PDA

View Full Version : {من مذكرات الشيخ الدكتور القرضاوي}


ابو الامير
14-04-2003, 12:07 PM
الجانب السياسي: هتلر عقوبة إلهية للحلفاء

لم يكن الناس في قريتنا في عهد صباي مشغولين بالسياسة، ولا مهتمين بشؤونها؛ وذلك لسببين: الأول: انتشار الأمية بين الناس، والاهتمام بالسياسة يحتاج إلى قدر من الوعي ومتابعة القضايا العامة وقراءة الصحف ونحو ذلك. ولم يكن هذا ميسورا لأهل القرية، حتى لم يكن يقرأ صحيفة الأهرام إلا أناس يُعَدُّون على الأصابع.

والسبب الثاني: أن الناس كانوا مشغولين بلقمة العيش، ومعركة الخبز، وهي معركة مريرة وطويلة، قوامها المعاناة والكدح من الفجر حتى غروب الشمس، حتى قالوا في أمثالهم: "الدنيا أشغال شاقة، آخرها الإعدام".

والناس إنما يفكرون في السياسة حينما يحسون بشيء من الراحة، وقدر من الفراغ؛ ليخرجوا من شأنهم الخاص إلى الشأن العام. وكان أمر المُلك يجري حسب نظام الوراثة، وحسب رغبات الإنجليز الذين احتلوا البلاد منذ أوائل الثمانينيات من القرن التاسع عشر، ولا دخل للشعب في اختيار الحاكم ولا عزله.

وقد تغيرت ألقاب الحاكمين لمصر من "خديو" إلى "سلطان"، إلى "ملك"، والناس لا شأن لهم بذلك، إنما يشاهدون أثر ذلك في صورة الحاكم، وما يكتب تحت صورته: "خديو" أو "سلطان" أو "ملك"، وخصوصا في العملة، فقد شهدت عملة باسم "السلطان حسين"، ثم أخرى باسم "الملك فؤاد الأول"، ثم أخرى باسم "الملك فاروق الأول". وكان أول ما يظهر تغير العملة في (المليم) أصغر العملات، وأكثرها شيوعا في ذلك الزمن.


يتبع

ابو الامير
14-04-2003, 12:10 PM
وكان الناس يذكرون "عرابي" وثورته ضد الخديو، أو كما يسمونها "هوجة عرابي". كما يذكر بعضهم بطش الإنجليز وعدوانهم الوحشي على المصريين في قرية "دنشواي" ووقوف "مصطفى كامل" باشا ضد الإنجليز، وكان بعضهم يغني موالا في تمجيد مصطفى كامل، الذي مات في عنفوان شبابه.

كما كان بعضهم يذكر "محمد فريد" الذي خلف مصطفى كامل، في رئاسة حزبه، ومقاومة الاحتلال الإنجليزي، والذي نُفي خارج مصر، ومات في منفاه، رحمه الله.

ومما أذكره وأنا صبي أنه كلما مرت طائرة فوق القرية، أسرع الصبيان وتجمعنا نهتف بحرارة: "يا عزيز يا عزيز (كُبَّة) تأخذ الإنجليز"، وكأنما الطائرة رمز إلى الاستعمار الغربي، والإنجليزي منه خاصة!

ومما أذكره أن المصريين رحبوا بالملك فاروق أول جلوسه على العرش، وأطلقوا عليه لقب "الملك الصالح"، وكنا نهتف ونحن تلاميذ بالمدرسة الإلزامية: "عاش الملك الصالح"، ورد الناس هذا الصلاح لقربه من الشيخ "المراغي" شيخ الجامع الأزهر.

وأذكر أن الملك مر على "صفط" مرة في طريقه إلى المحلة الكبرى لافتتاحه أحد المساجد بها، فأخذونا -نحن تلاميذ المدرسة- واصطففنا على الطريق، وكذلك كل القرى قبلنا وبعدنا؛ لنحيي ملك البلاد، ونهتف بحياة الملك الصالح. ولكن بطانة السوء تسللت إليه بعد ذلك كما تتسلل الشياطين، وجروه إلى دوامة الفساد. والمعصوم من عصمه الله.

وكنا نسمع من الناس ذكريات عن ثورة سنة 1919 وعن "سعد باشا زغلول" ومقاومته الإنجليز المستعمرين. ونسمع منهم عن الحرب العالمية الأولى، وما أصاب كثيرا من التجار فيها من خسائر اقتصادية وتجارية نقلت هؤلاء من اليسر إلى العسر، ومن الغنى إلى الفقر. وينشدون في ذلك:

مَا بين طَرفةِ عينٍ وانتباهتِها
يغيِّرُ اللهُ من حالٍ إلى حال

يتبع...

ابو الامير
14-04-2003, 10:45 PM
أما الانتماء إلى الأحزاب، فكان الأهالي هنا تبعا لـ"آل خضر"، الذين يرشحون ناسا منهم لكل دورة انتخابية، وهم قد قسموا أنفسهم بحيث يكون منهم نائب في كل عهد.

وقد كانوا في فترة ما مع حزب "الوفد"، فلما انفصل السعديون عنه، وشكلوا الحكومة، وأجروا الانتخابات، وعُرف أنهم سيفوزون بالأغلبية القادمة -بالحق أو الباطل- انضموا إليهم، ورُشحوا على قائمتهم.

أما أهالي البلدة، فكانت عواطفهم مع "النحاس باشا" زعيم حزب الوفد؛ وذلك لأمرين:

الأول: أنه ابن المنطقة.. ابن الغربية.. ابن سمنود القريبة من قريتنا. والثاني: أنه يعمل لمصلحة الفقراء، وكثيرا ما سمعت أهل القرية: نحن نحب النحاس؛ لأنه رفع عنا "العتبة" و"الشرقي".

ويقصدون بالـ"عتبة" تلك الضريبة العقارية، التي كانت مفروضة على الناس جميعا؛ بأن يدفع كل شخص مبلغا عن الدار التي يملكها ويسكنها هو وعياله، مهما تكن حالته وعسره، وكان هذه عبئا كبيرا على المواطنين العاديين، يحملون همه.

وكيف يدبر الرجل الفقير، والمرأة الأرملة، والعامل المتبطل، وأمثالهم الذين لم يكونوا يجدون القوت إلا بشق الأنفس؟! كيف يدبر أحدهم مبلغ (العتبة) الذي كان يشكل همًّا ثقيلا عليهم؟ فلما ألغته حكومة النحاس، تنفس الشعب الصعداء، ودعا للنحاس بخير.

وأما "الشرقي" فيُقصد به فرع نهر النيل الشرقي المعروف بـ(فرع دمياط). ولم يكن للنيل وفرعيه (كورنيش) يحميه من طغيان الفيضان إذا علا في فصل الصيف من كل عام، وكان في كثير من الأعوام يعلو ويعلو حتى يهدد القرى المجاورة بالغرق. ولم تجد الحكومات وسيلة لمقاومة هذا الفيضان العاتي إلا (بتسخير) الفلاحين المساكين، يُساقون من قراهم سوقا تحت سياط التهديد والقوة؛ ليعملوا مجانا، ويتركوا أرضهم وأعمالهم، ويُغرَّبوا عن أهليهم وبلدانهم في حملة مكثفة؛ لوضع الحجارة وغيرها عند الشواطئ، لحماية البلاد القريبة من خطر الفيضان.

فكان من الخير الذي قدمته حكومة الوفد للشعب إلغاء هذه السُّخرة المُذلة للناس. وقد رأيت بعيني الشبان من أبناء الفلاحين يُخطَفون خطفا من بيوتهم أو حقولهم، ويُجَرون جرا رغم أنوفهم، كما كانوا يُجندون قهرا أيام السلطة في عهد الإنجليز. وقد أُخذ ابن عم لي مرة في هذه السخرة.

وفيما عدا ذلك لم تكن لدى الناس ثقة بالحكومة، ومن الأمثال السائرة عندهم: "يوم الحكومة بسنة"، وهو تعبير عن بطء الروتين الإداري، والبروقراطية الحكومية المتوارثة.

ومن الأمثال المعبرة عن عدم الثقة بالحكومة قولهم: "إذا كان ذراعك عسكريًّا -يعني شرطيًّا- فاقطعه". فهو لا يعتقد أن هذا العسكري أو الشرطي لحمايته وخدمته، بل هو لقهره وإذلاله. ويأس الناس من الدولة ومؤسساتها هو الأساس؛ فهم لا يهمهم تغيير الحكومات من حزب إلى آخر، ومن حزب الأغلبية لأحزاب الأقلية، وقد عبروا عن هذا بقولهم: "اللي يتزوج أمي أقول له يا عمي".

الحرب العالمية الثانية

وأذكر من الأوقات التي اهتم الناس فيها بالسياسة أيام الحرب العالمية الثانية، التي أعلن فهيا (هتلر) الحرب على الحلفاء -وعلى رأسهم بريطانيا- التي احتلت مصر والسودان والعراق وفلسطين وغيرها من بلاد المسلمين في أسيا وإفريقيا. والتي هزمت دولة الخلافة في الحرب العالمية الأولى.

كان أهل القرية عموما -كمعظم أهل مصر- في تلك الفترة يرحبون بهتلر، ويعتبرونه سيفا سلَّه القدر الأعلى على رقبة بريطانيا؛ لينتقم منها على طغيانها وجرائمها في حق المسلمين
....يتبع

ابو الامير
15-04-2003, 11:10 PM
وأذكر من الأوقات التي اهتم الناس فيها بالسياسة أيام الحرب العالمية الثانية، التي أعلن فهيا (هتلر) الحرب على الحلفاء -وعلى رأسهم بريطانيا- التي احتلت مصر والسودان والعراق وفلسطين وغيرها من بلاد المسلمين في أسيا وإفريقيا. والتي هزمت دولة الخلافة في الحرب العالمية الأولى.

كان أهل القرية عموما -كمعظم أهل مصر- في تلك الفترة يرحبون بهتلر، ويعتبرونه سيفا سلَّه القدر الأعلى على رقبة بريطانيا؛ لينتقم منها على طغيانها وجرائمها في حق المسلمين.

وكان الناس في شأن هتلر قسمين:

قسم يقول: هو مبعوث العناية الإلهية للانتقام من المستعمرين الأوربيين من الإنجليز والفرنسيين وغيرهم من الذين طغوا في البلاد، فأكثروا فيها الفساد.

ومن الطريف أن بعض الناس في القرية، كانوا يقولون: "إنه مسلم يتخفى وراء اسم هتلر"، بل قال بعضهم: "إن اسمه الحاج محمد هتلر"!!

والقسم الآخر: يقول ما قاله أحد الحكماء قديما: "الظالم سيف الله في أرضه ينتقم به، ثم ينتقم منه". ويردد قول الشاعر:

وَمَا مِن يدٍ إِلا يدُ اللهِ فوقَها
وَلا ظَالمٌ إلا سيبلى بظالم


على أية حال، كان هتلر عقوبة إلهية للحلفاء، ومن فضل الله على المستضعفين أن يسلط الظالمين بعضهم على بعض؛ حتى لا ينفرد فريق منهم بالفتك بالضعفاء دون أن يقول أحد لهم: "كفوا أيديكم".

ولهذا كان من أدعية السلف: "اللهم اشغل الظالمين بالظالمين، وأخرجنا من بينهم سالمين".

ومن أمثال العرب: "إذا اصطلح الفأر والهرة خرب دكان البقال".

وقالوا كذلك: "إذا اختلف اللصان ظهر المسروق". فكان اختلاف اللصوص على الغنيمة، واشتغال الظالمين بعضهم ببعض رحمة من الله تعالى بالضعفاء الذين لا يملكون من أسباب القوة ما يقاومون به المستكبرين في الأرض، الذين قالوا ما قال قوم عاد قديما: "مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً". وهذا ما شهدناه بأعيننا أيام صراع القطبين الدوليين (أمريكا والاتحاد السوفيتي)، وكيف كان تنازعهما نعمة على الشعوب المستضعفة وفرصة لها. وكيف أصبحت الشعوب الضعيفة اليوم فريسة لأنياب القوة العظمى الوحيدة المنفردة بالهيمنة والقوة في العالم؟

على كل حال، كان أهل قريتنا بقلوبهم ومشاعرهم مع الألمان، ومع هتلر، ما عدا واحدا من أهل القرية، كان ضد أهل القرية، وكان مع الإنجليز بصراحة، ويرى أن الإنجليز هم المنتصرون في النهاية، وهو أحد تجار القرية، واسمه الحاج "عبد القادر يحي"، وكان بيننا وبينه قرابة من جهة الأم؛ فقد كانت جدته قرضاوية. والعجيب أن الأيام قد صدقت ظنه وانتصر الإنجليز في النهاية، برغم تقدم (ثعلب الصحراء) روميل في أول الأمر، وترحيب الجماهير المصرية به، وقول بعضهم: إلى الأمام يا (روميل)!!

>>>>>>>

فهد89
16-04-2003, 03:56 AM
أحسنت على هذا النقل,

لقد قرأت المقال باكمله


شكراً

ابو الامير
16-04-2003, 04:38 AM
رد مقتبس من فهد89
أحسنت على هذا النقل,

لقد قرأت المقال باكمله


شكراً
كل المحبه والشكر لك اخ فهد تحياتي
لك ايها الغالي

ابو الامير
17-04-2003, 03:50 AM
وأذكر من الأوقات التي اهتم الناس فيها بالسياسة أيام الحرب العالمية الثانية، التي أعلن فهيا (هتلر) الحرب على الحلفاء -وعلى رأسهم بريطانيا- التي احتلت مصر والسودان والعراق وفلسطين وغيرها من بلاد المسلمين في أسيا وإفريقيا. والتي هزمت دولة الخلافة في الحرب العالمية الأولى.

كان أهل القرية عموما -كمعظم أهل مصر- في تلك الفترة يرحبون بهتلر، ويعتبرونه سيفا سلَّه القدر الأعلى على رقبة بريطانيا؛ لينتقم منها على طغيانها وجرائمها في حق المسلمين.

وكان الناس في شأن هتلر قسمين:

قسم يقول: هو مبعوث العناية الإلهية للانتقام من المستعمرين الأوربيين من الإنجليز والفرنسيين وغيرهم من الذين طغوا في البلاد، فأكثروا فيها الفساد.

ومن الطريف أن بعض الناس في القرية، كانوا يقولون: "إنه مسلم يتخفى وراء اسم هتلر"، بل قال بعضهم: "إن اسمه الحاج محمد هتلر"!!

والقسم الآخر: يقول ما قاله أحد الحكماء قديما: "الظالم سيف الله في أرضه ينتقم به، ثم ينتقم منه". ويردد قول الشاعر:

وَمَا مِن يدٍ إِلا يدُ اللهِ فوقَها
وَلا ظَالمٌ إلا سيبلى بظالم


على أية حال، كان هتلر عقوبة إلهية للحلفاء، ومن فضل الله على المستضعفين أن يسلط الظالمين بعضهم على بعض؛ حتى لا ينفرد فريق منهم بالفتك بالضعفاء دون أن يقول أحد لهم: "كفوا أيديكم".

ولهذا كان من أدعية السلف: "اللهم اشغل الظالمين بالظالمين، وأخرجنا من بينهم سالمين".

ومن أمثال العرب: "إذا اصطلح الفأر والهرة خرب دكان البقال".

وقالوا كذلك: "إذا اختلف اللصان ظهر المسروق". فكان اختلاف اللصوص على الغنيمة، واشتغال الظالمين بعضهم ببعض رحمة من الله تعالى بالضعفاء الذين لا يملكون من أسباب القوة ما يقاومون به المستكبرين في الأرض، الذين قالوا ما قال قوم عاد قديما: "مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً". وهذا ما شهدناه بأعيننا أيام صراع القطبين الدوليين (أمريكا والاتحاد السوفيتي)، وكيف كان تنازعهما نعمة على الشعوب المستضعفة وفرصة لها. وكيف أصبحت الشعوب الضعيفة اليوم فريسة لأنياب القوة العظمى الوحيدة المنفردة بالهيمنة والقوة في العالم؟

على كل حال، كان أهل قريتنا بقلوبهم ومشاعرهم مع الألمان، ومع هتلر، ما عدا واحدا من أهل القرية، كان ضد أهل القرية، وكان مع الإنجليز بصراحة، ويرى أن الإنجليز هم المنتصرون في النهاية، وهو أحد تجار القرية، واسمه الحاج "عبد القادر يحي"، وكان بيننا وبينه قرابة من جهة الأم؛ فقد كانت جدته قرضاوية. والعجيب أن الأيام قد صدقت ظنه وانتصر الإنجليز في النهاية، برغم تقدم (ثعلب الصحراء) روميل في أول الأمر، وترحيب الجماهير المصرية به، وقول بعضهم: إلى الأمام يا (روميل)!!

============== يتبع

ابو الامير
17-04-2003, 10:45 PM
وكنا نسمع في بعض الأحيان عن اليهود وأطماعهم في فلسطين، ولكن لم يكن الحديث عنها واضحًا ولا مؤثرا، ولا يشكل الأمر إحساسا بالخطر، وخصوصا بعد سقوط الخلافة العثمانية، وتفرق الأقطار التي كانت تابعة لها، وظهور النزعة الإقليمية التي تعتز بالوطن والوطنية، وتتغنى بهما.

وكانوا في المدرسة يحفظوننا أناشيد تعلق قلوبنا بحب الوطن الصغير (مصر) والفناء فيه، وبذل النفس والنفيس في سبيله، وإغفال الوطن العربي والإسلامي نهائيا.

وقد كنا في السنوات الأولى في المدرسة نحفظ النشيد الذي يقول:

بلادي، بلادي، فِـداك دمي
وهبت حياتي فدى فاسلمي


غرامُكِ أولُ مـا في الـفؤاد
ونجواك آخرُ ما في فمي

سأهتفُ باسمِكِ ما قد حييتُ:
"تعيشُ بلادي ويحيا الوطن"


ثم غُير هذا النشيد أيام الحرب العالمية إلى نشيد آخر يقول:

أمامًا، أمامًا، جنود الـفدا
وسيروا إلى النصرِ تحت العلم

إلى عزةِ المُلكِ رَغَمَ الْعِدا
ولا ترتضوا غيرَ عالي القممْ


وفي هذا النشيد:

سيخفق قلبي ويشدو فـمي
بحبك يا مصرُ طـولَ الـزمنْ

وإن بُحَّ صوتي، فهذا دمي
يخطُّ على الأرض: "يحيا الوطن"


وظاهر هذه الأناشيد أنها تهدف إلى تعبئة مشاعر الناشئة نحو الوطن والوطنية؛ فتكون بديلا عن مشاعر الوحدة الإسلامية، والأخوة الإسلامية، التي كانت مسيطرة على الناس أيام الخلافة الإسلامية، التي كانت تجمع أوطان الإسلام في وطن واحد، أو دار واحدة هي (دار الإسلام) كما يعبر عنها الفقهاء. وكان كل وطن منها، وكل شعب فيها، ينظر إلى نفسه على أنه جزء من كلٍ، وعضو في جسد واحد، إذا اشتكى منه عضو اشتكى كله. فكل هذه الشعوب جزء من أمة واحدة هي أمة الإسلام.

وحب الوطن عاطفة فطرية، ولكن لا يجوز الغلو فيها على حساب عواطف أخرى، وقيم أخرى، مثل قيمة الأخوة والوحدة والعقيدة، وقد قال شوقي:

وطني لو شُغِلتُ بالخُلْدِ عنه
نازعتني إليه بالخلدِ نَفسي!


بل قال أكثر من ذلك:

وجهُ الكنانةِ ليس يُغضبُ ربَّكم
أن تجعلوه كوجهِهِ معبودا


فكيف يرضى مسلم أن يجعل وجه الوطن معبودا كوجه الله الذي لا يجوز أن توجه العبادة إلا إليه؟! هذا على الرغم من نزعة شوقي الإسلامية الصريحة.

وقد علق شيخنا الشيخ "محمد الغزالي" -رحمه الله- على ذلك البيت الذي ذكرناه في نشيد (بلادي بلادي) وهو الذي يقول:

غرامُكِ أوَّلُ ما في الفؤادِ
ونجواكِ آخرُ ما في فمي


فقال: فماذا بقي لله في حياة هذا القائل؟!

كان التركيز على الوطن والوطنية، دون اهتمام بأي وحدة إسلامية ولا عربية، وإن كان الناس في القرية يتحدثون عن "بَرّ الحجاز" و"بَرّ الشام" و"بر العراق" و"بر المغرب" و"بر السودان"... وغيرها، ونرى الناس مرتبطين بهذه "البرور"، ويحسون بأن هذه الأوطان منهم، وهم منها. وهذه بقية من آثار الأخوة الإسلامية ودلائلها.

يؤكدها كل جمعة الخطباء على منابرهم، الذين يدعون الله باستمرار: أن يعز الإسلام والمسلمين، وأن ينصر أمة محمد، ويصلح أمة محمد في كل مكان

مسدد
18-04-2003, 03:04 AM
أسأل الله أن يعلي مقامك على هذه النقولات القيمة لهذا الشيخ الجليل.

ابو الامير
18-04-2003, 10:59 AM
في أوائل شهر أغسطس سنة 1952م، أي بعد حوالي مضي أسبوعين على قيام ثورة 23 يوليو جاءني أمر من الأستاذ الهضيبي المرشد العام أن أتهيأ لرحلة إلى بلاد الشام: لبنان وسوريا والأردن، أنا والأخ الفاضل الأستاذ محمد علي سليم من إخوان الشرقية، توثيقا للصلة بالإخوة هناك، وتعميقا للتربية عندهم.

وكانت هذه أول رحلة لي خارج مصر، وقد رحبت بها كل الترحيب، فالسفر نصف العلم، وفي أمثالنا قالوا: الذي يعيش يرى كثيرا، قيل: لكن الذي يسافر يرى أكثر، وقد حفظنا من شعر الإمام الشافعي:

ما في المقام لذي عقل وذي أدب

من راحة، فدع الأوطان واغترب

إني رأيت وقـوف الماء يفسده

إن سال طاب، وإن لم يجر لم يطب

والتبر كالتُرْب ملقى في أماكنه

والعود في أرضه نوع من الحطب

فـإن تغرّب هـذا عـز مطلبه

وإن تغـرّب ذاك كان كـالذهب

لهذا استبشرت بهذه الرحلة لأرى فيها الدنيا والناس، وأتعلم من مدرسة الحياة لا من الكتب وحدها، وفيها كانت لي هناك أوليات شتى: فهي أول مرة أستخرج فيها جواز سفر، وأول مرة أركب فيها الباخرة إلى خارج مصر، فقد ركبت الباخرة (عايدة) إلى الطور، وأول مرة أركب فيها الطائرة عائدا إلى مصر من عمَّان، وأول مرة ألبس فيها قميصا وبنطلونا، وأول مرة أضطر للتعامل مع إخواني باسم غير اسمي، وأول مرة أحمل فيه نقدا غير العملة المصرية، وأتعامل به... إلى آخره.

كانت الثورة في أيامها الأولى، ولم يكن يُسمح لأحد بالسفر إلا بتصريح من رجال الثورة، ولا بد أن يكون التصريح مسببا، ولكن كانت العلاقة حسنة بين رجال الثورة والإخوان، فاستطاع الأستاذ منير دلَّة عضو مكتب الإرشاد أن يستخرج لي تصريحا بالسفر، مندوبا لشركة أدوات كهربائية يملكها أحد الإخوان.

وكان علينا أن نسافر بأرخص الوسائل حتى لا نكلف الجماعة الكثير، فكانت الباخرة هي الأرخص، وعلينا أن نختار أرخص الدرجات في الباخرة، وهي ما يسمونه (أون دك) أي على السطح، وكان الأخ سليم هو الذي يتولى الصرف.

ووصلنا إلى الإسكندرية، وألقيت محاضرة بدار الإخوان هناك، وبتُّ عندهم، لنسافر من الغد إلى بيروت.

وركبنا الباخرة (سيبيريا) على ما أذكر، وأخذنا موقعنا على سطحها، وقلنا: بسم الله مجراها ومرساها، وكان السطح جميلا جدا، وخصوصا بالليل، تطالعنا نجوم السماء، التي جعلها الله زينة ومصابيح للسماء "وزينها للناظرين"، وكان البحر الأبيض في غاية الروعة والجمال والجلال، والباخرة الكبيرة تشق عبابه في قوة وانسياب، وأتذكر قوله تعالى: (ومن آياته الجوار في البحر كالأعلام) الشورى: 32.

وفي اليوم التالي، وصلنا إلى بيروت، وهي مدينة هادئة جميلة، ومعظم شوارعها لا يتسم بالسعة، ولم يكن فيها في ذلك الوقت أي ازدحام في الشوارع أو في المواصلات، بل الحياة رحبة كنسيم البحر الذي يهب عليها، ولم يكن للإخوان وجود رسمي بها، ولكن كانت هناك جماعة (عباد الرحمن) التي أسسها الداعية والمربي الفاضل الأستاذ محمد عمر الداعوق، فتعرفنا على من لقيناه منهم، ولا أذكرهم الآن، ولم يكن الأستاذ الداعوق حاضرا ببيروت.

وكان في بيروت الأستاذ الفضيل الورتلاني أحد مشاهير علماء الجزائر الذين نفتهم فرنسا من الجزائر، لخطورتهم ونشاطهم، وقد بقي في القاهرة مدة من الزمن، وكان على صلة وثيقة مع الأستاذ البنا، وقد كلفه الأستاذ البنا بملف (اليمن) والاتصال بأحرارها ورجال الإصلاح فيها، وكان له دور معروف غير منكور في انقلاب اليمن على الإمام يحيى حميد الدين، وقد فشل الانقلاب الذي قام به ابن الوزير، وسيف الإسلام إبراهيم ابن الإمام يحيى، بعد أن نجح أول الأمر، ولكنه لم يستقر، وقد فر الأستاذ الورتلاني من اليمن، وحاول أن يجد بلدا يؤويه، فلم يجد، وظل على ظهر الباخرة شهرين، حتى استطاع بوسيلة وأخرى أن ينزل إلى بيروت، ويُعرف بين الناس باسم (أبو مصطفى) وكانت فرصة طيبة لي أن التقيت به وتحدثت طويلا إليه، واستمعت إلى أفكاره في الإصلاح، واقترحت عليه أن ينزل إلى مصر، بعد تغير الوضع وزوال الملكية، ووافق على ذلك، على أن ينزل في صورة تليق بمكانته وتاريخه.

بقينا في بيروت نحو ثلاثة أيام، ثم عزمنا متوكلين على الله أن نتوجه إلى دمشق عن طريق البر طبعا، وكان الأخ محمد سليم قد اقترح علي أن أغير زيي الأزهري، لأنه يلفت النظر في سوريا، في حين نريد أن نقضي أيامنا في ربوعها بلا ضجيج ولا إعلان.

ولهذا اشتريت قميصا وبنطلونا، وخلعت الكاكولة والعمامة، ولبستهما لأول مرة، وكان هو الأليق بالحال في سوريا، فقد دخلت سوريا عصر الانقلابات العسكرية من حسني الزعيم إلى الحناوي إلى أديب الشيشكلي، الذي يحكم سوريا حاليا، وقد كانت قبضة الحكم العسكري قوية، ورجال المكتب الثاني يسيطرون على أزِمَّة الأمور.

لهذا لم يكن من الحكمة أن أتحرك بالزي الأزهري الذي يجعل الأصابع تشير إليّ حيثما ذهبت، بل اقترح علي الإخوة المسؤولون في دمشق، ومنهم الأخ كاظم نصري، والأخ علي الحسن المسؤول عن الأسر، أن أختار اسما آخر أتعامل به مع الإخوان، فاخترت اسم (عبد الله المصري) حتى لا يكون فيه كذب، فأنا عبد الله، ومصري.

وعرفني عامة الإخوان السوريين بهذا الاسم، إلا أخوين أو ثلاثة، ورتب لي الأخ علي الحسن لقاءات مع عدد من الأسر، ألتقي بهم في سرية وتكتم حتى لا نُكشف أمام جهات الأمن المفتحة الأعين.

وفي ليلة من الليالي كنت في بيت أحد الإخوان الدمشقيين، ألقي عليهم درسا، مع حرصي على خفض صوتي، إلا أن طبيعتي غلبتني، وارتفع صوتي دون أن أشعر، وهو صوت مصري اللهجة، وسرعان ما سمع الإخوة طَرْقًا على الباب، فقالوا: المكتب الثاني، وهنا أدخلوني إلى مكان الحريم في الداخل، وفُتح الباب، وإذا هو أحد رجال الأمن، اقتحم عليهم الباب، ودخل الحجرة التي فيها الإخوان، فقال: هل عندكم ضيف؟ فقالوا: ليس عندنا أحد، ولكنا نجلس لتلاوة القرآن، ويحدثنا أحدنا في تفسير بعض الآيات، ولم يجترئ الرجل أن يفتش حجرات الحريم، ومرت الليلة بسلام.
>>>>>>>>>>>>>>>>>>>

ابو الامير
18-04-2003, 11:00 AM
رد مقتبس من مسدد
أسأل الله أن يعلي مقامك على هذه النقولات القيمة لهذا الشيخ الجليل.

بوركت اخي الحبيب مسدد جميعا ان شاء الله.

ابو الامير
18-04-2003, 11:42 PM
وفي هذه الآونة سنة 1951م ألغت حكومة الوفد معاهدة سنة 1936م، وقال مصطفى النحاس باشا رئيس الحكومة كلمته الشهيرة أمام البرلمان: "من أجل مصر وقَّعت معاهدة سنة 1936م، ومن أجل مصر أطالبكم اليوم بإلغائها". وكان إلغاء المعاهدة مع الإنجليز بداية لمرحلة جديدة من مراحل الجهاد ضد الاحتلال البريطاني الذي طال أمده، وكان لجماعة الإخوان القدح المعلّى (النصيب الأوفر) في هذا الجهاد، وخصوصا بين شباب الجامعات المصرية، الذين يعتبرون طلائع العمل الوطني دائما، فقد تنادى شباب الجامعات في مصر بضرورة مقاومة الإنجليز، وإقلاق مضاجعهم، حتى يفقدوا الإحساس بالأمان، ولا يجدوا سبيلا لأمنهم غير الرحيل، والعودة من حيث جاءوا، ولا يجوز لشعب مصر أن يستسلم للاحتلال ويعتبر وجوده أمرا عاديا، علينا ألا نرضى به بوصفه جزءا من الواقع، وبهذا يعيش بين ظهرانينا آمنا قرير العين.

تجاوبت هذه الصيحات، وقامت معسكرات التدريب في الجامعات، وكان الإخوان هم قادة هذه المسيرة، وموقدي هذه الشعلة، ومحركي الشعب للتفاعل مع هذا النداء، مستفيدين من جو الحرية، الذي توافر إلى حد كبير في ظل حكومة الوفد.

وقد زاد اشتعال الشعب المصري حين قدّم أبناء الجامعة شهداءهم فداء وطنهم، باذلين مهجهم في سبيل الله، وعلى رأسهم عمر شاهين، الذي عرفه الكثيرون شعلة من النشاط، ومثلا حيا في الحركة والبذل والعطاء في سبيل الله، وكذلك الطلاب: أحمد المنيسي، وعادل غانم، والأعسر. وكانت جنازة عمر شاهين ووداعه مسيرة هائلة ورائعة، التقى فيها شباب الجامعة وشباب الأزهر، والتقى الطلاب مع غيرهم، كما التقى الطلاب والأساتذة ومدير الجامعة الدكتور عبد الوهاب مورو باشا، وألقى زعيم طلبة الجامعة حسن دوح كلمة ثورية ألهبت المشاعر، وحفزت العزائم على مواصلة الجهاد.

وقد أقمنا نحن طلاب الأزهر معسكرا لشباب الأزهر بجوار الجامع الأزهر هناك، وفي جوار قاعة الإمام محمد عبده وكلية الشريعة، واختار الإخوة الأخ محمد عبد العزيز خالد قائدا للمعسكر وبجواره الصفطاوي والعسال وعلي عبد الحليم وغيرهم، وقد استحوذ المعسكر على نشاطنا في تلك الآونة، نتدرب فيه على استخدام ما تيسر من الأسلحة، كما نعنى بالتربية الإيمانية، فهي نبع القوة المعنوية، ولهذا كان المعسكر يشتمل -مع التدريب العسكري والرياضي- على دروس توجيهية تنمي معاني الإيمان والرغبة في الجهاد، وحياة الخشونة والجندية، القائمة على الطاعة واحترام النظام.

وقد عرفت في هذا المعسكر عددا من الإخوة الكرام: منهم الأخ عبد اللطيف زايد، الذي كان من أصفى الشباب نفسا، وأحرصهم على خدمة إخوانه، فهو أول من يعطي، وآخر من يأخذ، وكذلك الأخ محمد الصوابي الديب من كلية الشريعة، الذي استشهد من آثار التعذيب في السجن الحربي في عهد الثورة، ومنهم الأخ عبد الرحمن الديب من طلاب معهد القاهرة الديني، وكان من أصلح الشباب وأحسنهم خلقا، ومنهم الأخ ظاهر الريس من فلسطين، وغيرهم وغيرهم.

وقد هيأ المعسكر عددا من الشباب الذي أخذ نصيبا كافيا من التدريب ليسافر إلى الشرقية قريبا من القناة، ليستكمل تدريبه، ويستعد لمهمته في الجهاد، وفق أوامر القادة في الميدان.

ولقد أردنا أن تكون هذه مناسبة طيبة لإبراز مكانة الأزهر ودوره في هذه المرحلة الحساسة من حياة مصر.

ودعونا عددا من كبار الشيوخ في الأزهر والدعاة من خارج الأزهر، منهم الشيخ محمد عبد اللطيف دراز، والشيخ محمد عبد الله دراز، والأستاذ عبد الحكيم عابدين من الإخوان، والشيخ محمد البشير الإبراهيمي رئيس جمعية العلماء بالجزائر وضيف القاهرة، وقدّم الأخ أحمد العسال للحفل، وألقى بعض هؤلاء الضيوف كلمات، ثم قُدّمت لألقي كلمة المعسكر وشباب الأزهر، فارتجلت كلمة قوية ختمتها بقصيدة نظمتها بهذه المناسبة، وقد ضاعت فيما ضاع، أذكر منها:

دع المداد، وسطر بالدم القاني وأسكت الفم، واخطب بالفم الثاني
فم المدافع في صدر العداة له من الفصاحة مـا يرزي بسحبان

وكان من هذه القصيدة:

يا أزهر الخير قدها اليوم عاصفة فـإنـما أنت مـن نـور ونيران
هـذا شبابك لـلميدان منطلـق فهل نرى في الشيوخ اليوم كاشاني؟

وكان آية الله كاشاني في تلك الفترة في إيران قد لفت أنظار العالم حين لبس الكفن وقاد المظاهرات ضد شاه إيران؛ ولذا جاء في هذه القصيدة أيضًا:

متى أرى ألسُن الدنيا تحدث عن (حمروش) مصر ككاشانيّ إيران

وكان شيخ الأزهر في تلك الفترة هو الشيخ إبراهيم حمروش.

إلى تل بسطة:

وبعد ذلك سافرنا مع الكتيبة إلى منطقة (تل بسطة) بالقرب من الزقازيق بالشرقية، وهي منطقة صالحة تماما للتدريب، ففيها يمكن أن نتدرب على ما لم نستطع التدريب عليه في معسكر القاهرة القائم بين البيوت والمباني.

هنا تدربنا على استخدام القنابل الشديدة الانفجار، استخداما فعليا، كما تدربنا على (التهديف) وغيره.

وكان من مدرّبي هذا المعسكر شاب فلسطيني متحمس في كلية الهندسة اسمه (ياسر)، هذا كل ما عرفناه عنه، وهو ياسر عرفات، وقد وقع منه حادث جعلني أشكوه إلى قائد المعسكر الأستاذ المربي محمود عبده، ذلك أنه رفع البندقية في وجه أخ وقع منه خطأ، والرسول الكريم نهانا أن يشير أحدنا بالسلاح إلى أخيه جادا ولا لاعبا، فأحضره الأستاذ محمود، ونبهه على هذا الخطأ الشرعي، فتعهد أن لا يعود لمثله.

وقد زارنا كثير من الرجال في هذه المنطقة أذكر منهم الشيخ عبد الحليم الديب، شيخ معهد القاهرة الديني وكان أحد شيوخنا بمعهد طنطا، فرآني في صفوف المتدربين بالملابس العسكرية، فحياني وقال: ربُّ السيف والقلم! فقلت له: يا فضيلة الشيخ، أين نحن من السيف والقلم؟ فثار عليّ، وقال: التواضع مطلوب، ولكن ليس إلى حد أن تهضموا حق أنفسكم، إن غيركم يعمل عُشر ما تعملون، ولكنه يملأ الدنيا صراخا بما يعمل.



العمل الطلابي في الأزهر.. المسابقات واتحاد الطلاب

وقد اجتهدنا -نحن طلاب كلية أصول الدين- وأنا في السنة الثانية: أن ننشئ اتحادا لطلاب الكلية، رأسه الأخ الشيخ مناع القطان في سنته الأولى بانتخاب من الطلاب، فلما تخرج الشيخ مناع اختارني الطلبة لرئاسته.

وكانت الفكرة: أن ننشئ في كل كلية اتحادا لطلابها، وكذلك في المعاهد الدينية، ثم ننشئ (اتحادا عاما) لجميع طلاب الأزهر يتحدث باسمهم، ويعبر عن أمانيهم، ولكن الظروف لم تساعدنا، ولا سيما بعد أن قامت ثورة يوليو.

مسابقات في الكلية:

لم تكن الكلية تمنح مكافآت لأوائل الكلية، كما كان الحال في المعهد الابتدائي والثانوي، فلم يكن لديها مثل هذا الوقف، ولكن عوضتنا الكلية عن ذلك بمسابقات علمية تعقدها كل سنة في كتب علمية تحددها، ويتقدم إليها الطلاب المتفوقون عادة، وتعطي الأول منهم خمسة وعشرين جنيها، والثاني عشرين جنيها، والثالث خمسة عشر جنيها.

وقد دخلت هذه المسابقات التي أتيحت لي ثلاث مرات: مرتين في (تفسير المنار). أولاهما: في (الجزء الخامس) من التفسير، والأخرى في (الجزء الثامن) منه. والمرة الثالثة: كانت في (علم المنطق).

والحمد لله، وفقت في المرات الثلاث، وحصلت على الترتيب الأول، وحظيت في كل مرة بخمسة وعشرين جنيها، وكانت يومها تسد مسدا، وتقضي حاجات.

كنت أعمل في مجال النشاط الإخواني في المركز العام على مستويات عدة، ومع جملة من أقسام الجماعة:

1 - فقد كنت أعمل في قسم نشر الدعوة، الذي يبعث بي إلى البلاد المختلفة في أنحاء مصر، وربما في خارجها.

2- وكنت أعمل في قسم (الاتصال بالعالم الإسلامي)، وهو قسم أنشأه الإخوان، ليهتم بقضايا العالم الإسلامي مشرقه ومغربه، ويجمع معلومات عنها، ويتصل بالجهات المؤثرة فيها، وبخاصة الإسلامية منها، ويستقبل الوافدين منها، ولا سيما الطلاب الذين يدرسون في مصر عامة وفي الأزهر خاصة؛ فالمسلمون أمة واحدة، جمعتهم العقيدة الواحدة والشريعة الواحدة، والقبلة الواحدة، يسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم، ومن لم يهتم لأمر المسلمين فليس منهم "إنما المؤمنون أخوة"، وقد كلفني القسم برئاسة الأستاذ عبد الحفيظ الصيفي، بالإشراف على الطلبة السوريين، ولا سيما بعد زيارتي لسوريا، ومعرفتي بعدد منهم.

3 - كما كنت أعمل مع قسم الأسر، وهو الذي يُعنى بتربية شخصية الأخ المسلم، وتكوينه تكوينا متكاملا في روحه وعقله وبدنه، وهو الذي رشحني للذهاب إلى سوريا، حيث كانت لقاءاتي هناك خاصة بالأسر.

4 - وكان أهم الأقسام التي تركز فيها نشاطي: قسم الطلاب الذي كان يرأسه الأستاذ محمد فريد عبد الخالق، ثم رأسه الأستاذ أحمد عبد العزيز جلال، وقد حمّلني الإخوان مسؤولية الدعوة في الأزهر وطلبته، بعد أن تخرج الأخ الشيخ مناع القطان الذي كان مسؤول الأزهر قبلي.

وكان يحمل العبء معي عدد من الإخوة الأقوياء الأمناء، من أبناء الأزهر: أحمد العسال ومحمد الصفطاوي من كلية الشريعة، وصلاح أبو إسماعيل، وإسماعيل الطحان والمحروقي من كلية اللغة العربية، وحسن الشافعي ومحمد المطراوي وعلي عبد الحليم من معهد القاهرة، وكانت لنا كتائب ورحلات إلى المقطم وحلوان، ومخيمات لتربية الإخوان وتدريبهم على الحياة الخشنة والتعاونية، وغرس روح الجماعة فيهم.

وكان نشر الدعوة بين طلاب الأزهر قائما على قدم وساق، حتى أصبحنا في وقت من الأوقات، وكأن الأزهر أصبح بطلابه وشيوخه قلعة إخوانية، حتى شيوخنا كانوا متجاوبين معنا إلى حد كبير، وكان شيخ الأزهر الأكبر في ذلك الوقت: الشيخ محمد الخضر حسين، مواليا لنا، فهو أصلا من رجال الدعوة، ورجال الإصلاح، ورجال المقاومة للاستعمار، وقد أُخرج من بلده الأصلي تونس، لمحاربته للاستعمار الفرنسي، وعاش في مصر داعية إلى الإسلام وإلى التجديد والإصلاح، وكان هذا توفيقا من الله لنا، وكان هو الذي يتفق مع طبيعة الأشياء، فالأصل في الأزهر أن يكون حصنا للإسلام، ومعقلا لدعوة الإسلام، ودعاة الإسلام، وقد تعلمنا في الأزهر: أن ما جاء موافقا للأصل لا يُسأل عن علته.

مسدد
19-04-2003, 01:27 AM
ابدي تحفظي الحقيقة منذ عرفت الشيخ على تساهله مع الشيعة (رأي خاص بي)


الحقيقة من هذه الكلمات ومن غيرها من الكلمات التي نجدها ي كتب أخرى نجد أن التيار الإسلامي (وليس الوطني) هو الفاعل الحقيقي في حرب القناة وفي حروب مقاومة الاحتلال الإنجليزي ، بينما المسلسلات التي صنعتها السينما المصرية خلال السنوات الأخيرة تؤكد على وحدة الصف الوطني وأن الفاعل الرئيسي في حرب الاستقلال كان الحمية الوطنية ، وتم من خلال هذه المسلسلات تحييد الدور الإسلامي.

ابو الامير
18-09-2003, 11:46 PM
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا وإمامنا وأسوتنا وحبيبنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد، فلا شك أن هذه الأمة أمة ربَّانية، الربانية مصدرها والربانية غايتها، مصدرها رباني بمعنى أن الله هو الذي صنع هذه الأمة، ليست نباتاً شيطانياً نبت في البَّرية وحده، إنما أنبته الله كما قال تعالى (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) أي أخرجها مُخرج والذي أخرجها هو الله كما قال في آية أخرى (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ) يعني جعلناكم أمة مجعولة يعني جعلها جاعل وأخرجها مخرج، فهي أمة ربانية، ربانية الأساس والمصدر، بمعنى أن الله هو الذي جعلها كذلك، وهي ربانية في غايتها، إنها لا تعيش لغايات مادية محدودة أو لمصالح دنيوية أو لأشياء أنانية خاصة، أنها تعيش لرسالة، رسالة كبرى هي أن تكون لله، (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ) فهذه الأمة يكون الإيمان أساسياً في حياتها وفي تنشئتها وفي تثبيتها في المحن وفي الشدائد وفي تفجير طاقاتها النفسية، فلذلك نجد أن هذه الأمة من أول يوم صنعها الإيمان، في العهد المكي كان الإيمان هو حارسها وكان هو مثبتها، في العهد المدني عهد الصدام المسلح مع الوثنيات ومع الجبهات المختلفة الجبهة الوثنية المشركة في جزيرة العرب والجبهة اليهودية: بني قينقاع وبنو قريظة وبني النضير، وأهل خيبر، والجبهة النصرانية المتمثلة في دولة الروم التي فرضت سلطانها على أكثر العالم القديم، والجبهة المجوسية في بلاد فارس وجبهة المنافقين الطابور الخامس في وسط المجتمع المسلم.



في هذه المرحلة كان الإيمان هو الذي يصنع الرجال في هذه، ويعطيهم روح القوة وقوة الروح، أول غزوة لقيها المسلمون مع المشركين غزوة بدر كان الإيمان هو الأساس، الله -تعالى- صحيح أنزل الملائكة في بدر (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ المَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)، ولكن هذه الملائكة لم تتنزل في فراغ، دا تنزلت لتكون مدداً للمؤمنين، ولذلك يقول الله تعالى (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى المَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا) يعني لو لم يوجد الذين آمنوا لم تنزل الملائكة، طب لماذا لم تنزل الملائكة علينا إحنا الآن؟ يعني هو الملائكة التي نزلت في بدر ونزلت في حُنَيْن ونزلت في الخندق موجودة، جنود الله موجودون، لم ينزلوا علينا لأن لا يوجد الذين آمنوا كالذين آمنوا في بدر حتى يستحقوا أن تنزل عليهم الملائكة لتثبتهم وتسددهم وتشد أزرهم، (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى المَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا) فثبَّتوا هذه القلة أمام الكثرة، هي قلة في عَدَدها، قلة في عُدَدِها، في استعداداتها، كل شيء معها كان أقل وأدنى من المشركين، ومع هذا انتصرت هذه القلة بسبب الإيمان، (وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ المُؤْمِنِينَ) (وَلَن تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ المُؤْمِنِينَ) هكذا قال الله للمشركين، كان المشركون أكثر من ثلاثة أضعاف المسلمين، المسلمين 313 تقريباً وهم حوالي ألف، المسلمين معهم فارسان وهم معهم مائة فارس، والفرس في ذلك الوقت يعتبر مثل مُصَفَّحة مثلاً في عصرنا، ولذلك كان في الغزوات النبي -عليه الصلاة والسلام- يقسم للرجل سهماً وللفارس ثلاثة أسهم، سهم له -من الغنائم- وسهمان لفرسه، يعني الفرس برَجُلين يعني فالمسلمون في بدر كانوا يعني معهم فَرَسَان والآخرون معهم، كانوا معهم ركائب حوالي أقل من 70 ركوبة، ولذلك كان الثلاثة والأربعة يتعاقبون، فالذي ثبتهم أمام أعدائهم ونصرهم في النهاية على أعدائهم وهم كثرة وقوة الإيمان، في غزوة أُحد.
....................................................................يتبع