تسجيل الدخول

View Full Version : النفاق السياسي النفسي


مسدد
15-01-2003, 07:35 PM
قد يظن البعض أن الديكتاتورية تتمثل في نموذج الحاكم الظالم الذي يعتقد أنه هبة الله لشعبه وأن ما يقوم به من أعمال إنما هي إلهام من الله وأن حسناته خير محض وان سيئاته ابتلاء لتمحيص الشعوب وانه هو طريق النجاة لشعبه ولا يصلح غيره حاكما له ، لما يضيق بنا الأفق لن نستطيع أن نتجاوز هذا الفهم الضيق للديكتاتورية.
نجلس نلعن ونشتم في الطغاة وندعوا الله أن يقصمهم لأنهم ديكتاتوريون ، لأنهم متسلطون ، متحكمون ، لا يسمحون لغيرهم بالحديث ، يرفضون الشورى ، ويعاقبون كل من تطاوعه نفسه أن يفكر مجرد تفكير في استخلاص شيء من الحرية للتعبير عن سخطه وحنقه على المسيرة الديكتاتورية.
ولا يعدو أن يكون كل ما يقوم به الكثيرون نفاقا سياسيا ، فالكثير منا ينافق نفسه سياسيا ، فهو يعتقد أنه المخلص الوحيد وأن طريقه هو طريق الرشاد والسداد وأنه مسدد من عند الله تبارك وتعالى وخطواته هي المنفذ الوحيد المخلص للأمة ، ومتى جالسته كان جاهزا بالحلول الجذرية لتخليص الأمة من السير الحثيث للخلف ، وخرائط فكره تمتد لتطوق العالم بأكمله بفكره الناضج الناصع.
ولكن ما أن تأتي للتطبيقات العملية في حياة هذا المنافق سياسيا (ولا أزال أعني به منافقته لنفسه) فتجد أن التطبيقات العملية له كلها فشل في فشل ، فهو حتى هذه اللحظة في منزله أو في إدارته أو في مشاركته الكتابة في سوالف لا يستطيع أن يطبق التطبيق العملي لمفهوم الشورى ، بل جل ما يقوم به من أعمال يلفها التسلط والديكتاتورية والشمولية ، وإن حاول أن يكون شوريا من خلال كتاباته أو ديموقراطيا من خلال ما يدعو إليه ، يحذر الناس من خطورة التسلط والاستئثار بالرأي بينما هو غارق فيما يحاربه.

فهو في منزله الآمر الناهي ، والزوجة ليس لها من الأمر شيء ولا يحق لها أن تبدي رأيها ولا تقترح اقتراحا ، إنما عليها أن تكون سامعة مطيعة ، فإذا ما قرر رحلة ترفيهية كان هو العقل المدبر لها ، وليس للزوجة أن تقترح أبدا ، وليس لها أن تختار حتى المواضع التي يجلسون فيها ، وربما كان من ديكتاتوريته العمل بالقول الموضوع المنسوب للنبي عليه الصلاة والسلام "شاوروهن وخالفوهن" فهو مبدأ أصيل لديه ، فيجب أن يسأل زوجته عن البقعة التي تود أن تجلس فيها ، وبعد أن تختار البقعة المميزة لها ولأبنائها يفاجئها زوجها برفض المكان ، وإذا ما أراد أن يبني بيتا جديدا شاورها في الأمر ، ثم خالفها ، فإذا وقفت معاندة (من باب المصلحة العامة) مارس عليها جميع (الضغوط) الكفيلة بتراجعها عن (حريتها في التعبير) وربما استخدم معها الأسلوب (الإعلامي الرخيص) فيعلق عليها أمام أبنائها أو أمام أهله ، وربما (ابتزها) وذكرها (بتاريخها) والذي حوى قبوله بمشورتها من قبل ووقوعهم في العنت بسبب عمله بمشورتها ، وربما اتهمها بالسعي وراء (مصالحها الشخصية) وأحيانا يتهمها (بتبديد المال العام).
وهو في إدارته في العمل يمارس الديكتاتورية بأبشع صورها ، فلا يحق لمن هم دونه أن يبدوا المشورة ابتداء ولا يأخذ باقتراحاتهم على ما يطرحه انتهاء ، وإذا اجتمع بهم مدعيا تطبيق مبدأ (الشورى) استمع للجميع ، فهدد هذا (بالفصل) وخوف الآخر (بالتضييق في معيشته) وغمز الآخر بالسعي (لتقويض سلطته) ومارس (الحرب النفسية) على البقية ، وربما اتهم البعض بأنهم (عملاء لجهات أجنبية) ولما يخرج الاجتماع يظهر صاحبنا هذا ليعلن أن الاجتماع خرج برأي واحد وباتفاق على نسبة 100% على هذا الرأي ، وما تلبث الأيام أن تنجلي عن (فضيحة) إدارية ، فيعيد صاحبنا ترتيب أوراقه بسرعة ، (فيقيل) هذا (ويعزل) ذاك والآخر (يحيله للجنة التحقيق) ليخرج ويتحدث عن وجود أفراد (مندسين) ينعتهم (بالمخربين) هدفهم (إرهاب) بقية الموظفين ، وأنه (بحكمته وسياسته) استطاع أن (ينقذ) المؤسسة من (عمليات تخريبية).
وهو عندنا في سوالف ، شخص يمارس الضغوط الفكرية ، فهو ينسف الأسس التي تقوم عليها الحوارات ، فما يطرحه من رأي يعتبره صحيحا لا يحتمل الخطأ بل يتأكد بأنه الصحة المطلقة ، وأن ما يطرحه غيره غثاء وهشيم وهو الخطأ المطلق ، ليس لديه أساس للنقاش ، فقط يعتمد على نسف قواعد غيره نسفا بلا هواده ، أفعال غيره جميعها تشنجات عاطفية ليس لها أي قيمة ، بينما أطروحاته هي عين العقل ، أطروحات غيره ليس لها في ميدان الواقع موطئ قدم وأما أطروحاته فلم تبقي موطئ قدم لغيره ، أطروحاته هي الحق المطلق ولو كانت مبنية على الطعن في العلماء وإفساد نياتهم ونبزهم بالألقاب ، وأطروحات غيره فاسدة ولو تخللها قبس من نور النبوة أو هداية ربانية ، أطروحاته تضعك أمام مرآة مقعرة ، تبرر للكافر كفرة وتطبق عليه مفهوم الإرجاء وتفسر غيرة المؤمن واحتكامه للنصوص بأنها كفر وخروج عن الملة ويطبق عليها نظريات المعتزلة والخوارج.
ليس النفاق السياسي بأن تساير ظروفا معينة وتسعى لتعديلها ، بل النفاق السياسي منه النفاق القائم على مداهنة الحكام وجعل كل ما يقومون به حقا مطلقا ، والأسوأ من هذا كله أن يعيش أحدنا منافقا سياسيا لسلطته الديكتاتورية ، لسلطته الأحادية التي تزعم أنها الحق المطلق وأن غيرها على باطل ، وأصحاب هذه المملكة هم من المرضى النفسيين الذين تسبب سوء الحال عندهم أن يعيشوا منافقين لذواتهم مداهنين لها.