عقلة بن عجلان
16-08-2003, 08:54 AM
ظهور الفريق سلطان هاشم بالتلفزيون كان إشارة للجيش العراقي بألا يحارب.. وواشنطن أضاعت فرصة الاستعانة به بعد الحرب
واشنطن: دوغلاس جيهل وويكستر فيلكنز
خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»
11\ 8 \ 2003
بدأت القيادة العسكرية الأميركية ووكالة الاستخبارات المركزية الاميركية (سي.آي.إيه) مع عدد من العراقيين المقيمين في المنفى بجهود مشتركة واسعة لبناء تحالفات مع قادة عسكريين عراقيين قبل اندلاع الحرب بأكثر من ثلاثة أشهر على الاقل وإقناعهم بعدم القتال حسبما قال بعض الأفراد المشاركين في هذه الجهود. بل حتى بعد انتهاء الحرب تسلمت إدارة بوش معلومات من مسؤولين عراقيين كبار عن احتمال استعداد شخصيات بارزة من النظام المخلوع مثل وزير الدفاع السابق الفريق سلطان هاشم أحمد على التعاون لإنهاء الحرب سريعا وضمان تحقق السلام في الفترة اللاحقة لها، حسبما يقول مسؤولون أميركيون حاليون وسابقون. ولم تُقصف وزارة الفريق هاشم (وزارة الدفاع) خلال الحرب وسمح عدم ضرب محطات الإرسال العراقية لوزير الدفاع السابق بالظهور في التلفزيون، وقال بعض العراقيين الذين كانوا في المنفى انها كانت إشارة للوحدات العراقية كي لا تحارب قوات التحالف. لكن مخططي الحرب الأميركيين فضلوا عدم الاستفادة منه ومن غيره من القادة العراقيين لمساعدتهم في تحقيق السلم في العراق وهذا القرار يُنظر إليه الآن البعض على انه فرصة أهدرت. ولم يعرَف مصير الفريق هاشم. وقال بعض العراقيين الذين كانوا في المنفى إنه قُتل وربما كان على يد أنصار صدام خلال الحرب. أما البعض الآخر منهم فيقول إنه ما زال حيا. وقال اثنان من الزعماء العراقيين إن عائلته قد نظمت له جنازة ملفقة لإعطاء الانطباع بأنه قد توفي. لكن آخرين كانوا غير متأكدين من مدى نجاح عملية كسب الجنرالات العراقيين إلى جانب عدم قتال قوات التحالف. وقال افراد كانوا وراء هذا الجهد عبر مقابلات جرت معهم إنهم نجحوا في إقناع مئات الضباط العراقيين بعدم القتال وإرسال جنودهم إلى البيوت. وأكد ضباط عراقيون إنهم بعد الاتصالات التي أجراها الأميركيون والعراقيون معهم قاموا بأعمال تخريبية وساعدوا على حل وحداتهم بعد بدء الحرب. وقال مسؤولون أميركيون وعراقيان كانا في المنفى لعبوا أدوارا أساسية في هذا الجهد إن القوات الأميركية ساعدت على هروب عدد من الضباط العراقيين الكبار وضباط المخابرات العسكرية وهؤلاء تعاونوا مع الولايات المتحدة وحلفائها. لكن المقابلات التي أجريت في واشنطن وأوروبا والشرق الأوسط مع أكثر من ستة أفراد لهم معرفة مباشرة بأحداث هذه العملية قالوا إن الولايات المتحدة قد تكون أضاعت فرصة في تحقيق استقرار العراق في فترة تهاوي الحكومة السابقة. وقال مسؤولون أميركيون وعرب إنه مع اقتراب بدء الحرب كانت إدارة بوش متشككة من فكرة عقد اتفاق مع مسؤولين عراقيين كبار مثل الفريق هاشم. ثم أصبحت واشنطن في آخر الأمر متقاعسة من إبقاء أي من المسؤولين ذوي الرتب العالية والموجودين ضمن نظام صدام في السلطة بعد الحرب. وأضاف هؤلاء المشاركون في هذه المقابلات ان اتفاقا من هذا النوع كان سيتطلب إبقاء بعض المسؤولين الذين لهم أواصر مع صدام في السلطة لفترة زمنية معينة ولعل ذلك كان سيسهِّل دخول الوحدات الأميركية إلى بغداد ويساعد على إبقاء البنى التحتية بدون أن يلحقها أي ضرر. وقال وايتلي برونر رئيس فرع الاستخبارات الاميركية السابق في بغداد إن «الكثير من سكان بغداد وجدوا مصلحتهم في عدم القتال، وفي التكيف مع الوضع الجديد، في التخلص من صدام حسين والبدء بصفحة جديدة». وقال العديد من المشاركين في المقابلات إن برونر قد ساعد على نقل الرسائل من الأفراد الموجودين داخل العراق إلى الحكومة الأميركية. وقال مسؤولون عرب وأميركيون كبار إن الفريق هاشم قد تم تشخيصه بحليف محتمل منذ عام 1995 حينما عين وزيرا للدفاع. ووصفه المسؤولون بأنه إنسان كفء وضابط مشاة محبوب ولا تجمعه أواصر قرابة بصدام حسين أو بعائلته. وقال مسؤول سعودي كبير: «منذ وقت تعيينه وزيرا للدفاع ظل يبدو دائما شخصا يمكن التعامل معه». وظلت الحكومة السعودية تحث الولايات المتحدة كي تدعم وقوع انقلاب عسكري في العراق بدلا من احتلال عسكري له كوسيلة لإسقاط صدام حسين عن الحكم. وأضاف هذا المسؤول السعودي: «كان سلطان هاشم ينظر اليه كشخص أكثر إدراكا وأكثر قدرة على الوصول إلى استنتاجات عقلانية ولم يكن من المنظِّرين البعثيين أو من غلاتهم». ورفض مسؤول كبير من البنتاغون التعليق على أي رسائل تم تبادلها بين الولايات المتحدة والجنرال هاشم لكنه قال إنه قد تكون هناك أسباب أخرى دفعت الولايات المتحدة لعدم قصف وزارته. وقال هذا المسؤول إنه «في أي مجتمع مركزي ومتحكَّم به من فوق سيقاتل الجنود حتى آخر أمر يصلهم لكنك إذا قطعت الرأس فإن الأذرع والسيقان ستبقى تتحرك لذلك أنت بحاجة إلى إبقاء الكيان الذي يسمح بتحقق الاستسلام». واليوم، يحتل الجنرال هاشم رقم 27 في قائمة المطلوبين العراقيين التي تضم 55 شخصا. لكن مسؤولين من البنتاغون يقولون إنهم لا يعرفون إن كانت هناك أية مساع للقبض عليه. فهو مطلوب فقط «كشاهد مادي» أكثر من أن يكون متهما في أي جرائم حرب حسبما قال مسؤولون كبيرون من البنتاغون. وقال عراقيون ومسؤولون من بلدان عربية أخرى سبق لهم أن شاركوا في هذه العملية إن الاتصالات الأميركية مع ضباط عراقيين قد تم تنظيمها منذ أواخر سنة 2002 بواسطة ضباط مخابرات أردنيين يعملون مع القوات الخاصة الأميركية وموظفين من وكالة الاستخبارات المركزية. وقال هؤلاء إن العملية قد نظِّمت على يد «قوة المهمات رقم 20» السرية وإن الاتصالات قد شملت بعث رسائل الكترونية على الانترنت وزيارات، وفي بعض الحالات دفع مبالغ كبيرة من الأموال. وتقدم الجهود الحثيثة، لجذب قادة الوحدات العراقيين وما ترتب عنها من حل للجيش العراقي، تفسيرا جزئيا ـ إلى جانب القصف الجوي المروِّع الذي عانى الجنود العراقيون منه- للمقاومة الضعيفة التي واجهتها القوات الأميركية عند تقدمها صوب بغداد. وقال اياد علاوي، أحد المشاركين المهمين في العملية والمحتل حاليا لموقع في مجلس الحكم العراقي، «كان هناك عدد كبير من الضباط العراقيين قد تم كسبهم. هناك مئات منهم. كانت مساعينا واسعة النطاق. نحن بعثنا مئات من الرسائل إليهم». لكن مسؤولين من إدارة بوش بمن فيهم دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأميركي صرحوا علنا منذ بدء الحرب بأن الولايات المتحدة تعمل على تحقيق استسلام قادة الوحدات العراقيين لكن التفاصيل المتعلقة بهذه العملية ومدتها لم يُكشف عنها إطلاقا من قبل». فرامسفيلد أنكر يوم 2 أبريل (نيسان) الماضي رسميا أن تكون الإدارة الأميركية تتفاوض مع عدد من أعضاء حكومة صدام. لكن مسؤولين أميركيين آخرين قالوا إن أعضاء كبارا في إدارة بوش قد فكروا بشكل جاد بإجراء اتفاق يشمل الجنرال هاشم منذ 29 أبريل أي بعد انقضاء 10 أيام على الحرب. لكن مسؤولي الإدارة الأميركية ما زالوا يرفضون الكشف عن اتفاقات من هذا النوع. وقالوا إنهم أخذوا الإشارات القادمة من العراق آنذاك بشكل جدي لكنهم قالوا أيضا إنهم كانوا حذرين من أن تكون مجرد خدعة. ولكن ضمن أي وضع فإن قبول أي من مساعدي صدام للمشاركة في السلطة قد تم رفضه من قبل إدارة بوش. مع ذلك فإن اتفاقا عُرض على إدارة بوش يقل قليلا عن تدمير الحكومة في بغداد مقابل مناخ أي استقرارا لفترة ما بعد الحرب له تأييد حاليا مع تصاعد حرب العصابات ضد قوات الاحتلال. وقال مسؤول أميركي على علم بالعرض العراقي الذي استمر على امتداد فترة الحرب: «الكثير من العروض ظلت تظهر إلى السطح من الكثير من النقاط وفيها عروض من نوع هل تقبلوا بالعرض «أ» أو «ب» أو «ج»؟ وفي وقت معين اجتمعت حكومة الحرب الأميركية وقالت: لا لهذه العروض. لكن بعضا من هذه العروض تبدو الآن عند النظر إليها ذات شأن فهي تبدو الآن أكثر فأكثر جاذبية». لكن بعض مسؤولي الإدارة الأميركية لا يعتقدون بأن أي اتفاق لو تم عقده آنذاك كان قد اعطى نتائج مغايرة لما جرى لاحقا. وقال هؤلاء إنهم نظروا إلى هذه العروض بتشكك. وفي وصف ما نجح وما فشل المخطط الهادف إلى إسقاط الحكومة العراقية من تحقيقه، تحدث بعض من شاركوا في عملية كسب الضباط العراقيين بينما تجنب آخرون الحديث إما لأن العملية تُعتبر سرية أو لأن أدوارهم فيها كانت حساسة أو لأنه كما يقول بعض العراقيين إنهم يخشون على حياتهم طالما ظل مصير صدام سؤالا معلقا. * المتآمرون * قال بعض المشاركين في العملية إنه من بين اللاعبين الأساسيين كان برونر المسؤول السابق في وكالة الاستخبارات المركزية والذي عمل ممثلا لرجل الأعمال العراقي الأميركي سعد الجنابي ولإياد علاوي الذي يحتل حاليا مقعدا في مجلس الحكم المحلي، ولمحمد عبد الله الشهواني أحد الجنرالات العراقيين السابقين والذي كان مشاركا أساسيا في المحاولة الانقلابية الفاشلة التي دعمتها الـ«سي آي ايه» سنة 1996 ضد صدام حسين. كذلك هناك اثنان شاركا في هذه العملية يعملان في العراق وهما عبد الكريم محمداوي وهو زعيم شيعي من الجنوب وسافر إلى الكويت لتنسيق مساعي الاتصال بمسؤولي الاستخبارات الأميركية، أما الآخر فهو مشعان الجبوري وهو سني عمل بدعم أميركي من المنطقة الكردية العراقية لنقل برامج الدعاية التلفزيونية من هناك إلى بقية مناطق العراق. لكن برونر استقال من الـ«سي آي ايه» سنة 1997، وقال إنه قد عمل لصالح الجنابي خلال الحرب وما قبلها ولم يكن آنذاك يعمل ضمن وكالة الاستخبارات المركزية. وقال برونر إنه لم يرد أن يلعب أي دور «تنفيذي أساسي». لكن العديد من المسؤولين الاميركيين الحاليين والسابقين قالوا إنهم على قناعة كاملة بأن برونر قد عمل كحلقة وصل بين الحكومة الأميركية والجنابي الذي زعمت منظمته السرية المعروفة باسم «منظمة العراق الجمهوري» أن لديها أنصارا بالمئات داخل العراق. وقال عراقي مقيم في المنفى كان له دور في عملية كسب الضباط العراقيين إن الجنابي قد بعث عشرات الرسائل إلى داخل وخارج العراق قبل بدء الحرب بأشهر وبعض منها كان إلى شخصيات بارزة داخل حكومة صدام حسين وأحيانا كان يوصل الردود المرسلة من العراقيين إلى الحكومة الأميركية. وتعامل برونر والجنابي تعاملا مع المسؤولين الأميركيين في الكويت وبينهم الجنرال المتقاعد جاي غارنر الذي رأس مكتب «إعادة الإعمار والمساعدات الإنسانية» وفي مقابلة هاتفية قال الجنرال غارنر إنه مقتنع بأن الجنابي كان «موظفا لدى الحكومة الأميركية». لكن بيل هارلو المتحدث باسم الـ«سي آي ايه» رفض التعليق على ذلك. وقال مسؤول عربي كبير في مقابلة أجريت معه إن حكومته علمت بعمل الجنابي قبل شهرين من وقوع الحرب، وكان يثق بتأكيدات الجنابي بأن أنصار منظمته يضمون أفرادا من حكومة صدام حسين إضافة إلى وزير الدفاع العراقي السابق. * أعداء صدام يتحركون * وفي مقابلة صحافية في العراق ذكر محمداوي وهو معارض لصدام حسين منذ فترة طويلة ومن الجنوب وزعيم منظمة شيعية هي حزب الله، انه التقى في شهر فبراير (شباط) في مدينة الكويت مع ثلاثة من ضباط وكالة الاستخبارات المركزية للتخطيط لتنظيم عمليات ضد حكومة صدام. وقال انه التقى ايضا مع الكولونيل مسلم سوادي وهو قائد عسكري عراقي منشق. وبعد عودته الى بيته في العمارة، وهي عاصمة اقليمية، ذكر محمداوي انه اجرى اتصالات مع ما يصل الى مائة ضابط عراقي، وابلغهم انه ما ان يبدأ الغزو، يجب عليهم ارسال جنودهم الى منازلهم. وفي الوقت ذاته قال ان عليهم تخريب الدفاعات العراقية. واضاف «لقد قلت لهم اذا ما قررتم القتال، فلن استطيع ضمان سلامتكم». وكان من بين هؤلاء المقدم مسلم سوادي قائد كتيبة في سلاح المهندسين في العمارة، وقال المقدم سوادي انه قبل شهر من بداية الحرب بدأ في اهمال الجسور المتحركة المسؤول عنها. كما بدأ في ابلاغ رجاله الذين يصل عددهم الى 150 رجلا انه بامكانهم العودة الى بيوتهم. وبحلول شهر ابريل كان معظم رجاله قد عادوا الى بيوتهم، طبقا لما ذكره. واضاف المقدم سوادي الذي ذكر ان شقيقه قتل خلال انتفاضة الشيعة عام 1991 «لم يبق شخص في وحدتي الا انا وسائقي». وعندما صدرت الاوامر خلال الغزو الاميركي بنسف الجسور التي تقع في طريقهم، لم يفعل شيئا. وقال محمداوي انه في 6 ابريل (نيسان) قاد مجموعة من 400 رجل الى العمارة واستولوا على المدينة بعد معارك محدودة. وفي الوقت ذاته ذكر الجبوري وهو سني كان مقره في الشمال الكردي، في مقابلة منفصلة في بغداد انه عمل عن قرب مع نشطاء القوات الاميركية الخاصة لاجراء اتصالات مع القادة العسكريين العراقيين في مناطق خاضعة لحكومة صدام حسين. وقال جبوري انه كان يلقي خطابات يومية عبر تلفزيون كردي محلي يحث فيها القادة على القاء اسلحتهم. واشار الجبوري الى انه مع بداية الحرب تمكن من التوصل الى وقف لاطلاق النار مع حامية في الموصل. وفي 9 ابريل قاد مجموعة من 150 مقاتلا، وانه استولى على المدينة بدون اطلاق طلقة واحدة. واضاف «لم نصفه بالاستسلام، لاننا لم نقبض على سجناء وتركناهم يحتفظون بأسلحتهم. وعادوا جميعا الى بيوتهم.» * المشكلة * وفي بغداد كان العلاوي من بين المنفيين العراقيين الذين اعربوا عن اعتقادهم بأن القرار الاميركي بحل الحكومة العراقية بما فيها القوات المسلحة، بدلا من السعي الى تسويات، كان خطأ. وقد كرر عدد من كبار المسؤولين العرب هذه الآراء في عواصمهم واضاف «كانت فكرتنا هي التخلص من القيادات وترك النظام كما هو. ويمكننا تغييره تدريجيا. اما الان فقد راح كل شيء». وكانت حركة الوفاق الوطني التي ينتمي اليها العلاوي قد لعبت دورا رئيسيا في الجهود التي جرت عام 1996 للتخلص من صدام حسين وهي الجهود التي انهارت عندما اخترقت السلطات العراقية الجماعة. ولا يعرف حتى اليوم رغبة بعض اعضاء حكومة صدام حسين في الاحتفاظ بقطاعات من ادارتهم كما هي. وكان الفريق هاشم قد تخلى، في مؤتمر صحافي بثه التلفزيون في 28 مارس، عن الخط العراقي الرسمي، الذي استمر بعض المسؤولين العراقيين في تبنيه، بأن الجيش الاميركي ليس قريبا من العاصمة. وكان قد ذكر في المؤتمر الصحافي ان القوات الاميركية في طريقها نحو العاصمة ومن المحتمل ان تصل خلال خمسة ايام. وفي الوقت ذاته ذكر مظهر شوكت وهو من كبار الشخصيات العراقية في المنفى الذي يعارض اي نوع من الحلول الوسط مع حكومة صدام، انه يعتقد ان فشل الاميركيين في تدمير التلفزيون العراقي كان دليلا على ان ادارة بوش تحاول الاتصال ببعض شخصيات حكومة صدام. واضاف في مقابلة صحافية في بغداد «كانت مصادرنا في العراق تبعث لنا برسائل، تقول دمروا مقر التلفزيون العراقي، وعندما نقلنا تلك الرسائل الى البنتاغون لم يحدث شيء، واستمرت المحطة في البث. وعندئذ فهم ان الامر جزء من خطة اكبر». * التخطيط وتجدر الاشارة الى ان العمليات السرية، بالاضافة الى الجهود للتوصل الى نوع من الاتفاق، يعود الى فترة طويلة قبل بداية الحرب. فقد اوضح كينث بولاك وهو خبير في الشؤون العراقية عمل لحساب وكالة الاستخبارات المركزية ومجلس الامن القومي، في مقابلة هاتفية، انه تم بحث موضوع التعامل من خلال مناورات حربية داخل الحكومة وخارجها. وفي جلسة اجراها معهد بروكينغز في نوفمبر (تشرين الثاني) 2002، حضرها عدد من المسؤولين الحكوميين والعسكريين قدم «اللاعبون» الذين يمثلون العراقيين عرضا بوقف التقدم الاميركي على مشارف بغداد، وكان رد الفعل من المشاركين الذين يمثلون القيادات الاميركية «لا». ولكن بولاك، وهو مدير الأبحاث في مركز سابان لسياسة الشرق الأوسط، اوضح ان القرار لاقى اعتراضات من مشاركين آخرين، وذكر انه «كان هناك البعض حول الطاولة الذين ذكروا بضرورة قبول العرض، ثم التراجع عنه. والشيء الآخر الذي ظهر كدرس هو ضرورة اجراء اكبر قدر من الاتصالات مع اي شخص يملك القدرة على قيادة العراق، بحيث اذا سيطرت على البلد، يصبح لديك مجموعة من الناس يمكن الاتصال بهم لمساعدتك على ادارة البلاد». واوضح الجنرال شاهواني وهو قائد محاولة انقلاب 1996، ان واحدة من الافكار المبكرة خلال الاستعدادات للحرب الاخيرة كانت تدعو الى انتفاضة، على الاقل جزئيا في اوساط الجيش، الا انه تم التخلي عن الخطة عندما قررت ادارة بوش ارسال قوات اميركية. ولكن مع حلول شهر يناير (كانون الثاني)، كان من الواضح ان المسؤولين في الادارة منقسمون حول ما اذا كان عليهم محاولة اجراء اتصالات مع اعضاء الحكومة، وكان الرئيس بوش نفسه مترددا حول هذا الموضوع، طبقا لمعلومات ادلى بها مسؤولون في الادارة. كما انقسم المنفيون العراقيون. وفي لقاء شهر يناير، ناقش بوش الموضوع مع ثلاثة عراقيين منفيين هم كنعان مكية وهو مؤلف وحاتم مخلص وهو طبيب في نيويورك وراند رحيم رئيسة الجمعية العراقية. وخلال الاجتماع اشار مكية الى وجود محادثات حول تسوية تفاوضية يمكن ان تحافظ على الجيش. وقال مكية الذي يعارض مثل هذه التسويات، انه اجرى اتصالات مماثلة مع كوندوليزا رايس مستشارة شؤون الامن القومي. واوضح انه «اعجبتها فكرة ان الجيش العراقي سيجبر على التغير بعد الحرب». وفي ذلك الوقت كان الجنابي يحاول الاتصال بعدد من اعضاء حكومة صدام حسين. وكان يجري اتصالات مع معارفه الذين يعرفهم منذ سنوات عندما كان واحدا من المساعدين المقربين من زوج ابنة صدام حسين حسين كامل، وقد حقق ثروة بعد ان سيطر على قطاع السجائر في البلاد. وقد هرب من البلاد في عام 1995 بعدما سجنه عدي لفترة قصيرة، الذي يبدو انه كان يشعر بالغيرة من تزايد ثروته. والمعروف ان حسين كامل الذي فر الى الاردن في عام 1995 اعدم بعدما قرر العودة للعراق. وانتقل الجنابي الى كاليفورنيا، حيث اصبح على علاقة وثيقة بالحزب الجمهوري. وقد تم دعم علاقة الجنابي بالولايات المتحدة في عام 2002، طبقا لبرنر الذي ذكر ان توم كرجسكي المسؤول في مكتب شؤون الشرق الادنى في وزارة الخارجية طلب منه تقييم مصداقية الجنابي وشخصيته. وشكل برنر والجنابي علاقة عمل تهدف الى استكشاف فرص العمل في عراق ما بعد الحرب، طبقا لشريك في ذلك المجال. وعاد الجنابي الى العراق مع الضباط الاميركيين وهو يعيش الآن في بغداد.
واشنطن: دوغلاس جيهل وويكستر فيلكنز
خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»
11\ 8 \ 2003
بدأت القيادة العسكرية الأميركية ووكالة الاستخبارات المركزية الاميركية (سي.آي.إيه) مع عدد من العراقيين المقيمين في المنفى بجهود مشتركة واسعة لبناء تحالفات مع قادة عسكريين عراقيين قبل اندلاع الحرب بأكثر من ثلاثة أشهر على الاقل وإقناعهم بعدم القتال حسبما قال بعض الأفراد المشاركين في هذه الجهود. بل حتى بعد انتهاء الحرب تسلمت إدارة بوش معلومات من مسؤولين عراقيين كبار عن احتمال استعداد شخصيات بارزة من النظام المخلوع مثل وزير الدفاع السابق الفريق سلطان هاشم أحمد على التعاون لإنهاء الحرب سريعا وضمان تحقق السلام في الفترة اللاحقة لها، حسبما يقول مسؤولون أميركيون حاليون وسابقون. ولم تُقصف وزارة الفريق هاشم (وزارة الدفاع) خلال الحرب وسمح عدم ضرب محطات الإرسال العراقية لوزير الدفاع السابق بالظهور في التلفزيون، وقال بعض العراقيين الذين كانوا في المنفى انها كانت إشارة للوحدات العراقية كي لا تحارب قوات التحالف. لكن مخططي الحرب الأميركيين فضلوا عدم الاستفادة منه ومن غيره من القادة العراقيين لمساعدتهم في تحقيق السلم في العراق وهذا القرار يُنظر إليه الآن البعض على انه فرصة أهدرت. ولم يعرَف مصير الفريق هاشم. وقال بعض العراقيين الذين كانوا في المنفى إنه قُتل وربما كان على يد أنصار صدام خلال الحرب. أما البعض الآخر منهم فيقول إنه ما زال حيا. وقال اثنان من الزعماء العراقيين إن عائلته قد نظمت له جنازة ملفقة لإعطاء الانطباع بأنه قد توفي. لكن آخرين كانوا غير متأكدين من مدى نجاح عملية كسب الجنرالات العراقيين إلى جانب عدم قتال قوات التحالف. وقال افراد كانوا وراء هذا الجهد عبر مقابلات جرت معهم إنهم نجحوا في إقناع مئات الضباط العراقيين بعدم القتال وإرسال جنودهم إلى البيوت. وأكد ضباط عراقيون إنهم بعد الاتصالات التي أجراها الأميركيون والعراقيون معهم قاموا بأعمال تخريبية وساعدوا على حل وحداتهم بعد بدء الحرب. وقال مسؤولون أميركيون وعراقيان كانا في المنفى لعبوا أدوارا أساسية في هذا الجهد إن القوات الأميركية ساعدت على هروب عدد من الضباط العراقيين الكبار وضباط المخابرات العسكرية وهؤلاء تعاونوا مع الولايات المتحدة وحلفائها. لكن المقابلات التي أجريت في واشنطن وأوروبا والشرق الأوسط مع أكثر من ستة أفراد لهم معرفة مباشرة بأحداث هذه العملية قالوا إن الولايات المتحدة قد تكون أضاعت فرصة في تحقيق استقرار العراق في فترة تهاوي الحكومة السابقة. وقال مسؤولون أميركيون وعرب إنه مع اقتراب بدء الحرب كانت إدارة بوش متشككة من فكرة عقد اتفاق مع مسؤولين عراقيين كبار مثل الفريق هاشم. ثم أصبحت واشنطن في آخر الأمر متقاعسة من إبقاء أي من المسؤولين ذوي الرتب العالية والموجودين ضمن نظام صدام في السلطة بعد الحرب. وأضاف هؤلاء المشاركون في هذه المقابلات ان اتفاقا من هذا النوع كان سيتطلب إبقاء بعض المسؤولين الذين لهم أواصر مع صدام في السلطة لفترة زمنية معينة ولعل ذلك كان سيسهِّل دخول الوحدات الأميركية إلى بغداد ويساعد على إبقاء البنى التحتية بدون أن يلحقها أي ضرر. وقال وايتلي برونر رئيس فرع الاستخبارات الاميركية السابق في بغداد إن «الكثير من سكان بغداد وجدوا مصلحتهم في عدم القتال، وفي التكيف مع الوضع الجديد، في التخلص من صدام حسين والبدء بصفحة جديدة». وقال العديد من المشاركين في المقابلات إن برونر قد ساعد على نقل الرسائل من الأفراد الموجودين داخل العراق إلى الحكومة الأميركية. وقال مسؤولون عرب وأميركيون كبار إن الفريق هاشم قد تم تشخيصه بحليف محتمل منذ عام 1995 حينما عين وزيرا للدفاع. ووصفه المسؤولون بأنه إنسان كفء وضابط مشاة محبوب ولا تجمعه أواصر قرابة بصدام حسين أو بعائلته. وقال مسؤول سعودي كبير: «منذ وقت تعيينه وزيرا للدفاع ظل يبدو دائما شخصا يمكن التعامل معه». وظلت الحكومة السعودية تحث الولايات المتحدة كي تدعم وقوع انقلاب عسكري في العراق بدلا من احتلال عسكري له كوسيلة لإسقاط صدام حسين عن الحكم. وأضاف هذا المسؤول السعودي: «كان سلطان هاشم ينظر اليه كشخص أكثر إدراكا وأكثر قدرة على الوصول إلى استنتاجات عقلانية ولم يكن من المنظِّرين البعثيين أو من غلاتهم». ورفض مسؤول كبير من البنتاغون التعليق على أي رسائل تم تبادلها بين الولايات المتحدة والجنرال هاشم لكنه قال إنه قد تكون هناك أسباب أخرى دفعت الولايات المتحدة لعدم قصف وزارته. وقال هذا المسؤول إنه «في أي مجتمع مركزي ومتحكَّم به من فوق سيقاتل الجنود حتى آخر أمر يصلهم لكنك إذا قطعت الرأس فإن الأذرع والسيقان ستبقى تتحرك لذلك أنت بحاجة إلى إبقاء الكيان الذي يسمح بتحقق الاستسلام». واليوم، يحتل الجنرال هاشم رقم 27 في قائمة المطلوبين العراقيين التي تضم 55 شخصا. لكن مسؤولين من البنتاغون يقولون إنهم لا يعرفون إن كانت هناك أية مساع للقبض عليه. فهو مطلوب فقط «كشاهد مادي» أكثر من أن يكون متهما في أي جرائم حرب حسبما قال مسؤولون كبيرون من البنتاغون. وقال عراقيون ومسؤولون من بلدان عربية أخرى سبق لهم أن شاركوا في هذه العملية إن الاتصالات الأميركية مع ضباط عراقيين قد تم تنظيمها منذ أواخر سنة 2002 بواسطة ضباط مخابرات أردنيين يعملون مع القوات الخاصة الأميركية وموظفين من وكالة الاستخبارات المركزية. وقال هؤلاء إن العملية قد نظِّمت على يد «قوة المهمات رقم 20» السرية وإن الاتصالات قد شملت بعث رسائل الكترونية على الانترنت وزيارات، وفي بعض الحالات دفع مبالغ كبيرة من الأموال. وتقدم الجهود الحثيثة، لجذب قادة الوحدات العراقيين وما ترتب عنها من حل للجيش العراقي، تفسيرا جزئيا ـ إلى جانب القصف الجوي المروِّع الذي عانى الجنود العراقيون منه- للمقاومة الضعيفة التي واجهتها القوات الأميركية عند تقدمها صوب بغداد. وقال اياد علاوي، أحد المشاركين المهمين في العملية والمحتل حاليا لموقع في مجلس الحكم العراقي، «كان هناك عدد كبير من الضباط العراقيين قد تم كسبهم. هناك مئات منهم. كانت مساعينا واسعة النطاق. نحن بعثنا مئات من الرسائل إليهم». لكن مسؤولين من إدارة بوش بمن فيهم دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأميركي صرحوا علنا منذ بدء الحرب بأن الولايات المتحدة تعمل على تحقيق استسلام قادة الوحدات العراقيين لكن التفاصيل المتعلقة بهذه العملية ومدتها لم يُكشف عنها إطلاقا من قبل». فرامسفيلد أنكر يوم 2 أبريل (نيسان) الماضي رسميا أن تكون الإدارة الأميركية تتفاوض مع عدد من أعضاء حكومة صدام. لكن مسؤولين أميركيين آخرين قالوا إن أعضاء كبارا في إدارة بوش قد فكروا بشكل جاد بإجراء اتفاق يشمل الجنرال هاشم منذ 29 أبريل أي بعد انقضاء 10 أيام على الحرب. لكن مسؤولي الإدارة الأميركية ما زالوا يرفضون الكشف عن اتفاقات من هذا النوع. وقالوا إنهم أخذوا الإشارات القادمة من العراق آنذاك بشكل جدي لكنهم قالوا أيضا إنهم كانوا حذرين من أن تكون مجرد خدعة. ولكن ضمن أي وضع فإن قبول أي من مساعدي صدام للمشاركة في السلطة قد تم رفضه من قبل إدارة بوش. مع ذلك فإن اتفاقا عُرض على إدارة بوش يقل قليلا عن تدمير الحكومة في بغداد مقابل مناخ أي استقرارا لفترة ما بعد الحرب له تأييد حاليا مع تصاعد حرب العصابات ضد قوات الاحتلال. وقال مسؤول أميركي على علم بالعرض العراقي الذي استمر على امتداد فترة الحرب: «الكثير من العروض ظلت تظهر إلى السطح من الكثير من النقاط وفيها عروض من نوع هل تقبلوا بالعرض «أ» أو «ب» أو «ج»؟ وفي وقت معين اجتمعت حكومة الحرب الأميركية وقالت: لا لهذه العروض. لكن بعضا من هذه العروض تبدو الآن عند النظر إليها ذات شأن فهي تبدو الآن أكثر فأكثر جاذبية». لكن بعض مسؤولي الإدارة الأميركية لا يعتقدون بأن أي اتفاق لو تم عقده آنذاك كان قد اعطى نتائج مغايرة لما جرى لاحقا. وقال هؤلاء إنهم نظروا إلى هذه العروض بتشكك. وفي وصف ما نجح وما فشل المخطط الهادف إلى إسقاط الحكومة العراقية من تحقيقه، تحدث بعض من شاركوا في عملية كسب الضباط العراقيين بينما تجنب آخرون الحديث إما لأن العملية تُعتبر سرية أو لأن أدوارهم فيها كانت حساسة أو لأنه كما يقول بعض العراقيين إنهم يخشون على حياتهم طالما ظل مصير صدام سؤالا معلقا. * المتآمرون * قال بعض المشاركين في العملية إنه من بين اللاعبين الأساسيين كان برونر المسؤول السابق في وكالة الاستخبارات المركزية والذي عمل ممثلا لرجل الأعمال العراقي الأميركي سعد الجنابي ولإياد علاوي الذي يحتل حاليا مقعدا في مجلس الحكم المحلي، ولمحمد عبد الله الشهواني أحد الجنرالات العراقيين السابقين والذي كان مشاركا أساسيا في المحاولة الانقلابية الفاشلة التي دعمتها الـ«سي آي ايه» سنة 1996 ضد صدام حسين. كذلك هناك اثنان شاركا في هذه العملية يعملان في العراق وهما عبد الكريم محمداوي وهو زعيم شيعي من الجنوب وسافر إلى الكويت لتنسيق مساعي الاتصال بمسؤولي الاستخبارات الأميركية، أما الآخر فهو مشعان الجبوري وهو سني عمل بدعم أميركي من المنطقة الكردية العراقية لنقل برامج الدعاية التلفزيونية من هناك إلى بقية مناطق العراق. لكن برونر استقال من الـ«سي آي ايه» سنة 1997، وقال إنه قد عمل لصالح الجنابي خلال الحرب وما قبلها ولم يكن آنذاك يعمل ضمن وكالة الاستخبارات المركزية. وقال برونر إنه لم يرد أن يلعب أي دور «تنفيذي أساسي». لكن العديد من المسؤولين الاميركيين الحاليين والسابقين قالوا إنهم على قناعة كاملة بأن برونر قد عمل كحلقة وصل بين الحكومة الأميركية والجنابي الذي زعمت منظمته السرية المعروفة باسم «منظمة العراق الجمهوري» أن لديها أنصارا بالمئات داخل العراق. وقال عراقي مقيم في المنفى كان له دور في عملية كسب الضباط العراقيين إن الجنابي قد بعث عشرات الرسائل إلى داخل وخارج العراق قبل بدء الحرب بأشهر وبعض منها كان إلى شخصيات بارزة داخل حكومة صدام حسين وأحيانا كان يوصل الردود المرسلة من العراقيين إلى الحكومة الأميركية. وتعامل برونر والجنابي تعاملا مع المسؤولين الأميركيين في الكويت وبينهم الجنرال المتقاعد جاي غارنر الذي رأس مكتب «إعادة الإعمار والمساعدات الإنسانية» وفي مقابلة هاتفية قال الجنرال غارنر إنه مقتنع بأن الجنابي كان «موظفا لدى الحكومة الأميركية». لكن بيل هارلو المتحدث باسم الـ«سي آي ايه» رفض التعليق على ذلك. وقال مسؤول عربي كبير في مقابلة أجريت معه إن حكومته علمت بعمل الجنابي قبل شهرين من وقوع الحرب، وكان يثق بتأكيدات الجنابي بأن أنصار منظمته يضمون أفرادا من حكومة صدام حسين إضافة إلى وزير الدفاع العراقي السابق. * أعداء صدام يتحركون * وفي مقابلة صحافية في العراق ذكر محمداوي وهو معارض لصدام حسين منذ فترة طويلة ومن الجنوب وزعيم منظمة شيعية هي حزب الله، انه التقى في شهر فبراير (شباط) في مدينة الكويت مع ثلاثة من ضباط وكالة الاستخبارات المركزية للتخطيط لتنظيم عمليات ضد حكومة صدام. وقال انه التقى ايضا مع الكولونيل مسلم سوادي وهو قائد عسكري عراقي منشق. وبعد عودته الى بيته في العمارة، وهي عاصمة اقليمية، ذكر محمداوي انه اجرى اتصالات مع ما يصل الى مائة ضابط عراقي، وابلغهم انه ما ان يبدأ الغزو، يجب عليهم ارسال جنودهم الى منازلهم. وفي الوقت ذاته قال ان عليهم تخريب الدفاعات العراقية. واضاف «لقد قلت لهم اذا ما قررتم القتال، فلن استطيع ضمان سلامتكم». وكان من بين هؤلاء المقدم مسلم سوادي قائد كتيبة في سلاح المهندسين في العمارة، وقال المقدم سوادي انه قبل شهر من بداية الحرب بدأ في اهمال الجسور المتحركة المسؤول عنها. كما بدأ في ابلاغ رجاله الذين يصل عددهم الى 150 رجلا انه بامكانهم العودة الى بيوتهم. وبحلول شهر ابريل كان معظم رجاله قد عادوا الى بيوتهم، طبقا لما ذكره. واضاف المقدم سوادي الذي ذكر ان شقيقه قتل خلال انتفاضة الشيعة عام 1991 «لم يبق شخص في وحدتي الا انا وسائقي». وعندما صدرت الاوامر خلال الغزو الاميركي بنسف الجسور التي تقع في طريقهم، لم يفعل شيئا. وقال محمداوي انه في 6 ابريل (نيسان) قاد مجموعة من 400 رجل الى العمارة واستولوا على المدينة بعد معارك محدودة. وفي الوقت ذاته ذكر الجبوري وهو سني كان مقره في الشمال الكردي، في مقابلة منفصلة في بغداد انه عمل عن قرب مع نشطاء القوات الاميركية الخاصة لاجراء اتصالات مع القادة العسكريين العراقيين في مناطق خاضعة لحكومة صدام حسين. وقال جبوري انه كان يلقي خطابات يومية عبر تلفزيون كردي محلي يحث فيها القادة على القاء اسلحتهم. واشار الجبوري الى انه مع بداية الحرب تمكن من التوصل الى وقف لاطلاق النار مع حامية في الموصل. وفي 9 ابريل قاد مجموعة من 150 مقاتلا، وانه استولى على المدينة بدون اطلاق طلقة واحدة. واضاف «لم نصفه بالاستسلام، لاننا لم نقبض على سجناء وتركناهم يحتفظون بأسلحتهم. وعادوا جميعا الى بيوتهم.» * المشكلة * وفي بغداد كان العلاوي من بين المنفيين العراقيين الذين اعربوا عن اعتقادهم بأن القرار الاميركي بحل الحكومة العراقية بما فيها القوات المسلحة، بدلا من السعي الى تسويات، كان خطأ. وقد كرر عدد من كبار المسؤولين العرب هذه الآراء في عواصمهم واضاف «كانت فكرتنا هي التخلص من القيادات وترك النظام كما هو. ويمكننا تغييره تدريجيا. اما الان فقد راح كل شيء». وكانت حركة الوفاق الوطني التي ينتمي اليها العلاوي قد لعبت دورا رئيسيا في الجهود التي جرت عام 1996 للتخلص من صدام حسين وهي الجهود التي انهارت عندما اخترقت السلطات العراقية الجماعة. ولا يعرف حتى اليوم رغبة بعض اعضاء حكومة صدام حسين في الاحتفاظ بقطاعات من ادارتهم كما هي. وكان الفريق هاشم قد تخلى، في مؤتمر صحافي بثه التلفزيون في 28 مارس، عن الخط العراقي الرسمي، الذي استمر بعض المسؤولين العراقيين في تبنيه، بأن الجيش الاميركي ليس قريبا من العاصمة. وكان قد ذكر في المؤتمر الصحافي ان القوات الاميركية في طريقها نحو العاصمة ومن المحتمل ان تصل خلال خمسة ايام. وفي الوقت ذاته ذكر مظهر شوكت وهو من كبار الشخصيات العراقية في المنفى الذي يعارض اي نوع من الحلول الوسط مع حكومة صدام، انه يعتقد ان فشل الاميركيين في تدمير التلفزيون العراقي كان دليلا على ان ادارة بوش تحاول الاتصال ببعض شخصيات حكومة صدام. واضاف في مقابلة صحافية في بغداد «كانت مصادرنا في العراق تبعث لنا برسائل، تقول دمروا مقر التلفزيون العراقي، وعندما نقلنا تلك الرسائل الى البنتاغون لم يحدث شيء، واستمرت المحطة في البث. وعندئذ فهم ان الامر جزء من خطة اكبر». * التخطيط وتجدر الاشارة الى ان العمليات السرية، بالاضافة الى الجهود للتوصل الى نوع من الاتفاق، يعود الى فترة طويلة قبل بداية الحرب. فقد اوضح كينث بولاك وهو خبير في الشؤون العراقية عمل لحساب وكالة الاستخبارات المركزية ومجلس الامن القومي، في مقابلة هاتفية، انه تم بحث موضوع التعامل من خلال مناورات حربية داخل الحكومة وخارجها. وفي جلسة اجراها معهد بروكينغز في نوفمبر (تشرين الثاني) 2002، حضرها عدد من المسؤولين الحكوميين والعسكريين قدم «اللاعبون» الذين يمثلون العراقيين عرضا بوقف التقدم الاميركي على مشارف بغداد، وكان رد الفعل من المشاركين الذين يمثلون القيادات الاميركية «لا». ولكن بولاك، وهو مدير الأبحاث في مركز سابان لسياسة الشرق الأوسط، اوضح ان القرار لاقى اعتراضات من مشاركين آخرين، وذكر انه «كان هناك البعض حول الطاولة الذين ذكروا بضرورة قبول العرض، ثم التراجع عنه. والشيء الآخر الذي ظهر كدرس هو ضرورة اجراء اكبر قدر من الاتصالات مع اي شخص يملك القدرة على قيادة العراق، بحيث اذا سيطرت على البلد، يصبح لديك مجموعة من الناس يمكن الاتصال بهم لمساعدتك على ادارة البلاد». واوضح الجنرال شاهواني وهو قائد محاولة انقلاب 1996، ان واحدة من الافكار المبكرة خلال الاستعدادات للحرب الاخيرة كانت تدعو الى انتفاضة، على الاقل جزئيا في اوساط الجيش، الا انه تم التخلي عن الخطة عندما قررت ادارة بوش ارسال قوات اميركية. ولكن مع حلول شهر يناير (كانون الثاني)، كان من الواضح ان المسؤولين في الادارة منقسمون حول ما اذا كان عليهم محاولة اجراء اتصالات مع اعضاء الحكومة، وكان الرئيس بوش نفسه مترددا حول هذا الموضوع، طبقا لمعلومات ادلى بها مسؤولون في الادارة. كما انقسم المنفيون العراقيون. وفي لقاء شهر يناير، ناقش بوش الموضوع مع ثلاثة عراقيين منفيين هم كنعان مكية وهو مؤلف وحاتم مخلص وهو طبيب في نيويورك وراند رحيم رئيسة الجمعية العراقية. وخلال الاجتماع اشار مكية الى وجود محادثات حول تسوية تفاوضية يمكن ان تحافظ على الجيش. وقال مكية الذي يعارض مثل هذه التسويات، انه اجرى اتصالات مماثلة مع كوندوليزا رايس مستشارة شؤون الامن القومي. واوضح انه «اعجبتها فكرة ان الجيش العراقي سيجبر على التغير بعد الحرب». وفي ذلك الوقت كان الجنابي يحاول الاتصال بعدد من اعضاء حكومة صدام حسين. وكان يجري اتصالات مع معارفه الذين يعرفهم منذ سنوات عندما كان واحدا من المساعدين المقربين من زوج ابنة صدام حسين حسين كامل، وقد حقق ثروة بعد ان سيطر على قطاع السجائر في البلاد. وقد هرب من البلاد في عام 1995 بعدما سجنه عدي لفترة قصيرة، الذي يبدو انه كان يشعر بالغيرة من تزايد ثروته. والمعروف ان حسين كامل الذي فر الى الاردن في عام 1995 اعدم بعدما قرر العودة للعراق. وانتقل الجنابي الى كاليفورنيا، حيث اصبح على علاقة وثيقة بالحزب الجمهوري. وقد تم دعم علاقة الجنابي بالولايات المتحدة في عام 2002، طبقا لبرنر الذي ذكر ان توم كرجسكي المسؤول في مكتب شؤون الشرق الادنى في وزارة الخارجية طلب منه تقييم مصداقية الجنابي وشخصيته. وشكل برنر والجنابي علاقة عمل تهدف الى استكشاف فرص العمل في عراق ما بعد الحرب، طبقا لشريك في ذلك المجال. وعاد الجنابي الى العراق مع الضباط الاميركيين وهو يعيش الآن في بغداد.