PDA

View Full Version : لقطات من حدث لم نصنعه... لكن من المفيد استيعابه


ابو الامير
18-05-2003, 01:41 PM
محمد جابر الأنصاري

في البدء كانت لقطة سقوط الطاغية صوراً وتماثيل... كأنها لحظة سقوط الاصنام... فهي النذير بسقوط كل صنم... كبيراً كان ام صغيراً... مهما تحصن... ومهما تفنن في وسائل القمع والفساد وسرقة قوت الشعب هو وبطانته. اللهم مالك الملك... من كان يأمل سقوطاً سريعاً للديكتاتور الدموي بهذه الصورة... لكنه سقط واعمار الطغاة قصار! tالديكتاتور يظل نظامه متماسكاً حتى الدقيقة الاخيرة... ثم ينتهي كل شيء بنهايته...




اعلم ان فرحة الخلاص تشوبها غصة كبرى في حلوقنا جميعاً... فلم نستطع الخلاص منه الا باحتلال اجنبي لا ندري اين سيأخذنا... (ان لم نأخذ بزمام امورنا باقتدار وحزم في اقرب وقت وبما يتجاوز أداءنا المتدني حكاماً ومحكومين).

وهو درس بليغ لكل العرب ليتداركوا سوء اوضاعهم وفساد انظمتهم قبل ان يأتي طامع اجنبي فيفرض عليهم وصايتة... والا فلا محالة... فالطبيعة، في كل شيء، تكره الفراغ... والعالم العربي كله اليوم عراق كبير، فاستفيقوا يا اولي الالباب...

يوم انهار "جدار المستحيل" الدموي في بغداد تذكرت شاعر العراق المناضل عبدالوهاب البياتي... الذي رحل قبل ان يشهد النور العائد لبلده.

لكنه في "رؤيا" شعرية تنبوئية عجيبة اختصر المشهد الذي نراه اليوم... قال في مطلع السبعينيات من القرن العشرين واصفاً مفارقات التاريخ في كسر تأزمات التقدم وانسداداته بما يتعدى ارادات البشر وقدراتهم:

جدار مستحيل...

تنطحه الوعول...

تحدث فيه ثغرة كبيرة...

تنفذ من خلالها الظهيرة...

ذلك هو المشهد كما كثّفه البياتي باختصار...

الوعول، بدباباتهم وبوارجهم، اخترقوا جدار المستحيل بثغرة كبيرة... ولكن هاهنا المفارقة والمفجأة: ها هي ذي الظهيرة التاريخية تطل علينا بكل حرارتها... ظهيرة الاشراق والصحوة والنهوض لكل العراق، وكل العرب...

او هكذا يجب ان تكون. الم يحدث نابليون ثغرة مماثلة في جدار المماليك قبل قرنين؟ فاستطاع آباؤنا اقتناص نهضتنا الحديثة من بين انياب المتصارعين؟

فحذار ان يسرق الظهيرة منا احد... خصوصاً اشباح الحمق السياسي والذهني والمذهبي في ماضيناً وحاضرناً...

انها ظهيرة جديدة كل الجدة... لن تحلها تعاويذ الماضي وظلماته ووجوهه المستهلكة او صوره المستنسخة.

في لقطة تالية، كان هناك لصوص صغار يركضون فرحين بأشياء تافهة وصلت ايديهم اليها...

وقامت القيامة ولم تقعد في الفضائيات "التحررية".

هؤلاء "اللصوص" الصغار ابرياء ويستحقون بعض تفهمنا... لا اتحدث هنا عن مندسين غيرهم... كما لا استبعد وجود مثل هؤلاء المندسين لأغراض اخرى... غير ان اولئك اللصوص الصغار تربوا تحت تسلط لصوص كبار تحكموا في كل صغيرة وكبيرة لعقود من الزمن...

انهم ابناء "طبيعيون" لأولئك اللصوص الكبار في قمة السلطة... بل ان هؤلاء المتسلطين الكبار قتلوا آباء اولئك وامهاتهم وتركوهم في العراء...

هل اتحدث عن العراق... فحسب؟

كلنا في "النهب" شرق!

وانتظروا مزيداً من المستمسكات السرية من الملفات العراقية... عن شخصيات غير عراقية!

فالشجا يتبع الشجا...

والطيور، أقصد اللصوص، على اشكالها تقع!

احتجنا الى احتلال اميركي بجلاجل، وسقوط اعرق حواضرنا في قبضته، ليتمكن بعضنا من ممارسة شعائره الاولية المتقادمة...!

شعائر اتذكر اننا، في البحرين، كنا نتشارك فيها سنة وشيعة قبل نصف قرن، ونحن اطفال، مع آبائنا واخواننا، ونردد الادعية ذاتها وتتشارك امهاتنا في طبخ وجبة عاشوراء ثواباً واحتساباً، وما زالت هذه الذكرى لدينا موضع احتفاء وطني وعطلة رسمية، وتوقير اكبر في العهد الجديد...

لكن عندما يقوم حكم باسم الثورية والقومية في بلادنا العربية، لماذا يعيدنا القهقرى الى وراء بعيد... حتى لو كان حزب "الطليعة" التقدمي؟!

لماذا نتنكر في عهودنا الوطنية لانفسنا... الى ان نترحم على الحكم الاجنبي لنقع فريسة له من جديد... وكأنه خلاصنا... او اقلها اهون الشرين؟

آه... يا "كربلاء" القرن الحادي والعشرين!

يا "كربلاء" امة هي اشد احتياجاً الى تحريك العقل من ضرب الجسد.

وما احوجها الى تدبر قول الامام علي بن ابي طالب في نهج البلاغة: "العقل حسام قاطع، فاستر خلل خلقك بحلمك، وقاتل هواك بعقلك".

صدقت يا ابا الحسن: "قاتـــــل هواك بعقلك" هذا ما فعله الآخرون لانفسهم فأصبحوا اقوياء واستقووا علينا... وان لم تخل امتنا في القديم من وقفات عقل تتدارك الكارثة.

فبعد كربلاء الاولى ارتفع النداء الحكيم في ديار الاسلام: "يا احباء الحسين... تداركوا الثغور"...

وذلك حثاً للمجاهدين المخلصين من اشياعه على حماية الحدود الخارجية بما يصرفهم ويصرف الامة عن محذور التطاحن الداخلي بعد وقوع المأساة... بل كان ذلك احد مطالب الحسين نفسه عندما احاط به الجند في كربلاء... قبل وقوعها...

واليوم ثغورنا مفتوحة بلا حدود... مفتوحة على الفتنة والتعصب والجهل والخرافة والاستبداد والتخلف... فيا احباء الحسين تداركوا الثغور... من جديد... ثغورنا المكشوفة هذه... وستجدون هذه المرة جميع احباء الحق من امتكم... معكم، ولن تظلوا بينهم غرباء مضطهدين بل ستكونون- كما انتم - جديرين به في المقدمة وفي القلب... ولن يقع السنة في محذور التوهم ان طغاة كصدام يمثلون حماية لهم، كما لن تحمي اية جهة غريبة شيعياً عربياً واحداً... فيا احباء الحسين... تداركوا الثغور. لنتخلص من طغاة الداخل... وغزاة الخارج... معاً... ونتحرر من هذا التورط التعيس المزمن بين مطرقة اولئك وسندان هؤلاء... من اجل تاريخ جديد مختلف... وعهد جديد مبتسم لا يحترف الحزن الدائم والاحباط المستمر.

التناقض في السلوكيات السياسية العربية من رسمية وأهلية حيال العراق لا يكاد يسلم منها نظام عربي او جمهور عربي على السواء، وهو ناجم عن ظاهرة العجز العربي العام على مختلف المستويات...

ولا يخرج عموماً عن المقولة القديمة: قلوبنا معك، وسيوفنا عليك... هذا منطق بعض الانظمة على الاقل...

أما البقية فلسان حالها يقول: قلوبنا معك... ولكن اذهب انت وربك فقاتلا... إنا ها هنا قاعدون.

هذا كله تناقض... وهو تناقض مفهوم - وان يكن مؤسفاً - من افرازات الزمن العربي الراهن...

ولكن ان يبلغ التناقض والاستخفاف بكل قيمة ومنطق: ان تعطي الاميركان قاعدة قوات وقاعدة قيادة تذاع منا في كل ساعة بيانات الحرب العسكرية جهاراً نهاراً ضد العراق... وان تعطي الجماهير العربية، في الوقت ذاته، فضائية اثارة تهاجم الاميركان وتدافع لفظياً عن العراق على "قد عقول" تلك الجماهير... فهذا استخفاف ليس له مثيل في تاريخ الاعارب والاعاجم "والعلوج" وصحيح انه يأتي من جهة هامشية في العالم العربي... لكنه استخفاف بهذا العالم العربي كله، وبكل قواه ودوله الكبيرة، وبكل ما فيه من مشاعر وقيم وتطلعات واعتقد انه سيصبح عنواناً لسقوط هذا الزمن العربي بامتياز... ويتساءل المرء اذا قامت ديموقراطية حقيقية في تلك الجهة، فهل سيسكت الشرفاء عن مساءلة هذا التناقض المدهش...

اياً كان الامر، فلو كانت هناك جائزة نوبل في الاستخفاف لرشحنا القائمين به لنيلها بلا تردد... ونبارك لهم هذه الجائزة التي يمكن ان ينالوا امثالها بكل اقتدار.

وبعد... فهذه لقطات عاجلة وسريعة من مسلسل "مصيري" حسب مفردات خطابنا العربي العارم...

مسلسل لا يد لنا فيه ولا حيلة، لا نصاً ولا اخراجاً، ومازلنا ضحاياه او مجرد متفرجين عليه...

لكن من الضروري استعادة لقطاته مراراً وتكراراً... باعتبار... ان التكرار... يعلم الشطار...