PDA

View Full Version : صراع (أمين) مع الصهيونية في أوغندا .. ودور الإعلام في تشويه صورته!


aziz2000
20-08-2003, 05:04 AM
مما يثير الاستغراب والدهشة أن هناك جهات استقبلت خبر وفاة الرئيس الأوغندي الأسبق (عيد أمين دادا) بالابتهاج الشديد باعتبارها انتهاء لرمز الدكتاتورية، وهزيمة لرائد حركة قمع الحريات في القرن الإفريقي، وتشير تقارير تلك الجهات إلى أن نظامه مسؤول عن مقتل أكثر من 500 ألف أوغندي.

والحقيقة أنه ومنذ شهر نيسان من العام 1979م ، الذي سقط فيه نظام الرئيس عيد أمين تحت ضربات المعارضة الداخلية المدعومة من (أمريكا، وبريطانيا، وإسرائيل، وكينيا) بدأ الغرب يملأ الدنيا ضجيجاً وصراخاً حول "وحشية" نظام عيد أمين وحول" مجازره" و"بربريته" ووصل الأمر إلى حد كتابة التقارير وتأليف الكتب والأفلام السينمائية حول"المجنون المتوحش" (عيد أمين)!.

ونجح الإعلام الغربي في ترسيخ صورة هذا "الوحش الغريب" في أذهان الناس استعداداً لقبول عملية إسقاطه وتحرير أوغندا من حكمه "اللاإنساني".

وما من شك أن تلك الصورة المقدمة من وسائل الإعلام الغربية قد شوهت الحقائق لأغراض سياسية، وينقصها الكثير من الدقة والموضوعية مما جعلها لا تعبر عن واقع نظامه.

وليس المجال هنا لتقييم نظام حكمه وإن ما يهمنا هنا هو التأكيد على أن سبب الحملة الغربية الكبيرة ضد عيد أمين، يرجع إلى كونه مسلماً أولاً، وإلى قيامه بنقل أوغندا من حظيرة التبعية التامة لإسرائيل إلى موقع التلاحم مع الفلسطينيين والعرب والمسلمين عامة.

مشروع بريطانيا لاستيطان الصهاينة في أوغندا

كانت أوغندا محمية بريطانية منذ(1893م) وقد خصصت لعملية تغريب وتمزيق رهيبة، مثلها مثل جارتها كينيا والسودان والصومال، ذلك أن السياسة الاستعمارية في منطقة الشرق الأفريقي قد تركزت على محاربة الإسلام، وعلى إفراغ المنطقة من المسلمين؛ فكان جنوب السودان وأوغندا وكينيا حقل التجارب المفضل لهذه السياسة.

وقد عرضت بريطانيا على (هرتزل) أثناء انعقاد المؤتمر الأول للحركة الصهيونية في بال بسويسرا إعطاء أوغندا للصهاينة كقاعدة لبناء دولة قومية لهم، وكان الهدف البريطاني واضحاً في تحويل أوغندا المستعمرة إلى مركز حماية للوجود البريطاني في منطقة قناة السويس وشمال شرق أفريقيا، وتوسيع هذا الوجود وتركيزه في الصومال وإثيوبيا وكينيا في مواجهة المنافسة الألمانية قبل الحرب العالمية الأولى.

ولكن الحرب العالمية الأولى أزالت عامل المنافسة الألمانية بفضل سيطرة بريطانيا على شرق أفريقيا، وقد تحولت بريطانيا عن تقديم أوغندا إلى الحركة الصهيونية، وطرح مشروع إعطاء فلسطين كوطن قومي لليهود وكقاعدة للغرب الاستعماري بسبب حملة السويس العثمانية.

الأطماع الصهيونية في أوغندا

اهتم الإسرائيليون بأوغندا منذ مطلع الخمسينات، وأقاموا قواعد في شمال أوغندا ليظلوا على اتصال مع جنوب السودان، حيث عملوا على تسليح وتنظيم قوات مسيحية ووثنية معارضة، كما أنهم أرادوا البقاء في هذا المنطقة لاستمرار دعم نفوذهم في الحبشة، في ظل هذه الأوضاع أعطت بريطانيا الاستقلال لأوغندا، ولكن مع بقائها ضمن إطار الكومنولث تحت شكل لطيف من أشكال الاستعمار الثقافي والاقتصادي الشامل.

ومع الاستقلال ومجيء (ملتون اوبوتى) جاء الأمريكيون يساعدهم الإسرائيليون ليحلوا محل الإنكليز، ولكن الوجود البريطاني لم ينته تماماً إذ الشركات البريطانية تسيطر على الصناعات الرئيسة فضلاً عن المصارف والشركات، فيما كانت إسرائيل تزيد من تغلغلها على الجيش الأوغندي، ووسط هذا الجو كان (عيد أمين) ضابطاً في الجيش يتلقى دروسه العسكرية على يد الإسرائيليين الذين كانوا الدعامة الرئيسية للسلطة البريطانية في أوغندا.

ونتيجة محاولة اوبوتي الابتعاد قليلاً عن السياسة البريطانية وعن النفوذ الصهيوني؛جاء الانقلاب الذي أطاح به وأتى بنظام(عيد أمين)إلى السلطة في يناير كانون الثاني 1971م.

عيد أمين ربيبة البلاط الإسرائيلي

كما ذكرنا فقد كان (عيد أمين) ضابطاً في الجيش يتلقى دروسه العسكرية على يد الإسرائيليين، وتربى في أحضان جيش أوجدته بريطانيا، وقام الإسرائيليون بتدريبه وقد شارك مشاركة فعالة في قمع ثورة (الماوماو) في كينيا، مما سمح له بتسلق السلم العسكري برعاية بريطانية أكيدة، وقاد وحدة المظليين للعمل في منطقة الحدود مع جنوب السودان، واتصل برجال المخابرات الإسرائيلية لتزويد بعض الحركات هناك بالسلاح والأموال.

وتكشف الوثائق أن المقدم الإسرائيلي المعروف(بارليف) كان على صلة وثيقة بعيد أمين، وأنه قد ساعده على الاستيلاء على الحكم عام 1971م، وقد قال (بارليف) الذي كان يرأس البعثة العسكرية الإسرائيلية في أوغندا أعوام 1870م-1972م إبان الرئيس (ملتون اوبوتي): "إن (عيد أمين) كان قد بدأ يميل ضد إسرائيل، وكان يريد طرد الخبراء الإسرائيليين وتحسين العلاقات مع مصر"- حسب ما نشرته الصحف الإسرائيلية بعد عملية "عنتيبي" الشهيرة عام 1976م- وإن القوات التي كانت مع عيد أمين واستولت على السلطة هي التي دربها وقادها بارليف نفسه.

عيد أمين ومقاومة أطماع الصهاينة

ويبدو عيد أمين في تلك المرحلة ضابطاً جاهلاً وعميلاً طموحاً؛ بل أداة في يد إسرائيل وبريطانيا، إلا انه انقلب تماماً بعد استحواذه على السلطة في بلاده، فبعد عام انقلب عيد أمين على بريطانيا وإسرائيل لخلافات ترجع إلى فشله في الحصول على دعم مالي يقدر ب 10 ملايين جنيه إسترليني، فبدأ يطرد الخبراء الإسرائيليين، وبالقضاء على مصالح تل أبيب الرسمية (ولا ننسى في هذا الصدد مساهمة ودور الدعم العربي)، وبدا نظام عيد أمين كحركة تكميلية لحرب أكتوبر رمضان 1973م وما تلاها من ضربة قوية للوجود الصهيوني في أفريقيا، حيث ساهمت أموال النفط العربي في تحويل أفريقيا إلى اتجاه الصداقة مع العرب وإلى محاصرة وطرد إسرائيل من القارة.

بدأ عيد أمين يسير في اتجاه معاداة إسرائيل، وزار العديد من البلاد العربية، وتعرف على الكثير من الشخصيات واطلع على الكثير من الأمور والخفايا، وقد تركت تلك الزيارات بصمات أثرت عليه وأيقظت حسه بضرورة الارتباط أكثر بعالمه الإسلامي، خاصة بعد تصاعد المعارضة المسيحية ضده في الداخل، مما دفعه كغيره من الحكام والرؤساء في دول العالم الثالث إلى تعيين أفراد من عائلته وقبيلته في الحكم، وتحول الحاكم العسكري إلى حاكم مرتبط بأوضاع قبلية اجتماعية طائفية معينة في أوغندا، فتوجه إلى العرب والمسلمين بحثاً عن الدعم.

وقد كان تحوله ضد إسرائيل عنيفاً للغاية إلى حد أنه قال في إحدى خطبه 1/7/1973م :" إن هتلر كان على حق في موقفه من اليهود".
بل لم يترك مناسبة أو فرصة إلا وحاول تحقير بريطانيا وإسرائيل وصب جام غضبه عليهما بوابل من الكلمات المثيرة.

عوامل ومداخل انهيار وسقوط نظامه

من الملاحظات الخطيرة على نظام عيد أمين وغلطاته أنه لم يكن مستقراً أو ثابتاً على صداقاته وتحالفانه حتى بدا وكأن كل همه البقاء في السلطة والمحافظة على حكمه وامتيازا ته، ومن هنا بدأت المتناقضات تتفجر، فتعرضت القبائل المسلمة التي لم يصبها أي شيء من نظامه للمضايقات، وأبعدت القبائل الكاثوليكية عن السلطة والامتيازات الخاصة بها، وتضرر العسكريون المرتبطون بإسرائيل، وألغيت الامتيازات والمصالح الاقتصادية الغربية فجأة بدون تدرج.

هكذا تحركت عدة قوى لإسقاط نظامه؛ فبدأت بريطانيا وإسرائيل حملة مكثفة ضده، بعد أن رفض استقبال المفوض السامي البريطاني الجديد، وتطورت الحملة المعادية لأمين بشكل سريع في الغرب، وقدمت وسائل الإعلام الغربية نظام حكمه كأعتى وأطغى نظام حكم وجد على ظهر الأرض، وصور شخصه في أبشع وأقذر إنسان عرفه التاريخ، ونعت بالعديد من النعوت المشوهة والمنفرة مثل: المتوحش- آكل لحوم الأطفال- شارب الدم في الجماجم وغيرها كثير ، كما أنتج في ذلك أفلاماً سينمائية خاصة لتكريس الكراهية ضده.

وفي نفس الوقت نفذ الإسرائيليون عملية بشعة في مطار (عنتيبي) عام 1976م؛ لأنهم كانوا يديرون المطار ويعرفون كل زواياه، كما أن لهم جواسيس وارتباطات داخل الجيش والشرطة، وكان الهدف إثارة العرب والمسلمين ضد عيد أمين الذي لم يستطع الدفاع عن مطاره، غير أن وقوف بعض الدول العربية إلى جانبه مثل المملكة العربية السعودية، وليبيا إضافة إلى تطوير علاقاته مع منظمة التحرير الفلسطينية؛ كل ذلك سمح له بمواجهة الموجة المعادية له إلى حد كبير.

ولم يستطع الغرب والصهاينة إسقاط نظامه إلى عام 1979م بعد تشتت خلاف عربي حاد بعد زيارة السادات للقدس وتوقيع اتفاقية "كامب ديفيد" ووقوف نظام النميري في السودان إلى جانب مصر، إضافة لاندلاع صراعات عربية بينية مثل الصراع (المصري – الليبيى) ، فأصبح عيد أمين معزولاً، وأظهرت الصومال انحيازاً واضحاً نحو أمريكا وإثيوبيا نحو موسكو، وسادت حالة من انفراط الصف العربي والإسلامي.

وكل ما ذكرناه ليس تبرئة لعيد أمين من بعض غلطات نظامه أو تزكية له من تجاوزاته، فالمقصود إبراز أسباب معاداة الغرب والصهاينة له وإثارة الرأي العام العالمي ضده، وسبحان من لا عيب له!.

الكاتب : الخضر عبد الباقي محمد .. باحث وكاتب نيجيري


المصدر : الإسلام اليوم (http://www.islamtoday.net/articles/show_articles_content.cfm?catid=76&artid=2700)

=================================

التعليق :

وهكذا .. لازال الإعلام الصهيوني يتحكم في عواطفنا بكره فلان والتعاطف مع علاّن من خلال آلته الإعلامية الضخمة الهائلة .. ولازال الكثير منا يستقي معلوماته ويبني أفكاره بناء على مايُطرح في الإعلام .. فيحب مايحبون .. ويكره مايكرهون .. وتركنا القراءة المتزنة والمتعقلة والعادلة للأحداث والشخصيات بتركنا لمعايير العدل الإسلامية التي تأمرنا بالتأكد من كل خبر قبل أن نصيب أقوام ونظلمهم بجهالة بخبر جاء من فاسق عربيد! .. ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ )