الاتحاد
13-01-2003, 06:02 AM
يقول الله سبحانه وتعالى فى آية عظيمة
أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يُخرج الله أضغانهم، ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول (محمد / 29-30)
... النِفاقُ داءٌ عُضالٌ باطن .. ومعنى باطن أنه قد يكون مستشريّاً في نفس المؤمن وهو لا يدري ، فمن كانَ مطمئناً من هذا المرض ربما كانَ منافقاً ، قد يمتلئُ منه الرجل وهو لا يشعر فإنه أمرٌ خَفي على الناس وكثيراً ما يخَفى على من تلبسَّ به فيزعم أنه مصلح وهو في الحقيقة مُفسد . .. أحدنا إذا كان يخاف على سلامة إيمانه ، إذا كانَ يخاف على مكانته عِندَ ربه ، إذا كانَ يخشى الله واليومَ الآخر ، إذا كانَ يخشى أن يُحبطَ الله عمله ، إذا كانَ يخشى أن يكونَ له صورة وله حقيقةٌ أخرى لا يرضاها الله عزّ وجل ، فليُدقق في هذه المشكلة : المنافق يصلي مع الناس ، ويصوم مع الناس ، وله زيٌّ إسلامي ، ويحضر جماعاتهم ، المنافقين في صفوف المؤمنين ، بينهم ، في مساجدهم، معهم ، في أعمالهم . ,وكماقال ابن القيم رحمه الله
فكم من معقلٍ للإسلام قد هدموه
وكم من حِصنٍ له قد قلعوا أساسه وخرّبوه
وكم من عَلمٍ قد طمسوه
وكم من لواءٍ له مرفوعٍ قد وضعوه
وكم ضربوا أساسه بالمعاول فهدّموه
المنافقون في الدنيا كانوا مع المؤمنين ، معهم في مساجدهم ، في أفراحهم ، في أتراحهم ، في الحج ، في رمضان ، في الصيام ، هم معهم ... مختلطونَ معهم ، يوم القيامة يتوقف بهم المسير على الصراط المستقيم فيقولون للمؤمنين " انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نوراً " لم تكن أعمالكم في الدنيا صالحة ، لم تكن هِممكم في الدنيا عالية لم تكن نواياكم مُخلصة ، الدنيا مكان العمل ، وفيها يُقتبسُ النور ، ارجعوا وراءكم فالتمسوا نوراً ، قالوا ألم نكن معكم ....؟.. قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم بالدنيا وتربصتم ، وارتبتم ، وغرّتكم الأماني حتى جاء أمرُ الله وغَركم بالله الغَرور ، انظر كم صِفة ألم نكن معكم قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم يعني .. أحببتم الدنيا وجعلتموها كلَّ همكم وجعلتموها مَحطَ رِحالكم وتربصتم بالمؤمنين تمنيتم أن يصيبهم السوء ، تربصتم بالمؤمنين تمنيتم الدمارَ لهم ، إذا جاءهم وعد الله شككتم و ضاقت نفوسكم به ، وارتبتم في كلام الله عزّ وجل ، ما كنتم على يقينٍ من كلام الله عزّ وجل ، إرتبتم في وعده وفي وعيده ، ارتبتم في حلاله وفي حرامه وفي أمره ونهيه ولبستم على الناس دينهم ، وغرّتكم الأماني ، تمنيتم الدنيا وحدها واغتررتم بها حتى جاءَ أمرُ الله وغرّكم بالله الغَرور .
الغَرور هو الشيطان وعدكم وأوهمكم . هكذا .. فانطلقتم إلى المعاصي ، وإلى الشُبهات ، وإلى المخالفات وإلى الدنيا ، وإلى المغانم والمكاسب العاجلة كانت همتكم سافلة وأعرضتم عن المغانم والمكاسب الأجلة . ومن أهم علاماتهم سحر المظهر وخواء الجوهر
ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولو نشاء يا محمد لأريناك أشخاصهم فعرفتهم عياناً، ولكن لم يرضَ يفعل تعالى ذلك في جميع المنافقين ستراً منه على خلقه وحملاً للأمور على ظاهر السلامة ورداً للسرائر إلى عالمها وجعل الله الستر عليهم مشيئة منه سبحانه لعلهم يراجعون أنفسهم , ولكن هناك صفة مهمة يعرفون بها ولتعرفنهم في لحن القول أي فيما يبدو من كلامهم الدال على مقاصدهم يفهم منه مافي قلوبهم من مرض و المراد من لحن القول هنا لحن القلب كما قال أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه: (ما أسر أحد سريرة إلا أبداها الله على صفحات وجهه وفلتات لسانه)، وفي الحديث: ((ما أسر أحد سريرة إلا كساه الله جلبابها إن خير فخيراً وإن شراً فشر)), انتهى كلام ابن كثير.,والمعجم الكبير للطبراني (1702).
وفي الحكمة اللسان مغارف القلوب فانظر مافي قلبك ان خيرا فخير وان شرا فشر
ولسان الفتى نصف ونصف فؤاده **فلم يبقى الا صورة اللحم والدم
أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يُخرج الله أضغانهم، ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول (محمد / 29-30)، يعني:الذين في قلبهم مرض يظنون أنه لن يظهر، بإمكانك يا محمد أن تعرفهم من لحن القول، من كيفية لسانهم، ومايظهر عليها من فساد قلوبهم ومافيها من داء المعنى أنّ الشيء القلبي ينعكس على الجسد، هذا شيء طبيعي وليس بحاجة الى إثبات أنّ الجسم والروح متفاعلان يعكس أثر أحدهما على الآخر، فالتفاعل بين الجسم والروح أمر حقيقي، وأي صفة حصلت في النفس تنعكس على الجسم، فإذن: العمل الصالح من طبيعة الإيمان وأثر الإيمان، وهكذا نتمكن أن نفهم معنى العمل الصالح..
العمل الصالح هو العمل الذي ينبثق عن الإيمان بالله، وهذا رد على من أخرجوا القول والعمل من الايمان وهو ناتج عن ما تجري في افئدتهم، قال على رضى الله عنه {المرء مخبؤ تحت لسانه فاذا تكلم ظهر }، ان من الطبيعي ان تدور في خلد الإنسان افكار لا يريد لها اظهار فاذا استرسل الكلام من دون ترو وتدبير خرجت من حيث لا يشعر، ومن هنا كان الكلام في وثاق صاحبه مالم يفه به فاذا لفظه انقلب صاحبه في وثاقه حيث عرف الناس اذ ذاك حقيقة
فمن ذلك ما جاء في سورة المنافقين التي أنزلها الله عز وجل في شأن عبد الله بن أبي الكافر الذي كان رأس حربة علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع ذلك كان يصلى الجمعة خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يقوم بعد صلاة الجمعة ليعظ الناس ويذكرهم ويقول لهم دونكم رسول الله صلى الله وسلم فتابعوه والتزموا بأوامره فوالذي لا إله إلا هو إنه لرسول الله حقاً هكذا كان يقول عبد الله بن أبي كما ذكره بعض المفسرين في سورة المنافقين، ويحلف بالله إن رسول الله لهو رسول حقاً بل ويعظ الناس ويأمرهم باتباعه وهو من حطب جهنم وهو رأس المنافقين، ولذلك قال الله عز وجل في فضحه اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله يقول ابن كثير في تفسيرها أي اتقوا الناس بالأيمان الكاذبة ليصدقوا فيما يقولون فاغتر بهم من لم يعرف جلية أمرهم فاعتقدوا أنهم مسلمون فربما اقتدى بهم فيما يفعلون وصدقهم فيما يقولون وهم من شأنهم أنهم كانوا في الباطن لا يألون الإسلام وأهله خبالاً فحصل بهذا القدر ضرر كثير على الناس, ولهذا قال تعالى: فصدوا عن سبيل الله إنهم ساء ما كانوا يعملون .
و من صفاتهم ما ذكره جل وعلا في السورة نفسها بقوله: وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم يقول ابن كثير في تفسيرها أي وكانوا أشكالاً حسنة وذوي فصاحة وألسنة وإذا سمعهم السامع يصغي إلى قولهم لفصاحتهم واهتمامهم بالمظهر دون المخبر , ولهذا قال تعالى: يحسبون كل صيحة عليهم أي كلما وقع أمر أو خوف يعتقدون لجبنهم أنه نازل بهم، كما قال تعالى: أشحة عليكم فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد أشحة على الخير أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم وكان ذلك على الله يسيراً فهم صور بلا معاني ولهذا قال تعالى: هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون أي كيف يصرفون من الهدى إلى الضلال،
من كتاب مدارك السالكيين لابن القيم رحمه الله الجزء 2، صفحة 483. . بتصرف
سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول : علق معرفته إياهم بالنظر على المشيئة ولم يعلق تعريفهم بلحن خطابهم على شرط بل أخبر به خبرا مؤكدا بالقسم فقال : ولتعرفنهم في لحن القول وهو تعريض الخطاب وفحوى الكلام والمقصود : أنه سبحانه أقسم على معرفتهم من لحن خطابهم فإن معرفة المتكلم وما في ضميره من كلامه : أقرب من معرفته بسيماه وما في وجهه فإن دلالة الكلام على قصد قائله وضميره أظهر من السيماء المرئية والفراسة تتعلق بالنوعين بالنظر والسماع وفي الترمذي من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن عن النبي قال : اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بور الله ثم تلا قوله تعالى : إن في ذلك لآيات للمتوسمين [ الحجر : 75 ]
( فلعرفتهم بسيماهم ) أي بعلامتهم الخاصة بهم التي يتميزون بها لو نشاء لجعلنا على المنافقين علامة وهي السيما فلعرفتهم بتلك العلامة والفاء لترتيب المعرفة على الإراءة وما بعدها معطوف على جواب لو وكررت في المعطوف للتأكيد وأما اللام في قوله ( ولتعرفنهم في لحن القول ) فهي جواب قسم محذوف قال المفسرون لحن القول فحواه ومقصده ومغزاه وما يعرضون به وكان بعد هذا لا يتكلم منافق عنده إلا عرفه قال ابو زيد لحنت له اللحن إذا قلت له قولا يفقهه عنك ويخفي على غيره ومنه قول الشاعر منطق صائب وتلحن أحيانا وخير الكلام ما كان لحنا أي أحسنه ما كان تعريضا يفهمه المخاطب ولا يفهمه غيره لفطنته وذكائه وأصل اللحن إمالة الكلام إلى نحو من الإنحاء لغرض من الأغراض ( والله يعلم أعمالكم ) لا تخفي عليه منها خافية فيجازيكم بها وفيه وعيد شديد ( ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ) أي لنعاملنكم معاملة المختبر وذلك بأن نأمركم بالجهاد حتى نعلم من امتثل الأمر بالجهاد وصبر على دينه ومشاق ما كلف به قرأ الجمهور الأفعال الثلاثة بالنون وقرأ أبو بكر عن عاصم بالتحتية فيها كلها ومعنى ( ونبلوا أخباركم ) نظهرها ونكشفها امتحانا لكم ليظهر للناس من أطاع ما أمره الله به ومن عصى ومن لم يمتثل
الآية 30 ( ولو نشاء لأريناكهم ) أي لأعلمناكهم وعرفناكهم ( فلعرفتهم بسيماهم ) بعلامتهم قال المعنى لو نشاء لجعلنا على المنافقين علامة تعرفهم بها قال أنس ما خفي على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية شيء من المنافقين كان يعرفهم بسيماهم ( ولتعرفنهم في لحن القول ) في معناه ومصده واللحن وجهان صواب وخطأ فالفعل من الصواب لحن يلحن لحنا فهو لحن إذا فطن للشيء ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم [ ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض ] والفعل من الخطأ لحن يلحن لحنا فهو لاحن والأصل فيه إزالة الكلام عن جهته فكان بعد هذا لا يتكلم منافق عند النبي صلى الله عليه وسلم إلا عرفه بقوله ويستدل بفحوى كلامه على فساد خلقه وعقيدته ويظهر على ألسنتهم مايدل على أمراض قلوبهم وفساد عقيدتهم ومرض طويتهم ولحن القول هنا أي لحن القلب وليس المقصود اللحن اللفظي اللغوي للحروف ولكن اللحن القلبي الذي يدل على مرض فى القلب ( والله يعلم أعمالكم )
الآية 31 ( ولنبلونكم ) ولنعاملنكم معاملة المختبر بأن نأمركم بالجهاد والقتال ( حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ) أي علم الوجود يريد حتى يتبين المجاهد والصابر على دينه من غيره ( ونبلو أخباركم ) أي نظهرها ونكشفها بإباء من يأبى القتال ولا يصبر على الجهاد وقرأ أبو بكر عن عاصم ( وليبلونكم حتى يعلم ) ويبلو بالياء فيهن لقوله تعالى ( والله يعلم أعمالكم ) وقرأ الآخرون بالنون فيهن لقوله تعالى ( ولو نشاء لأريناكم ) وقرأ يعقوب ( ونبلو ) ساكنة الواو ردا على قوله ( ولنبلونكم ) وقرأ الآخرون بالفتح ردا على قوله ( حتى نعلم ) فصل و الفراسة ثلاثة أنواع : إيمانية وهي المتكلم فيها في هذه
المنزلة
كتاب مدارج السالكين، الجزء 2، صفحة 483.
والمنافق فإن كان الذي يخفيه التكذيب بأصول الإيمان فهو المنافق الخالص وحكمه في الآخرة حكم الكافر وقد يزيد عليه في العذاب قال تعالى : ( إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار )
وإن كان الذي يخفيه غير الكفر بالله وكتابه ورسوله وإنما هو شيء من المعصية لله فهو الذي فيه شعبة أو أكثر من شعب النفاق أو مرض من أمراض القلوب وبمقدارها فى قلبه يكون لها أثر في كلامه
والمنافق أضر وأسوأ من الكافر لأنه ساواه في الكفر وزاد عليه تستر كفره فيكون ضرره شديدا والحذر منه قليلا بخلاف الكافر .
أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يُخرج الله أضغانهم، ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول (محمد / 29-30)
... النِفاقُ داءٌ عُضالٌ باطن .. ومعنى باطن أنه قد يكون مستشريّاً في نفس المؤمن وهو لا يدري ، فمن كانَ مطمئناً من هذا المرض ربما كانَ منافقاً ، قد يمتلئُ منه الرجل وهو لا يشعر فإنه أمرٌ خَفي على الناس وكثيراً ما يخَفى على من تلبسَّ به فيزعم أنه مصلح وهو في الحقيقة مُفسد . .. أحدنا إذا كان يخاف على سلامة إيمانه ، إذا كانَ يخاف على مكانته عِندَ ربه ، إذا كانَ يخشى الله واليومَ الآخر ، إذا كانَ يخشى أن يُحبطَ الله عمله ، إذا كانَ يخشى أن يكونَ له صورة وله حقيقةٌ أخرى لا يرضاها الله عزّ وجل ، فليُدقق في هذه المشكلة : المنافق يصلي مع الناس ، ويصوم مع الناس ، وله زيٌّ إسلامي ، ويحضر جماعاتهم ، المنافقين في صفوف المؤمنين ، بينهم ، في مساجدهم، معهم ، في أعمالهم . ,وكماقال ابن القيم رحمه الله
فكم من معقلٍ للإسلام قد هدموه
وكم من حِصنٍ له قد قلعوا أساسه وخرّبوه
وكم من عَلمٍ قد طمسوه
وكم من لواءٍ له مرفوعٍ قد وضعوه
وكم ضربوا أساسه بالمعاول فهدّموه
المنافقون في الدنيا كانوا مع المؤمنين ، معهم في مساجدهم ، في أفراحهم ، في أتراحهم ، في الحج ، في رمضان ، في الصيام ، هم معهم ... مختلطونَ معهم ، يوم القيامة يتوقف بهم المسير على الصراط المستقيم فيقولون للمؤمنين " انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نوراً " لم تكن أعمالكم في الدنيا صالحة ، لم تكن هِممكم في الدنيا عالية لم تكن نواياكم مُخلصة ، الدنيا مكان العمل ، وفيها يُقتبسُ النور ، ارجعوا وراءكم فالتمسوا نوراً ، قالوا ألم نكن معكم ....؟.. قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم بالدنيا وتربصتم ، وارتبتم ، وغرّتكم الأماني حتى جاء أمرُ الله وغَركم بالله الغَرور ، انظر كم صِفة ألم نكن معكم قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم يعني .. أحببتم الدنيا وجعلتموها كلَّ همكم وجعلتموها مَحطَ رِحالكم وتربصتم بالمؤمنين تمنيتم أن يصيبهم السوء ، تربصتم بالمؤمنين تمنيتم الدمارَ لهم ، إذا جاءهم وعد الله شككتم و ضاقت نفوسكم به ، وارتبتم في كلام الله عزّ وجل ، ما كنتم على يقينٍ من كلام الله عزّ وجل ، إرتبتم في وعده وفي وعيده ، ارتبتم في حلاله وفي حرامه وفي أمره ونهيه ولبستم على الناس دينهم ، وغرّتكم الأماني ، تمنيتم الدنيا وحدها واغتررتم بها حتى جاءَ أمرُ الله وغرّكم بالله الغَرور .
الغَرور هو الشيطان وعدكم وأوهمكم . هكذا .. فانطلقتم إلى المعاصي ، وإلى الشُبهات ، وإلى المخالفات وإلى الدنيا ، وإلى المغانم والمكاسب العاجلة كانت همتكم سافلة وأعرضتم عن المغانم والمكاسب الأجلة . ومن أهم علاماتهم سحر المظهر وخواء الجوهر
ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولو نشاء يا محمد لأريناك أشخاصهم فعرفتهم عياناً، ولكن لم يرضَ يفعل تعالى ذلك في جميع المنافقين ستراً منه على خلقه وحملاً للأمور على ظاهر السلامة ورداً للسرائر إلى عالمها وجعل الله الستر عليهم مشيئة منه سبحانه لعلهم يراجعون أنفسهم , ولكن هناك صفة مهمة يعرفون بها ولتعرفنهم في لحن القول أي فيما يبدو من كلامهم الدال على مقاصدهم يفهم منه مافي قلوبهم من مرض و المراد من لحن القول هنا لحن القلب كما قال أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه: (ما أسر أحد سريرة إلا أبداها الله على صفحات وجهه وفلتات لسانه)، وفي الحديث: ((ما أسر أحد سريرة إلا كساه الله جلبابها إن خير فخيراً وإن شراً فشر)), انتهى كلام ابن كثير.,والمعجم الكبير للطبراني (1702).
وفي الحكمة اللسان مغارف القلوب فانظر مافي قلبك ان خيرا فخير وان شرا فشر
ولسان الفتى نصف ونصف فؤاده **فلم يبقى الا صورة اللحم والدم
أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يُخرج الله أضغانهم، ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول (محمد / 29-30)، يعني:الذين في قلبهم مرض يظنون أنه لن يظهر، بإمكانك يا محمد أن تعرفهم من لحن القول، من كيفية لسانهم، ومايظهر عليها من فساد قلوبهم ومافيها من داء المعنى أنّ الشيء القلبي ينعكس على الجسد، هذا شيء طبيعي وليس بحاجة الى إثبات أنّ الجسم والروح متفاعلان يعكس أثر أحدهما على الآخر، فالتفاعل بين الجسم والروح أمر حقيقي، وأي صفة حصلت في النفس تنعكس على الجسم، فإذن: العمل الصالح من طبيعة الإيمان وأثر الإيمان، وهكذا نتمكن أن نفهم معنى العمل الصالح..
العمل الصالح هو العمل الذي ينبثق عن الإيمان بالله، وهذا رد على من أخرجوا القول والعمل من الايمان وهو ناتج عن ما تجري في افئدتهم، قال على رضى الله عنه {المرء مخبؤ تحت لسانه فاذا تكلم ظهر }، ان من الطبيعي ان تدور في خلد الإنسان افكار لا يريد لها اظهار فاذا استرسل الكلام من دون ترو وتدبير خرجت من حيث لا يشعر، ومن هنا كان الكلام في وثاق صاحبه مالم يفه به فاذا لفظه انقلب صاحبه في وثاقه حيث عرف الناس اذ ذاك حقيقة
فمن ذلك ما جاء في سورة المنافقين التي أنزلها الله عز وجل في شأن عبد الله بن أبي الكافر الذي كان رأس حربة علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع ذلك كان يصلى الجمعة خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يقوم بعد صلاة الجمعة ليعظ الناس ويذكرهم ويقول لهم دونكم رسول الله صلى الله وسلم فتابعوه والتزموا بأوامره فوالذي لا إله إلا هو إنه لرسول الله حقاً هكذا كان يقول عبد الله بن أبي كما ذكره بعض المفسرين في سورة المنافقين، ويحلف بالله إن رسول الله لهو رسول حقاً بل ويعظ الناس ويأمرهم باتباعه وهو من حطب جهنم وهو رأس المنافقين، ولذلك قال الله عز وجل في فضحه اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله يقول ابن كثير في تفسيرها أي اتقوا الناس بالأيمان الكاذبة ليصدقوا فيما يقولون فاغتر بهم من لم يعرف جلية أمرهم فاعتقدوا أنهم مسلمون فربما اقتدى بهم فيما يفعلون وصدقهم فيما يقولون وهم من شأنهم أنهم كانوا في الباطن لا يألون الإسلام وأهله خبالاً فحصل بهذا القدر ضرر كثير على الناس, ولهذا قال تعالى: فصدوا عن سبيل الله إنهم ساء ما كانوا يعملون .
و من صفاتهم ما ذكره جل وعلا في السورة نفسها بقوله: وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم يقول ابن كثير في تفسيرها أي وكانوا أشكالاً حسنة وذوي فصاحة وألسنة وإذا سمعهم السامع يصغي إلى قولهم لفصاحتهم واهتمامهم بالمظهر دون المخبر , ولهذا قال تعالى: يحسبون كل صيحة عليهم أي كلما وقع أمر أو خوف يعتقدون لجبنهم أنه نازل بهم، كما قال تعالى: أشحة عليكم فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد أشحة على الخير أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم وكان ذلك على الله يسيراً فهم صور بلا معاني ولهذا قال تعالى: هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون أي كيف يصرفون من الهدى إلى الضلال،
من كتاب مدارك السالكيين لابن القيم رحمه الله الجزء 2، صفحة 483. . بتصرف
سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول : علق معرفته إياهم بالنظر على المشيئة ولم يعلق تعريفهم بلحن خطابهم على شرط بل أخبر به خبرا مؤكدا بالقسم فقال : ولتعرفنهم في لحن القول وهو تعريض الخطاب وفحوى الكلام والمقصود : أنه سبحانه أقسم على معرفتهم من لحن خطابهم فإن معرفة المتكلم وما في ضميره من كلامه : أقرب من معرفته بسيماه وما في وجهه فإن دلالة الكلام على قصد قائله وضميره أظهر من السيماء المرئية والفراسة تتعلق بالنوعين بالنظر والسماع وفي الترمذي من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن عن النبي قال : اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بور الله ثم تلا قوله تعالى : إن في ذلك لآيات للمتوسمين [ الحجر : 75 ]
( فلعرفتهم بسيماهم ) أي بعلامتهم الخاصة بهم التي يتميزون بها لو نشاء لجعلنا على المنافقين علامة وهي السيما فلعرفتهم بتلك العلامة والفاء لترتيب المعرفة على الإراءة وما بعدها معطوف على جواب لو وكررت في المعطوف للتأكيد وأما اللام في قوله ( ولتعرفنهم في لحن القول ) فهي جواب قسم محذوف قال المفسرون لحن القول فحواه ومقصده ومغزاه وما يعرضون به وكان بعد هذا لا يتكلم منافق عنده إلا عرفه قال ابو زيد لحنت له اللحن إذا قلت له قولا يفقهه عنك ويخفي على غيره ومنه قول الشاعر منطق صائب وتلحن أحيانا وخير الكلام ما كان لحنا أي أحسنه ما كان تعريضا يفهمه المخاطب ولا يفهمه غيره لفطنته وذكائه وأصل اللحن إمالة الكلام إلى نحو من الإنحاء لغرض من الأغراض ( والله يعلم أعمالكم ) لا تخفي عليه منها خافية فيجازيكم بها وفيه وعيد شديد ( ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ) أي لنعاملنكم معاملة المختبر وذلك بأن نأمركم بالجهاد حتى نعلم من امتثل الأمر بالجهاد وصبر على دينه ومشاق ما كلف به قرأ الجمهور الأفعال الثلاثة بالنون وقرأ أبو بكر عن عاصم بالتحتية فيها كلها ومعنى ( ونبلوا أخباركم ) نظهرها ونكشفها امتحانا لكم ليظهر للناس من أطاع ما أمره الله به ومن عصى ومن لم يمتثل
الآية 30 ( ولو نشاء لأريناكهم ) أي لأعلمناكهم وعرفناكهم ( فلعرفتهم بسيماهم ) بعلامتهم قال المعنى لو نشاء لجعلنا على المنافقين علامة تعرفهم بها قال أنس ما خفي على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية شيء من المنافقين كان يعرفهم بسيماهم ( ولتعرفنهم في لحن القول ) في معناه ومصده واللحن وجهان صواب وخطأ فالفعل من الصواب لحن يلحن لحنا فهو لحن إذا فطن للشيء ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم [ ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض ] والفعل من الخطأ لحن يلحن لحنا فهو لاحن والأصل فيه إزالة الكلام عن جهته فكان بعد هذا لا يتكلم منافق عند النبي صلى الله عليه وسلم إلا عرفه بقوله ويستدل بفحوى كلامه على فساد خلقه وعقيدته ويظهر على ألسنتهم مايدل على أمراض قلوبهم وفساد عقيدتهم ومرض طويتهم ولحن القول هنا أي لحن القلب وليس المقصود اللحن اللفظي اللغوي للحروف ولكن اللحن القلبي الذي يدل على مرض فى القلب ( والله يعلم أعمالكم )
الآية 31 ( ولنبلونكم ) ولنعاملنكم معاملة المختبر بأن نأمركم بالجهاد والقتال ( حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ) أي علم الوجود يريد حتى يتبين المجاهد والصابر على دينه من غيره ( ونبلو أخباركم ) أي نظهرها ونكشفها بإباء من يأبى القتال ولا يصبر على الجهاد وقرأ أبو بكر عن عاصم ( وليبلونكم حتى يعلم ) ويبلو بالياء فيهن لقوله تعالى ( والله يعلم أعمالكم ) وقرأ الآخرون بالنون فيهن لقوله تعالى ( ولو نشاء لأريناكم ) وقرأ يعقوب ( ونبلو ) ساكنة الواو ردا على قوله ( ولنبلونكم ) وقرأ الآخرون بالفتح ردا على قوله ( حتى نعلم ) فصل و الفراسة ثلاثة أنواع : إيمانية وهي المتكلم فيها في هذه
المنزلة
كتاب مدارج السالكين، الجزء 2، صفحة 483.
والمنافق فإن كان الذي يخفيه التكذيب بأصول الإيمان فهو المنافق الخالص وحكمه في الآخرة حكم الكافر وقد يزيد عليه في العذاب قال تعالى : ( إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار )
وإن كان الذي يخفيه غير الكفر بالله وكتابه ورسوله وإنما هو شيء من المعصية لله فهو الذي فيه شعبة أو أكثر من شعب النفاق أو مرض من أمراض القلوب وبمقدارها فى قلبه يكون لها أثر في كلامه
والمنافق أضر وأسوأ من الكافر لأنه ساواه في الكفر وزاد عليه تستر كفره فيكون ضرره شديدا والحذر منه قليلا بخلاف الكافر .