PDA

View Full Version : مقامة التوحيد


ملاك الثلج
23-07-2003, 03:25 AM
مقامة التوحيد

(( فاعلم أنه لا إله إلا الله ))

فيا عجباً كيف يعصي الإله أم كيف يجحده الجاحد ؟؟
و في كل شيئٍ له آيــــة تدل على أنه واحـــــد

التوحيد : هو حق الله على العبيد ، و هو أول ما دعا إليه الرسل ، و به كل كتاب نزل ، و هو أصل الأصول ، و الطريق للوصول ، و به نعرف المعبود ، و عمر الوجود ، و لأجله أعدت الجنة ، و النار، و سل السيف البتار ، و قوتل الكفار ، و لإقامته في الأرض دعت الأنبياء ، و علمت العلماء ، و تل الشهداء ، و هو أول مطلوب ، و أعظم محبوب ، و هو أشرف المقاصد ، و أعذب الموارد ، و أجل الأعمال ، و أحسن الأقوال ، و هو أول الأبواب ، و بداية الكتاب ، و أعظم القضايا ، و أهم الوصايا ، و خير زاد ، يحمله العباد ، ليوم التناد ، و هو قرة عيون الموحدين ن و بهجة صدور العابدين ، و هو غاية الآمال ، و أنبل الخصال ، بل هو أعظم الكفارات ، و أرفع الدرجات ، و أكبر الحسنات ، و هو منشور الولاية ، و تاج الرعاية ، و البداية ، و النهاية ، و هو إكسير ( مادة مركبة ) الذي إذا وضع على جبال الخطايا ذابت ، و السلاح الذي إذا حوربت به الأعداء هابت .
و على هذا الحديث :
(( يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ، ثم جئتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة ))
و هو الذي هز طرفة عين قلوب السحرة ؛ فقالوا بعزم ماض : اقض ما أنت قاض ، و المرأة التي سقت الكلب ، فغفر لها الذنب ، كان معها توحيد الرب ، و الرجل الذي قتل مائة رجل ، و ذهب إلى القرية على عجل ، فأدركه الأجل ، غفر له بتوحيد عز وجل . و التوحيد : هو الكنز الجليل ، الذي كان في قلب الخليل ، فقال لما شاهد الكرب الثقيل : حسبنا الله و نعم الوكيل .
و لما قال الصديق في الغار ، لسيد الأبرار لو نظر أحدهما لرآنا ، و لسمعنا ، قال : (( لا تحزن إن الله معنا )) ،إنما قال بلسان الموحد، و قد سدد بتوفيق الله ، و أيد .
و ما فلق الله البحر للكليم ، إلا لأنه صاحب توحيد عظيم ، و نهج كريم ، و لو وضعت السموات و الأرض في كفة الميزان ، و لا إله إلا الله في كفة لكان لها الرجحان ، و لو كانت في حلقة حديد لفصمتها ، و في صخرة لفجرتها ،و لا إله إلا الله مفتاح الجنان ، و له أسنان ، من الواجبات و الأركان ، و صاحبها لا يخلد في النار ، و لا يلحق بالكفار ، و قد قالوا لأحد العلماء و قد سجن ، و في سبيل هذه الكلمة ذاق المحن ، قل كلمة التوحيد ، قال : من اجلها وضعت في الحديد ، و قالوا لأحد الأولياء و قد رفع على خشبة الموت ، وقرب منه الفوت : قل لا إله إلا الله : ولا تغفل . قال : من أجلها أقتل .
و سمع أحد الصالحين رجلاً يقول لا إله إلا الله ، و مد بها صوته ؛ فبكى ، و قال :

و إني لتعروني لذكراك هزة كما انتفض العصفور بلله القطر

و سمع أحد العلماء رجلاً يقول : لا إله إلا الله ، قال : صدقت ، و بالحق نطقت .
فيا أيها العباد ، خذوا من التوحيد قطرة ، و ضعوه على الفطرة ، وولوا و جوهكم شطره. و يا من أثقله الهم ، و أحاط به الغم ، و هزه الألم الجم ، قل لا إله إلا الله .
و يا من اثلته الديون ، او غيبته الشجون ، و بات و هو محزون ، قل: لا إله إلا الله . و من اشتد به الكرب ، و علاه الخطب ، اذكر الرب ، و قل: لا إله إلا الله.

هي أجمل الكلمـات قلها كلمــا ضج الفؤاد و ضاقــت الأزمــان

اقرأها بعين الروح ، قبل أن تقرأها بعينك في اللوح ، و اكتبها في سويداء قلبك ، لتحملها إلى ربك ، و تتخلص من ذنبك .
و لما قيل لفرعون : قل لا إله إلا الله ، تعلثم الحمار و تعثر ، فدس أنفه في الطين و تدثر، و قيل لأبي لهب قل: لا إله إلا الله، قال الخسيس: أبى على الجليس ، و الأخ الرئيس: إبليس، تقيأ شاعر البعث المخذول ؛ ليقول :

آمنـت بالبعث رباً لا شريك لــه و بالعروبة ديناً مـا له ثـاني

قلنا : يا شاعر البعث ، و عزة ربي ليخزينك يوم البعث . يا شاعر الخمر و الحشيشة ، قد أرغم أنفك أبو ريشة ، فقال :

أمتـــي كم صنم مجدته لم يكن يحمل طهر الصنم

من يأخذ تعاليمه من باريس، حشر مع شيخه إبليس.
يا مسكين ، تتعلم حروف الهجتاء من بكين ، و تهجر رسالة نزل بها الروح الأمين ، على سيد المرسلين ، من رب العالمين.
يرضع الوليد حليب التوحيد، حتى يأتيه الحليب الصناعي من مدريد ، ليرتد المريد.
صوت التوحيد يرتفع على كل صوت ، و قوته من كل قوت ، لخصه أبو بكر ( رضي الله عنه) فقال : من كان يعبد محمداً ، فلإن محمداً قد مات ، و من كان يعبد الله ، فإن الله حي لا يموت.
لولا أن كلمة أحد ، في قلب بلال مثل جبل أحد ، ما صمد.
التوحيد له كتاب ، و له قلم جذاب ، و مداد جميل ن و كاتب جليل، فكتابه الكون و ما فيه ، و قلمه قلبك النبيه ، و مداده دمعك المترقرق، و الكاتب إيمانك المتدفق.
التوحيد له رساله أبدية ، و دعوة سرمدية ، و لأصحابه إلى مستقرهم ممر ، و بعد مرورهم مستقر، فرسالة التوحيد: إفراد الباري بالألوهية، و الربوبية ، و دعوته اتباع سيد البشرية ، و رسول الإنسانية . و ممر أصحابه الصراط المستقيم ، و مستقره جنات النعيم .
للتوحيد منبر ، و مخبر ، و مظهر , و مسك ، و عنبر . فمنبره القلب ، إذا أخلص للرب ، و مخبره النيات الصالحات ، و مظهره عمل الأركان ، و خدمة للديان ، و مسكه الدعاء ،و الأذكار ، و عنبره التوبة و الاستغفار .
للتوحيد عين ، و بستان ، و حرس ،و سلطان , و سيف ،و ميدان . فعينه النصوص الواضحة ،و بستانه الأعمال الصالحة ، و حرسه الخوف و الرجاء ، و سلطانه واعظ الله في القلب صباح مساء ، و سيفه الجهاد ، و ميدانه حركات العباد.
و للتوحيد قضاة و شهود ،و أعلام و جنود ، و حدود و قيود ، فقضاته : الرسل الكرام ، و شهوده : العلماء الأعلام ، و أعلامه : شعائر الدين ، و حنوده ، فيلق من الموحدين ، و حدوده : ما جاء به الخبر ، و صح به الأثر ، و قيوده : ما ورد من شروط ، للتوحيد المضبوط.
من دعائم التوحيد ن عدم صرف شيئ من العبادة لغير المعبود ، و تحريم تقديم شيئ من لوازم الألوهية لغير الله مما في الوجود، و ركيزته إخلاص ليس فيه رياء ، و علامته إخبات ( الخشوع و التواضع ) ، ليس معه ادعاء .
فلا تعبد النجوم ، و لكن يعبد مركبها ، و لا تعبد الكواكب بل يعبد مكوكبها ، و لا يؤله حجر ، و لا بشر ، و لا شجر ، و لا مدر ، بل يؤله من فجر من الحجر الماء ، و أوجد الأحياء ، و خلق الشجر كأنها أصابع الأولياء ، فسبحان رب الأرض، و السماء.
الوحي هز أبا جهل هزاً ، و سجد للات ، و العزى ، قاتل الله هبل ، و من طاف حوله ، و رمل ، أو نذر له أي عمل . يا من خاف على نفسه من الحريق ، و الدمار و التمزيق ، احذر من الشرك (( و من يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق )) إذا أخلصت التوحيد جاءك النصر ، و ادخر لك الأجر ، و محا عنك الوزر.
سمع أحد العباد قارئأً يتلو (( فاعلم أنه لا إله إلا الله)) ، فقال : أواه ، و ارتفع في بكاه ، و كان أحد الملوك الصالحين ، يسمع أحد القراء يقرأ بتلحين (( شهد الله أنه لا إله إلا هو و الملائكة و أولوا العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم )) ، فجلس يبكي ، و يول : و أنا أشهد مع الشاهدين .
قال أبو معاذ الرازي : لو تكلمت الأحجار ، و نطقت الأشجار ، و خطبت الأطيار ، لقلت : لا إله إلا الله الملك القهار و لما قال فرعون اللعين : (( فمن ربكما يا موسى )) فقال : (( ربنا الذي أعطى كل شيئ خلقه ثم هدى )) فكأنما لكمه بالجواب ، و لطمه بالخطاب . و لما قال إمام التوحيد ، للنمرود العنيد : (( فإنما الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب )) ، بهت ، و كذب ، و خسر ، و عذب ن و هذا لظهور آيات التوحيد ، و قوة سلطانه ، و عزة أهله ، و أعوانه ، و قد صبغ يحيى بن زكريا التوحيد بدمائه ، و مزج حمزة التوحيد بأشلائه ، و لما ذاقه حعفر تقطع ، و بالرمل تعفر ، و ذبح الخلفاء على بساطه ، و ضرب الأئمة على التوحيد بأيدي الظلم و سياطه ، و نحر الشهداء على فراش التوحيد ، و بلاطه ، و كم من موحد وضع في الزنزانة ؛ لما أعلن إيمانه .
و لما نطق حبيب بن زيد بكلمة التوحيد عند مسيلمة الكذاب العنيد ، قطعه بالسيف فما أن ّ، و لا قال له : تأن ، بل اشتاق إلى الجنة و حن ، و لما ذهبوا بعبد الله بن حذافه إلى القدور ، و الجثث فيها تدور ، و التوحيد في قلبه يمور ، بكى و قال : يا ليت أن لي بعدد شعر رأسي أرواحا ً ؛ لتذوق في سبيل الله سيوفا ً و رماحا ً.
و ضرب طلحة يوم أحد بالسيوف ، و الرماح ، فما شكى و لا صاح ، حتى سال بالدم جبينه ، و شلت يمينه ، و ثبت دينه ؛ لأن التوحيد قرينه . و قاتل مصعب تال الأسود ، حتى و سد اللحود ، لأنه وحد المعبود . و لما حضر عبدالله بن جحش معركة أحد ، دعا و اجتهد ، بكلام يبقى إلى الأبد ، فال : اللهم هيئ لي عدواً لك شديد حرده ، قويا ً بأسه ، فيقتلني فيك ، فيجدع (يقطع ) أنفي ، و يبقر بطني ، و يفقأ عيني ، و يطع أذني ، فإذا لقيتك يارب ، فقلت لي : يا عبدالله لم فعل بك هذا ؟ قلت : فيك يارب. فهل سمعت كهذا النشيد ؟؟؟ و هل أطربك قصيد ٌ كهذا القصيد ؟؟؟ ؛ لأنه من ديوان التوحيد .
وضع أحد الظلمة أحد الأولياء بين يدي الأسد ، ليتركه أشلاء ، شمه الأسد ثم تركه و ذهب ، قيل للولي : لماذا تركك؟؟ قال : بسبب التوحيد و هو أعظم سبب ، قالوا: فماذا كنت تفكر ؟؟ قال : كنت فكر في سؤر الأسد هل هو طاهر أم نجس ؟؟؟؟
و اعلم أن صدق التوحيد أقام بعض الأولياء ، في الليلة الظلماء ، في ذروة الشتاء يتوضأ بالماء ، و يقطع الليل بالصلاة ، و الدعاء ، و المناجاة ، و البكاء ، و حرارة التوحيد أيقظت في الصالحين ، ذكر الله كل حين ، فلهم بالتسبيح زجل و حنين ، و عزيمة التوحيد دفعت المنفقين ، و جعلتهم بأموالهم متصدقين ، على الفقراء و المساكين .
إذا ناداك نوح التوحيد ، و قال : اركب معنا أيها العبد الرشيد ، فلا تفوتك سفينة الحميد المجيد .
و جد إبراهيم بن أدهم ورقه مكتوباً فيها الله ، و قد سقطت في الطريق ؛ فبكى و حملها ، و طهرها ، و طيبها ؛ فطهر الله نفسه ، و طيب اسمه ، و قد أوصى صلى الله عليه و سلم معاذ بن جبل ، أن يكون أول ما يدعو إليه توحيد الله عز وجل ، يبدأ بالتوحيد خطبه ، و يخط به كتبه ، و يدعو إليه ليلاً و نهاراً ، سرا ً و جهاراً .


من كتاب (( مقامات القرني )) للشيخ عائض بن عبدالله القرني

تحياتي لكم

أختكم :

ملاك الثلج

المسافر
23-07-2003, 05:10 AM
مشكوووووووووووووووووووووو

وووووووووووووووورة اختي ملاك

ابصراحة موضوع يضرب في صميم القلب

والشكر الاول طبعا لله الذي هدانا الى السراط المستقيم

سراط الذين انعم عليهم غير المغظوب عليهم ولا الضالين

مسدد
23-07-2003, 11:00 AM
رفع الله مقامك واعلى مقام صاحب المقامات الداعية النحرير عائض القرني

هذه المقامات رسمت على أفواه الخطباء والوعاظ والناصيحن أروع عبارات في النصح وأبلغ كلمات تضرب في صميم الفوائد ، خالية من التكلف جزلة في معانيها ، درر كالأنجم اللامعة في كبد السماء معلقة بدون خيط ومرفوعة بلا عمد.

ملاك الثلج
24-07-2003, 01:48 AM
حياك الله اخي المسافر ........... و العفو

ملاك الثلج
24-07-2003, 01:51 AM
حياك الله أخي مسدد ............

و إياكم أخي الفاضل ، و شكرا على مداخلتك ....

تحياتي لك