، وليس له أي دور في منع الحرب، او المشاركة في رسم خريطة المنطقة بعدها، فانه يحاول ان يجد له مخرجا بتسريب انباء الهدف منها الايحاء بأن النظام العراقي المحاصر المجوّع المتعاون بالكامل مع فرق التفتيش الدولية هو اساس المشكلة، وهو بيده الحل.
والحل الذي يروج له سحرة الانظمة العربية الفاسدة القمعية الديكتاتورية، هو رحيل الرئيس العراقي صدام حسين الي بلد عربي مجاور وتسليم العراق لقمة سائغة الي الولايات المتحدة الامريكية.
فلنفترض جدلا ان الرئيس العراقي غادر بغداد فعلا، ولجأ الي الرياض او القاهرة، فهل تعني هذه الخطوة المن والسلوي للزعماء العرب، والمخرج المشرف او غير المشرف لهم من جميع مشاكلهم؟
بمعني آخر، هل سيتصالح هؤلاء مع شعوبهم؟ وما هي شروط هذه المصالحة؟ فهل سيكون من ضمنها فتح ملفات الفساد، ونهب المال العام، ومحاكمة الفاسدين واسترداد اموال الشعب التي سرقوها، وهل ستتم هذه المصالحة علي اساس صفحة جديدة من الديمقراطية والشفافية المالية واحترام حقوق الانسان والكشف عن مصير آلاف المفقودين الذين قضوا تحت التعذيب في اقبية المعتقلات؟
بقاء النظام العراقي ورئيسه، ربما يكون افضل الحلول بالنسبة للزعماء العرب، لأنه قد يطيل امد بقائهم، وابنائهم في السلطة، اما زواله فيعني تساقط احجار الدومنو الواحد تلو الآخر.

ہ ہ ہ

الرئيس العراقي لن يغادر السلطة طوعا، ولن يهرب الي الرياض او القاهرة، حتي لو قدموا له كل ضمانات السلامة، لأنه ليس عيدي امين، ولا بوكاسا، ولو كان كذلك لما صمد كل سنوات الحصار السابقة، وافشل كل المؤامرات الامريكية والعربية للاطاحة به.
ديكتاتور.. نعم.. انتهك نظامه حقوق الانسان، واستخدم الغازات السامة ضد الاكراد، نعم مكعبة، ولكنه ليس جبانا، والا لما تحمل كل هذه الضغوط والتهديدات باعصاب فولاذية، ولما تحدي اكبر قوة عظمي في العالم، ورفض الانخراط في مسيرة الاستسلام العربية للمشروع الصهيوني.
الرئيس العراقي لن يهرب من السفينة مثلما يتمني الكثير من الزعماء العرب وبعض كتابهم، لأن السفينة العراقية لم تغرق، ولم تجنح، وحتي اذا سقط فلن يسقط وحده، وسيكون ثمن سقوطه باهظا.
الجبن ليس من شيمة اهل العراق، والاستسلام لم يكن من طبعهم، والغالبية الساحقة من القيادات العراقية سقطت واقفة، السيف في يمينها، والدرع في يسارها، ولا نعتقد ان الرئيس العراقي صدام حسين سيشذ عن هذه القاعدة.
ربما يجادل البعض بأن الشجاعة هي في تفهم العلاقات الدولية ومتطلباتها، وعدم الالقاء بالنفس الي التهلكة، والانحناء امام العاصفة، والرد علي هؤلاء بسيط، وهو ان الشعب العربي الفلسطيني يدرك انه يقاوم دولة استسلمت امامها جيوش 22 دولة عربية، وتدعمها المنظومة الغربية بأموالها ونفوذها وعتادها، ولكنه يرفض الركوع والقبول بالهزيمة.

ہ ہ ہ

مشكلة العراق هي نفسها مشكلة فلسطين، اي عدم وجود نخوة عربية، ولذلك باتت لدي الادارة الامريكية الحالية فرضية، صحيحة للأسف، وهي انه لا يوجد عرب، ونقطة علي السطر.
الرأي العام العربي يسأل متي تبدأ الحرب، والرأي العام الغربي يسأل كيف يتأتي منعها، وينظم المظاهرات لاسماع صوته الي حكوماته المتورطة فيها، وهنا يكمن الفرق، وهنا تتجسد المأساة في ابشع صورها واشكالها.

ہ ہ ہ

امريكا لا تريد نزع اسلحة الدمار الشامل العراقية، وانما نزع الكرامة العربية، او ما تبقي منها، واستخدام الشعب العراقي كحقل تجارب لاسلحتها الجديدة، والسيطرة بالكامل علي النفط العربي من خلال السيطرة مع النفط العراقي. والا لما اعلن كولن باول وزير الخارجية الامريكي بالامس انهم سيحمون حقول النفط العراقية، وسيحافظون عليها ويعملون علي تطويرها وتوظيفها في خدمة الشعب العراقي.
كيف ستوظف امريكا النفط في خدمة الشعب العراقي وهي التي تريد تدمير منظمة اوبك، وسلبها حق تحديد الاسعار والانتاج، وتخفيض سعر البرميل الواحد الي اقل من عشرة دولارات حتي تخرج الاقتصادات الغربية من ازماتها الحالية؟
انها الخدعة الكبري، فالامريكان يعرفون كيف يفككون الدول، ولكنهم لا يعرفون، او لا يريدون اعادة تركيبها، والصومال احد الامثلة، وافغانستان آخرها، والعراق واليمن علي الطريق، اذا استطاعوا اليهما سبيلا..
عبد الباري عطوان
جريدة القدس العربي